الجيوش الالكترونية: الوجه الخشن للسياسيين
مصطفى ملا هذال
2021-03-03 08:48
لم يكفيهم الواقع الحي لطرح الخلافات والقيام بالمنازعات الفكرية المختلفة، بل جيشوا من اجل إتمام هذه المهام مواقع التواصل الاجتماعي لإدارة الصرعات وتوجيه الضربات، هكذا هي لعبة السياسية غير محببة ولا يتمكن من أداءها سوى ثلة قليلة لعبت على وتر الخداع والتنافس غير المشروع.
في أي خلاف يدور بين جهتين سياستين نرى الواقع الافتراضي يشتعل بالتعليقات الصاخبة، والمنشورات، (البوستات)، اللاذعة وكأن القيامة ستقوم وانتهت الدنيا وبعد قليل سينفخ بالسور لتخرج الأموات من الاجداث!
لماذا هذا التجيير لهذه المواقع؟، ولماذا هذا التوظيف غير الموفق؟، فهي وجدت للتواصل الاجتماعي والترفيه وغيرها من الأغراض، لكن تم اقحامها باللعبة السياسية رغما عنها، ورغما على الأشخاص أيضا، اذ يوجد من بين المستخدمين الملايين من الأشخاص الذين يحملون أفكار ورؤى ذات طابع سياسي متحيز.
ويوجد الى جانب هؤلاء او ممن يوجهونهم طبقة واسعة تحرك الدمى الموجودة على تلك المواقع وتستخدمها لتوجيه الرأي العام صوب قضية تم الخلاف حولها داخل الاروقة السياسية، فنجد الشارع ملتهب بالحديث عنها بعد ان أثرت عليه كمية المنشورات المشيرة لهذه القضية او غيرها.
على سبيل المثال من القضايا التي اخذت صدا واسعا هي قضية المظاهرات الأخيرة في عدد من المحافظات العراقية، اذ نجد يوميا مئات المنشورات حول الموضوع بين مؤيد ومعارض، فالجمهور الذي يرى ان التدخل الإيراني في العراق ضروري من اجل حماية الجبهة الشيعية من التدخلات او التأثيرات الخليجية، نراه ناقم عليها ويريد لها الانتهاء بأي صورة كانت.
بينما الجمهور الرافض لمثل هذه التدخلات بشقيها الإيرانية والأمريكية ضاعف من نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن بث روح الحماس بين الأشخاص المشاركة في التجمعات التي حصلت حينها، وأصبحت مهمة هؤلاء الأشخاص هم التأكيد على أهمية مواصلة طريق الخلاص من الهيمنة الدولية بمختلف اشكالها.
الجمهورين آنفي الذكر في بعض الأحيان كانا خارج نطاق السيطرة على جزء غير قليل من الآراء المطروحة عبر الواقع الافتراضي، اذ نجد بعض الكتابات مدفوعة الثمن، وتتبع لجهة بعينها واضحة ربما أكثر من الشمس، يقابلها نفس الكتابات التي تطرح أفكار تعد ردة فعل على الأولى وبالنتيجة فالجميع مسيرون دون ان يشعرون.
تَخَفي الأحزاب الحاكمة خلف جدران الشبكات الاجتماعية هو جزء من سياسية الهروب عن وجه الشعب بطبقاته المختلفة، بما فيها جمهور الأحزاب الموالي، لتظهر وجها الخشن الذي تريد ان تتعامل فيه مع المواقف المختلفة، كأن يكون موقفها من بعض التدخلات الدولية او التعاطي مع احداث محلية تهم شريحة واسعة.
الكثيرون قللوا من أهمية العمل السياسي عبر المواقع الاجتماعية، الا ان العمل فيها قد يكون أكثر تأثيرا وفعالية من الواقع، فعلى هذه الشبكات تطرح الأحزاب أفكار لا تستطيع طرحها بصورة مباشرة، لكنها تمكنت من ذلك عن طريق الحسابات الوهمية والجيوش الالكترونية المجهزة والمعدة لهذا الغرض.
هل من الممكن ان يكون العمل السياسي عبر الإنترنت، في لحظة ما او يوما ما عديم الفائدة؟ تجيبنا على ذلك، المؤشرات والدلالات الواضحة، يوما بعد يوم تؤكد أن النشاط السياسي عبر الإنترنت أكثر فعالية مما قد يتصوره كثير من الناس، اذ تشير الأبحاث التي أجريت حديثا الى أن كل من اليمين واليسار يستغلان هذا النوع من العمل السياسي بطرق مختلفة، وغالبًا ما تكون خفية، لنشر معتقداتهم وأفكارهم.
ومن يريد ان يتغافل او يحجب الدور الكبير الذي تقوم به المواقع بمختلف صنوفها، عليه ان يذهب الى موقع توتير ويقرأ تغريده زعيم أحد زعماء الأحزاب الدينية التي دعا فيها جمهوره الخاص بالقيام بنشاط معين، وبعد ساعات الجميع لاحظ ماذا حصل بشوارع احدى المدن، بهذا النزول يعتبر دليلا واضحا على حجم التأثير الذي تحمله تلك المواقع على الواقع.
وفي وقت سابق قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن النشاط السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة ما أصبح يُعرف بثقافة "الاستيقاظ"، لا يمكنه أن يكون بديلاً عن منظمات المجتمع المدني أو الاحتجاج في الشارع.
وقد يكون ذلك صحيحا، لكن بعض المختصين والباحثين يرون وعبر أوراق بحثية قدمت في جملة من المؤتمرات أن العديد من الانتقادات الموجهة للنشاط السياسي عبر الإنترنت تستند إلى افتراضين خاطئين، الأول هو أن العمل السياسي على الشبكة لا يحقق أي تغيير، أما المغالطة الثانية فهي أن هذا النوع من العمل السياسي يلغي النشاط السياسي العادي أو يحل محله، ونحن نعلم أن كلا الأمرين غير صحيح.
بينما دراسات اخرى اشارت إلى أن الأشخاص الذين يقومون بأدوار واسعة وكبيرة بالعمل السياسي عبر الواقع الافتراضي، هم نشطون وبنفس القوة في الواقع الحقيقي، لكنهم يتخذون من النشاط الأول مكملا لعملهم المتمثل بحضور الاجتماعات والتبرع للحملات والأشكال الأخرى من العمل السياسي.
الجيوش الالكترونية ورغم حداثتها تمكنت من ان تكون جسر ذو ركائز رصينة لنشر أفكار الجهات الممولة والمكونة لها، واسكتت من يقول ان تأثيرها محدودا وغالبا ما يكون سطحيا ولا يمكن ان تحتفظ بها الذاكرة المجتمعية، بينما هي في الأساس تقدم وجبة سريعة وشهية بأساليب قد تكون معقدة وخفية لا يدركها الكثير من الناس.