إشكالية حرية التعبير على الإنترنت
د. ياس خضير البياتي
2020-08-05 04:35
يمثل الإنترنت أداة من أدوات التحرر السياسي، وآلة لنشر المعلومات والآراء عبر العالم، بوصفه واسطة لتطور المجتمعات المدنية، يستخدمها الصحافيون والمدافعون عن حقوق الإنسان وحركات المعارضة.
وتسعى جميع الدول إلى تعزيز حرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع والتجمع وحمايتهما، ضمن حدود احترام الحريات الأساسية الأخرى، سواء على الإنترنت أوفي الحياة الفعلية، في المنظمات الدولية ومن خلال برامج التعاون التي تنفذها.
غير أن حرية التعبير على الإنترنت تُنتهك في العديد من البلدان، فواحد من كل ثلاثة من مستخدمي الإنترنت في العالم لا ينتفع بالإنترنت بحرية من دون قيود.
لقد أسهم التطور التكنولوجي في ميدان الاتصال في تعزيز الحريات الإعلامية، إلا أن وسائل السيطرة والمراقبة تطورت هي الأخرى بصيغ مختلفة.
ويذكر أن الجدل بشأن الرقابة في الإعلام سيظل متواصلاً، فليس هناك من حسم نهائي يضمن انتصار طرف على آخر، وإن كان منسوب أو حدة هذه الرقابة قد تراجعت كثيراً بفعل وسائط الإعلام الجديد.
وهنا كعوامل مستجدّة أدت إلى طرح الموضوع بإلحاح، ولا سيما مع تركز وسائل الإعلام في شركات ضخمة، وظهور المنافسة الشديدة، وتبعيتها للإعلان، الأمر الذي دفع بصحافيين إلى منحدر الصحافة السهلة، الديماغوجية، المبهرة والجذابة. وهو أمر لا يمكن تعميم هذا الانحدار بالطبع، غير أنه أعطى صورة سيئة عن مهنة الإعلام.
في كل الأحوال مارست التقنيات الحديثة في ميدان الإعلام الرقمي والفضائيات ولا سيما ثورة الإنترنت، دوراً بارزاً في تطوير المهنة، وبالتالي زيادة الحاجة إلى ضوابط أخلاقية لها.
وتعتبر حقوق الملكية الفكرية ذات أهمية كبرى للإبداع والابتكار. بيد أن الثورة الرقمية تغير أنماط استهلاك الممتلكات الثقافية تغييراً جذرياً، بما أدّى تحديداً إلى تغيير النماذج الاقتصادية التي تدر دخلاً على المبدعين. والحال لا يمكن أن يكون ثمة اقتصاد رقمي مبدع وناجح وحيوي، وأن يزدهر من دون الالتزام الشديد بحماية حقوق الملكية الفكرية.
ويعتبر الاحترام الفعلي للبيانات الشخصية وللخصوصية على الإنترنت أمراً أساسياً من أجل كسب ثقة المستخدمين وضمان سلامتهم. ومن ثم فمن الضروري درء الأعمال التي تمثل انتهاكات لحق احترام الخصوصية (خزن البيانات الشخصية بصورة غير شرعية والاستخدام التعسفي للبيانات والكشف عنها من دون إذن، وما إلى ذلك) لكي لا يفقد الأفراد السيطرة على بياناتهم الشخصية ولكي يحترم جميع الوسطاء هذا الحق الأساسي.
وبعيدا عن برمجيات المواقع وقوانين الدول والأنظمة والمصالح المشتركة بين المستفيدين سياسيا أو اقتصاديا، يعدّ المستخدم نفسه لهذه المواقع أحد أهم عناصر التقييم لمدى حقيقة هذه الحرية.
لقد شاع في المجتمعات العربية على وجه التحديد عدم قدرة المستخدمين على التعايش في بيئة حرة كما ينبغي، والمتأمل لحال المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي يرى أنها بيئة لانتهاك الحريات والأعراض وليست بيئة حرة. هناك سبّ وقذف مستمر بين الأطياف والأحزاب، وحتى بين مشجعي أندية كرة القدم، والتجسس على خصوصيات الناس ونشرها والتشهير بهم.
وعلى هذا النحو لا يمكننا النظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي على أنها بيئة مثالية للحرية، وإن كانت مساحة الحرية الافتراضية فيها أوسع من الواقعية التي نعيشها في بلادنا العربية؛ على الأقل حتى نُحسن استخدامها.
مثل هذه المخالفات والتجاوزات المسيئة التي يمارسها البعض عبر وسائل الإعلام الجديد، تطرح وتثير العديد من التساؤلات المشروعة بشأن إعادة هيكلة وتنظيم الفضاء الإلكتروني.
ومن بين هذه الأسئلة: هل أصبحت هناك ضرورة لوجود جهة أو كيان أو كيانات جديدة لمراقبة ومتابعة ومعالجة كل ما هو مطروح عبر وسائل الإعلام الجديد بطريقة مناسبة وفي الوقت المطلوب، ومحاسبة كل من يتسبب في أي مخالفات أو تجاوزات؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيق قانون طلب المواد المنشورة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؟ وما هي الأدوار الجديدة لوزارات الداخلية والإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بشأن وسائل الإعلام الجديد؟ وهل العقوبات والتشريعات الحالية بشأن إساءة استخدام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي كافية لمعاقبة المخالفين وردع الآخرين؟
باختصار، لا أحد ينكر حاجة الدول إلى قوانين لمكافحة الجرائم السيبرانية، لأن الكثير من الشباب بدأ يسيء إلى دولهم وأمنهم الوطني ومجتمعاتهم، وإلى خصوصيات الأفراد، ولكن على هذه القوانين أن تراعي حقوق الإنسان وألا تستخدم حجة للقمع.