الأمن الوطني والمواطن التكنولوجي
د. ميثاق بيات ألضيفي
2019-01-29 04:05
أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستخدمة في جميع مجالات النشاط البشري والمجتمع من ابرز سمات العصر الحديث المؤثرة بشكل مباشر على الأمن القومي وآليات ضمانه مما يجعل التحليل المعتمد في دورها ذا أهمية خاصة، وأن إدخال التكنولوجيا في جميع مجالات الحياة البشرية تسبب بضعف البرامج الحاسوبية وتكنولوجيا المعلومات ونقصها وإمكانية الوصول إليها مما أوجد مخاطر وتهديدات خطيرة لكل من المواطنين العاديين والحكومات والدول بأكملها, وأن انتشار قيمها أدى حقيقة لأن تكون القضايا التكنولوجية المهمة لا ترتبط فقط بالأمن القومي وأمن الدولة ولكنها ترتبط وتتعلق أيضا لضمان الأمن الوطني والأمن الشخصي وسلامة البيانات الحكومية والشخصية.
إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تستخدم اليوم في القضايا الأمنية وتطبق في جميع المجالات من الاقتصاد والسياسة إلى الطاقة النووية والتقنيات العسكرية والفضائية وهذا التقدم أجبر الدول على تحويل النظام التقليدي لضمان الأمن القومي, ومن خلال دراسة تفاعل الدولة والمجتمع مع سياسة المعلومات فأن أدخال تقنياتها الحديثة في جميع مجالات الحياة العامة زاد بشكل كبير من اعتماد الدولة والمجتمع على كل فرد بموثوقية البنية التحتية للمعلومات وعلى موثوقية المعلومات المستخدمة في أمنها من تعديل غير مصرح به أو من الوصول غير المشروع, لدرجة إن بيئة المعلومات أصبحت واحدة من تلك المحفزات الرئيسية التي تبقيها للهياكل الحكومية وبأستمرار في حالة من التوتر وتوقع للمتاعب والمفاجآت الخارجية ولذلك تعمل الدول بنشاط على تطوير مناهج جديدة في مجال أمن المعلومات كما إن استخدام الأدوات والحيازة السريعة والكاملة للمعلومات يسمح للجهات الأمنية بتخطيط أعمالها وتتبع فعالية الأنشطة التي تنفذها وتمنع عبرها المخاطر وتبني علاقات فعالة مع الخصوم والشركاء والمجتمع ليساعدها باختيار الوسائل المناسبة. وفي الآونة الأخيرة كان هناك اختلاف في نهج الدول بإدارة الإنترنت كأمن واستخدام مفهوم الأمن السيبراني، يكمن اختلاف النهج في حقيقة أن التركيز يكون بين المكون التكنولوجي والشبكات السيبرانية وسلوك المستخدمين فيها وبين فهم أوسع للمعلومات وحمايتها, ولذا يتم استخدام النهج التكنولوجي الذي تكون الأولوية فيه حماية المعلومات في أنظمة الكمبيوتر وأمن المعلومات وشبكات الاتصالات فنرى انه يجب تركز الدول بشكل أساسي على إيجاد طرق للحماية من هجمات القراصنة ومن قراصنة الدول العدوانية والمنظمات الإرهابية.
والمتتبع للاستراتيجية السيبرانية فسيجدها تنص وتؤكد على تحديد الهوية في الفضاء المعلوماتي وعلى حاجته إلى ذات ادوات النظام الأمني كالبنية الأساسية الحيوية والحية والفكرة في السماح لموضوعاتها بتبادل المعلومات مع إمكانية تحديد هوية المستخدم بشكل موثوق به وتحديد الهوية على ضمان موثوقية تحديد هوية المستخدم باستخدام أدوات تحديد الهوية الشخصية, ولذا نرى بوجوب التأكيد على أن إحدى المشاكل الرئيسية في مجال ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب هي مراعاة التوازن بين الحرية وحقوق الإنسان وبين تدابير الحماية لضمان الأمن الوطني، غير إن ذلك ليس يسير التعامل والحل لأنه وحتى التغييرات الطفيفة التي تهدف إلى تشديد إجراءات مكافحة الإرهاب قد تواجه مقاومة جدية في المجتمع ناتجة عن مخاوف حول احتمال انتهاك بقايا الحقوق المدنية, لذلك لابد من تطوير مجموعة كاملة من التدابير لضمان أمن المعلومات والمشاركة بنشاط تقنيات تكنولوجيا المعلومات الجديدة في عملها لاستخدام سيطرة الدولة على مساحة المعلومات وفي ذات الوقت يجدر بالاحساس الوطني لدي المواطن يتقد لحماية وطنه من أية تدخلات خطيرة وان حدثت فيجب إن لا يبقى بدور المتفرج.
لقد أصبح النظام العالمي أكثر تشابكا وتعقيدا, وقائمة الجهات السياسية الفاعلة آخذة في التزايد والتي من المحتمل أن تكون جاهزة ليس فقط لخلق تهديدات باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ولكن أيضًا للمشاركة بنشاط في ضمان الأمن بمساعدتها للاستيلاء والتحكم بموارد المعلومات والتقنيات إلى أقصى حد, وإن المعضلة بين الحرية والأمن في مثل هذه الحالات تظهر بوضوح شديد في مجال عمل الأجهزة الأمنية التي تغزو المجال الخاص للمواطنين لأن أنشطتها تتناقض بشكل لا لبس فيه مع جوهر الفكرة الحقوقية الانسانية وعملها به خطر لتصرفها بوسائل غير قانونية مما يقيد حرية المواطن لكن بذات الوقت لن ننسى إن هياكل السلطة تعد مكونًا مهمًا للدولة ويمكن أن يستند نشاطها إلى سيناريوهات مختلفة وتتفاعل الديمقراطية والأمن في إطار مجالين مفاهيميين هما التعاون القسري والتعاون المتناغم ولذا لابد من حل التناقضات بين الأمن والقيم في الظروف المثالية وعلى حساب الآليات الذاتية التنظيم وقد يتم ذلك بمساعدة مؤسسات المجتمع المدني والسيطرة المدنية واخضاع وكالات إنفاذ القانون لسيطرة ديمقراطية عامة وحساسة من أجل منع إساءة استخدام سلطاتها وضمان حقوق المواطن.
وهناك حقيقة لابد إن نوضحها وهي أن الدولة الحديثة وبغض النظر عن النظام السياسي لا تستطيع أن تحل المشاكل البسيطة على المستوى المحلي أو في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وهذه الوظيفة ستجبر المواطنين على تحمل المسئولية الاجتماعية باعتبارها آلية لتشكيل الذات الفردية والاجتماعية لموضوعاتها مما يؤثر تأثيراً فعالاً على حل القضايا الاجتماعية الأكثر تعقيدًا المتعلقة بتنمية المجتمع ككل والمتعلقة بالعلاقة بين الدولة والفرد . ولا يقتصر الإجراء العكسي والتنظيم الذاتي للمواطنين لا يستوجب إن يتحدد فقط بالاحتجاج والدفاع عن حقوقهم بل يتم التعبير عنها في رفع مستوى التعليم الذاتي في مجال تكنولوجيا المعلومات, كما إن المشاركة النشطة للمواطنين والهيئات الحكومية والمنظمات العامة في نظام ضمان الأمن الوطني والقومي ستساهم في توفير أمن أكثر فعالية على جميع المستويات ولهذا فأن الثقافة السياسية والاستراتيجية للمجتمع لها دوراً مهماً في تشكيل النظام الأمني، ويترتب على ذلك أن الدول والمجتمعات المهتمة بالحفاظ على التوازن بين الحرية والأمن هي التي تهتم أكثر برفع مستوى معرفة المواطنين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير المسؤولية الاجتماعية في المجتمع.
تبين بعض التحليلات أن عدد المبادرات المدنية التي تهدف إلى مراقبة سلطات الدولة عبر الإنترنت وإلى شفافية عمل السلطات في مجال الاتصالات يتزايد باستمرار وإن التأثير المتزايد للفضاء السيبراني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والشبكات الاجتماعية على الحياة اليومية أوجد واقعا جديدا للحكومات وللمواطنين, وتحت تأثير تكنولوجيا المعلومات تم تغيير الهيكل الاجتماعي للمجتمع الحديث وتخلل الواقع الافتراضي جميع مجالات الوجود البشري وحدد قواعد اللعبة الحياتية الجديدة سواء في مجال السياسة الخارجية أو في داخلها وحتى غير ويغير وباستمرار متطلبات التقنيات الأمنية، فهناك حاليا انتقال من المجتمع الاجتماعي إلى مجتمعات الشبكات والذي تم عبره تخفيض الفضاء الجغرافي والحدود عمليا إلى الصفر ويفرض هذا بعض البصمات على النظام الأمني, فيتم إنشاء مواقع ومنصات جديدة كل دقيقة بما في ذلك أدوات جديدة لضمان الأمن والحفاظ على التوازن بين الأمن والحرية والتي تم تمكينها لتطويرها بفضل التقنيات القائمة على الشبكة لذا يجب إن يسعى المواطنين المسؤولين اجتماعيا إلى اتخاذ موقف ليس بوصفه هدفا للشهرة أو للحياة السياسية بل ليصبحوا موضوعا نشطا لا يؤثر فقط على عملية صنع القرار إنما ليضمن أمنهم الشخصي مما يسمح بحل المشاكل المتعلقة بأمن الإنسان والمجتمع بأقل التكاليف وأفضل النتائج. ولان واحدة من الأدوات الشعبية للرقابة المدنية هي الشبكات الاجتماعية وغيرها من أشكال الاتصال عبر الإنترنت تشكل ثقافة جديدة لذلك وبلا شك فأنها ستصبح مهيمنة في المجال السياسي وستحدد أجندة النشاط الاجتماعي والسياسي وتحول الأفكار التقليدية للأمن إلى المساهمة في تطوير مؤسسات المجتمع المدني والى المساهمة في تشكيل ثقافة المشاركة المدنية, إضافة إلى أنها من الممكن لها إن توحد الناس في حل المشاكل المختلفة ذات الطابع المحلي على مستوى الحكم الذاتي المحلي وحتى حل المشاكل الاكبر.
أدى ظهور الشبكات الاجتماعية والعديد من منصات التواصل عبر الإنترنت على نشر أفكار وممارسات تتعمد الحصول على الخدمات أو الأفكار أو المعلومات الضرورية والامنية عبره، ولذلك فإن القضايا المتعلقة بالدولة والأمن الوطني ليست فقط ذات صلة بالحروب السيبرانية أو بضعف البنية التحتية الوطنية للمعلومات إنما هناك مشكلة خطيرة وحادة تتمثل في أمن المواطن والمجتمع فيما يتعلق بمثل هذه التهديدات مثل المراقبة غير المبررة والجمع غير القانوني للبيانات الشخصية لذا يتوجب حمايتها وتخزينها وتشديد سياسة المعلومات وبناء اسس الحماية التكنولوجية ومراقبة محتواها وحل قضايا الأمن الوطني والقومي الداخلي والخارجي باستخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة والعمل في المقام الأول في المجال الاجتماعي الثقافي, عبر استجابة المجتمع لتحديات عصر المعلومات وتجاوزه ظروف تطرف وميوعة مجتمع المعلومات الشبكي, ليكون الأداة الأكثر إنتاجية لتشكيل نوع جديد من الشخصية الفردية التي تشارك بشكل واعي ومسؤول في حل المشكلات الأمنية الوطنية.