هل السلاح الإلكتروني هو السلاح الأمثل؟
بروجيكت سنديكيت
2018-07-11 08:41
جوزيف ناي
كامبريدج – ظل القادة السياسيون مثل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا يحذرون لعدة سنوات من خطر "هجمات بيرل هاربور الإلكترونية". وقد علمنا منذ فترة أن بعض الخصوم المحتملين قد استطاعوا تثبيت برمجيات خبيثة في شبكة الكهرباء الخاصة بنا، وأن الكهرباء قد تنقطع فجأة في مناطق شاسعة مما قد يسبب اضطرابات اقتصادية وخراب، بل وقد يُحدث وفيات. وقد استخدمت روسيا هذا النوع من الهجمات في ديسمبر/كانون الأول 2015 في حربها الهجينة على أوكرانيا، وإن كان ذلك لعدة ساعات فقط. وفي وقت سابق في عام 2008، استخدمت روسيا الهجمات الإلكترونية لعرقلة جهود حكومة جورجيا في التصدي للقوات الروسية.
ولكن حتى الآن، تبدو الأسلحة الإلكترونية أكثر فائدة لبث الاضطراب بدلا من التدمير المادي، فهي أقرب إلى كونها سلاحا مساعدا من كونها وسيلة لإحراز الانتصار. وتحدث في كل عام ملايين من عمليات التسلل إلى شبكات الدول الأخرى، ولكن لم يسبب منها ضررا ماديا كبيرا (مقارنة بالضرر الاقتصادي والسياسي) سوى 6 هجمات أو ما يقرب من ذلك. وكما يقول روبرت شميدل ومايكل سولماير وبين بوخانان: "لم يُقتل أحد قط بسبب قدرات إلكترونية".
والمبدأ الذي تتبعه الولايات المتحدة هو أن تردَّ على أي هجمات إلكترونية بأي سلاح، بما يتناسب مع الضرر المادي الواقع، وذلك بناءً على إصرارها على أن القانون الدولي –بما في ذلك حق الدفاع عن النفس– يسري على الصراعات الإلكترونية. ونظرا لأن التيار الكهربائي لم ينقطع، فربما كان ذلك نتيجة لذلك النهج الردعي.
وعلى الجانب الآخر، قد نكون نحن نبحث في المكان الخاطئ، ولا يتمثل الخطر الحقيقي في الضرر المادي الكبير، بل في الصراع في منطقة العداوة الرمادية التي لا تصل إلى حد الحرب التقليدية. ففي عام 2013، وصف رئيس الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، مبدأ للحرب الهجينة يخلط بين الأسلحة التقليدية والإكراه الاقتصادي وعمليات المعلومات والهجمات الإلكترونية.
وكان استخدام المعلومات من أجل بث الاضطراب والفرقة في صفوف العدو من الأمور التي جرت ممارستها على نطاق واسع في أثناء الحرب الباردة. ولكن الأمر الجديد ليس استخدام ذلك النموذج الأساسي، بل السرعة الكبيرة والتكلفة المنخفضة لنشر المعلومات المضللة. فقد أصبحت الإلكترونيات أسرع وأرخص وأكثر أمنا ويمكن إنكار المسئولية عنها بصورة أكبر من الجواسيس الذين يتنقلون بحقائب تحتوي على أموال وأسرار.
وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن بلده يخوض صراعا مع الولايات المتحدة ولكن الذي يردعه عن استخدام مستويات عالية من القوة هو مخاطر اندلاع حرب نووية، فربما يكون "السلاح الأمثل" إذن هو السلاح الإلكتروني. وهذا هو عنوان كتاب مهم جديد كتبه ديفيد سانجر، مراسل صحيفة نيويورك تايمز، الذي يرى أن الهجمات الإلكترونية "يمكن استخدامها لنَسْل الخيوط المدنية التي تمنع انفراط الديمقراطية ذاتها" فضلا عن "استخدامها لتقويض البنوك وقواعد البيانات وشبكات الكهرباء وغيرها".
لقد كان التدخل الإلكتروني الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 مُبتكَرا. فلم تكتفِ وكالات الاستخبارات الروسية باختراق البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية وتسريب النتائج من خلال منظمة ويكيليكس وغيرها من المنافذ من أجل توجيه الأجندة الإخبارية الأمريكية، بل استخدمت أيضا منصات تواصل اجتماعي يقع مقرها في الولايات المتحدة من أجل نشر أخبار كاذبة وحشد جماعات أمريكية معارضة. فإذا كانت القرصنة الإلكترونية عملا غير قانوني، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث الاضطراب ليس كذلك. وتجلت عبقرية الإبداع الروسي في حرب المعلومات في الجمع بين التكنولوجيات الحالية بدرجة من إمكانية الإنكار لتظل في درجة أقل من مستوى الهجوم العلني.
وقد حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية الرئيس باراك أوباما من الأساليب الروسية، وحذر أوباما بدوره بوتين من التبعات السلبية لذلك حينما التقى الرئيسان في سبتمبر/أيلول 2016. ولكن لم يرغب أوباما في أن يذكر اسم روسيا علنا أو أن يتخذ إجراءات قوية خشية أن تقوم روسيا بالتصعيد بمهاجمة آلية الانتخابات أو القوائم الانتخابية فيلحق الضرر بالنجاح المتوقع لهيلاري كلينتون. لكن بعد الانتخابات، تحدث أوباما على الملأ وطرد الجواسيس الروس وأغلق بعض المرافق الدبلوماسية، لكن ضعف الرد الأمريكي قلص من أي أثر رادع. ولأن الرئيس دونالد ترامب قد تعامل مع الأمر على أنه تحدٍ سياسي يطعن في شرعية فوزه، فقد فشلت إدارته في اتخاذ خطوات قوية.
إن مجابهة هذا السلاح الجديد تتطلب استراتيجية لتنظيم رد وطني واسع النطاق يشمل جميع الوكالات الحكومية ويؤكد على مزيد من الردع الفعال. ويمكن إنزال العقوبات ضمن نطاق الفضاء الإلكتروني بتصميم أعمال انتقامية إلكترونية، كما يمكن تنفيذ عقوبات في عدد من النطاقات بتطبيق جزاءات اقتصادية وشخصية أقوى. كما أننا نحتاج إلى الردع القائم على الحرمان والمنع – مما يجعل عمل المهاجم أكثر تكلفة من قيمة المكاسب التي سيجنيها.
وتوجد طرق كثيرة من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة هدفا أصعب وأقدر على الصمود. وتشمل هذه الخطوات: تدريب مسئولي الانتخابات الذين يعملون على المستوى المحلي وعلى مستوى الولاية، واستخدام سجلات ناخبين ورقية كنسخة احتياطية لآلات التصويت الإلكتروني، وتشجيع الحملات الانتخابية والأحزاب على تحسين الأمن الإلكتروني الأساسي كاستخدام التشفير والتوثيق الثنائي العامل، والتعاون مع الشركات على منع برامج الروبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي، واشتراط تحديد هوية مصادر الإعلانات السياسية (كما يحدث حاليا على التلفزيون)، وتجريم الإعلانات السياسية الأجنبية، وتعزيز التقصي المستقل للحقائق، وتحسين معرفة الجمهور بوسائل التواصل الاجتماعي. وقد ساعدت تلك الإجراءات على الحد من نجاح التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017.
وقد يكون للدبلوماسية أيضا دور في ذلك. فحتى حينما كانت توجد عداوة أيديولوجية مريرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في أثناء الحرب الباردة، كانت الدولتان قادرتين على التفاوض بشأن الاتفاقيات. ونظرا للطابع الاستبدادي للنظام السياسي الروسي، قد يكون الاتفاق على عدم التدخل في الانتخابات الروسية أمرا بلا جدوى. ومع ذلك، قد يكون من الممكن إرساء قواعد تحد من كثافة وتكرار الهجمات المعلوماتية. ففي أثناء الحرب الباردة، لم يقتل أي طرف من الطرفين جواسيس الطرف الآخر، وكان للاتفاق المتعلق بحوادث البحر أثر في الحد من مستوى التحرش أثناء المراقبة البحرية المشددة. أما اليوم، فيبدو أن التوصل إلى تلك الاتفاقيات أمر مستبعد الحدوث، لكنها تستحق التفكير فيها في المستقبل.
وقبل كل شيء، يجب على الولايات المتحدة أن تُثبت للجميع أن الهجمات الإلكترونية والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي سيكون أمرا مكلفا، ومن ثمَّ لا يظل هو السلاح الأمثل للحرب الذي لا يصل إلى مستوى النزاع المسلح.