ما هي الأركان الأربعة لحكم الإسلام؟

قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره-

محمد علي جواد تقي

2017-01-11 06:55

"...هنالك فروقات بين بين حكم الله في الارض وحكم الطواغيت وهي تمثل أربعة أركان لحكم الإسلام: الايمان الذي يدخل في القلب، والثقافة الواسعة، والمؤسسات، والممارسة.

أولاً: الايمان

من أجل ملء قلوبنا بالايمان، علينا تكثيف البرامج العبادية والتوجه الى الله –تعالى- بالدعاء والتضرّع والاجتهاد في العبادة، بمعنى أن تستفزّ من النوم لإدراك صلاة الليل قبل فوات وقتها، كما تستفزّ من مضجعك لإدراك موعد سفر أو عمل هام.

ثانياً: الثقافة الواسعة بمسائل الحكم

والحكم ليس بمعنى بيان المسائل والاحكام، أو الاجتهاد في الفقه، أو القضاء، إنما هو مصداق الآية الكريمة في سورة المائدة التي خاطبت النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ...}، ليس بمعنى كن قاضياً فقط، او بين الاحكام فقط، او كن مفتياً فقط، وإنما تكون حاكماً تدير البلاد العباد.

لذا نحن بحاجة الى توسيع ثقافتنا حتى نعرف ما الحُكم؟ وكيف يكون الحكم؟ ثم كيف يصل البعض الى الحكم ثم يسقط، بينما هنالك آخرون لم يسقطوا...؟.

وللحصول على أجوب لهكذا اسئلة، بالامكان مراجعة مصادر عدّة في علم السياسة، أو مطالعة 100 كتاب، كحد أدنى.

ثالثاً: المؤسسات" بمعنى أن يكون المجتمع، مؤسسات الحكم.

رابعاً: الممارسة

بمعنى ان نهيئ انفسنا للرؤية والترعرع والتربية تحت هذا اللون من الحياة، حتى نكون مؤهلين لممارسة الحكم، وإلا فان الحكم لن يدوم لمن يفقد المؤهلات، مهما كانت الظروف، ولعل هذا يفسّر كثرة الانقلابات العسكرية في بلادنا الاسلامية، فالذي يأتي الى الحكم اعتباطاً، فان آخرين سيأتون بنفس الشاكلة ويستولون على الحكم.

إذا حققنا ذلك فنحن في الطريق، بمعنى؛ اذا بذل طالب الجامعة جهده لدراسة الطب – مثلاً- ثم تخرّج من الجامعة، فانه يمكن أن يكون طبيباً لامعاً ونابهاً".

شمولية الرؤية

تحفل المكتبة الاسلامية بعديد العناوين حول الحكم في الاسلام، في محاولة جادّة من باحثين و اكاديميين وعلماء دين لنشر الثقافة السياسية من منظور ديني (إسلامي)، بعد ظهور التصدّعات في النموذج الآخر خلال القرن الماضي، حيث سادت البلاد الانقلابات والاضطرابات والكوارث بسبب عدم وجود المنهج السياسي السليم القادر على إدارة البلاد والعباد.

وكان التركيز – وما يزال- على تجربة الديمقراطية، كمفهوم وممارسة عملية، وقد عقد الكثير عليها الأمل بأن تكون الضمانة لتطبيق مفاهيم أخرى تعزز العلاقة الحسنة بين الدولة والمجتمع، مثل العدالة والشورى والحرية.

ومن رواد هذا المشروع الحضاري؛ سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- الذي عكف منذ باكورة حياته العلمية والفكرية على دراسة تجارب الحكم في البلاد الاسلامية، فوقف مليّاً عند نقاط التصدّع والثغرات، وما سببته من فشل كارثي، كما بحث عن عوامل النجاح والتفوق، وقبل شروعه بالتأليف في هذا المجال كان يتابع عن كثب طريقة عمل الانظمة السياسية المتعاقبة في العراق خلال وجوده في كربلاء المقدسة، فجالس وناقش العديد من رجالات الحكم في خمسينات وستينات القرن الماضي، وبينّ لهم رؤيته الاسلامية المبتنية على القرآن الكريم وتجربة الحكم في عهد النبي الاكرم وأمير المؤمنين، وربما كان هذا عامل إثراء لعديد من المؤلفات التي صدرت بخصوص الحكم في الإسلام.

ومن هذا المنطلق نلاحظ تميّز سماحته عن غيره برؤيته الشاملة في هذا المجال، فالقضية لن تنتهي بالاستفادة من تجارب سادت في بلاد أخرى لا تشبه بلادنا في كثير من الامور، إنما يحتاج الامر الى مرتكزات اساسية يستقر عليها الحكم بمواصفاته المطلوبة، وهذا ما يشير اليه سماحته في مقطع من محاضرة له عن الأركان الاربعة التي يقوم عليها حكم الإسلام.

ولعل هنا التفاتة دقيقة جداً من سماحة الامام الراحل في الدعوة الى "حكم الإسلام" وليس الى "حكومة اسلامية"، لان الخيار الثاني يقتصر على المشروع السياسي الطامح الى الحكم، ثم يأتي "الاسلام" ليكون رداءً لهذا الحكم ومسوّقاً للمشروع السياسي لهذا الحزب او تلك الفئة، ولا يهم بعد ذلك، ما اذا كان المجتمع او الاقتصاد اسلامياً أم لا، بينما الخيار الذي يتبناه سماحته فهو المشروع الحضاري المتكامل الذي يبدأ من الانسان الفرد والمجتمع وصولاً الشرائح المثقفة والواعية في هذا المجتمع الذي يكون قادراً على صناعة الساسة الناجحين في تحكيم قوانين الاسلام ونظامه في الحياة.

أولاً: الايمان لا الشعارات

إن تلك التصدّعات والثغرات الكارثية التي اشرنا اليها، وتسببت في انهيار عديد الانظمة السياسية في البلاد العربية، هي التي أفرزت لنا التطرف الديني ثم التخندق الطائفي وإشعال فتيل حروب أهلية كارثية، وقد بحث العديد من العلماء والمختصين بعلم الاجتماع والنفس، وتوصلوا الى حقيقة انسانية أسيئ التعامل معها، وهي؛ الرغبة الجامحة الى الانتماء وصياغة الهوية ثم التمسك بها مهما كلف الثمن.

فقد سادت قناعات سياسية – بالدرجة الاولى- غذتها شعارات براقة مثل حب الوطن والدفاع عن الهوية والكرامة أمام التحديات الخارجية، وايضاً إثارة الرغبة بالتفوّق والتقدم في المجالات كافة، وعندما تتلاشى هذه الشعارات بانهيار اصحابها، فانه لابد من مادة جديدة تملأ الفراغ الروحي والفكري، فكان التطرف الديني الذي تغذيه الشعارات ايضاً، ولكن بصبغة جديدة ومحتوى آخر.

لذا يأتي سماحة الامام الشيرازي مؤكداً على "الإيمان في القلب" وليس على اللسان او ما تستقبله الآذان، ولبنات هذا البناء الروحي يتغذى على البرامج العبادية التي اشار اليها سماحته، ثم التوسع في رحاب الأدعية المأثورة عن الأئمة المعصومين، عليهم السلام، وغيرها من الاعمال التي تنمّي في الانسان الايمان بوجود القدرة الاكبر واللامتناهية في الحياة، فهو إنما يستمد القوة والتوفيق والنجاح من تلك القدرة، وليس من قدرات لا يمتلكها اصحابها إلا لفترة محدودة.

وإذن؛ فالايمان الراسخ في القلب من شأنه صياغة الشخصية المتوازنة للانسان وتمكينه من اتخاذ القرارات اللازمة، بكل اطمئنان وثقة لمعرفته أنه بإيمانه العميق هذا يحقق اهدافاً كبرى وطموحات عظيمة، ليس لشخصه وحسب، وإنما لمجتمعه وأمته.

ثانياً: الثقافة وتجارب الماضين

اذا قرنا مفهوم الثقافة – بما تحمل من دلالات ومعاني- مع مسائل الحكم، فان الضرورة تحكم على صياغة مفردة "الثقافة السياسية" وهو ما درجت عليه الانظمة السياسية والاحزاب والتيارات الفكرية في بلادنا، وهو أمر ايجابي في جانب منه، بيد أن الثقافة التي تمكّن من تحكيم نظام متكامل وحضاري ضخم، مثل الاسلام، ليس من المعقول ان تكون تلك الثقافة التي همّها تسييس المجتمع وتوجيهه صوب اهداف خاصة تقتضيها الظروف والحاجة، إنما يحتاج الامر الى ثقافة شاملة لكل ما يتعلق بالحكم، من الادراة والتخطيط والامن والاقتصاد والاجتماع والقانون.

وعندما يلمّح سماحته الى حالات فشل او نجاح بعض الانظمة السياسية، إنما يشير الى ضرورة دراسة الاسباب والعوامل التي أدت الى الانهيار في مكان، أو التي أدت الى الاستقرار في مكان آخر.

وهذه التفاتة اخرى من سماحته على أهمية الجانب العلمي في صياغة ملامح النظام السياسي الناجح في ظل الاسلام، وهذا يدعو الساسة في بلادنا الى تحمّل المسؤولية الشرعية والاخلاقية والانطلاق الى بلاد العالم بحثاً عن التجارب الناجحة في الحكم، مثل نجاح البلاد الفقيرة في مواردها المالية وحققت انجازات باهرة في الصناعة مثل الصين وكوريا الجنوبية، او فيما يتعلق بالحياة السياسية، النظر الى تجربة الهند بتعدد مذاهبها و اديانها ونجاحها في تحقيق نظام برلماني وحياة آمنة للناس، وهذا وغيره، يمثل خطوة متقدمة بعد المطالعة والبحث في ندوات ومؤتمرات في الداخل والخارج للخروج بحصيلة من تجارب عملية.

ثالثاً: المؤسسات

وهي ليس فقط المؤسسات الثقافية والاتحادات والتجمعات الثقافية والسياسية التي تمثل بمجموعها كيان الشريحة المثقفة في المجتمع، إنما يرمي سماحة الامام الشيرازي الى ما هو أبعد من هذا، حيث يكون المجتمع بأسره عبارة عن مؤسسات تدعم الحكم وتساعده على تحقيق النجاح، وهذا ممكن بفتح مساحات واسعة في عمل المؤسسات التربوية والتعليمية والصحية وحتى الخدمية، فضلاً عن المؤسسات الثقافية وحتى الاعلامية، ليكون لافراد المجتمع حصة المشاركة فيها بأي شكل من الاشكال.

ولهذا العمل فوائد تعود على المجتمع وعلى الدولة في آن، فالمجتمع يضع ابنائه على المحك واستجلاء القدرات والمواهب في نشاطات مختلفة، أما الدولة فانها ترسخ في النفوس الشعور بالمسؤولية الجماعية إزاء القانون والنظام والمصلحة العامة، وهي من أبرز القيم الاسلامية التي جاء التأكيد عليها سواءً في الحياة الاجتماعية او الحياة السياسية.

رابعاً: الممارسة بكفاءة

إنه الركن المكمّل للأركان الثلاثة، فربما يكون لدينا المؤمنون والمثقفون والاجتماعيون الناشطون، فما الذي يقدمه هؤلاء لتغيير الواقع الذي يسوده الفساد الاداري والاستبداد السياسي والانهيار الاقتصادي؟

إن بلداناً اسلامية تفترض الشعوب فيها أنها تعيش حياة الملوك لما تمتلكه من موارد مالية وقدرات وثروات، او على أقل التقادير حياة الكفاف يحفظ الكرامة، بيد ان الواقع الحالي والصادم ومشاعر الخيبة من عجز كل هؤلاء من التغيير، ربما يزيد من وطأة المعاناة والألم لاستمرار رجال في الدولة ليسوا في مكانهم المناسب.

وهذه النقطة تحديداً، والركن الذي يدعو اليه سماحة الامام الشيرازي، يضع جميع أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية أمام مسؤولية شرعية وأخلاقية لأن يقتحموا الساحة ويسهموا في عملية التغيير، وليس بالضرورة ان يكون هذا التغيير سريعاً وشاملاً، إنما تكون البداية من التعليم والصحة والخدمات العامة وبعض ميادين الزراعة والصناعة وغيرها، والنجاح في هذه الدوائر الصغيرة من شأنه ان يوسع نطاق التخصص والأهلية في جميع مفاصل الحكم.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا