من التوحش الى الرحمة..

في كتابات الامام الشيرازي بمناسبة الذكرى السنوية لرحيله

حيدر الجراح

2016-07-09 05:10

الإرهابي قوي بما يزرعه من خوف، والخوف شعور طبيعي في حالاته الاعتيادية، لكنه يترافق مع الاذلال والانكسار كما تشهد بذلك أنظمة الحكم الاستبدادية، او حفلات القتل الهمجي للجماعات الإرهابية ومنها داعش، احدث وليد للسلفية الجهادية في القرن الواحد والعشرين.

والتوحش: حالة من الفوضى تدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها يتم استغلالها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة الحديدية او ضعفت.

هذه الحالة من الفوضى ستكون “متوحشة” وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن “إدارة التوحش” إلى أن تستقر الأمور.

و«إدارة التوحّش: أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمة» عنوان لكتاب صدر بعد تفجيرات نيويورك في العام 2001 من قبل ما يقال انه من تأليف احد القادة فيها، ثم اصبح فيما بعد دستورا عمليا لداعش واخواتها.

يتوقّع مؤلف الكتاب نشوء مرحلة التوحّش ويتمنّاها، أولاً، لأن «أفحش درجات التوحّش أخفّ من الاستقرار تحت نظام الكفر»، وثانياً، «لأننا إذا نجحنا فيها، فهي المعبر نحو الدولة الإسلامية المنتظرة منذ سقوط الخلافة».

يستند مؤلّف الكتاب إلى جملة من الطروحات المعروفة في حرب العصابات؛ «فالجيوش النظامية، إذا تمركزت، فقدت السيطرة، وإذا انتشرت، فقدت الفعالية»، و«الضرب بقوة في أكثر مناطق العدو ضعفاً»، وتراكم الانتصارات الصغيرة، وإنشاء استخبارات فاعلة، إلا أنه يبالغ في عنصر النجاح الخاص بـ «اعتماد الشدّة» وإثارة الرعب والسير في طريق «الأشلاء والدماء والجماجم». وهو يسخر، هنا، من الإخوان المسلمين، ومن كل متّبعي النهج السلمي وسفك الدماء ضروري لبثّ الرعب، وامتثال أهالي مناطق التوحش لإدارة التنظيم، وتوجهاته، واخراس المعترضين، وتأليف سواهم بالمال، وبسط السيادة، وتوطيد الايمان، والحصول على المزيد من المقاتلين.

ومن شروط النجاح الكبرى عدم التقية والمجاهرة والحسم واستخدام وسائل الإعلام في إظهار عدالة القضية وقوة القائمين عليها وبطشهم. وهكذا، فإن اعتماد تنظيم «داعش» على النشر الإعلامي المكثف لأفكارهم العارية من كل تجميل، وتصوير عملياتهم الإجرامية، وبثها، واستهداف هيبة الدولة والجيوش، كلها إجراءات مقصودة. ناهض حتر / إدارة التوحّش. الاستراتيجية الداعشية وتكتيكاتها.

وهذا مانشهده منذ سنوات سابقة، ومن المرجح ان نشهد مثله او أكثر في سنوات لاحقة.

وسبب ذلك هو مايعرف ب (الانقطاع التاريخي) عند المجتمعات المسلمة، والذي ظهرت فيه كاحدى التجليات (الظاهرة القومية) لكنها نسخة مستعارة ومشوهة عن القومية الاوربية التي رافقتها ثورة صناعية وتحديث وظهور للدولة بمعناها الحديث..

وهي أيضا انبعاثات اسلاموية مذهبية صحراوية سارت الى جنب الفكرة القومية، وعملت على ملء هذا الانقطاع.

والانقطاعات تحدث بعد اخفاق كل مشروع، وهو العامل الرابع عشر من عوامل تخلف المسلمين في القرون الأخيرة كما يشير الى ذلك الامام الراحل السيد محمد الشيرازي في كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام).. وهذه العوامل التي يذكرها هي:

العامل الأول : انحراف الحكومات التي تدعي الإسلام

العامل الثاني : المؤامرات الاستعمارية

العامل الثالث : العنف

العامل الرابع : الاستبداد الحزبي

العامل الخامس : الحياة المترفة للقادة

العامل السادس : العزلة عن الجماهير

العامل السابع : التعامل مع السلطات الفاسدة

العامل الثامن : عدم إرضاء الناس

العامل التاسع : الاستعلاء على الآخرين

العامل العاشر : عرض الإسلام بصورة منفرة

العامل الحادي عشر : التطبيق المعكوس للأفكار

العامل الثاني عشر : التنافس السلبي

العامل الثالث عشر : محاربة العلماء

والتوحش بما آل اليه هذا المفهوم (سياسيا واجتماعيا واخلاقيا وثقافيا وغير ذلك) نتيجة طبيعية لانحراف (الإنسان عن مناهج الله سبحانه لا يُفسد آخرته فحسب، بل دنياه الحاضرة أيضاً قبل آخرته المستقبلية). كما يذكر ذلك في كتاب اخر له هو (لماذا الكوارث؟).

وفي معرض تعداد هذه الكوارث التي تقابل (التوحش – الانحراف) التي المت بالمجتمعات المسلمة، هي كما يرى سماحته: (الفقر، والفساد، والمرض، والانتحار، والبطالة، والحروب، والعزوبة، وكثرة الجرائم، وزيادة السجون، والتعذيب، والاستبداد، وغيرها). وكل هذه الانحرافات تنتج التوحش الذي نشاهده في هذه الحركات التي تحمل شعار الإسلام وهو بريء مما تمارسه وتقوم به.

لان الدين، وهو هنا الإسلام تحديدا كما يعرفه الامام الراحل في كتاب له حمل عنوان (مقالات)

(بغض النظر عن دعوته إلى عالم آخر حافل بما تشتهي الأنفس وتلذّ الأسماع والأعين، يدعو إلى الفضيلة التي لا يدعو إليها أي قانون، ويمهّد سبيل العيش الرغيد، في جو سلام ورفاه).

والدين ايضا: أول مفعوله إيجاد حب الخير، وكراهية الإثم في القلب، ثم لا يزال يربّي هذه الشجرة حتى تورق، وتظهر ثمارها من الحواس.

فثمرة الدين في العين: النظر والمطالعة والاعتبار، والغض عن المزالق والمهاوي.

وثمرته في الأذن: أن يقف على النافع، ويستعصم عن الضار.

وثمرته في اللسان: الصدق وقول الحق والعدل، وقصره عن الهمز واللمز والطعن.

وثمرته في اليدين والرجلين: العمل والسعي والجد.

وثمرته في القلب: الإخلاص وحسن النية، وقطع دابر الحسد والغلّ وإضمار الشر.

من توفرت فيه هذه الثمرات، دلت على العقيدة والدين، ومن انعكست فيه الآية، لم يقبل منه أنه مرتدٍ بهذا الرداء الجميل، يستدل على كل شيء من خواصه، ونظير الدين سائر الأشياء سواءً بسواء.

وأول ما يمنع عنه الدين: الحرب على سبيل الغلبة والسلطان، التي تلفت اليوم أنظار أكثر من نصف سكان هذا الكواكب الأرضي، ثم يتدرّج في الضرب على أيدي المستغلين والمحتكرين والمستثمرين والمستعمرين، وبعد هذا وذاك يجعل النظام للشخص في حركته وسكونه، والبيت في جمعه وطرحه، والمدينة في حاكمها ومحكومها، وطبقاتها بعضها مع بعض.

يوسّع الدين ناحيتي الحياة العاملة والقابلة، يحرّض الدين على كثرة النكاح والنسل، وقد ضرب حملة أعبائه الأقدمون الرقم القياسي في هذا الشأن، ومن الناحية الثانية يحتم العمل والتعاون، ويحث على العالم كي تتفتق آفاق من القابليات الكائنة في هذه الرقعة الفسيحة ذات الأبعاد الأربعة: الطول والعرض والارتفاع والزمان، وبذلك تحسن الزراعة، وتزهر الصناعة، ويؤتى كل ذي حظ حظه).

"الرحمة" انفعال خاص يعرض على القلب عند مشاهدة النقص أو الحاجة، فيندفع الإنسان إلى رفع ذلك، فعندما يشاهد الإنسان يتيماً يرتجف من البرد أو فقيراً أضناه من الجوع أو مظلوماً يتلوى تحت سياط الظالمين تعرضه حالة الرقة، فيندفع لتغيير هذا الواقع، وهذه هي الرحمة.

وفي نهج البلاغة قول امير المؤمنين (عليه السلام): "رحيم لا يوصف بالرقة"، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن الرحمة وما يحدث لنا منها شفقة ومنها جود، وإن رحمة الله ثوابه لخلقه، وللرحمة من العباد شيئان، أحدهما يحدث في القلب: الرأفة والرقة لما يرى بالمرحوم من الضر والحاجة وضروب البلاء، والآخر ما يحدث منا بعد الرأفة واللطف على المرحوم والمعرفة منا بما نزل به).

ومن الرحمة نجد (السلم واللاعنف) والتي يحصي الامام الراحل قدس سره عددا من مصاديقها هي: (إكرام المرأة - إكرام الأم - إكرام البنت - إكرام الأخت - إكرام الزوجة –الإحسان – الإخلاص – الألفة – الاتحاد –التآلف – التعاطف – التواضع – الحلم – الحنان –الحياء – الرأفة – الرفق - الرفق بالحيوان – السخاء – الشفقة – الشكر – الصبر – الصدق – الصفح – الصمت – العدل – العفو – الغيرة – اللين – المداراة – المشورة – المصافحة – المعانقة – المواساة – المودة – الوفاء – الوقار – اليسر - بر الوالدين - حسن التعامل مع الأقليات الدينية - حسن الجوار - حسن الخلق - حسن المعاشرة - صلة الرحم - إكرام الأب والأخ - قضاء الحوائج - أداء الأمانة – الإنفاق - حب الآخرين).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا