إنقاذ الاقتصاد من دوّامة البطالة والفساد
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2016-04-17 11:46
لقد بات الجميع في أيامنا هذه، حتى أبسط مواطن عراقي يعرف الأمراض التي تعاني منها دولته، على الرغم من أن النظام السياسي الذي يقودها، ينتسب بحسب المُعلَن الى الديمقراطية ويدّعي الحفاظ على الحقوق والحريات، ويعلن الالتزام بقواعد اللعبة وحماية الحريات، ولكن كل هذه العناصر الجيدة، لم تنقذ البلاد من الاوضاع المزرية التي تعيشها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لذلك أصبح البحث عن الحلول والمعالجات الجادة أمرا حاسما.
فالتردد عن اتخاذ الخطوات الصحيحة قد يؤدي الى الانهيار الشامل، ولذلك مطلوب حسم ملف الاقتصاد كونه الركيزة الأهم التي تدعم استقرار الدولة ونظامها، وهذا يستدعي قادة مؤهلين للقيام بهذه المهمة، لاسيما أن النظام السياسي الذي يدير البلد ينتسب الى الفكر الاسلامي، وهنالك مصلحون ومفكرون قدموا منذ عقود أفكارا وحلولا ناجعة لمعالجة المشاكل الاقتصادية، لكن المشكلة تكمن في السياسي الذي لا يريد أن يتعلم، ولا يريد أن ينفذ الخطوات الصحيحة لمعالجة المشكلات الاقتصادية.
يرى الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (الاقتصاد الاسلامي في سطور) أن هنالك خطوات مهمة ينبغي اللجوء إليها لمعالجة العيوب الاقتصادية، من ذلك كما يذكر الامام الشيرازي: (من أهم الأمور التي ينبغي الإشارة إليها في الاقتصاد الإسلامي، هو السعي من اجل تحقيق الأهداف التالية، أن لا يكون هناك فقراء يعانون الجوع والمرض والفقر. أن لا تكون هناك مشاريع معطلة. أن لا تبقى طاقات بشرية، أو غير بشرية عاطلة. أن لا يبطر الغني. وأخيرا الدولة هي المسؤولة عن تنفيذ هذه البنود الأربعة).
ان هذه الحلول ليست وليدة اليوم، لقد وضعها الامام الشيرازي منذ عقود بعيدة، كما أنها واضحة، وهي تشكل خريطة عمل سهلة وواضحة لمن يريد أن يقود العراق بطريقة صحيحة، ولكن في الحقيقة هناك مشكلة في الطبقة السياسية التي تعاقبت على العمل في الساحة العراقية طيلة عقود متعاقبة، إن هؤلاء لم يتعبوا أنفسهم بتطبيق مثل هذه الأفكار على الواقع الاقتصادي، فتراكمت الاخطاء، حتى وصلت الأمور الى حد يصعب معه صنع اقتصاد متوازن.
فتكاثر الفقراء، وازدادت احوال البلاد سوءا، مع أن الامام الشيرازي قدم ارشادات يمكن الاستفادة منها لو أن القادة السياسيين والاقتصاديين عملوا بها، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (أما بخصوص الفقراء، فإن الدولة مسؤولة بسد حاجات كل فقير. وذلك حسب اللائق بالكرامة الإنسانية، لا (صدقة) بمفهومها المزري، بل حقاً واجباً. والمراد بالحاجات: المأكل، والملبس، والمسكن، والمركب، والزواج، والسفر المحتاج إليه، والثقافة، والدراسة والضرورات الطارئة كالمرض وما أشبه).
لا مشاريع ولا طاقات معطلة
من أهم الأمور التي ركز عليها الامام الشيرازي حول هذا الجانب، هو أهمية تنظيم الطاقات البشرية والطبيعية المتوافرة للعراقيين، فعندما يبادر قادة الدولة الى تنظيم هذه الطاقات الكامنة والظاهرة منها، فإن ذلك يعني القضاء التام على البطالة، وهذا ركن أساس من أركان بناء الاقتصاد المتطور، علما أن التخطيط والتنفيذ يجب أن لا يقتصر على مجال محدد، فالمشاريع ينبغي أن تدخل في ميادين الزراعة والصناعة والعمران بأنواعه كافة، فضلا عن التوسع في التجارة واستثمار الأموال بالطرق السليمة.
كل هذه الخطوات ليست صعبة المنال، لكن الامر المهم هو التخطيط ووضع خرائط العمل التي ينبغي أن يسير وفقها العمل والعاملون ايضا، بمعنى أن يتم كل شيء وفق ترتيب وتنظيم وتخطيط مسبق، من اجل تطوير المشاريع الاقتصادية الرئيسة.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: (أما بخصوص ان لا تكون هناك مشاريع معطلة، فإن الدولة مسؤولة، لا بإقامة المشاريع بمفهومها العام فحسب، بل بالسير إلى الأمام في جميع نواحي الحياة، كالعمران، والزراعة، والصناعة، والتجارة، والمال، وغيرها).
وثمة مشكلة أخرى تخص هدر المال العام، فالحكومة يجب أن تضع كل مدّخرات الدولة في المشاريع التي تسهم في تطوير الاقتصاد، وتمتص البطالة، لذلك ينبغي أن يتم إعطاء الأموال لمن يكون قادرا على انشاء المشاريع بنفسه، بل تعطى لمن يحتاجها فعلا، على أن تسعى الحكومة الى وضع خطط واضحة لتوظيف الاموال بصورة سليمة، مع أهمية توفير فرص العمل للعاطلين، لكي تشجعهم على العمل والانتاج والاستفادة من طاقاتهم.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (وحول الطاقات المعطلة، فإن الدولة، ينبغي أن لا تعطي المال لمن يتمكن من العمل فيكسل ويترهل، وتبقى الطاقات البشرية عاطلة، بل ينبغي أن يُعطي المال للضعفاء والعجزة، ولمن ينقص مكسبه عن حاجياته، أما الذين يعانون من البطالة فينبغي أن تهيئ لهم الدولة فرص العمل والتشجيع عليه).
منع الربا والاحتكار بكل أنواعه
من العوامل التي تؤثر سلبا في الاقتصاد، انتشار الظواهر التي تتعلق في بعض التعاملات المالية، ومنها ما يخص (الربا)، فهناك محاولات دائمة لتمرير هذا التعامل المرفوض شرعا، حيث يتم من خلاله استغلال حاجة الناس الى المال لمعالجة مريض او الدخول في مشروع عملي معين على أمل تحقيق الربح، ولكن على مر التاريخ، أثبتت التجارب أن التعامل بالربا يعود على من يتعامل به بالفقر والفشل والعجز.
لذلك حرّم الإسلام الربا تحريما لا رجعة فيه، وحذر من نتائجه الكارثية على الانسان، فردا كان او جماعة، حتى البنوك التي تعتمد الفائدة في القروض التي تمنحها للزبائن، واجهت كثيرا من المصاعب، فيما اثبتت المصارف التي لا تتعامل بالفائدة نجاحات في مشاريعها واهدافها، لذلك ينبغي أن تتم محاربة الاحتكار، وبطر الغني، ويمنع الاستغلال بكل أنواعه، كونه ينتمي الى الفسق الذي ينبغي القضاء عليه ايضا، وما عدا هذه الاساليب الخاطئة في تحقيق الربح، فإن الانسان له مطلق الحرية في تحقيق الارباح المناسبة ولكن بصورة صحيحة وطرائق سليمة لا تأخذ من الربا منفذا إليها.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه: (لا يُسمَح للغني بالبطر، ويُمنَع الربا، والاحتكار، والاستغلال، والفسق، فهذه الأمور كلها محرمة في شريعة الإسلام، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أياً من هذه الأمور، فالإسلام والدولة توقفه عند حده عند حده. أما في غير ذلك مسموح للإنسان أن يكون غنيا ويتملك الكثير من الدنانير، أو الدور أو ما أشبه).
وهناك أهمية كبيرة في بناء الاقتصاد القوي المتوازن، من خلال توظيف الثروات الموجودة في البلد، بشقّيها البشري والطبيعي، فالموارد البشرية ينبغي استثمارها وفق تخطيط سليم يضعه الخبراء المجربون في تحقيق النجاحات، اما استغلال الثروات الطبيعية فهو من مهمة الحكومة، وخبراء الاقتصاد حيث ينبغي بناء مشاريع عملاقة تستفيد منها الدولة، مع تنويع مصادر الايرادات وعدم الاعتماد على مصدر واحد كما يحدث في العراق اليوم، حيث ادى الاعتماد على النفط الى ازمة مالية خانقة بسبب هبوط الاسعار الى (الثلث) تقريبا عما كانت عليه قبل الهبوط السريع بسبب وفرة المعروض من النفط في الاسواق العالمية.
وأخيرا ينبغي على الدولة والحكومة، الاستفادة من الثروات المتوافرة لديها، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: (ينبغي استثمار الطاقات البشرية، أما الطاقات الكونية (الطبيعية)، فعلى الدولة أن تسعى بكل إمكانياتها، للاستفادة من الثروات الطبيعية).