اغتنام الفرص
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي
2024-11-10 06:21
الزمن وعمر الإنسان
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الفرص تمر مرّ السحاب، فانتهزوها إذا أمكنت في أبواب الخير، وإلّا عادت ندماً»(1).
إن الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة لاتقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم بعمله.
فاللّه عزّ وجلّ يحاسب الإنسان من منظار العمل، كما أن المجتمع يقّدر الإنسان ويقيمّه من خلال عمله أيضاً. إذن فالعمل هو الجهة المهمة في الإنسان، وعلى أساسها يكون للإنسان الاعتبار، ولكن هذا العمل مرهون بأمرين هما: العمر، والزمن.
ولا يخفى أن العمر يتكون من مجموعة ساعات متلاحقة، فإذا استطاع الإنسان أن يستثمر عمره هذا وساعاته تلك بعمل الخير، فإنه يكون قد ضمن مصيراً سعيداً لنفسه، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن عمرك عدد أنفاسك وعليها رقيب تُحصيها»(2).
فلا يحسب المرء أن لحظات عمره إنما تذهب اعتباطاً وبدون حساب، بل إنها تُسجل عليه، ويسجل كل ما يعمل فيها من عمل، خير أو شر، فهي محسوبة عليه وهو محاسب عليها بالنهاية، ولذا ينبغي له اغتنامها لحظة لحظة وجزءاً جزءاً، ولا يحسب أن عمره سيطول، فيؤجل عمله إلى الغد وبعد الغد، فإن: «العمر تفنيه اللحظات»(3).
إن تقدم العمر بالإنسان عبارة عن قرب نهاية وجوده على هذه البسيطة، وخاتمة عمره في هذه الدنيا، والدنيا ـ كما في الحديث الشريف ـ (مزرعة الآخرة)، فلا بدّ للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه: فالساعات التي يضيّعها الإنسان هنا وهناك، بلا استثمار ولا استغلال، فإنه إنما يضيع بها جزءاً من وجوده، ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «الساعات تنهب الأعمار»(4). وقال (عليه السلام) في خطبة له: «أيها الناس، إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار»(5).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «واعلموا، أن الأمل يسهي العقل وينسي الذكر، فأكذبوا الأمل، فإنه غرور وصاحبه مغرور»(6).
وقال (عليه السلام): «فاللّه اللّه معشر العباد، وأنتم سالمون، في الصحة قبل السقم، وفي الفسحة قبل الضيق، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها»(7).
وقال (عليه السلام): «إنكم إن رغبتم في الدنيا أفنيتم أعماركم في ما لاتبقون له، ولا يبقى لكم»(8).
وقال (عليه السلام): «إن أوقاتك أجزاء عمرك، فلا تنفد لك وقتاً إلّا فيما ينجيك»(9).
استثمار العمر
لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان؛ لأن «بركة العمر في حسن العمل»(10) أو كما جاءت الأخبار متظافرة، في أن الصدقة وصلة الرحم تزيدان في العمر. فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «صلة الأرحام تثمر الأموال وتنسيء في الآجال»(11).
وقال (عليه السلام): «بالصدقة تفسح الآجال»(12).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسئ في الأجل»(13).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار»(14).
وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه ثلاثين سنة، ويفعل اللّه ما يشاء»(15).
ولا يخفى أن الصدقة وصلة الرحم، كلاهما من العمل الصالح والبِرّ والخير الذي دعت الشريعة إليها وشجعت عليها.
ومن جهة ثانية: فإن الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يرى أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه سوف لا يتحسر يوم القيامة على هذه اللحظات والساعات، على العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللّهو واللعب، فإنه يندم على كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية.
ومن جهة ثالثة: فإن الذي يقدّر الزمن ويعمد إلى صالح الأعمال، إنما يزيد لروحه ومعنويته معنوية وكمالاً مضاعفاً، ومضافاً إلى طول عمره عندما يأتيه الموت تراه فرحاً مستبشراً؛ لأنه يشعر أنه غير مقصر في أمره، فلا يندم ولا يتحسر كما يتحسر من ضيع عمره، فبهذا الاهتمام والاغتنام وبفضل اللّه تعالى يضمن نجاته من أليم العذاب.
بعكس الذي لا يعرف قدر الزمن وثمن الساعات، فتمر عليه السنين والأعوام وهو في غفلة من أمره، فتراه يراوح في مكانه دون أن يتقدم، ودون أن يضفي على نفسه كمالاً، فهذا مضافاً إلى تأخره وتقهقره في حياته، واضطرابه وخوفه عند موته، يحصد يوم القيامة حسرة وندامة، نتيجة جهله بالزمن وتغافله عن قيمة العمر والحياة.
وعليه: فالزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها، فإنها لن تعود أبداً.
الفُرَص وطول الأمل
الفُرَص هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة، لما تحمل في طيّاتها من خير للإنسان، ولكن على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هذه اللحظات هي الفرصة التي لا تعود.
ويعرف ثانياً: كيف يستغلّها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فالبعض من الناس عندما تتهيأ له الأسباب الجيدة، أو مقدمات النجاح، تراه يعرض عن استثمارها، بل أحياناً تأتي الفرصة جاهزة فيأتيه الخير كله، وما يبقى عليه إلّا أن يمد يده نحوه ليأخذه، ومع ذلك يتوانى ويفرّط ويترك الأمر، استجابة لطول الأمل، واتباعاً للهوى، واتكالاً على أن في العمر فسحة، وفي الأجل مدة!، وأن عمره طويل!، واعتقاداً بأنه إذا ذهبت هذه الفرصة فسوف تأتي فرصة أخرى بدلها، وهكذا يدع الفرص تمرّ من بين يديه مر السحاب، وهو ينظر إليها غير معتنٍ بها ولا مغتنم لها؛ والسبب في هذا التغافل هو انعدام الهدف في الحياة، ونسيان عالم الآخرة، والركون إلى الدنيا، والتعلق بها والانهماك فيها، ولكنه بعد مرور الزمن سوف يتحسر على خسران تلك الفرص، ويندم على إضاعة العمر وإتلاف الوقت، دون أن يستغله في خيره وكماله.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «قصّر الأمل، فإن العمر قصير، وافعل الخير فإن يسيره كثير»(16).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «الفرص خلس، الفوت غصص»(17).
فعلى الإنسان العاقل والذكي أن يستغل أوقاته بشكل تام وصحيح، وأن يستقبل الفرص ويتقدم هو نحوها، لا أن ينتظر قدومها هي نحوه.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «رحم اللّه امرأ اغتنم المهل وبادر العمل...»(18).
أما الإتكال على طول الأمل، ومجّرد الأماني، والاغترار بالوساوس الشيطانية، والأفكار الواهية، وإقناع المرء نفسه بأنه طويل العمر، وأن عمل اليوم سوف يقوم به غداً، وما إلى ذلك، فهذا كله عبارة عن الإسراف والتبذير للعمر الغالي، والتسويف والتضييع للوقت الثمين، وهي ليست من علامات الإنسان الناجح، بل وليست من علامات الإنسان العاقل والمؤمن أيضاً.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «شيمة الأتقياء اغتنام المهلة والتزود للرحلة»(19).
ولا يخفى أن الفرص التي تتهيأ اليوم لعلها ـ بل غالباً ـ لا تتهيأ غداً، ولن تتوفّر أبداً، فيظل الإنسان يتجرع غصص الندم والحسرة. يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «من وجد مورداً عذباً يرتوي منه فلم يغتنمه، يوشك أن يظمأ ويطلبه ولم يجده»(20).
ثم إن هناك أخباراً كثيرة تذم طول الأمل، وتعتبره من لوازم حب الدنيا المهلك للإنسان، وإنه أحد أسبابه. فقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذر، إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك، ولست بما بعده، فإن يكن غد لك تكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم،... يا أبا ذر، لو نظرت إلى الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره،... يا أبا ذر، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح»(21).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة»(22).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من أطال الأمل أساء العمل»(23).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «إياك وطول الأمل، فكم من مغرور افتتن بطول أمله، وأفسد عمله، وقطع أجله، فلا أمله أدرك، ولا ما فاته استدرك»(24).
ثم إن الجهل هو السبب الآخر لطول الأمل، ويمكن معالجته ودفعه بالعلم والفكر الصافي، كما ويمكن معالجة ودفع الأول، أي: حب الدنيا، بالتوجه إلى اللّه عزّ وجلّ.
وبالجملة: فاللازم على الإنسان أن يقصر أمله في هذه الحياة، وأن يرى الآخرة على مقربة منه، وأنه صائر عن قريب إليها، ومنقطع عن تدارك ما فاته فيها.
مع أسامة بن زيد
ورد في التاريخ أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فقال: «ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر؛ إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده، ما طرفت عيناي إلّا ظننت أن شفريّ لا يلتقيان حتى يقبض اللّه روحي، ولا رفعت طرفي وظننت أني خافضه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلّا ظننت أني لا أسيغها لحصرتها من الموت، ثم قال: يا بني آدم، إن كنتم تعقلون، فعدّوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده، (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَأٓتٖۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ)»(25)(26).
وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول في دعائه: «اللّهم، إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل»(27).
وقال الأصمعي(28): حدثني من أثق به قال: غزونا البحر سنة، فمالت بنا السفينة إلى جزيرة، فإذا قصر شاهق، وللقصر بابان وإلى جنبه قبر، وبين القبر والقصر فسيل(29) لم أر فسيلاً أحسن منه، وعلى القبر مكتوب:
يؤمّل دنيا لتبقى له --- فمات المؤمل قبل الأمل
وبات يروي أصول الفسيل --- فعاش الفسيل ومات الرجل
وعلى وجه القصر مكتوب:
وفتى كأن جبينه بدر الدجى --- قامت عليه نوائح وروامس(30)
غرس الفسيل مؤملاً لبقائه--- فبقى الفسيل ومات عنه الغارس(31)
اغتنام الفرص دليل الحزم
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذر، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»(32).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اغتنم المهل، وبادر الأجل، و تزود من العمل»(33).
وقال الغلابي: سألت الإمام الهادي (عليه السلام) عن الحزم؟ فقال (عليه السلام): «هو أن تنتظر فرصتك، وتعاجل ما أمكنك»(34).
لما كان طول الأمل أحد الدواعي الرئيسية لتفويت الفرص، كان التفريط هو السبب الثاني لذلك. ولكن تارة يكون التفريط فرعاً عن طول الأمل، أي: بسبب طول الأمل ينتج التفريط، وتارة أخرى ينتج بسبب الجهل، فالجاهل قدر الفرصة تمر الفرص من بين يديه وهو غير ملتفت إليها أبداً.
وعكس التفريط في الأمر هو الحزم في الأمور، وعدم تركها للظروف الإستثنائية، لأن ترك الأمر يؤدي إلى هدم حزم الإنسان وانهياره في داخله، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ضادوا التفريط بالحزم»(35).
وحيث إن التفريط موجب لتفويت الفرصة وخسرانها، نرى أهل البيت (عليهم السلام) يؤكدّون على الحزم والجزم في الأمور، وينهون عن التهاون والتفريط في الأعمال، ويحثّون على قصر الأمل وعدم التعويل على الأماني، لكي يكون الإنسان غانماً في حياته.
فهذا الإمام الحسن (عليه السلام) وهو في آخر لحظاته، وكان يقذف كبده الشريف قطعة قطعة!، كان في تلك اللحظات يَعِظْ (جنادة)، فقد روي عن جنادة بن أبي أمية(36) قال:
دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في مرضه الذي توفي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟
فقال (عليه السلام): «يا عبد اللّه، بماذا أعالج الموت؟!».
قلت: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ)(37).
ثم التفت (عليه السلام) إليّ فقال: «واللّه، لقد عهد إلينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منا إلّا مسموم أو مقتول».
ثم رفعت الطست، وبكى صلوات اللّه عليه وآله، قال: فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه.
قال: «نعم، استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك. واعلم، أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك. ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه. واعلم، أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلّا كنت فيه خازناً لغيرك. واعلم، أن في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب. فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير. وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. وإذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية اللّه إلى عزّ طاعة اللّه عزّ وجلّ...»(38).
وهكذا كان الإمام الحسن (عليه السلام) فإنه قد اقتدى بجدّه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، حيث إن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وهو في آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة يحاول أن يستغل تلك الثواني ويستخدمها من أجل نفع الأمة، قائلاً: «أئتوني بدواة وكتف، اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً»(39) فكان (صلى الله عليه وآله) حريصاً على سعادة الأمة بعده، وحريصاً على بقاء السير الواعي فيها، لكيلا تنقلب على عقبها.
فالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومون (عليهم السلام) كانوا قد وظفوا كل أعمارهم حتى آخر لحظات حياتهم من أجل تقديم الهداية والسعادة للبشرية.
مع مؤلف مستدرك البحار
كنت وقبل خمسين عاماً تقريباً برفقة والدي المرحوم السيد ميرزا مهدي الشيرازي (رحمه الله) في زيارة للمرحوم السيد حسين القمي (رحمه الله) في سامراء، وكان الجوّ حاراً للغاية، فلما فرغ السيد القمي (رحمه الله) من صلاة العشائين وتناول قليلاً من الطعام، ذهب مع أصحابه العلماء إلى منطقة الشطيّة(40) وقضى ليلته هناك، وكان من جملة أصحابه الذين رافقوه: المرحوم الميرزا محمد الطهراني(41) ذلك العالم الفقيه، المتقي الخدوم، الذي كان لايعرف الكلل والملل، وكان منشدّاً ومنكباً على تأليف كتابه: «مستدرك البحار». وكان طوال تلك الليلة لا يفتر من الكتابة، وقضى أكثرها بالتأليف والتحقيق، وكان لا تصدّه الموانع، ولاتعيقه المشاكل والصعوبات، وكان يستضيء للكتابة بمصباح ذي بطّارية، حيث كان يأخذ المصباح بيد ويكتب باليد الأخرى، فاستغل وقت الراحة هذا بالتأليف والكتابة والبحث، فأفاد واستفاد (رحمه الله).
مع المحدث القمي (رحمه الله)
ومما يذكر في هذا المجال أيضاً: إن إحدى الشخصيات المعروفة في النجف الأشرف، سافر ذات مرة إلى لبنان برفقة جماعة لأجل الاستجمام، فعمد إلى الشيخ عباس القمي (رحمه الله) مؤلف كتاب (مفاتيح الجنان) وأخذه معه.
يقول ذلك الشخص: فلما وصلنا إلى لبنان واستقر بنا المقام، انكب الشيخ عباس القمي (رحمه الله) على التأليف والكتابة ولزم غرفته، ولم يخرج منها إلّا للأمور الضرورية اللازمة، وكل ما أصررنا عليه حتى نأخذه معنا للمنتزهات البهيجة والمصايف الجميلة، لكي يرفه عن نفسه ويبتهج بمناظرها ومباهجها، وطراوة أشجارها وصفاء هوائها، لكنه لم يقبل ولم يستجب لنا، بل اغتنم الفرصة بجزم وحزم، وبقي مشتغلاً بالتأليف والتصنيف، وألفّ في ذلك المكان عدة مؤلفات، فللّه درّه وعليه أجره (رحمه الله).
الكتب بساتين العلماء
وكان والدنا السيد الميرزا مهدي (رحمه الله) من هذا الركب، فقد كان يؤثر البقاء في كربلاء المقدسة، ولم يكن يخرج منها للتنّزه والاستجمام في بساتينها ومزارعها، بين أشجارها وسنابلها، وأنهارها وعيونها، علماً بأن كربلاء المقدسة كانت تمتاز بكثرة بساتينها الوارفة ومياهها الغزيرة، وأشجارها ونخيلها، وكانت البساتين قريبة على كربلاء، هذا على الرغم من أن كثيراً من أصحابه ومقلديه كانوا يطلبون منه ذلك، ويصرّون عليه في الخروج إليهم، لكنه (رحمه الله) لم يخرج ولا مرّة، وذلك ليغتنم فرصة العمر ولايفوّت على نفسه لحظة من لحظاته قدر الإمكان، فإنه لو فات شيء منها لم يمكن استردادها ولا تداركها، لذلك كانوا كل ما أشاروا عليه بالتنّزه وقالوا بأن النزهة ضرورية لمثل سماحتكم وهكذا الاستراحة والترفيه، كان يذكر الحديث الوارد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «الكتب بساتين العلماء»(42).
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أدلكم على الخلفاء من أمتي، ومن أصحابي، ومن الأنبياء قبلي؛ هم: حملة القرآن والأحاديث عني وعنهم في اللّه وللّه عزّ وجلّ، ومن خرج يوماً في طلب العلم فله أجر سبعين نبياً»(43).
نماذج أخرى
هذا ولا يخفى: أن التنزه ـ مع رعاية الشروط الشرعية ـ شيء جائز، وربما كان ممدوحاً وجميلاً، فهناك روايات تدعو إليه وتمدحه، وليس قصدنا هنا ذم التنزه والتحامل عليه، وإنما نريد أن نقول: إن بعض الناس حريصون على وقتهم، شحيحون على عمرهم، بحيث يعتبرون التنزّه مضيعة للوقت، والاستجمام متلفة للعمر؛ ولذلك تراهم دائماً يرّجحون الأعمال والانجازات التي كانت تحت أيديهم على الاستجمام والتنزه ويقدّمون للمجتمع منجزات كبيرة ومعطيات عظيمة، وعلى الإنسان المؤمن أن يتعلم منهم ومن قدوتهم وأسوتهم الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ذلك.
فقد روي عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد اللّه الإمام الصادق (عليه السلام) في بعض طرق المدينة في يومٍ صائفٍ شديد الحر، فقلت: جعلت فداك، حالك عند اللّه عزّ وجلّ وقرابتك من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟!
فقال: «يا عبد الأعلى، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك»(44).
وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لقي رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) وتحته وسق من نوى، فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: مائة ألف عذقٍ، إن شاء اللّه، قال: فغرسه، فلم يغادر منه نواة واحدة»(45).
وفي رواية أخرى عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يخرج ومعه أحمال النوى، فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول: نخلٌ، إن شاء اللّه، فيغرسه فلم يغادر منه واحدة»(46).
وعن أبي عمرو الشيباني قال: رأيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له، والعرق يتصاب عن ظهره، فقلت: جعلت فداك، أعطني أكفك؟ فقال لي: «إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة»(47).
نعم، هكذا كانوا (عليهم السلام)، وكذلك يلزم أن يكون شيعتهم.
مع مؤلف اللمعة الدمشقية
يُذكر أن الشهيد الأول (رحمه الله) استطاع أن يكتب كتابه: (اللمعة الدمشقية) في مدة لا تتجاوز السبعة أيام، ولم يحضره من المراجع الفقهية غير كتاب: (المختصر النافع) للمحقق الحلي، علماً بأن الشهيد (رحمه الله) كان لا يخلو بيته من أبناء العامة، ورجال السياسة الذين كانوا يضيّقون عليه، ولكنه عندما بدأ بكتابة (اللمعة الدمشقية) لم يدخل بيته ولم يمر به أحد منهم لمدة سبعة أيام!
وما زال هذا الكتاب المبارك يستفيد منه عشرات الآلاف من طلاب العلوم الدينية، والذين بدورهم ينشرونه على الملايين من البشر، عن طريق المنبر، والمحراب، والوكلاء، وكذلك المجتهدون مباشرة.
الشهيد الأول (رحمه الله) وكيفية شهادته
ولبيان همة هذا العالم الكبير ـ الشهيد الأول ـ وشدة معاناته، لابأس بذكر قصة استشهاده، فقد ذكر أن شخصاً يدعى محمد اليالوشي أسس في جبل عامل حزباً منحرفاً، استطاع أن يغوي به بعض عوام الناس ويخدعهم، ويثير بينهم النعرات الطائفية وفتنة داخلية، راح ضحيتها الكثير من الناس، ذلك بسبب حدوث الاضطرابات والمشاحنات في بعض بلاد الشام.
غير أن الشهيد الأول (رحمه الله) تصدى له، وأقنع الحكومة المركزية ـ آنذاك ـ بضرورة مواجهته وإخماده، فتحركت قطعات من الجيش لقمع الفتنة واستئصالها، فقتل محمد اليالوشي وبعض جماعته وأسر آخرون، واندحرت فلوله، لكن البعض استطاع الفرار إلى مناطق أخرى.
وكان من نتيجة ذلك أن جمع (قرن الشيطان) فلول تلك الحركة الضالة تحت قيادة (تقي الدين الجبلي) في الجنوب اللبناني، ثم توسعت الحركة في عهد (يوسف بن يحيى) الذي خلَّف (الجبلي) في قيادة الحركة، وقد تمكن بعض أفراده من الاندساس في القوة القضائية في مدينتي بيروت وحلب، وكان شغلهم الشاغل الانتقام من الشهيد الأول (رضوان اللّه تعالى عليه).
وهكذا استغلوا نفوذهم في القوة القضائية، وتقربوا من حاكم دمشق (بيدمر) وهو صاحب السلطة المطلقة آنذاك، ودبّجوا التقارير، وحاكوا المؤامرات للكيد بالشهيد الأول (رحمه الله).
وآخر تلك المؤامرات، كان افتعال رسالة مزورة تطفح بالارتداد ومخالفة الشرع الإسلامي، دبّجها يوسف بن يحيى المذكور ونسبها إلى الشهيد، وأشهد عليها من جماعته سبعين رجلاً، وادّعوا أن الشهيد (رحمه الله) قد ارتد عن دين الإسلام!
ورفعوا المذكرة إلى قاضي صيدا، وهو أحد أعضاء حركتهم، ثم رفعها هو بدوره إلى القاضي عبّاد بن جماعة الشافعي، قاضي قضاة الشام في دمشق، وهو المنصب الثاني في البلاد، ولم يكن حقد هذا الأخير وحسده للشهيد بأقل من سابقيه، وطالما كان يتحيّن للشهيد فرصة كهذه ليزيحه من طريقه، خصوصاً وإن الشهيد كان قد سلب الأنظار عن ابن جماعة وأشباهه، وذلك لما اشتهر به من علم وتواضع، بحيث كان قاضياً محبوباً من جميع الأطراف والمذاهب، يقضي لكلّ على مذهبه، ويسعى دائماً من أجل لمّ الشمل ووحدة الصف.
اعتقال الشيخ الشهيد
عند ذلك أصدر (ابن جماعة) أمراً باعتقال الشهيد (رحمه الله)، وشكل محكمة صورية تحت إشراف برهان الدين المالكي، للنظر في تهمة الارتداد، واجتمع الملك بيدمر والأمراء والقضاة والشيوخ، وأُحضر الشهيد العاملي، وقرؤوا عليه المحضر. فأنكر الشهيد جميع التهم والافتراءات التي وجهت ضده.
فقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعاً، وإنّ القاضي قد حكم بارتدادك.
فرد الشهيد قائلاً: الحكم الغيابي الذي صدر بحقي باطل استناداً إلى قاعدة: (إن الغائب على حجته، فإن أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه، وإلّا فلا، وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح ولي على كل واحد حجة بينة) وهو كلام معقول، إلّا أن ذلك لم يسمع منه.
فقال القاضي برهان الدين، الذي يحكم وفق المذهب المالكي: إن الشهود قد أدلوا بشهاداتهم، وردّك للتهمة لا ينفي الحكم.
قال الشهيد: إنني على استعداد ان أبطل شهادات الشهود، بعد أن أثبت جرحهم.
قال القاضي: إن حكم القاضي غير قابل للفسخ.
فلمّا علم الشهيد إصرار القاضي على الباطل، توجه إلى القاضي عباد بن جماعة بالقول: أتزعم أنك إمام لمذهب الشافعي، فاقض لي حسب موازين مذهبك.
لكن ابن جماعة الشافعي قطع مقولة الشهيد وقال: إن المرتد حسب المذهب الشافعي يسجن سنة واحدة، ويفرج عنه إذا تاب، وإنك قد أنهيت مدة السجن، وما عليك إلّا أن تستغفر ربك، وتتوب لكي يطلق سراحك.
لكن مكرهم وحيلتهم لم تكن لتنطلي على رجل مثل الشهيد؛ ذلك لأنه لو نفذ طلبهم لاحتجوا بذلك لقتله؛ بذريعة أنه اعترف بالارتداد، فضلاً عن سقوطه اجتماعياً أمام الرأي العام، الذي سرعان ما تنطلي عليه أحابيل الإعلام ودعايته، ثم كيف يتوب من ذنب هو لم يرتكبه؟!
عندئذ توجّه ابن جماعة الشافعي إلى برهان الدين، وأوعز له بالقضاء على ضوء المذهب المالكي، فأصدر القاضي حكم الإعدام بحقه.
إن كنت عبدي فاصطبر
بعد ذلك اقتيد الشهيد الأول (رحمه الله) إلى قلعة دمشق، وفي وسط الطريق، كتب الشهيد على رقعةٍ كانت عنده: (ربّ إني مغلوب فانتصر)(48) ثم وضعها على الأرض، وما هي إلّا خطوات، وإذا بريح ترفع الرقعة وتلقي بها أمام الشهيد، وقد كتب على طرفها الآخر بخط غيبيّ: (إن كنت عبدي فاصطبر).
هناك أيقن الشهيد أن التقدير الإلهي هو أن يقتل في سبيل اللّه عزّ وجلّ. كما ورد بالنسبة إلى سيد الشهداء الإمام أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام): «شاء اللّه أن يراك قتيلاً»(49).
وعند الفجر قطعوا رأس الشهيد (رحمه الله) وصلبوه، ثم نادوا في الناس، أن يرموا جثمانه الشريف بالحجارة. وعصر ذلك اليوم المشؤوم أضرموا في جسده الطاهر النار، ثم جمعوا رماده وذرّوه في الهواء.
نعم، لقد قتل الشهيد وأحرق وذرّ في الهواء، ولكن إرادة السماء شاءت أن يبقى اسم الشهيد خالداً، رغم مكر الآثمين وكيد الحاقدين. وصار قبر الشهيد في قلب كل مؤمن، وآراؤه وعلومه في قلب كل عالم، وقد انتقم اللّه سبحانه من كل من اشترك في بهذه الجريمة البشعة بأنواع العذاب حتى أبادهم عن آخرهم، ولعذاب الآخرة أشد(50).
مع مصنّف تبصرة المتعلمين
ينقل عن العلامة الحلي (رحمه الله) الذي كان يقطن الحّلة الفيحاء، وكانت يوم ذاك مركزاً علمياً وحوزوياً كبيراً، أنه دعي ذات مرة لحضور مجلس عقد قران في قضاء المسيب في العراق، واستغرق سفره أسبوعاً كاملاً، وحين ما رجع العلامة لم يحضر ولده فخر المحققين صلاته ـ وكان فخر المحققين من العبّاد والزهاد ـ وعندما سُئل عن سبب عدم حضوره صلاة جماعة والده، قال: كيف ترك والدي أعماله وذهب لإجراء عقد قران، لمدة أسبوع كامل؟! فلما سمع العلامة الحلي (رحمه الله) مقالته أخرج كتابه (تبصرة المتعلمين) وقال: إنني قد اغتنمت الوقت هناك، وألفت هذا الكتاب في سبعة أيام فقط، وكانت مصادر العلامة لتأليف كتابه هذا هي ذاكرته لا غير، فقد كان يتمتع بإحاطة كاملة بالفقه.
إذن، على الإنسان المؤمن أن يستفيد من الوقت، حتى ذلك الذي يخصصه للنزهة والاستجام، فإنه ينبغي له أن لا يضيّعه هدراً، بل عليه استغلاله في تدارك ما مضى، أو تهيئة مقدمات المستقبل. ومستقبل المؤمن عمله الذي يدّخره للآخرة، لذا عليه أن يملأ أوقات فراغه، بكل أمر مفيد ولو بالذكر، لأن اللّه يسمع ما يتكلم به عبده، وأنه يبصر ويرى، وهو عليم بذات الصدور.
مع أحد المأمومين
دعاني ذات مرة أحد المقلدين وكان من المواظبين على الاقتداء بنا والصلاة معنا. وطلب مني أن أستجيب لدعوته، فقلت له: إني أعتذر من قبول هكذا دعوات؛ وذلك لما فيها من الوقوع في محاذير أتجنبها، إلّا أنه أصر علي كثيراً، فقلت له: إذاً بشرط أن لا تكلف نفسك، وكان معي أحد السادة الفضلاء (رحمه الله) وعندما ذهبنا إلى بيته، وجدناه قد وفى بوعده جزاه اللّه خيراً.
وعندما جلسنا واستقر بنا المقام، رأيت من المناسب أن أغتنم هذا الوقت لأطرح على الحاج موضوعاً لربما تكون من ورائه نتائج نافعة.
فقلت له: عندي موضوع أودّ أن أكلمك فيه.
فقال: تفضل.
قلت له: إن بعض المدارس الدينية في مدينة مشهد المقدسة تعرضت للهدم ونالها التخريب، فقلّ عددها هناك، فما رأيك ـ لو كنت قادراً ـ أن تبني مدرسة علمية هناك بإسم الإمام الرضا (عليه السلام) ؟
فقال: وأنت تشجّع على هذا المشروع؟
قلت له: نعم، فقال: وهل يمكن حساب كلفة البناء من الحقوق الشرعية؟
قلت له: نعم، فإن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «الخمس عوننا على ديننا»(51).
فقال الحاج: لا مانع لدي من ذلك، ثم قال: وكم تبلغ تكاليف هذا المشروع؟
قلت له: سأتصل بأحد أصدقائنا في طهران، وأخبرك بالموضوع، وبالفعل أخيراً تم بناء مدرسة الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة، وكان سبب بنائها هو ذلك الحديث الذي لم يستمر أكثر من عشر دقائق!
يوم القيامة وساعات عمر الإنسان
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت»(52).
وجاء في بعض الروايات: أن في يوم القيامة يؤتى بساعات عمر الإنسان، كل ساعة على هيئة صندوق، ثم يفتحون تلك الصناديق واحداً واحداً، فإن كانت ساعات خير، خرج منها نور يضيء المحشر، فيسرّ به صاحبه. ولو كان الإنسان
ـ والعياذ باللّه ـ قد ارتكب عملاً قبيحاً، خرجت من الصندوق رائحة كريهة، أو الأفاعي والعقارب، أما تلك الساعات التي لم يعمل فيها الإنسان لا شراً ولا خيراً، فإن الصندوق لتلك الساعة يأتي خالياً فيتحسّر عليها. أما ساعات النوم فإن كان نام الليل على وضوء، فإن جميع صناديق ساعات ليله تكون صناديق نور، أما لو نام الإنسان ليلة وباتت معه نية سوء، فستكون صناديق تلك الساعات، مملوءة بما يعبّر عن السوء.
قال الشيخ إبراهيم الكفعمي (رحمه الله) في كتاب (محاسبة النفس): يا نفس، وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاعملي فيه للّه بطاعته، وإياك إياك من إضاعته، فإن كل نفس من الأنفاس، وحاسة من الحواس، جوهرة عظيمة، ليس لها قيمة:
أولى الذخائر في الحماية والرعاية والحراسة
عمر الفتى فهو النهاية في الجلالة والنفاسة
وحذار من تضييعه إن كنت من أهل الكياسة
وا علمي يا نفس، إن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فاشتغلي فيها بالطاعة، فقد ورد في الخبر، عن سيد البشر (صلى الله عليه وآله): «أنه ينشر للعبد كل يوم أربع وعشرون خزانة، بعضها فارغة وبعضها ملآة، فإذا فتحت له خزانة الحسنات، والمراضي والمثوبات، ناله من الفرح والسرور، والبهجة والحبور، بمشاهدة تلك الأنوار، التي هي وسيلة عند الملك الجبار، ما لو وزّع على أهل النار، لأدهشهم ذلك الفرح عن دار البوار. وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشيه من نتنها وظلامها، وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم على أهل النعيم، لنغّص عليهم التنعيم. وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والإهمال، لحقه الحزن العظيم، على خلوها من الثواب الدائم المقيم». فاملأها كلها يا نفس من الحسنات، واشحنها بما شق من العبادات ولا تميلي إلى الكسل والاستراحة، فما ملأ الراحة من استوطأ الراحة. وهب كنت مسيئة قد عفي عن جريرتك، وستر على سريرتك، أليس قد فاتك ثواب المحسنين، ودرجات الأبرار في عليين(53).
هذا وقد سبق أن أشرنا إلى أن تفويت الفرص لا تخلو من آثار سلبية على شخصية الإنسان وروحه، لأنه سوف يتأخر في الحصول على الكمالات، وبالتالي سوف يحرم من المقامات العالية في الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أخر الفرصة عن وقتها، فليكن على ثقة من فوتها»(54).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من الخرق ترك الفرصة عند الإمكان»(55).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من قعد عن الفرصة أعجزه الفوت»(56).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «عود الفرصة بعيد مرامها»(57).
وقال (عليه السلام): «بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، بادر البرّ فإن أعمال البر فرصة»(58).
نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا لكي تكون كل ساعات عمرنا ميداناً لعمل الخير، ومجلبةً لرضا اللّه وثوابه، وأن يوفقنا لأغتنام الفرص، والقدرة على استخدامها واستغلالها في صالح الأعمال لخدمة النوع الإنساني، إن شاء اللّه تعالى.
«اللّهم صل على محمد وآله، ونبّهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيام المهلة، وانهج لي إلى محبتك سبيلاً سهلة، وأكمل لي بها خير الدنيا والآخرة»(59).
من هدي القرآن الحكيم
هكذا املأ وقتك
1- بالعمل المفيد للدنيا والآخرة
قال اللّه تعالى: (وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ)(60).
وقال سبحانه: (وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنٗا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَٰتُ ٱلۡعُلَىٰ)(61).
وقال عزّ وجلّ: (وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ)(62).
وقال جلّ وعلا: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ)(63).
2- فعل الخير
قال اللّه تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)(64).
وقال سبحانه: (وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ)(65).
وقال عزّ وجلّ: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ)(66).
وقال جلّ وعلا: (أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ)(67).
3- طلب العلم
قال اللّه تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا)(68).
وقال سبحانه: (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ)(69).
وقال عزّ وجلّ: (هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ)(70).
وقال جلّ وعلا: (يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ)(71).
4- ذكر اللّه على كل حال
قال تعالى: (فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ)(72).
وقال سبحانه: (وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ)(73).
وقال عزّ وجلّ: (ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ)(74).
وقال جلّ وعلا: (قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ)(75).
من هدي السنّة المطهّرة
هكذا املأ وقتك
1- بالعمل الصالح المفيد دنياً وآخرة
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان»(76).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «عليك بإدمان العمل في النشاط والكسل»(77).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «إن أحبكم إلى اللّه عزّ وجلّ أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند اللّه عملاً أعظمكم فيما عند اللّه رغبة، وإن أنجاكم من عذاب اللّه أشدكم خشية للّه، وإن أقربكم من اللّه أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند اللّه أسبغكم على عياله، وإن أكرمكم عند اللّه أتقاكم للّه»(78).
وقال الإمام أبو الحسن الثالث الهادي (عليه السلام): «الناس في الدنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال»(79).
2- فعل الخير
قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «من فتح له باب خير فلينتهزه؛ فإنه لا يدري متى يغلق عنه»(80).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «عليكم بأعمال الخير فبادروها، ولا يكن غيركم أحق بها منكم»(81).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لزرارة: «اعلم، أن أول الوقت أبداً أفضل، فعجِّل الخير ما أستطعت، وأحب الأعمال إلى اللّه ما داوم عليه العبد وإن قل»(82).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا هممت بخير فلا تؤخره، فإن اللّه تبارك وتعالى ربما اطلع على عبده وهو على الشيء من طاعته، فيقول: وعزتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبداً، وإذا هممت بمعصية فلا تفعلها فإن اللّه تبارك وتعالى ربما اطلع على العبد وهو على شيء من معاصيه فيقول: وعزتي وجلالي، لا أغفر لك أبداً»(83).
3- طلب العلم
قال الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام): «بينما أنا جالس في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) إذ دخل أبو ذر، فقال: يا رسول اللّه، جنازة العابد أحب إليك، أم مجلس العالم؟
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العالم، أحب إلى اللّه من ألف جنازة من جنازة الشهداء، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم، أحب إلى اللّه من قيام ألف ليلة يصلي في كل ليلة ألف ركعة، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى اللّه من ألف غزوة، وقراءة القرآن كله.
قال: يا رسول اللّه، مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله؟!
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم، أحب إليّ من قراءة القرآن كله اثني عشر ألف مرة، عليكم بمذاكرة العلم؛ فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام؛ ومن خرج من بيته ليلتمس باباً من العلم كتب اللّه عزّ وجلّ له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء، وأعطاه اللّه بكل حرف يستمع أو يكتب مدينة في الجنة، وطالب العلم أحبّه اللّه وأحبّه الملائكة وأحبّه النبيون، ولايحب العلم إلّا السعيد، وطوبى لطالب العلم يوم القيامة.
يا أبا ذر، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلى وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة، ومن خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم كتب اللّه له بكل قدم ثواب ألف شهيد من شهداء بدر، وطالب العلم حبيب اللّه، ومن أحب العلم وجبت له الجنة، ويصبح ويمسي في رضا اللّه، ولا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر، ويأكل من ثمرة الجنة، ولا يأكل الدود جسده، ويكون في الجنة رفيق الخضر (عليه السلام)، وهذا كله تحت هذه الآية قال اللّه تعالى: (يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ)(84)»(85).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «ما من عبد يغدو في طلب العلم أو يروح، إلّا خاض الرحمة، وهتفت به الملائكة: مرحباً بزائر اللّه، وسلك من الجنة مثل ذلك المسلك»(86).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «طالب العلم يستغفر له كل شيء، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء»(87).
4- ذكر اللّه على كل حال
قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «بادروا إلى رياض الجنة» فقالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حَلَق الذّكر»(88).
وفيما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته: «هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وابن عمه وصاحبه، أول وصيتي: أني أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأن محمداً رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن اللّه باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور.
ثم إني أوصيك يا حسن ـ وكفى بك وصياً ـ بما أوصاني به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محالِّها، والصمت عند الشبهة والاقتصاد، والعدل في الرضاء والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا، فإنك رهين موت، وغرض بلاء، وصريع سقم. وأوصيك بخشية اللّه في سرِّ أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يَغُرُّ جليسه. وكن للّه يا بني عاملاً، وعن الخنا(89) زجوراً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً، وواخ الإخوان في اللّه، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك، كي لا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة، ومجازاة من لا عقل له ولا علم. واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن للّه ذاكراً على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقّر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاماً حتى تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجُنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحاً، وهذا فراق بيني وبينك. وأوصيك بأخيك محمد خيراً، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له، فأما أخوك الحسين فهو ابن أمك، ولا أزيد الوصاة بذلك، واللّه الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتى ينزل اللّه الأمر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم»(90).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) في إحدى مناجاته: «اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين اشتغلوا بالذكر عن الشهوات...»(91).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا اللّه كثيراً»(92).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم وتقتلونهم، ويقتلونكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: ذكر اللّه كثيراً»(93).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «قال اللّه تعالى: ابن آدم، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي. ابن آدم اذكرني في خلاء، أذكرك في خلاء. ابن آدم اذكرني في ملأ، أذكرك في ملأ خير من ملائك ـ وقال: ـ ما من عبد يذكر اللّه في ملأ من الناس إلّا ذكره اللّه في ملأ من الملائكة»(94).