المرجع الشيرازي الراحل و سرّ اهتمامه بإحياء سُنن رسول الله
محمد علي جواد تقي
2023-04-25 06:16
المساهمة في تزويج العازبين، وإغاثة المحتاجين، ورعاية الأيتام، وحتى الإسهام في توفير فرص عمل للعاطلين، ثم الابتسامة، والتواضع، وحُسن المعشر، وأمثالها كثير، تمثل صوراً من المكارم والفضائل المنبعثة من نفس طيبة وقلب سليم لانسان موفق في المجتمع.
نفس هذه المكارم والفضائل كانت تجتمع في شخصية المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه- ليس في إطار الصفات الشخصية، بقدر ما كانت تمثل رؤية حضارية وطموح بعيد لتفعيل سُنن وأخلاق رسول الله في المجتمع والأمة، فهي موجودة هذه النفحات الإيمانية في سلوك وثقافة شريحة لا بأس بها من افراد المجتمع، بيد أن الأهم؛ جعل كل تلك المكارم والفضائل والصفات الأخلاقية الحميدة ثقافة عامة لدى الجميع.
سلوكهُ نبويا
من خلال مطالعاتي ومتابعاتي لسيرة حياة المرجع الراحل، لاحظت سعيه بجدّ واهتمام لأن يجسّد شخصية الرسول الأكرم، لما يكنّه من حبّ وإيمان به، صلى الله عليه وآله، وطالما كان يذكرنا بمسألة النجاح والتفوق من خلال سيرة النبي الأكرم في جوانب ومسائل عديدة بالحياة، عادّاً إياه المثل الأعلى لكل من يروم تحقيق الاهداف الكبيرة، عندما يتحدث عن الحرية، والأمة الواحدة، والعدل، والمساواة، وإلغاء الفوارق العنصرية والقومية.
يكفي الإشارة الى الاستعانة بإسم النبي الأكرم لتكون عنواناً لمؤسساته الثقافية في دولة الكويت خلال وجوده فيها منذ سبعينات القرن الماضي، ناظراً الى التقارب بين المسلمين وتعزيز الروابط والعلاقات تحت خيمة كبيرة واحدة، فكانت مدرسة الرسول الأعظم للعلوم الدينية، ومكتبة الرسول الأعظم، وحسينية الرسول الأعظم، من ابرز تلك المشاريع التي حملت هذا الاسم المبارك.
ومن أروع ما يُذكر من علاقة الحب هذه، ما يرويه نجله الراحل؛ السيد محمد رضا الشيرازي –طاب ثراه- أنه كان في الحج، فاجرى اتصالاً هاتفياً بوالده –المرجع الراحل- و أخبره بأنه دعا له، وأدى له عمرة بالنيابة قربة الى الله –تعالى- بل وفعل الشيء نفسه لأمواته، كما دعا للمؤمنين، ثم سأله إن كان لديه حاجة او دعاء لاغتنام الفرصة، فكان الجواب –يقول السيد محمد رضا الشيرازي- "أدي عمرة بالنيابة عن الرسول الأكرم"!
أن يكون الانسان مستذكراً شخصاً ما في حياته، وفي كل الاوقات والاحيان، كما كان عليه حال السيد المرجع الراحل، فهذا يعني حالة اندماج وذوبان غير طبيعية، بل وتفاعل مع عمل والتزام بطريقة حياة وتفكير ذلك الشخص، وما أعظم وأفضل من شخصية الرسول الأكرم، يتخذها الواحد منّا فناراً في حياته، وطريقاً مضيئاً ومستقيماً للنجاح والفلاح.
إحياء السُنن لإنعاش الحياة
في إحدى لقاءاته مع العوائل العراقية المهجّرة في ايران، كان ثمة صبياً صغيراً وسيماً على مقربة منه، فدعاه لأن يدنو اليه، ثم سأله عن اسمه فأجاب: "اسمي قيصر"، فما كان منه إلا أن يبادره بالقول: اسمك "حيدر"، فعاد الصبي الى أمه ليخبره بأن "هذا السيد يقول إن اسمك حيدر وليس قيصر"! ومنها؛ وصل الخبر الى والده الذي كان يُعرف باسم "ابو قيصر" فتحول الى "ابو حيدر"، ثم تحول حيدر هذا الى رادود حسيني شهير.
هكذا طبّق سماحته إحدى السُنن الجميلة لرسول الله منذ بدايات تشييده المجتمع الاسلامي في المدينة، فقد "كان من أخلاق رسول الله، صلى الله عليه وآله، أن يغير الأسماء القبيحة للأشخاص أو البلدان إلى أسماء حسنة، فعن الحسين بن علوان، عن الامام الصادق، عن آبائه، عليهم السلام: إن رسول الله كان يغير الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان، وقال رسول الله، صلى الله عليه وآله، استحسنوا أسماءكم؛ فإنكم تدعون بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك". (من حياة الرسول الأعظم)
ومن أبرز السُنن النبوية التي طالما حرص عليها المرجع الراحل؛ الزواج، بل وابتكر سماحته الزواج الجماعي منذ ثمانينات القرن الماضي بأعداد كبيرة وغير مسبوقة في البلاد الاسلامية، وكان معروفاً بين الناس برفضه الخيرة في أمر الزواج، حاثّاً الآباء على تسهيل الأمر وعدم تعقيده بالماديات والطلبات الزائدة.
وفي احاديثه الى الشباب في زياراتهم اليه، كان يفتح هذا الموضوع دائماً، ويذكرهم بالآية القرآنية التي تتحدث عن الإغناء الإلهي، وإلغاء فكرة المشاكل الاقتصادية من الاذهان، وذات مرة قال: إن وقف شخص ثري في بداية الزقاق، وقال: من يتزوج أعطيه كذا من المال... هل تصدقونه؟ فأجاب الجميع بالايجاب. فقال: إذن؛ كيف لا نصدق القرآن الكريم، وهو كلام السماء إذ يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
ومما يمكن الإشارة اليه من جملة السُنن النبوية المهمة والرائعة؛ طلب العلم، مقتدياً بالرسول الأعظم الذي يقول في مؤلفه المشار اليه: انه "كان يحثّ المسلمين على التعليم والتعلّم، ويؤكد كثيراً على العلم والعلماء، فرسول الإسلام، هو رسول العلم والفضيلة، والدين الاسلامي دين العقل والمنطق، لا السيف والجَبر"، ويضيف سماحته بأن النبي "كان يحب العلم والعلماء ويرجح حلقات العلم على حلقات الدعاء"، وهكذا كان سماحته طيلة سنوات حياته، فقد كان يعد الحوزات العلمية القاعدة الاساس لنهضة الأمة وتقدمها، وكان يفترض الشخصية القيادية لعالم الدين، وكذلك الخطيب، فهما مصدر ثقافة ومعرفة الناس، لان ما يضخونه من افكار ومعلومات إنما مصدرها القرآن الكريم وسيرة أهل البيت، عليهم السلام.
لذا كان سماحته طالما يحثّ على طلب العلم والانتماء الى الحوزات العلمية لغرض التفقّه في الدين، ثم نقل هذا الفقه والاحكام الاسلامية الى المجتمع.
ومن يتحدث عن اهتمام المرجع الراحل بالشعائر الحسينية، وقبلها الشعائر الدينية بشكل عام، فانها بالحقيقة مستقاة من سيرة النبي الأكرم، فهي من سُننه الخالدة ذات المدخلية في تهذيب النفس وتعميق الوعي، فقد "كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، يؤكد على الشعائر الدينية بمختلف أنواعها، من الصلاة والصيام والحج وسائر العبادات، وحتى مجالس البكاء وما أشبه، بل وحتى الشعائر الحسينية حيث أشار النبي إليها وحبذها، وهذا ما قد رواه الفريقان في كتبهم"، و يروي سماحته عن بكاء النبي على شهداء أحد، وتحديداً على عمّه حمزة، الى جانب الروايات الواردة بشأن تذكير النبي للأمة بما سيجري على سبطه الحسين، عليه السلام، من المصائب والفجائع يوم عاشوراء، وانه "قتيلُ كلّ عَبرة".
كان حرص المرجع الراحل على ترسيخ سُنن النبي الأكرم في حياة الأمة إنما للإسهام في حل المشاكل والازمات التي تعاني منها، من خلال تقديم نموذج عملي متكامل للحياة الطيبة، وأن يعيش الانسان في حياته بأقل نسبة من المشاكل والمنغّصات، والأمر الآخر؛ تكريس الثقافة الأصيلة في المجتمع والامة لتفخر بما لديها من تراث عظيم تستغني به عن كل ما تسمعه وتراه من العالم اليوم، والمليئ بالخيارات والبدائل الجميلة، والمشوبة بالتناقضات والفشل في الوقت ذاته، فلا نجد صحة وسلامة دون أمراض فتاكة، ولا رفاهية العيش دون اثمان باهظة مادياً ومعنوياً، ولا أمن دون حروب، ولا غنىً دون فقر متزايد.