المنظمات التنموية وتطوير البنية المجتمعية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2021-03-22 04:55

(لابد من تطوير البنية المجتمعية عبر تأسيس المنظمات المختصة)

الإمام الشيرازي

توجد تعريفات متباينة لمعنى المنظمة ومهامها وأهدافها، لكنها بالمجمل تجمّعات لأشخاص تسعى إلى أهداف تنموية، ثقافية، اجتماعية، علمية، دينية، خدمية أو سواها، وغالبا ما تكون المنظمة أكثر قدرة من الجهد الفردي المحدود.

المنظمة هي مجموعة من الأفراد لهم هدف معين، يستخدمون طريقا أو أكثر للوصول إليه. فمثلا هناك منظمات إنسانية، منظمات بيئية، منظمات عمالية، الخ... والمنظمة شخصية اعتبارية لها كيانها المستقل عن الأفراد المكونين لها، وتدار بواسطة مجلس إدارة منتخب بواسطة الأعضاء، وتنقسم المنظمات إلى نوعين حكومية وغير حكومية بالنظر إلى الأعضاء المكونين للمنظمة.

إننا نعيش في حقبة لم تعد فيها الدول تسيطر وحدها قادرة على تلبية وتدعيم البنية المجتمعية. فثمة جهات أخرى تشاركها في ذلك، المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المحلية، والشركات الخاصة ووسائل الإعلام والجامعات والمثقفون والفنانون، وكل امرأة ورجل يعد نفسه أو تعتبر نفسها جزءا من المجتمع، وتسعى للمساهمة في تطويره وتقدمه.

المنظمات غير الحكومية هي مجموعات تطوعية لا تستهدف الربح، ينظمها مواطنون على أساس محلي أو دولي. ويتمحور عملها حول مهام معينة ويقودها أشخاص ذوو اهتمامات مشتركة، وهي تؤدي طائفة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية، وتُطلع الحكومات على شواغل المواطنين، وترصد السياسات وتشجع المشاركات على المستوى المجتمعي.

العالم من حولنا يتقدم بشكل مضطرد، ويتقدم على نحو سريع، في المجالات كافة، ومجاراة (الركب العالمي) لم تعد مهمة الحكومات أو الدولة وحدها، فالجميع عليه جزئ من مسؤولية تأهيل البنية المجتمعية، وجعلها في إطار مواصفات متطورة، يمكنها نقل المجتمع على مستوى التفكير والإنتاج والثقافة، إلى ضفة التطوّر، وأي تأخر في هذه المواكبة يشكل خطرا على الدولة والمجتمع والفرد معاً.

لذلك بات دور المنظمات في غاية الأهمية، لاسيما في الدول والحكومات الضعيفة، أو ذات الموارد المتدنية، أو تلك التي ينخرها الفساد والتناحر السياسي، هذه المجتمعات المبتلاة بحكومات عاجزة، لا يمكنها النهوض بالجهد الحكومي الضعيف أو المتلكّئ، هنا يبرز دور المنظمات، كي ترمّم بنية المجتمع، وتسهم في تأهيله، كي يكون قادرا على مواكبة ما يستجد في الدول والأمم الأخرى.

خطوات لمواكبة مستجدات العصر

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نحو يقظة إسلامية):

(إذا أردنا عصرنة المسلمين، والوصول بهم إلى ركب الحضارة الآلية، بل جعلهم في مقدمة أمم العالم، حتى يسودوا ويمسكوا بزمام التقدم، لابد من الدخول في كل شأن من شؤون الحياة، وذلك عبر تأسيس منظمات تختص بأكبر الأهداف وانتهاءً إلى أصغرها).

توجد بعض المعوقات تواجه عمل المنظمة، وهو أمر وارد جدا، فالذي يتصدى لتأسيس منظمة تهتم بإنجاز مهمة محددة ووظائف معروفة سلفا، لابد أن يضع في حساباته المعوقات، ويضع المعالجات اللازمة لها، حتى لا تصبح ثقلا أو عبئا أو سببا في إفشال مهمة المنظمة بعد إعلان تأسيسها.

من هذه المعوقات أن لا تتناقض أهداف ومهام وأعمال المنظمة مع الحريات، فما فائدة منظمة تهمل أو تتغاضى أو تتجاوز على الحريات الخاصة والعامة؟، فالهدف يجب أن يكون معروفا ومرسوما مسبقا، بما لا يتعارض وحريات الفرد والمجتمع، أما لماذا يجب تجنّب المعوقات، فذلك لأن المنظمة تحتاج إلى جهود وتأييد الجميع مع الاستفادة من طاقاتهم إلى أقصى حد ممكن.

وبعد ضمان التأييد والحصول على الطاقات والدعم، يأتي دور التوجيه السليم لهذه الطاقات الداعمة لعمل المنظمة وأهدافها، فالدعم الفردي والجماعي للمنظمة يتيح لها فرص نجاح أكبر في أداء دورها التنموي التطويري، كذلك لابد لأعضاء المنظمة، وفريق إدارتها، أن يضعوا في خطتهم وحساباتهم، استمرارية وديمومة عمل المنظمة، وهو أحد الشروط المهمة التي ترافق تأسيس المنظمات.

لهذا يقول الإمام الشيرازي، إن (تكوين المنظمات يجب أن لا ينافي الحريات العامة والخاصة، لأن المنظمة تتطلب جمع القوى والطاقات أولا، ومن ثم توجيهها ثانياً، وثالثاً لابد من المحافظة على استمرارها، كل ذلك يدفع بنا إلى الأمام).

ما يطرحه الإمام الشيرازي حول أهمية المنظمات التنموية، والمؤسسات الخيرية، في تطوير البنية المجتمعية لم يأتِ من رؤية تنظيرية مجردة، وإنما استقاها الإمام من تجاربه في الواقع الفعلي، وتجاربه وسيرته في تأسيس المئات من المنظمات والجمعيات الخيرية والتنموية، حيث نشرها في معظم الدول الإسلامية والعالم.

وأدت تلك المنظمات أدوارا مشرّفة في تطوير عقول الناس، ومهاراتهم، وضاعفت من أدوارهم في الدعم والتعاون المتبادَل، وذلّلت الكثير من المصاعب والمشكلات التي كان يواجهها الفرد والمجتمع، وقد ظهرت النتائج جلية لكثير من المنظمات والجمعيات التي أسسها الإمام الشيرازي، حيث أسهمت في مضاعفة قدرة الأمة على مواكبة ما يستجد عالميا في مجالات عديدة.

منهج الإمام الشيرازي في إدارة المنظمات

ولعل المنهج والرؤية الأهم التي أعتمدها الإمام الشيرازي في تأسيس وتحريك عمل المنظمات، أنه لم ينتظر أن ينضج المجتمع كلّه حتى يباشر بتشييد تلك المؤسسات، وإنما انطلق من واقع الحال، بغض النظر عن الظروف وقلة وعي الناس وترددها في الانخراط بهذا النوع من العمل التعاوني الطوعي.

فشرع في تأسيس جمعيات خيرية للتعليم، وأخرى للتوعية، وثالثة لسد احتياجات الناس الاقتصادية، وأخرى لتزويج الشباب، وخامسة لتطوير المهارات، وغير الكثير، وكان جهده الفردي وإصراره هو العامل الأهم في إنجاح هذه المنظمات والجمعيات، فما أن ينخرط عدة أعضاء في المنظمة ويساعدهم في المنهج، ويضع أقدامهم على السكة الصواب، حتى ينطلقوا محققين أهداف التطوير المجتمعي.

يقول الإمام الشيرازي في كتابه (نحو يقظة إسلامية):

(ليس على الإنسان المفكر أن ينتظر نضج المجتمع كله، حتى يشرع في تكوين المنظمات، بل عليه أن يشرع بهذا الهدف من إنسان واحد، ثم يلحقه بثانٍ وثالث، ليجعل منهم منظمة، مثال ذلك تأسيس منظمة لإعانة الفقراء ولا بأس أن تبتدئ بإنسان واحد ثم يلحق به ثان وثالث ليصبحوا منظمة لدعم الفقراء، وهكذا بالنسبة لتأسيس منظمات تهتم بتوفير الاحتياجات الأخرى).

من الخطوات العملية التي تسرّع وتضاعف من تأسيس الجمعيات والمنظمات النشيطة، هو استخدام منهج الشورى في تنفيذ العمل، والحاجة إلى الحزم بعد الدراسة والتخطيط والاتفاق، وعدم التفريط برأي الأكثرية حول هذه الخطوة أو تلك في إطار استمرارية العمل، كذلك لابد من العمل بروح الفريق الواحد، وتهيئة الأجواء المناسبة للأداء الأفضل.

ولعل الشرط الأهم الذي ركّز عليه الإمام الشيرازي، هو اعتماد المنهج الاستشاري في إدارة المنظمات والجمعيات، وعدم الركون إلى الفردية، والابتعاد عن فرض الرأي الأحادي تحت أية حجة كانت، والسبب في ذلك، أن ضمان نجاح المنظمة في أداء عملها، يعتمد على درجة التزام الأعضاء بمبدأ الاستشارة، مع الحزم بعد الاتفاق، وتنظيم العمل وفق خطوات واضحة ومنهج دقيق ومحسوب.

الإمام الشيرازي أوضح هذه الخطوات في قوله:

(يمكن لجماعة من المفكرين، أو ممن يهتمون بتأسيس المنظمات أن يؤسسوا الكثير منها في مدة غير طويلة، لكن بشرط أن يكونوا حازمين شورويين ـ يأخذون برأي الأكثريةـ وأن يهيئوا الأجواء الملائمة، خصوصاً إذا جعلوا المنظمات متسلسلة، مثال ذلك: أن يؤسسوا منظمة لنشر الكتب والمطبوعات الأخرى، ثم يقوموا بإنشاء فروع تابعة لها، وهكذا بشرط أن تكون المنظمات استشارية تسير بأكثرية الآراء).

في الخلاصة نقول بلا مغالاة، بأننا مجتمعات تحتاج في واقعها الراهن إلى العمل المنظّم، في إطار منظمات وجمعيات أهلية فاعلة، لها أهدافها الواضحة، وتسير أعمالها وفق ما تم تحديده سابقا، فما تقدمه هذه المنظمات من دعم كبير ومهم للبنية المجتمعية، يجعل من التمسك بها ومضاعفة أعدادها وتوسيع نشاطاتها وأهدافها، أمرا يستحق التخطيط والتطبيق نهوضا بمجتمعاتنا المتأخرة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي