لماذا يفشل السياسي في بناء ذاته؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2021-01-26 05:00
مَنْ هو السياسي؟، الجواب: هو الذي يعمل في حقل السياسة، هذا هو التفسير الواضح المختصَر له، ولكن هل يكفي هذا المعنى، وهل توجد درجات مختلفة لإتقان العمل في السياسة؟، لعلنا لا نخطئ إذا قلنا، أن أكثر يجب أن يكون متقناً هو العمل السياسي، والسبب يكمن في كونه يتعلق بمصير شعب كامل.
هذا التوصيف يفرض على السياسي أن يجتهد في بناء ذاته، لأن هذا البناء سوف يصبّ بالنتيجة في بناء المجتمع والدولة، وأي سياسي لا يتقن عمله، وليس لديه الاستعداد لتطوير ذاته وإكمال صفاته المكملة للشخصية السياسية، سوف يكون بالنتيجة غابن للشعب والدولة بالإضافة إلى نفسه.
ومظاهر الفساد التي نجدها في قرارات ونشاطات الساسة، إنما هي نتيجة لعدم إتقانهم عملهم، وقلة خبرتهم، بالإضافة إلى عدم وجود النيّة الصادقة في الأداء الجيد مسبقا، بمعنى هناك من يعمل في السياسة وفي نيّته وتخطيطه الإساءة لدوره ومسؤوليته وشعبه.
لذلك من أهم الأسس التي تُبنى عليها شخصية السياسي هو الإتقان، والخبرة، والإصلاح الذاتي، وإذا تحقق الشرط الأخير، فإن جميع النتائج أو المخرجات سوف تأتي على ما يُرام، وهذا لن يتم من دون (الإقلاع عن الأنماط الفاسدة) المنتشرة لدى الأفراد والأمة معاً، لأننا حتى ننجح في مساعينا نحتاج إلى نفوس نقية وذوات مبنية بشكل مبدئي متوازن.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة):
(يجب أن نقلع الأنماط الفاسدة بيننا كأفراد وكأمة من جذورها، حتى تكون نفوسنا صافية وخالية كي ننطلق للبناء الذاتي ونخدم الآخرين ونقيّمهم التقييم السليم).
مرتكَز آخر مهم يجب أن يؤازر إتقان العمل السياسي، ونعني به العمل المنظّم، إذ يجب أن يكون لمجتمع منظَّما، يعتمد أفراده التكافل والمساندة فيما بينهم، فالأمم الناجحة ما كان لها أن تحقق أهدافها، والوصول الى حياة راقية، لو لا أنها سعت لتنظيم طاقاتها، لكي تصبّ بالاتجاه الذي يساعدها، على البناء، والاستقرار، لكن هذا لن يتم إلا من خلال بناء الذات لمن يعمل في السياسة.
قريبا من التنظيم بعيدا عن الارتجال
توجد نقطة مركزية لابد من التنبّه لها والتمسك بها، على العراقيين أن يستثمروا التغيير الحاصل في حياتهم بعد الحقبة العسكرية الدكتاتورية، لذا يجب أن يتكاتفوا وينظموا طاقاتهم وأن لا يغفلوا شرط التعاون، وطالما أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة القضاء على الأنظمة القمعية (بل العالم كله يرفض اليوم الحكم الاستبدادي)، إذاً على العراقيين عدم التفكير بالعودة إلى الوراء، وتنظيم أنفسهم بما يحافظ على فرصة التحول الديمقراطي المتاحة اليوم لهم.
يقول الإمام الشيرازي: (إن تنظيم عملنا وتنظيم أنفسنا والتنسيق فيما بيننا في مرحلة الإعداد، شيء نحتاج إليه كما نحتاج إليه بعد الوصول إلى الهدف).
بعضهم معتاد على ترك الحبل على الغارب، بانتظار أن يتحقق ما يريده بشكل تلقائي، وهو ما لم يحدث بل من المحال أن يجري التغيير من دون تخطيط وتنظيم وتعاون، لذا لابد أن نستوعب قضية في غاية الأهمية وهي علينا أن نفهم ونؤمن بأن عملية التنظيم، لا تتحقق بصورة تلقائية، بل لابد أن نتحرك وفق خطط مسبقة، كي نتعلم التنظيم ونوظّفه لصالحنا، حتى لو طال الزمن وبُذلت الجهود الكبيرة.
الإمام الشيرازي يقول: إن (القدرة التنظيمية داخل الأمة ليس شيئاً يمكن أن يوجد بين عشية وضحاها، إن القضية تحتاج إلى عمل جاد ومستمر بيننا جميعاً).
نحن أمام مسؤولية إصلاح الذات السياسية، والانتقال إلى الإصلاح في المجالات الأخرى، الاجتماعية، الاقتصادية، العلمية، الصحية وسواها، وفي هذا الإطار، ليس هناك أحد يُعفى نن القيام بدوره ومسؤوليته في التنظيم والتقدم، لذلك يجب أن يتم تنسيق الأنشطة الجماعية الإيجابية بمختلف أنواعها، وهذا ما ينبغي أن يخطط له القادة السياسيون، ويضعون له خطوات التنفيذ المتتابعة.
فيما يتعلق بترميم الذات للفاعل السياسي بصفاته وصلاحياته المختلفة، فإن الأمر يحتاج إلى ثقافة جمعية، لاسيما خصوصا الجوانب الخاصة بالفساد والتجاوز على الحقوق المادية والمدنية كالحريات، هذا يتطلب أن يكون هناك سعي، لتنظيم الجهود الشعبية، والنخبوية كافة، بمشاركة جميع القطاعات، من اجل تحقيق الأهداف المنشودة، وهذا أمر لا يمكن أن يناله الشعب إلا من خلال العمل الجماعي المنظّم الذي ينضوي فيه الجميع بمختلف مسمياتهم.
يؤكد الإمام الشيرازي على: (أن التعاون بين قطاعات الأمة بمستوى علماء الدين والخطباء والتجار والعمال والمهندسين والأطباء والطلبة الجامعيين والحوزويين والفلاحين والعمال وغيرهم واجب ضروري يجب أن نزرعه في أنفسنا، فإن التعاون بين هذه القطاعات سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى نتائج مثمرة بعد مدة من الزمن).
الانسجام الشعبي وإزالة الحواجز النفسية
الذات السياسية الواهمة، أو الفاسدة، لا يمكن إصلاحها دون سعي جاد، وعلى قادة المجتمع ونخبهِ بمختلف عناوينهم أن يؤمنوا، بأن عملية التهيئة والتمهيد لأي مشروع سياسي أو ثقافي أو عملي أمر في غاية الأهمية لأنه لابد أن تكون هنالك مشكلات كبيرة قد تتحول الى حواجز بين مكونات المجتمع، فتجعل من التعاون أو التنظيم أمرا شبه مستحيل، وتُهدَر فرصة النجاح حتى لو كانت قاب قوسين منّا.
التعاون لا يمكن أن يتحقق قبل أن يبدأ الجميع بإزالة الحواجز الفاصلة بين أفراد المجتمع، سواء كانوا أفرادا عاديين أو عاملين في السياسة او غيرهم، فحين يبدأ العمل على تحقيق الهدف الأكبر، لابد أن تتوافر له الأرضية السليمة، من خلال الانسجام الشعبي، مع القادة، وبين أفراد المجتمع أنفسهم، عبر الجهود التعاونية التنظيمية المشتركة التي تطيح بالفساد، وتنمي فرص إصلاح الذات السياسية.
يرى الإمام الشيرازي أن: (هناك حواجز كثيرة تفصلنا عن بعضنا البعض، وهذه الحواجز تظهر في الغالب عندما نبدأ بالعمل الجدي).
وهكذا يظهر لنا أن عملية إصلاح الذوات عملية تكاملية، وليست متجزئة، بمعنى لا يمكن إصلاح الشعب والعاملون السياسيون يغوصون في وحل الفساد، ويقدمون منافعهم وأحزابهم على الجميع، ولكن في حال توافرت النخب القيادية السليمة، فإن الأمر سوف يكون ممكنا، وإن كان بطيئا، أو محفوفا بمخاطر الإحباط.
الإمام الشيرازي، ركّز على قضية الانسجام والتكامل بين (النخبوي والشعبي)، وطالب بإلغاء الفواصل، أو الأسوار التي تحول بين الشخصية النخبوية والشخصية الشعبية، وأوجب قضية التعاون والتقارب، وإزاحة الحواجز بكل السبل المتاحة أو الممكنة، في هذه الحالة سوف يحدث ذلك التعاضد المطلوب، بين قوى (النخبة) والقوى الشعبية، ويتم تفويت الفرصة على السلطة ورموزها.
لذا يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (الحواجز التي تقف جداراً سميكاً يجب أن ننسفها حاجزاً بعد حاجز، حتى تتحد وتتلاحم الأمة، ونستطيع بالتالي العمل والتنسيق جميعاً).
بهذه الآلية والمنهجية المنظَّمة، تكون هناك طاقات متكافئة مبذولة في الاتجاه الصحيح، بشكل تنظيمي يغلق أبواب الفشل والإحباط، وتتضاعف فرص التكامل القيادي (النخبوي) والجماهيري الشعبي، وتنتفي أسباب فشل بناء الذات السياسية، وهذا هو المطلوب تحديدا، لأن السياسي المبني ذاتيا وقياديا، هو الذي يستطيع إحداث التغيير النموذجي لأمة وشعب طموحهُ التطوّر والنجاح.