كيف يحقِّق القائد الإداري أهدافهُ بنجاح؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2019-07-01 06:26
تبقى العملية الإدارية حجر الزاوية في أي تقدم تحرزه الأمم والشعوب الكبيرة أو الصغيرة، فتجربة سنغافورة مثالا، لا تزال طريّة، يمكننا وضعها على طاولة التشريح والتحليل، ومن ثم الوصول إلى فهم الإجراءات الإدارية والسياسية، لكيفية العبور بهذا الشعب الصغير من حافة الفقر المدقع إلى مستوى الشعوب المتفوّقة، لدرجة أن الفرد السنغافوري بلغ ثالث أعلى دخل في العالم لسنة 2018، متفوقا على شعوب النرويج وألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها، كيف حدث هذا؟
الإدارة الصحيحة هي المرتكز الأول الذي يقف وراء هذه النتيجة الباهرة، فالقوة، وكثرة الثروات، والموقع الاستراتيجي وغيره من المزايا الطبيعية والجغرافية والبشرية، هذه كلها عوامل مساعدة لا أكثر، يمكن أن يتم هدرها في حال كانت الإدارة الحكومية والسياسية سيئة أو تقليدية، ولكن إذا تمت إدارة الثروات والعناصر الأخرى المحايثة للجهد الإداري السياسي المتفوّق، فإن النتائج سوف تكون من الطراز المتفرّد.
النماذج الناجحة في التاريخ والحاضر، هي تلك الأمم والشعوب القادرة بـ (قادتها) الإداريين (وفي المقدمة منهم قادة السياسة) على الدمج بين ثلاث ركائز مهمة هي، الكفاءة/ النظرية/ التطبيق، فما هو المردود المتوقَّع من الدمج بين الركائز الثلاث سالفة الذكر؟، لابد أن يكون المردود ذا صبغة عملية عالية المستوى.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد على هذه الركائز وأهميتها في الحصول على نتائج باهرة، في قوله بكتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الإدارة):
(لابد من الدمج بين الكفاءة والنظريّة والتطبيق، للحصول على أعلى مردود عملي).
ولا يعني هذا وجوب توافر شروط كبيرة لبلوغ مرتبة النجاح الإداري، فما هو متوافر من إمكانيات مادية وظروف ساندة أخرى، حتى لو كان غير كافٍ للنجاح الإداري المتميز، هذا لا يعني أن يتذرّع القادة بعدم توافر الاشتراطات المطلوبة للنجاح، فالصحيح هو عمل القائد الإداري (السياسي)، بما يتواجد لديه من إمكانيات مادية وبما يحيط به من ظروف، لبلوغ الهدف الناجح.
وإذا ارتبط النجاح دائما بتوافر شروطه، فما هو الفضل الذي يعود للقادة عندما ينجحون؟؟، إن الصحيح فيما يستحقه القادرة الإداريون من ثناءٍ وتأييد يكمن في تحقيق النجاحات في ظل ظروف غير مواتية، وهذا ما حققه قادة سنغافورة على سبيل المثال، لأن القائد في سنغافورة لم يجد الطريق معبَّدة أمامه كي يحقق النجاح الذي بلغته سنغافورة، بل كان هذا البلد يغوص في بؤرة عميقة من الفساد، ومع ذلك نجح القائد ومعاونوه في انتشال هذا البلد من شرنقة الفساد، حتى بلغ المرتبة التي تليق به من بين بلدان العالم.
التكيّف مع الواقع والتفوّق عليه
على القائد الإداري الناجح، أن يزيح كل المعيقات عن طريقه كي يبلغ النجاح، فلا حسنة له ولا فضل في حال نجح في واقع مؤهّل مسبقاً للنجاح، بل يعود الفضل للقائد الإداري (السياسي) حينما ينجح في التكيّف مع الواقع ومشكلاته، ثم يتفوق عليها بأساليبه وإجراءاته الإدارية الناجحة.
هذا ما نجده في كلمات الإمام الشيرازي في هذا الخصوص إذ يقول:
على القائد الإداري (التكيّف مع الواقع لتحقيق الهدف بالإمكانات المتوفّرة أو المتاحة).
ولكن كيف يمكن للإداري أن يحقق مثل هذا النجاح في ظروف معيقة لأساليبه وخطواته العملية؟، هنا لابد أن يكون هنالك مخزون متعدد المناهل والمنابع لدى القائد الإداري، هذا المخزون هو ما يمتلكه من خبرات متراكمة، وبقدر إطّلاعه على التجارب الإدارية الناجحة لأمم وشعوب أخرى، يُضاف إلى ذلك مدى قدرته على تسيير خطوات العمل بنجاح متدرّج ومتصاعد في نفس الوقت.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك في قوله:
على الإداري الناجح (الاستفادة من العمل، والتجارب، وتراكم الخبرة).
ولكن هل يمكن للقائد الإداري الاستفادة من العمل والتجارب على النحو الذي أورده الإمام الشيرازي في كلامه أعلاه؟، بالطبع ليس كل إداري قادر على تحقيق الاستفادة القصوى من العمل والتجارب التي اطّلع عليها إلا وفق شروط محدّدة، فما هي هذه الشروط؟
فقد يكون هنالك إداريون لهم تجارب عملية كثيرة وكبيرة، لكن قد يكونوا عاجزين عن فهمها وهضمها وهذا يؤدي بالنتيجة، إلى عدم قدرتهم على الاستفادة منها، لذلك فإن شرط تراكم الخبرات والإطلاع على التجارب يرتبط بمدى قدرة القائد الإداري على استخلاص الدروس، من التجارب المختلفة وتوظيفها لصالح تحقيق أهدافه بنجاح.
الإمام الشيرازي: يضع (القدرة على استخلاص الدروس والعِبَر من التجارب الفاشلة أو الناجحة، سواء بالنسبة إلى مؤسّساته أو سائر المؤسّسات)، كشرط أساس وقاطع في تحقيق النجاح الإداري المنشود، فلا فائدة من تراكم التجارب وتنوعها ولا فائدة من تعدد الأعمال، إذا لم يستخلص منها القائد الإداري دروس النجاح والتفوق في إدارته لمشاريعه المختلفة كمّاً ونوعاً.
جودة الإدارة وقوة الإرادة
وفي حال توافرت قدرة الإداري على قدرة الاستفادة من التجارب السابقة، ستظهر معوّقات أخرى، قد تنحرف بجهوده الإدارية نحو الفشل، وقد تضيع كل الخطط والجهود التي بذلها سدىً، كيف يمكن أن تضيع؟، إن الأمر هنا بحاجة إلى قوة الإرادة في مواجهة المصاعب التي من الممكن أن يتعرض إليها إي إداري في قيادته لمشروعه الإداري، هنا يتّضح أن تراكم الخبرات وتنوع التجارب والعمل لا يكفي لتحقق النجاح؟
فما هو المطلوب إذاً؟، بالطبع هنالك صعوبات ستظهر أمام القائد الإداري وهو يحثّ الخطى نحو الإنجاز الأمثل، بمعنى إن الخبرات ومخزون التجارب وحدهما لا يكفيان، وما يدعم النجاح تلك القدرة على مواجهة الأحداث الطارئة التي تستجد في عملية الإدارة الناجحة، والأهم أن لا ينهزم القائد الإداري أما الطوارئ والمصاعب التي تفاجئه وهو في طريقه إلى الهدف المنشود.
الإمام الشيرازي وضع هذا الشرط أمام القائد الإداري كي يبلغ ضفة النجاح حين قال:
يجب أن يمتلك روح (التصدّي لمواجهة الصعوبات، وعدم الهروب منها).
والشرط في أعلاه يمنح الإداري قدرات هائلة لمواجهة المستجدات الطارئة، ويمكنه تجاوزها ببراعة، بل من الاشتراطات الهامة التي يرى الإمام الشيرازي أهمية توافرها في شخصية القائد الإداري، هي مواهبه وشخصيته القوية المتوازنة وانضباطه ورباطة جأشه في مواجهة الطوارئ غير المحسوبة، وقدرته على الموازنة بين ما هو مطلوب من تصرّف سليم بحسب تقديره الصحيح للموقف الطارئ، هذا يجعله ذا قدرة على اتخاذ قرار المعالجة الصحيحة بأسرع وقت، مع إحراز أدق النتائج في تجاوز الأزمات التي قد تحدث خارج المحسوب أو المتوقّع، أثناء الإنجاز الإداري.
لذا يضع الإمام الشيرازي هذا الشرط في شخصية القائد الإداري فيقول: يجب أن يتحلى بحسن (التصرّف تجاه المواقف الطارئة بسرعة ومرونة، حسب ما يتطلّبه الموقف).
وسوف يلي مثل هذه الإنجازات الناجحة، دراسات مستخلّصة لتجارب العمل، بمعنى لا ينتهي دور الإداري الناجح بانتهاء نجاحه في الإنجاز والتفوّق، بل ستبدأ سلسلة أخرى من المهام، تتمثل بمناقشة سبل النجاح، واستخلاص الخبرات، وكلما كان القائد الإداري ذا قدرة على مناقشة مسيرة المشروع الناجح الذي انتهى منه، فإنه سوف يكسب خبرات إضافية لإنجاز مشاريع أدارية أخرى قادمة.
لذلك يرى الإمام الشيرازي أهمية أن يتميز القائد الإداري بـ (القدرة على تلخيص المناقشات والمواقف).
هكذا يرى الإمام الشيرازي في كتابه (فقه الإدارة)، الصفات والاشتراطات التي يجب أن تتوافر لدى الإداري، لكي ينهض بشعبه أو أمته في إطار عمل جمعي، يقوم على أسس ومتبنيات، تشتمل على خواص وصفات ومزايا، يجب أن تتوافر في شخصيته، حتى يكون قادرا على الإيفاء بمسؤولياته الإدارية تجاه شعبه وأمته.