مقومات القائد الإداري الناجح

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2019-06-17 07:21

جُبلِت الخلائق ومن بينها الإنسان، على التطلّع إلى أمام، وحب التطوّر والتغيير لما هو أجود، وهذه النزعة تداخلت مع التكوين الخَلْقي، فصارت إحدى أهم ما يتميز به المخلوق، وتقدّم الإنسان أشواطا كبيرة على الكائنات الأخرى في مضمار التطور، نظرا لامتلاكه العقل والتبصّر والذكاء، ما جعل حياة الإنسان ومزاياها مختلفة على نحو كلّي عمَّن يشاركونه الأرض من الكائنات الأخرى.

التمايز نفسهُ، حدث داخل مجموعة بني الإنسان، فصار تباين الذكاء ورجاحة العقل، وحسن التدبّر والتبصّر، معايير يمكنها أن ترتفع بمناسيب العيش وطبيعته، من هذا الإنسان لذاك، ومن هذا المجتمع لسواه من المجتمعات، بماذا تمايز الأفراد والمجتمعات عن بعضها، ولماذا تفوق أناس على غيرهم؟، الجواب يكمن في العمل وإجادته وجودته ومعاييره، فما هو العمل؟

العمل بحسب العلماء المختصون، هو الطاقة أو الجهد الحركي أو الفكري الذي يبذله الإنسان، من أجل تحصيل أو إنتاج ما يؤدي إلى إشباع حاجة معينة من حاجاته الطبيعية من السلع، والخدمات التي يُسهم الجهد البشري أيضا في إيجادها. وهذا الإنتاج قد يكون سلعة، كما قد يكون خدمة. وهناك من عرّف العمل على أنه الشغل وهو مجهود إرادي واعٍ، يستهدف منه العامل أو المشتغل إنتاج السلع والخدمات لإشباع حاجاته.

ومن هذا التعريف يتضح لنا أن مجهود الحيوانات أو مجهود الإنسان بغير هدف لا يعتبر عملا. ويحتاج العمل الناجح مجموعة من المعارف التي يتطلب تحصيلها، تعليماً خاصاً يساعد في أدائه بطريقة صحيحة مناسبة لقبولهِ في المجتمع من ناحية، ولحصوله على درجة التميّز في المنافسة مع الآخرين.

توجد منافسة بين الأفراد مع بعضهم، وبين المجتمعات مع بعضها، في مضامير العمل المختلفة، فمن ينجح في أداء عمله سوف يتفوّق على الآخرين، البحث هنا سوف يتركّز على النقاط والشروط التي تجعل العمل ناجحا، حتى نضمن التفوّق على الآخرين، فما هي النقاط أو الشروط التي يجب توافرها في الإنسان العامل، والمجتمع، كي يتفوق على المنافسين الآخرين؟

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يرى أن الشرط الأول الذي يجب أن يتوافر من أجل التفوق على الآخرين في العمل هو: (الصبر والنّفَس الطويل).

مردود الصبر وضبط النفس

من يمتلك درجة عالية من الصبر، ويتعامل في كافة مراحل العمل وفق مبدأ أو أسلوب (النَفَس الطويل)، فإنه سوف يمتلك أحد أهم شروط وأساليب النجاح في إنجاز عمل متميز ومكتمل، أو يحقق نسبة عالية من الجودة، كيف يمكن أن يكون الإنسان ذا صبر وقدرة على الأناة والتحمل؟

بعضهم قد يتخذ من الصبر ذريعة للتسويف والإبطاء في الإنجاز، هذا النوع من البشر يحوّل الصبر من قدرة على التحمّل إلى ذريعة للتملص من الواجب، لذلك نجد أن الإنسان الصبور هو ذلك الذي يتحلّى بشخصية لا تقرب من التردد، أو التذبذب في المواقف، كما أنه لا يسمح لنفسه باتخاذ الصبر جسرا للتملّص من إنجاز الواجب المطلوب بأسرع وأدقّ الأساليب والنتائج.

الإمام الشيرازي يرفق مع الصبر خاصية أخرى ملازمة، لا يمكن أن تتحقق النتائج المرتجاة من الصبر إذا لم تكن موجودة في شخصية الإداري أو القائد أو صاحب الإنجاز، هذه الشخصية هي (الثبات)، وليس المعني هنا التمسك بالرأي أو الموقف الخاطئ، وركوب مبدأ (العزة بالإثم)، بل المقصود هنا ثبات شخصية الإداري أو منتِج العمل، وهذا ما يقوده إلى مستوى إنتاج عالٍ.

الإمام الشيرازي، ينصح بوجوب (ثبات الشخصيّة وعدم الترجرج). لدى من يعمل، سواءً كان قائدا أداريا، أو عاملا بدرجة أدنى، فالثبات والوثوق وعدم التردد، من صفات الإداريين الناجحين، فالصبر يعتمد على ثبات الشخصية، والشرط الأخير (الثبات) يحتاج إلى أسانيد تدعمه كي يتحقق ويرسخ في شخصية الإداري، فما هي هذه الأسانيد التي تحيط شخصية الإنسان بالثبات، وتمنحه القدرة على عدم التردد والتذبذب في اتخاذ القرارات والمواقف المجدية؟

في العمل الإداري وسواه، هناك مفاصل محرجة أثناء العمل، فقد يتعرض مشروع إداري معين إلى هزّة قوية تهدده بالتراجع أو الفشل، قائد العمل أو المشروع الإداري، ماذا يتوجّب عليه، هل يسمح في المواقف الحرجة بالتردد والخوف والتوقّف، هل يمضي قُدُما، هذه القرارات غالبا ما تكون محكومة بطبيعة القائد أو الإداري بشكل عام، فإن كان منضبطا وقادرا على التحكم بأعصابه في المواقف المثيرة، فسوف يكون النجاح حليفه، أما مصدر ضبط النفس والحكمة فهو الصبر الذي دائما يمد الإنسان بحكمة التفكير والتصرّف.

لذلك يرى الإمام الشيرازي في هذه الميزة شرط مهم من شروط نجاح الإداري، أو قائد المشروع أيّا كان نوعه، فيشترط في من يبغي النجاح: (ضبط النّفْس والتحكُّم في الأعصاب في المواقف الحرجة، خصوصًا المثيرة منها).

بين الهدوء الظاهر والنشاط الخفي

ولا يعني ضبط النفس، الكف عن الحركة أو التفكير الجاد والسريع والموزون في الحلول اللازمة، فمن أهم سمات النجاح ليس الانضباط وحده، وإنما إيجاد البدائل السريعة بشكل مدروس وموزون، لدرجة أنه قد يكون غير مرئي، أي إنه نشاط داخلي يختلف عن ظاهر الإنسان أو القائد الإداري الذي يبدو للآخرين هادئا، لكنه في الحقيقة من الداخل عبارة عن ثورة محتدمة من الحلول والمعالجات لمواجهة الخلل أو الموقف الخطير.

الإمام الشيرازي يقول في ذلك، يجب أن يتحلى الإنسان، القائد، الإداري: بـ (الهدوء أمام الأزمات، مع الاندفاع الداخلي الشديد لحلّها، بأن يكون مندفعًا لحلّ المشكلة. وكما قال بعضهم في المثل: يجب أن يكون كالبَطّ ظاهره هادئ، لكنه يضرب رجله في الماء بسرعة).

ويحتاج الأمر من أجل مواصلة المواجهة السليمة لمعالجة المواقف الطارئة، التحلي بالنظرة الواقعية لما يحدث، فلا تضخيم للأمور والأسباب والنتائج، ولا إنقاص من درجة خطورتها، فالنظر للمشكلة أو الموقف المستجد والحدث الطارئ يجب أن يكون بواقعية تامة، تقوم على أساس ما يحدث واما ينتج عن ذلك، وليس على أساس هواجس أو تحليلات قد تكون خاطئة، لكنها ربما تدفع نحو معالجات غير سليمة لا تنسجم مع واقعة المشكلة ودرجة خطورتها.

هذا الشرط يحيلنا إلى ما سبق من شروط وضعها الإمام الشيرازي أمام من يبتغي النجاح في عمله الإداري التنافسي، فمن يمتلك الصبر وثبات الشخصية، والهدوء في مواجهة الأزمات، عليه أن يدعم مواصفاته هذه بواقعية النظر إلى الأمور وشموليتها، حتى تكون الحلول المقترحة للمعالجة قريبة من سقف الدقة والنجاح.

لهذا يشترط الإمام الشيرازي أن يتحلى: بـ (الواقعيّة والنظرة الشموليّة، لمواجهة نسبيّة الأمور في عالَم الإدارة).

وهناك سانِد آخر من دونه قد تتلكأ عملية النجاح، فالوقت له أهميته القصوى في حصد النتائج المرتجاة، ومن يبذّر أو يسرف في هدر الوقت، ولا يعطيه الاهتمام المناسب، فإنه سيواجه عوائق وعقبات غير محمودة في مجال الانجاز، وقد لا تشفع له الصفات التي سبق أن مرّ ذكرها، ما لم يكن من الإداريين والقادة والعاملين الذين يعرفون جيدا ما هي قيمة الوقت في الحياة، على أن يتم تطبيق هذا المبدأ على نفسه أولا، قبل أن يطالب الآخرين باحترام وقت الإنجاز.

الإمام الشيرازي ينصح الإداري الذي يروم النجاح: بـ (الانضباط واحترام الوقت مبتدءًا بنفسه وملتزمًا بتطبيقه على الآخرين، بالقدر الممكن).

هكذا يضع الإمام الشيرازي جملة من التوجيهات، لمن يرغب في النجاح بإدارة مشاريع خاصة أو عامة، فردية أو جماعية، فمن خلال ما جاء في أعلاه، ومن خلال النظر إليها بعمق ودقّة، وفهمها، والسعي لتطبيقها، فإنها ستكون بمثابة الوسائل التي تقود إلى المردودات المضمونة.

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة