مسلمو اليوم بحاجة لجوهر الإسلام

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2018-09-10 06:00

الثورات العظيمة التي دُوِّنتْ في سجلات التأريخ بصورة ناصعة، هي تلك التي وقف وراءها وأوقد سراجها العظماء الذين قدموا أغلى ما يملكون للبشرية، ونحن اليوم نستعيد الثورة الحسينية العظيمة التي وقف فيها الإمام الحسين (عليه السلام)، في وجه الطاغوت الأموي الذي سعى بكل الاستهتار المعهود في شخصيته إلى تهديم الصرح الإسلامي الأعظم الذي بناه المسلمون، بأنفسهم، ودمائهم، ومداد أقلامهم، وأفكارهم، يقودهم قائد همام عظيم هو الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، مثبِّتاً قواعدَ وقيماً وأخلاقيات جديدة في مجتمع الجزيرة، فعرفوا ما لهم وما عليهم، واتخذوا من الفكر الإسلامي خريطة حياة ترسم لهم طريقهم نحو السؤدد والتقدم.

بيد أن الثورات ستجد لاحقا من يرتدّ عليها ويقف بالضد من رجالها، ويسعى تحت ضغط الضغينة والغباء والاستهتار إلى وقف تدفق النور الذي تمنحه الثورات الكبيرة للعقل والفكر البشري النازع إلى التطور والتجديد، وهكذا جاء المدّ الأموي وتصدر مشهدهُ الطاغية الصغير يزيد فاستنفر حقدَهُ وغباءَهُ وكل ما يمتلك من لؤم ليسعى إلى حرف الإسلام عن سبيله القويم وتغيير ما ثبَّته الرسول الكريم (ص) من سنن وخرائط طريق فكرية عقائدية وعملية لأمة المسلمين كي يستمروا قُدُماً في قيادة المجتمع البشري إلى العلا، فما كان من الثائر العظيم الحسين بن علي عليهما السلام إلا أن ينهض مجدداً بالمجد الإسلامي لجدّه محمد (ص)، واضعاً حداً لانحراف مسيرة الإسلام ودخولها في مجاهل وغياهب لا يعرفها إلا الله، فاتحاً نوافذ النور من جديد لأمة جدّه محمد صلى الله عليه وآله.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم (من حياة الإمام الحسين ع):

إنَّ (الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى نهضة ثقافية تسلتهم الدروس من نهضة الإمام الحسين فإنه عليه السلام نهض بوجه يزيد وحاربه، لماذا؟ لأجل الحفاظ على الإسلام، ولأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولطلب الإصلاح في أمة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله).

وبذلك تصدّى الإمام الحسين للمشروع الأموي الهادف إلى حرف الإسلام عن مساره، وإدخال المسلمين في دوامة الفتن والصراعات بسبب الأفكار والسلوكيات المنحرفة التي أدخلها يزيد في المدار السياسي للقائد الإسلامي، والتاريخ الموثوق يسهب كثيرا عن تلك السلوكيات القميئة التي أظهر ميول وانحرافات يزيد في الإيغال بالملذات المنحرفة، ناسيا أو متناسيا بأن الإسلام قام على الصرح الأخلاقي الإنساني العظيم الذي بذل في بناء الرسول (ص) والمسلمون الغالي والنفيس، ليأتي هذا الطاغية الصغير ويهدّم ذلك الصرح الأعظم برعونته واستهتاره، لكن ثورة الإمام وضعت له حدا وفضحته للقاصي والداني وألقت به في الحضيض، ولا يزال الطغاة صغيرهم وكبيرهم يرتعبون من فكر واسم الثائر الأعظم (الحسين) عليه السلام.

يقول الإمام الشيرازي:

لقد (تمكن الإمام الحسين عليه السلام من فضح يزيد وبني أمية وأنهم لا يمثلون الإسلام، كما فضح الطغاة على مرّ التاريخ).

الإسلام فكر وعقائد وتطبيق

ولكن كيف استطاع الثوار تحقيق النصر على الطغاة، وكيف غيروا الظلم إلى ناصية الحق، وكيف زرعوا الاستعداد المعنوي والمادي في نفوس الثائرين لكي ينتصروا للحق، أسئلة كبيرة من يتمكن الإجابة عنها بدقة ورصانة سوف يصل النتائج العظيمة التي أسقطت الطاغية يزيد في براثن الذل وحضيض الهزيمة، إن المؤمنين هو أولئك الذين يؤمنون ويقولون ويفعلون، وليس هم من أولئك الذين يتشدقون بالأقوال ويتركون الأفعال خلف ظهورهم.

لهذا السبب فإن الإسلام ليس أقوال وفرائض فقط!، إن الإسلام مبادئ وتعاليم مكتوبة نعم، ولكن هنالك الجزء الآخر المكمل للتعاليم والمبادئ وهو لا يقل أهمية عن الأول قيد أنملة، فمن يؤمن بالأفكار والقيم والتعاليم يجب أن لا يكتفي عند هذا الحد، إذ هنالك ما يكمّل هذا الجهد الإيماني النظري، إنه جزء مكمّل يتمثل بتحويل المبادئ إلى أعمال وأفعال مشهودة، ولا فائدة بأن يقتصر الإنسان إلى أحد الجزأين، وما أعظم أن يجتمع الإيمان بالعمل.

يقول الإمام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه:

(إن الإسلام لا يكون حصراً في الصلاة والصيام والحج وما أشبه، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت موجودة بنحو أو بآخر في عهد يزيد).

وثمة ملاحظة مؤسفة بل تحزّ في النفوس يؤشرها الإمام الشيرازي (رحمه الله)، بكل الوضوح والأسف، وهي أن المسلمين على الرغم من أنهم يؤدون الصلاة في الجمعة والجماعة، والفرائض الأخرى كالحج، ورغم أن مساجدهم عامرة بالمصلين، إلا أنهم كما يؤكد الإمام الشيرازي بعيدون عن الإسلام، ويؤكد سماحته أيضا بأن هذه الأعمال نفسها كانت موجودة في حكم يزيد، أي كان هناك مصلّون عابدون لكن الإمام الحسين ثار على يزيد الطاغية لماذا؟، لأن تلك الأعمال التي كانت تُؤدَّى آنذاك لم تكل مقرونة بما يريده الإسلام من أعمال فعلية مجسَّدة في واقع المسلمين، بمعنى أن تلك الأعمال شكلية لا أكثر، لهذا السبب انطلقت ثورة الإمام الحسين بوجه الطاغوت الأموي.

يقول الإمام الشيرازي:

(المسلمون اليوم وإن رأينا فيهم صلاة الجمعة والجماعة والحج والمساجد العامرة والصيام في شهر رمضان وغيرها؟ لكنهم بعيدون عن الإسلام، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت في عهد يزيد، ومع ذلك حاربه الإمام الحسين عليه السلام).

نهضة ثقافية شاملة

مع كل سيول الانحراف التي أطلقها يزيد بكل ما يمتلك من رعونة وإصرار على حرف الإسلام وتدمير صَرْحهِ، إلا أنه لم يتمكن من غايته الفاحشة هذه، فقد بقي هنالك مسلمون ملتزمون يواصلون تمسكهم بالقيم والمبادئ الإسلامية ويؤمنون بها ويطبقونها في حياتهم العملية، وفشل يزيد وأبوه وغيرهما في إجبار المسلمين على ترك عقائدهم، ويعود الفضل في ذلك إلى ما قدمه أئمة أهل البيت عليهم السلام من جهود علمية فكرية عقائدية وتطبيقية علّمت المسلمين الطريق الصحيح لمواصلة الحياة، على الرغم من أن آل الرسول عليهم السلام ذاقوا ما ذاقوا من أولئك الطغاة بسبب إصرارهم على نشر علوم القرآن وسيرة الرسول الأكرم (ص).

ومما جاء في كتاب الإمام الشيرازي في هذا الشأن:

لقد (كان المسلمون في عهد يزيد ملتزمين ببعض القوانين الإسلامية ولم يتمكن يزيد ولا معاوية ولا من جاء بعدهما من القضاء الكامل عليها، وذلك بفضل الدور الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام) وتحملهم الصعاب في نشر علوم القرآن وعلوم النبي صلى الله عليه وآله).

ومما يؤسَف له حقا، ويثير الاستغراب بأقصى الدرجات، أن هناك من المسلمين اليوم من ترك خط الإسلام الفكري الحقيقي، وذهب في مسارات وتيارات خاطئة ومنحرفة لا علاقة لها بالإسلام من بعيد أو قريب، فأما أنهم ابتعدوا عن الإسلام بصورة كليّة أو شبه كلية، وهناك من يبدو في الظاهر منتميا للإسلام ومتمسكا به، لكن حين نأتي إلى أعماله نجدها بعيد عمّا تتطلبه تعاليم الدين وبهذا يتحول التزامه وعبادته إلى عبادة شكلية من باب إسقاط الفرض لا أكثر، وهناك من ينحرف صوب التطبيق المنحرف للفكر الإسلامي كما لاحظنا في الفكر التكفيري الذي يُنسَب عنوة إلى الإسلام وهو غير ذلك تماما.

لهذا السبب وثمة أسباب كثيرة أخرى، بات المسلمون اليوم أكثر حاجة، بل وصلت حاجتهم هذه الحد الأقصى إلى مبادئ وأفكار النهضة الحسينية التي ينبغي أن يلجأ إليها مسلمو اليوم لكي ينقذوا أنفسهم من مسالك وتيارات الانحراف التي أخذتهم بعيدا عن صلب الإسلام وعن أنفسهم وإنسانيتهم أيضا، إن الحاجة إلى النهضة الحسينية باتت ملزمة في عصرنا هذا، وما على المسلمين إن أرادوا العودة إلى مكانتهم الصحيحة سوى استلهام النهضة الحسينية والاحتماء بها في ظل عالم اليوم الغريب الذي بات يموج بالأفكار المنحرفة والخطيرة.

(المسلمون في يومنا هذا قد تركوا الإسلام والقرآن والعترة الطاهرة (ع)، فهم بحاجة إلى نهضة ثقافية شاملة يستلهمونها من سيرة الإمام الحسين عليه السلام).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي