منقذ الأرواح: ماذا تعرف عن العقار الأغلى ثمنًا في العالم؟
موقع للعلم
2023-01-14 06:33
بقلم ميريام ناداف
في الثاني والعشرين من نوفمبر 2022، أصدرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تصريحًا باستخدام أول علاجٍ جيني للاضطراب الجيني في تجلُّط الدم، المعروف بمرض الهيموفيليا من النوع ب، وهذا العلاج عبارة عن عقارٍ يُعطى للمريض في جرعة واحدة، وتصل تكلفته إلى 3.5 ملايين دولار أمريكي.
هذا العقار الذي يحمل اسم «هيمجينيكس» Hemgenix، أنتجته شركة «سي إس إل بيرينج» CSL Behring المتخصصة في الصناعات الدوائية ومقرها بلدة كينج أوف بروسيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، يعتمد العقار على نقل جينٍ إلى خلايا كبد المريض عن طريق استخدام فيروسٍ مُعَدَّل، ويعمل هذا الجين على ترميز بروتين يؤدي دورًا في تجلُّط الدم، وهو بروتين العامل التاسع Factor IX الذي تعجز أجسام المصابين بالمرض عن إنتاجه.
وتشير البيانات المستقاة من التجارب الإكلينيكية إلى أن إعطاء جرعة وحيدة من «هيمجينيكس» للمرضى الذين تتراوح درجة إصابتهم بمرض الهيموفيليا بين متوسطة وشديدة يمنحهم القدر المناسب من الحماية ضد النزيف غير المنضبط لمدة ثماني سنوات، أو يزيد.
لكن هذا العقار هو الأغلى ثمنًا على مستوى العالم، ورغم أنه فعالٌ على ما يبدو، يظل الوصول إلى عقاقير معتمدة على استبدال الجينات لعلاج النوع الأكثر شيوعًا من مرض الهيموفيليا يمثل تحديًا كبيرًا.
الجدوى الاقتصادية للعقار
من جانبها تؤكد شركة «سي إس إل بيرينج» أن ارتفاع تكلفة عقار «هيمجينيكس» له ما يسوِّغه؛ إذ قالت في تصريحٍ لها إنه حتى مع ارتفاع تكلفة العقار إلى 3.5 ملايين دولار أمريكي، فإن استخدامه قد يوفر على منظومة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة إنفاق مبلغٍ يتراوح بين 5 ملايين إلى 5.8 ملايين دولار أمريكي لكل مريضٍ يتلقى العلاج، بفضل فاعليته المُثْبَتة في تقليل أو إنهاء الحاجة إلى حَقن المرضى ببروتين العامل التاسع بشكلٍ دوري، ففي الوقت الحالي، يُعالج المصابون بمرض الهيموفيليا من النوع ب (والذين يمثلون 15% من حالات الهيموفيليا) عن طريق حَقنهم ببروتين العامل التاسع بمعدل مرة أو مرتين أسبوعيًّا، صحيحٌ أن هذا البروتين ضروري لتجلط الدم، لكن المصابين بالمرض لا يحملون الجين اللازم لإنتاج هذا البروتين بكمياتٍ كافية، وفي حال أُهمل علاج المرض، قد يعاني المصابون نزيفًا غير منضبط قد يُودي بحياتهم.
يقول جلين بيرس، نائب رئيس الاتحاد العالمي للهيموفيليا (WFH) في مونتريال بكندا: "إن قدرة مريض الهيموفيليا على التعايُش مع مرضه ترتبط بمسقط رأسه؛ ففي الولايات المتحدة، تتراوح تكلفة علاج الشخص البالغ المصاب بمرض الهيموفيليا من النوع ب بين 700 ألف و800 ألف دولار أمريكي سنويًّا في المتوسط، ولذا فإن العلاج باستخدام جين «هيمجينيكس» سيكون مُجديًا من الناحية الاقتصادية خلال زمنٍ قصيرٍ نسبيًّا، وذلك بافتراض أن ثمنه سيبقى مرتفعًا".
لكن بعض العلماء لديهم مخاوف من عدم قدرة مرضى الهيموفيليا الذين يعيش أكثرهم في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل على تحمُّل تكلفة هذا العقار، ناهيك بعدم توافُر العلاجات وبروتين العامل التاسع بالقدر الكافي في أغلب الأحيان، يقول بيرس: "تخرج إلى النور تقنياتٌ علاجية جديدة مثل العلاج الجيني، لكن أغلب المستفيدين المحتملين منها هم أقلُّ الناس قدرةً على تحمُّل تكلفتها، ولا يمكننا أن نُهمل غالبية العالم"، وفيما عدا التصريح العلنيّ لشركة «سي إس إل بيرينج»، فقد رفضت الشركة التعليق على سعر العقار.
نتائج واعدة
ضمَّت أحدث تجربة إكلينيكية لعقار «هيمجينيكس» 54 مريضًا بالهيموفيليا من النوع ب، وقد رصدت التجربة انخفاضًا نسبته 54% في عدد نوبات النزيف سنويًّا، كما توقف 94% من المشاركين عن تناول أي علاجٍ وقائي خلال عامين من تلقِّيهم الجرعة الوحيدة من «هيمجينيكس»، ويقول أندرو ناش، كبير المسؤولين العلميين بشركة «سي إس إل بيرينج»: "بدأت أجسام المرضى تنتج العامل التاسع بسرعة كبيرة جدًّا، وفي خلال فترةٍ تتراوح بين سبعة أشهر وثمانية أشهر من تناوُل الجرعة الوحيدة، استقرت مستويات العامل التاسع في أجسام جميع المرضى تقريبًا".
ويقول الباحثون إن أقل درجة استجابة تحققت في التجربة الإكلينيكية –وهي زيادة نسبتها 10% في مستويات العامل التاسع- كافية للحيلولة دون حدوث النزيف التلقائي، لكن المرضى قد يكونون بحاجةٍ إلى علاجات وقائية تعزيزية بعد تعرُّضهم لإصاباتٍ أو إذا كانوا على وشك الخضوع لعملية جراحية كبيرة، وكانت مستويات العامل التاسع لديهم أقل من 50%.
من جانبه، يقول إدوارد تودنهام، استشاري أمراض الدم بجامعة كوليدج لندن، وأحد أعضاء الفريق البحثي الذي صمَّم الناقل الفيروسي الذي صرَّحت شركة «سي إس إل بيرينج» باستخدامه: "عندما تقع نسبة العامل التاسع لدى المريض ضمن نطاق يتراوح بين 10% و40%، فإنه قد يواجه مشكلاتٍ عند تعرُّضه لإصابةٍ بالغة أو خضوعه لجراحة، لكن الهيموفيليا لن تمثِّل له على الأرجح مشكلةً فيما بعد".
ومن خلال دراسة متابعة استمرت ثماني سنوات لتجربة إكلينيكية على عقار مشابه لعقار علاج الهيموفيليا من النوع ب، أثبت تودنهام وزملاؤه أن ثمة دواعيَ منطقيةً تدعم اعتبار العلاج الجيني علاجًا مستقرًّا وفعالًا.
يقول بيرس: "يُعد التصريح بتداول عقار «هيمجينيكس» خطوةً مهمةً على طريق الوصول إلى علاجٍ شافٍ، والمرجَّح لدينا أن بعض مَن يتلقون العلاج سيتعافون فعليًّا من المرض لسنواتٍ عديدة".
مشكلاتٌ مناعية
إن موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على تداول عقار «هيمجينيكس» تسلط الضوء على العوائق التي تعترض تطوير العلاجات الجينية للهيموفيليا بوجهٍ عام؛ فنسبة المصابين بالهيموفيليا من النوع ب لا تتجاوز 15% من إجمالي مرضى الهيموفيليا، كما أن غالبية مرضى الهيموفيليا مصابون بالنوع أ من المرض، وهو اضطراب جيني ينشأ نتيجة نقصٍ في بروتينٍ مختلف من بروتينات تجلُّط الدم يُسمى العامل الثامن VIII، يعمل جينٌ مختلف على ترميزه.
وقد تبيَّن أن إيجاد علاجٍ جيني فعال لمرض الهيموفيليا من النوع أ يمثل تحديًا، نظرًا إلى أن تحقيق تأثير علاجي جيد يتطلب زيادةً أكبر في مستويات إنتاج العامل الثامن، علاوةً على أن بعض المشاركين في التجارب الإكلينيكية أظهروا استجاباتٍ مناعيةً قوية ضد الناقل الفيروسي المستخدم لإدخال الجين.
يقول مايكل ماكريس، الذي يدرس تجلط وتخثر الدم في جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة: "يحدث لدى مرضى الهيموفيليا من النوع أ تراجعٌ واضحٌ بمرور الوقت، كما أن [التعبير الجيني] لا يدوم إلا ثماني سنوات فقط، وبمجرد إعطاء العلاج الجيني بواسطة الفيروسات المرتبطة بالفيروسات الغديّة (تُعرَف اختصارًا بـAAV) للمرضى، تتولد في الجسم أجسامٌ مضادة للناقلات الفيروسية من هذا النوع، لذا لا يمكن استخدامها مرةً أخرى".
صرَّحت وكالة الأدوية الأوروبية في الرابع والعشرين من أغسطس 2022 بتداول علاجٍ جيني للهيموفيليا من النوع أ، أنتجته شركة «بيومارين فارماسيوتيكال» BioMarin Pharmaceutical ومقرها مدينة سان رافاييل بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وبعد أن رفضت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية الطلب الأول الذي تقدمت به شركة «بيومارين فارماسيوتيكال» من أجل الحصول على تصريحٍ بتداول العلاج، تدرس الهيئة الآن الطلب الثاني الذي تقدمت به الشركة.
يقول ليونارد فالنتينو، اختصاصي أمراض الدم السابق والرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة الهيموفيليا الوطنية» National Hemophilia Foundation الأمريكية بمدينة نيويورك: "رغم أن العلاج الجيني يبدو مثيرًا وواعدًا، يجب عدم الاستخفاف به؛ فاتخاذ القرار باستخدام العلاج الجيني يمكن أن يُغيِّر حياة المريض، وأي قرار من شأنه تغيير حياة المريض قد تترتب عليه آثارٌ إيجابية وأخرى سلبية".