الثقافة وسبل مكافحة الفساد
علي حسين عبيد
2016-02-16 02:23
كثيرة هي التفسيرات التي تناولت مفردة الثقافة كمعنى ومصطلح، واختلفت من تعريف الى آخر ومن ناقد الى آخر، ولكن على العموم الثقافة الجيدة تعني ببساطة تغيير نمط حياة الانسان من الأسوأ الى الأفضل، والثقافة في اللغة كلمة قديمة وعريقة في العربية، فهي تعني صقل النفس والمنطق، وفي المعجم، وثقف نفسه، اي صار حاذقا خفيفا فطنا، وثقفه تثقيفا اي سواه، وثقف الرمح، تعني سواه وقومه، والمثقف في اللغة هو القلم المبري، وقد اشتقت هذه الكلمة منه حيث أن المثقف يقوم نفسه بتعلم أمور جديدة كما هو حال القلم عندما يتم بريه. ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات.
فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب.و إجمالا فإن الثقافة هي كل مركب يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
والثقافة وفق رؤية بعض المعنيين بها تمثل نمطا متكاملا من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي. وهي مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما، وعندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، كان يشير فيما يشير إليه إلى عملية الاصلاح أو تحسين المستوى الحياتي.
ولا يتوقف هذا التحسّن، على مجال فكري معنوي مجرد، بل يمكن أن تتدخل الثقافية في التغييرات المادية المهمة التي تدخل على سلوك الفرد والمجتمع من خلال تغيير طريقة التفكير، ورفع مستواه الى أقصى ما يمكن، بحيث ينعكس ذلك على تطور الزراعة والصناعة، وتطوير بنية المجتمع والاقتصاد والتعليم والصحة وكل مجالات الحياة الاخرى، هذا يعني أن الثقافة اذا ما تعاملنا معها بالصورة الصحيحة التي تعطيها دورها الكامل بلا معوقات، فإنها ستكون عامل تغيير حاسم للفرد والمجتمع نحو الأفضل.
الفساد مشكلة العصر
لم يقتصر الفساد، عبثا ووجودا وتأثيرا سلبيا، على المجتمعات والدول المتأخرة، فالفساد كما أثبتت التجارب، وكما أكدت البحوث والدراسات المعنية، قد ينشأ في المجتمعات المتقدمة والمتطورة ايضا، بل ربما تكون هناك بيئة فساد كبيرة عندما تكون القدرة المالية كبيرة للدولة، تبعا للثقافة ودرجة الوعي ومنظومة السلوك ودرجة الحزم في تطبيق الضوابط الرادعة، والفساد كما جاء في معاجم اللغة هو في فسد ضد صَلُحَ، والفساد لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه.
ويرى أصحاب الشأن أن التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً ينحصر باللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق، مما يجعل تلك الرؤى المتعددة عن مفهوم الفساد، توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد القدرة والتصرف، وفي هذا المضمار يعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة.
ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية، بمعنى التغير للأسوأ، ويكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية، وحينما نتصدى لأنواع الفساد، فإن المعنيين يصنفونه الى عدة أنواع منها، الفساد بمعنى البطلان، في أصول الفقه، والفساد السياسي، متمثلا في إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس.
في هذا الحالة لا نخطئ اذا قلنا أن الفساد يمثل معضلة العصر الراهن بدرجة أكثر وضوحا من العصور السالفة، نعم لا يخلو أحد العصور التي مضت من هذه الآفة، ولكن ثمة درجات للفساد بدت أكثر غلوّا وحضورا وتأثيرا على حياة الشعوب والدول في العصر الحالي، يعزو الاقتصاديون وخبراء المال هذه الظاهرة الى التطور المادي الهائل حاليا، هذه المؤشرات شملت البلدان المتأخرة والمتقدمة معا، ومنها العراق.
في العراق ظهرت بوادر الفساد منذ عقود بعيدة، ولكنه مع التغييرات الكبيرة التي طرأت على البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعد نيسان 2003، أصبح ظاهرة خطيرة تفتك بتلك البنى، ومع مرور الوقت أخذت تنمو آفة الفساد، وتنوعت مافيات وعصابات متمرسة في تهريب الأموال وغسيلها واختلاسها، لدرجة أن المعلومات الدقيقة تقول بتهريب مئات المليارات خارج البلاد، والنزاهة تتحدث عن آلاف القضايا المتلبسة بجرم الفساد.
على المستوى الاجتماعي بات الفساد في القيم ظاهرة متفشية، بعضها صار أمرا متداولا ومتعارفا بي الاوساط الاجتماعية، بل بعض قيم الفساد وجدت قبولا وتعاملا معها، على أساس القبول بالأمر الواقع، كذلك بدأت نظرة شرائح معينة للفساد على أنه نوع من (الذكاء والشطارة)، وحق تكوين وبناء النفس حتى لو كان الفساد هو الطريق الى هذا البناء؟!!.
حلول ثقافية للفساد
تطرح الثقافة حلولا لهذه الظاهرة التي بدأت تهدد وجود الدولة العراقية، تاريخا وكيانا وشعبا، ولكن هذه الأفكار التي تطرحها الثقافة ليست كافية، وغير مؤثرة، وتبدو ناقصة، ومبعثرة، كونها غير منظّمة ولا فاعلة، وغير منسقة أصلا، فالكلام وطرح الآراء وإقامة الندوات الثقافية حول رفض الفساد لا يمكن أن تكون حلولا كافية للتصدي للفساد.
المفكرون والخبراء المعنيون يقولون بحزم، إن التغيير الثقافي ينبغي أن يبدأ بالانسان طفلا، وأن معالجة الأطراف الفاسدة لن تقود الى معالجة الرأس الفاسد، ويكرر الناس مثلا متعارفا بينهم (إن السمكة متعفنة من رأسها)، وهم يعنون بذلك أن الحكومة هي رأس الفساد، وأن الطبقة السياسية هي مصدر الفساد وهي التي تتعامل به سرا وعلنا من اجل الحفاظ على مصالحها ومضاعفة مكاسبها، بعيدا عن مصلحة الدولة، الوطن والشعب.
دور الثقافة حاسم في مكافحة الفساد ولكن ينبغي أن تكون هناك خطة فكرية تطبيقية واضحة المعالم، تقوم بوضعها لجان مختصة متمرسة ولا بأس من الاستفادة من خبرات اجنبية في هذا المضمار، وهناك مقترحات وخطوات في هذا الشأن منها:
- البدء بوضع لمسات ثقافية لمواجهة الفساد من المراحل المبكرة للتعليم.
- اهتمام العائلة بتربية الطفل على نبذ الفساد بأنواعه.
- وضع تشريعات وضوابط رادعة وحازمة وتطبيقها بجدية.
- حث القضاء على ملاحقة الفاسدين.
- عدم رفع شعار الاصلاح بعيدا عن التطبيق.
- الشروع بحملات ثقافية واسعة ضد الفساد.
- الابتعاد عن الروتين في التعامل مع هذه الآفة.
- تطبيق القانون على الجميع، على أن يبدأ بالكبار ثم الصغار من حيث المسؤولية.
- مواصلة التثقيف الشعبي للضغط على الطبقة الحاكمة ومحاصرة الفاسدين.
- مواصلة المرجعية ضغطها التثقيفي على الطبقة السياسة والنزاهة لردع الفساد والفاسدين.