تمكين الحوكمة ودور الثقافة الاجتماعية

مرتضى معاش

2025-10-19 03:28

الحوكمة هي الإدارة الجيدة لجميع المؤسسات في الدولة من خلال سياسات وآليات وممارسات، تقوم على الشفافية والمشاركة والمساءلة وسيادة القانون ومكافحة الفساد، والسعي لتحقيق العدالة وعدم التمييز بين المواطنين والاستجابة لاحتياجاتهم وتحري الكفاءة للوصول بالسياسات والخدمات لأعلى مستوي من الفعالية والجودة بما يرضي المواطنين.

من هنا فإن احد اهداف الحوكمة هو بناء الديناميكية والمرونة في النظام الإداري، الذي يعد جوهر كل دولة تتمتع بنظام اقتصادي ونظام سياسي مستقر ومستدام تحكمها القوانين، فاذا كان النظام الاداري فاشلا او متصلبا او جامدا يؤدي الى فشل الدولة، وايضا اذا فقدت الثقة بين الشعب والدولة نتيجة لسوء النظام الاداري سيؤدي ذلك الى تزعزع التعاون بين الطرفين في عملية بناء النظام العام للدولة ونجاح النظام السياسي، فالحوكمة هي من المفاهيم المهمة في عملية البناء المؤسسي للدولة والخروج عن إطار الحالات الفردية والحزبية والفئوية الضيقة، بالإضافة الى تحقيق شرعية التمثيل.

شراء أصوات الناخبين

 ومن ضمن الأمور التي تؤدي إلى عدم قدرة الحوكمة على المسائلة وتمكين المراقبة سواء كانت الالكترونية أو غيرها هو الزبائنية الريعية، وذلك عندما تقوم الدولة بشراء المواطن من خلال راتبه الوظيفي، حيث سيتخذ السكوت على كل المساوئ الموجودة في الحزب او في المؤسسة او في الدوائر الحكومية ويصبح تابعاً لهذه الهيكلية المتصلبة.

ومن ضمن ذلك مسألة الانتخابات فهي كالسكين ذو حدين حيث فيها جانب إيجابي في تحقيق إمكانية تحقق التمثيل الشعبي والتداول السلمي للسلطة وبناء الحكم الرشيد، وفي الجهة الأخرى هناك جانب سلبي عندما تستغل الانتخابات لأجندات خاصة وتصبح مجرد حصان يركبه الفاسدون والمستبدون من أجل تحقيق أجنداتهم الخاصة واستغلال امكانيات الدولة لشراء أصوات الناخبين.

الاتكال على الاهداف قصيرة المدى

من المعوقات الأخرى هي افتقاد الرؤية المستقبلية، حيث يعاني البعض خصوصا بعد 2003 والتغيير الكبير، من قصر النظر والاتكال على الاهداف قصيرة المدى، ومن ذلك الدستور العراقي الذي صيغ كدستور دائم لكنه في الواقع قصير المدى لم ينظر المشرعون فيه للمستقبل، فحمل في طياته ألغاما محملة بالأزمات المعقدة، وهذا الفرق بين الدولة الناجحة والدولة الفاشلة، فالأخيرة تعتمد على تحقيق الاهداف قصيرة المدى دون ان تنظر الى المستقبل.

ان الحوكمة تهدف بناء الحكم الرشيد، لكن النظام السياسي المشوه في العراق الذي قام على المحاصصة يرفض أي شيء يرتبط بالمراقبة والمحاسبة والشفافية، بل يعتمد على توافقات المحاصصة المكوناتية، وهذا من أهم معوقات الحوكمة التي لا يمكن أن تكون فاعلة في إطار المحاصصاتية، مما يؤدي الى بقاء المشكلات نفسها بل تتطور في تعقيداتها الى أزمات مزمنة تؤدي الى تشويه النظام السياسي.

ومن المعوقات وجود تصلب بالثقافة الإدارية تتحكم بالدوائر الحكومية وهذه الثقافة غير قابلة للتغيير بل تتوارث جيلا بعد جيل وتبقى هي المسيطرة، كما تعد الثقافة الاجتماعية المشجعة للزبائنية الفاسدة معوقا في عملية بناء الدولة الرشيد والمجتمع الصالح وتقف مصدا امام الإصلاح المجتمعي.

من المقترحات في تمكين الحوكمة هي:

تخليص المؤسسات من مزاجية الأفراد، وخصوصا القيادة الاستبدادية التي تجنح للتغيير الحاد وغير الناضج، الذي يؤدي ذلك الى تدمير الحركة الاجتماعية البنائية.

تكريس ثقافة ومناهج الرقابة المؤسساتية، التي تضمن عدم انحراف النظام السياسي والاداري نحو المصالح الحزبية والفئوية والفردية، ومنع الفساد من النفوذ والتغول.

وكذلك ضرورة العمل بالأهداف بعيدة المدى، وتخفيض التكاليف وترشيدها، تطوير الثقافة الاجتماعية عند الفرد، متانة النظام الاقتصادي، وبناء السياسات السليمة التي تؤدي إلى تطور التفكير الاجتماعي في الدولة، فالدولة التي تقوم على التفكير الاجتماعي يتفاعل فيها الشعب، فيزداد وعيا ويشعر بلذة النظام وجدوى احترامه والالتزام به، وفهم القيم والغاية التي تأتي من الحوكمة.

* مداخلة بتصرف مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحت عنوان: (تطبيق الحوكمة في العراق وديناميكية تصحيح النظام الاداري)

ذات صلة

التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها على السيادة الوطنية للدولالاستثمار الأمثل للتقنية الحديثة في خدمة الإنسان والقيمموت الآيدلوجية القومية: القوميتان العربية والكردية نموذجًاالنفط والسياسة: من يسيطر على من؟الحرب على غزة.. انتهت ولم تنتهِ