الانا الهشة واخلاقيات المسؤولية
نخطأ ونتعلم فلماذا لا نعترف؟
عزيز ملا هذال
2021-02-16 08:14
منطقياً كل من يعمل يخطأ، ولأن البشر عامل في اغلب حالاته فالخطأ سمة اصيلة من سماته، وما من انسان في هذا الكون الا ويعد عرضة للخطأ تحت تأثير الانفعالات والظروف والضغوط النفسية.
تتفاوت الاخطاء في تأثيرها واحجامها، فمنها ما هي صغير قد لا يتعدى اثرها على الانسان ذاته، ومنها ماهي كبيرة يتجاوز اثرها مقترفها الى حدود من حوله، ولكن ما يثير الحفيظة هو لماذا يمتنع بعض الأفراد عن الاعتراف بأخطائهم؟
الخطأ الانساني ليس عيباً لكن العيب في الاستمرار وعدم الاعتراف به، وبالمسؤولية في التصحيح فذاك (الاعتراف) سلوك متحضر وفضيلة تدل على الثقة العالية بالنفس كما هو وفن ومهارة شخصية واجتماعية.
ويصنف الاعتراف بالخطأ بالتصريح او التلميح على انه استجابة انموذجية عند ارتكاب الاخطاء، يرتبط عدم الاعتراف به بـ(ذاتية الفرد) او الشعور الذاتي للفرد، فالبعض لديهم خلل في شخصياتهم وهو ما يعرف بـ(الانا الهشة) التي بموجبها يرون ان الاعتراف بالحقيقة سيحطمهم نفسياً، لذا تدفعهم فآليات دفاعهم لتجنب هذا الشعور.
في مقال نشر على موقع (سيكولوجي توداي) يقول الطبيب النفسي (غي ونش) "إن البعض يعترف بخطئه ويعتذر عنه، في حين يشير البعض الآخر إلى خطئه بشكل غير صريح، والبعض يرفض مطلقاً الاعتراف بخطئه رغم وجود أدلة دامغة".
الاقرار بوقوعنا بالخطأ نمط سلوكي جميل واسلوب حياة فاضل يعم عند الشعوب المتحضرة، يعبر عن نبل وكرم يعيد ترميم العلاقات الاجتماعية بعد كل عاصفة تطالنا، حين نقول بأخطائنا نطور من ذواتنا ونمنحها تحصين ضد الاخطاء الاتية عبر الاستفادة مما سبق وتجنباً لثقل الاعتذار على النفس البشرية.
فلا يقوى الفرد السوي على ممارسة حياته بهدوء وتوازن ما لم يمتلك الرغبة في التصحيح، ولا يخلق التبريرات للهروب من تحمل مسؤولية اخطائه، والاولى بنا كبشر ان نشبع انفسنا بثقافة ان الاخطاء واردة ومقبولة اذا ما لازمها اعتراف بها وتصحيح لها.
يبين اهل النفس ان الاعتراف بالأخطاء وسوء التصرف الذي يصدر منا يدلل على صحة نفسية عالية لدى الفرد شريطة ان لا يتحول هذا السلوك الى الحكم على النفس بالفشل وغياب فرصة النجاح او جلد الذات، بل الغرض منه التعلم ومن ثم التصحيح وبالتالي الافادة من مكامن الضعف فينا والتعامل معها والتغلب عليها.
من الصحة بمكان ان نراجع سلوكيتنا ونشخص المعتل منها، والايحاء الى ذواتنا بأننا لسنا اول المخطئين ولا اخرهم، فلن نفلت من الاخطاء مهما بلغنا علماً او حكمة او ثقافة، لكن هذه المحددات يجب ان توظف في التصويب فامتلاكنا لها يفترض ان يجعل منا مرنين ومتقبلين ومعترفين ومن ثم مصححين.
من اكثر ما يحز في النفس اننا نحن العرب (افراداً وجماعات وحتى حكومات) لا نعير اهمية لسلوكياتنا غير السليمة ونشحذ هممنا للتبرير والمماطلة بديل الاعتذار لمن اخطأنا بحقهم وازالة الجليد الذي كونته تلك الاخطاء.
فقلما نسمع عن حاكم او وزير او أي مسؤول عربي على وجه العموم او عراقي على وجه الخصوص اعترف بأخطائه تجاه رعيته واعتذر عنها، رغم جمة اخطاءهم الكارثية التي انهكت شعوبهم وعادة بهم الى حياة ما قبل عشرات السنين، لان تربيتنا (البدوية) تعتبر الاقرار بالأخطاء والاعتذار ضعف وهزيمة او اذلال للشخصية.
ونحن العرب من ابرع الناس في تقديم الاعذار بدل الاعتذار، ونحن من اكثر الشعوب العنيدة التي يلقي افرادها اللوم على شماعة الظروف أو على الآخرين او على أي شماعة أخرى بشرط أن لا تكون شماعتنا، فالغير هم السبب وهم المذنبون دائما وليس نحن.
نحن العرب الى الان لن نستنشق الهواء الحامل لثقافة الاعتراف بالذنب، ونحن اكثر الناس نجهل اهمية وفن الاعتذار، مما يستدعي اذكاء نوعاً من الضبط الاجتماعي والأخلاقي الذي يذكرنا بعلاقتنا كأفراد بمحيطنا، كما تذكرنا بالقوانين التي يجب ان تحكم تصرفاتنا.
ثمة حلول او معالجات ينبغي ان تكون لتخفيف اثر هذه السلوكية غير الطبيعية ذات الجذور النفسية والمجتمعية وهي: ان تأخذ الاسر دورها في انضاج فكرة ان الانسان خطاء وهو ليس معصوم من الزلل، فلا داعي للنكران او المكابرة التي لا تدفع اثر الخطأ ولا تمحيه والافضل الاعتراف والتصويب والتعلم من الاخطاء.
يفترض ان يكون للمؤسسات التي تقع على عاتقها رعاية وبناء الانسان بدءاً من رياض الاطفال والمدارس وصولاً الى الجامعات وحتى المؤسسات الدينية والاعلامية دور في زرع مفاهيم مهمة في نفسية الانسان توصله الى حالة التكامل الجزئي ومنها ثقافة الاعتراف بالخطأ التي شنجت الكثير من الامور وقطعت الكثير من العلاقات وشوهت بعضها، فليس هناك خطأ اكبر من عدم الاعتراف بالخطأ.
من ثم علينا ان ندرك حقيقة ان الاعتراف بالخطأ هو اقصر الطرق لغلق المتعلقات به، بدلا من تحولنا في نظر الناس الى كاذبين او مزيفين وهاتان السلوكيتان لا تليقان بإنسان سوي وذو خلق.
اليس الاعتراف بالخطأ فضيلة؟، اليس تجاوز اثره يحتاج الى شجاعة وثقة بالنفس بالتالي نبدأ التصحيح؟، اذن فلنتعرف بأخطائنا التي اسست ومازالت تؤسس للكثير من التخلف والتراجع والفشل في مجمل تفصيلات حياتنا.