الانهيار المناخي والصيف الأكثر سخونة في التاريخ

شبكة النبأ

2023-09-07 06:51

فصل الصيف (من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس) شهد أعلى متوسط لدرجات الحرارة العالمية تم قياسه على الإطلاق، بحيث اصبح عام 2023 أكثر الأعوام سخونة في التاريخ. بحسب ما أعلنه مرصد كوبرنيكوس الأوروبي.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان عن أسفه لأن "الانهيار المناخي قد بدأ".

وأضاف "إن مناخنا ينهار بشكل أسرع مما يمكننا مواجهته، فيما تضرب الظواهر الجوية المتطرفة كل ركن من أركان الكوكب"، مذكرا كيف "حذر العلماء منذ فترة طويلة من عواقب اعتمادنا على الوقود الأحفوري".

ضربت موجات الحر والجفاف والفيضانات والحرائق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية خلال هذه الفترة، بأحجام هائلة وغير مسبوقة في كثير من الأحيان، مع ما ترتب على ذلك من خسائر في الأرواح وأضرار على الاقتصادات والبيئة.

منذ 120 ألف سنة

ولم يسلم من هذه الظواهر العنيفة نصف الكرة الجنوبي حيث حُطم الكثير من الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في منتصف الشتاء الجنوبي.

وقال مرصد كوبرنيكوس "كان موسم حزيران/يونيو-تموز/يوليو-آب/أغسطس 2023" الذي يتوافق مع الصيف في نصف الكرة الشمالي حيث تعيش الغالبية العظمى من سكان العالم، "الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، حيث بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 16,77 درجة مئوية".

وهذا يزيد بمقدار 0,66 درجة مئوية عن متوسط الفترة 1991-2020 والتي شهدت ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بسبب ظاهرة الاحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري. كما أنه أعلى بنحو 0,2 من المستوى القياسي السابق المسجل العام 2019.

كان تموز/يوليو 2023 أكثر الأشهر سخونة على الإطلاق، وصار آب/أغسطس 2023 الثاني الآن، وفق كوبرنيكوس.

وعلى مدى الأشهر الثمانية الأولى من العام، كان متوسط درجة الحرارة العالمية أقل "0,01 درجة مئوية فقط مما سُجل في عام 2016، وهو العام الأكثر سخونة على الإطلاق".

ولكن هذا الرقم القياسي ليس منيعًا نظراً للتوقعات الموسمية وعودة ظاهرة إل نينيو المناخية في منطقة المحيط الهادئ المرادفة لمزيد من الانحباس الحراري.

قالت سامانثا بورغس ، نائبة رئيس قسم تغير المناخ (C3S) في مرصد كوبرنيكوس لوكالة فرانس برس إن "بالنظر إلى الحرارة الزائدة على سطح المحيطات، فمن المرجح أن يكون عام 2023 هو العام الأكثر سخونة ... الذي عرفته البشرية".

تعود قاعدة بيانات كوبرنيكوس إلى عام 1940، ولكن يمكن مقارنتها بالمناخات التي سادت خلال آلاف السنين الماضية وتم التوصل إليها باستخدام حلقات الأشجار أو العينات الجليدية وتجميعها في أحدث تقرير صادر عن فريق خبراء المناخ التابع للأمم المتحدة.

وعلى هذا الأساس، قالت بورغس إن "الأشهر الثلاثة التي شهدناها للتو هي الأكثر سخونة منذ حوالى 120 ألف عام، أي منذ بداية تاريخ البشرية".

ارتفاع حرارة المحيطات

وعلى الرغم من ثلاث سنوات متتالية من ظاهرة إل نينيا المعاكسة لظاهرة إل نينيو والتي حجبت الاحترار جزئيا، فإن الأعوام 2015-2022 كانت بالفعل الأكثر حرا على الإطلاق.

ويلعب ارتفاع درجة حرارة بحار العالم التي ما زالت تمتص 90% من الحرارة الزائدة الناجمة عن النشاط البشري منذ العصر الصناعي دورا رئيسيا في هذه الظاهرة.

فمنذ نيسان/أبريل، يتطور متوسط درجة حرارة سطحها إلى مستويات غير مسبوقة.

ويشير كوبرنيكوس إلى أنه "من 31 تموز/يوليو إلى 31 آب/أغسطس"، "تجاوزت درجات حرارة البحار كل يوم المستوى القياسي السابق المسجل في آذار/مارس 2016"، لتصل إلى مستوى رمزي غير مسبوق يبلغ 21 درجة مئوية، وهو بوضوح أعلى من كل البيانات المسجلة.

تؤكد سامانثا بورغس أن "احترار المحيطات يؤدي إلى ارتفاع حرارة الغلاف الجوي وزيادة الرطوبة، مما يؤدي إلى هطول أمطار أكثر كثافة وزيادة في الطاقة المتاحة للأعاصير المدارية". ويؤثر ارتفاع الحرارة أيضًا على التنوع البيولوجي، فهذا يعني كما تشرح "تناقص العناصر الغذائية في المحيط ... وكذلك الأكسجين" مما يهدد بقاء الحيوانات والنباتات. وتشير العالمة أيضًا إلى ابيضاض الشعاب المرجانية وتكاثر الطحالب الضارة أو "الانهيار المحتمل لدورات التكاثر".

وتقول "ستستمر درجات الحرارة في الارتفاع حتى نغلق صنبور الانبعاثات" الناتجة بشكل أساسي عن احتراق الفحم والنفط والغاز.

خلطة قاتلة

وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن البشر وجميع الكائنات الحية مهددون أيضا بسبب "خلطة قاتلة" من الملوثات الكيميائية التي تغذيها الحرائق وموجات الحر الشديدة والمتكررة.

وعقبت عالمة المناخ فريدريكي أوتو بقولها "إن ظاهرة الاحتباس الحراري مستمرة لأننا لم نتوقف عن حرق الوقود الأحفوري. الأمر بهذه البساطة". وتقدر شبكتها العلمية (WWA) أن موجات الحر التي شهدتها أوروبا وأميركا الشمالية في تموز/يوليو كانت أكثر سخونة بمقدار 2,5 درجة مئوية و2 درجة مئوية بسبب انبعاثات الاحتباس الحراري.

وقال ديفيد راي، مدير معهد أدنبرة لتغير المناخ "حتى أولئك الذين ما زالوا يدفنون رؤوسهم في الرمال ... يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا الجو حار إلى هذا الحد".

وأضاف: "إذا لم يسفر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دبي عن تخفيضات جذرية في استخدام الوقود الأحفوري والانبعاثات العالمية، فسنكون قادرين على تسمية عشرينيات القرن الحادي والعشرين رسميًا: عصر الغباء".

يأتي نشر هذه البيانات والتصريحات قبل ثلاثة أشهر من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي.

ويُفترض أن يعيد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ والذي يتوقع أن يشهد معركة حامية حول إنهاء استخدام الوقود الأحفوري، البشرية مرة أخرى إلى مسار اتفاق باريس للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، وإذا أمكن عند 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.

صيف هندي حار

وكشفت دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عن تسجيل مستويات حرارة قياسية هذا الصيف، ما يتماشى مع بيانات أعلنتها بلدان في مختلف أنحاء العالم هذا العام، في مؤشر إضافي على تأثير التغير المناخي على حرارة الأرض.

وأعلنت الهند، أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان، تسجيل أعلى درجات الحرارة ومعدلات الجفاف لشهر آب/أغسطس 2023 منذ بدء تسجيل البيانات الوطنية قبل أكثر من قرن.

وقالت وكالة الأرصاد الجوية الهندية "كانت درجات الحرارة الوسطى والقصوى في آب/أغسطس 2023 في أعلى مستوى قياسي منذ عام 1901"، عازية ذلك بشكل رئيسي إلى "التراجع الكبير في هطول الأمطار وضعف الرياح الموسمية".

ويصادف آب/أغسطس في الهند وسط موسم الأمطار الذي يسجل سنويا بالعادة 80% من المتساقطات السنوية في البلد.

وتسبب الموسم هذه السنة بفيضانات خلفت قتلى في بعض أنحاء شمال البلاد، لكن الأمطار خلالها كانت عموما أدنى بكثير من العادة، ما ساهم في تسجيل درجات الحرارة القياسية.

وبحسب بيانات الأرصاد الجوية، فإن متوسط المتساقطات في أب/أغسطس تراجع إلى 161,7 ملم، أي أقل بـ30,1 ملم من أدنى متوسط سابق سجل عام 2005.

والأمطار الصيفية أساسية للأمن الغذائي حيث يعول ملايين المزارعين الهنود على هذا الموسم لضمان ديمومة محاصيلهم.

صيف ياباني حارّ

بدورها، سجلت اليابان بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس متوسط درجات حرارة هو الأعلى منذ بدء تسجيل هذه البيانات عام 1898.

وأوضحت وكالة الأرصاد الجوية أنه خلال هذه الفترة "كان متوسط درجات حرارة الصيف في اليابان أعلى بفارق كبير في شمال البلاد وشرقها وغربها".

وأضافت في بيان "بلغ متوسط درجات الحرارة غير الاعتيادية في اليابان استنادا إلى ملاحظات في 15 موقعا مختلفا، +1,76 درجة مئوية وهو ما يتجاوز بكثير متوسط عام 2010 (+1,08 درجة مئوية) التي كانت الأعلى على الإطلاق" منذ بدء تسجيل الإحصاءات في عام 1898.

في العديد من الأماكن في كافة أنحاء البلاد، لم تصل درجات الحرارة القصوى فحسب، بل أيضا درجات الحرارة الدنيا إلى أرقام قياسية، كما هي الحال في مدينة إيتويغاوا بوسط البلاد حيث وصلت درجة الحرارة الدنيا إلى 31,4 درجة مئوية في 10 آب/أغسطس، وهو أعلى مستوى في البلاد وفقا لوكالة الارصاد.

وجاء في البيان "مقارنة بالسنوات التي كان فيها متوسط درجات الحرارة في الصيف مرتفعا بشكل خاص (2010 و2013 و2018 و2022) زاد عدد الأيام شديدة الحرارة بشكل ملحوظ اعتبارا من نهاية تموز/يوليو ليصبح الأعلى منذ عام 2010".

وكانت اليابان سجّلت في تموز/يوليو متوسط درجات حرارة هو الأعلى منذ بدء تدوين هذه البيانات. وانعكس الحرّ على السكان، اذ توفي أكثر من 30 شخصا في الشهر المذكور بسبب ضربات الشمس، وأدخل أكثر من 35 ألفا المستشفى لتلقي الرعاية الطبية، وفق الوكالة اليابانية لإدارة الحوادث والكوارث.

وحذّرت السلطات السكان مرارا خلال الصيف من خطر ضربات الشمس ونصحتهم، وخصوصا كبار السن منهم، بتفادي الخروج خلال النهار والبقاء في أماكن مكيّفة.

وتجاوز 30 في المئة من سكان اليابان عتبة الخامسة والستين من العمر. وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، كان المسنّون أكثر من 80% من ضحايا الوفيات الناتجة عن ضربات الشمس.

شتاء أسترالي دافئ

ولا يقتصر ارتفاع الحرارة على الصيف.

فقد أفاد مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي أن فصل الشتاء ، كان الأكثر دفئا تعرفه البلاد على الإطلاق.

وقال سايمون غرينغر، خبير المناخ في الوكالة، لفرانس برس إن متوسط درجة الحرارة في جميع أنحاء البلاد بلغ 16,75 درجة مئوية من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس، وهو أعلى بقليل من الدرجة القياسية السابقة المسجلة في عام 1996، والبالغة 16,68 درجة.

وتعود سجلات الطقس الأسترالية إلى عام 1910.

وشهد فصل الشتاء لعام 2023، ثاني أعلى درجات حرارة قصوى مسجلة وبعضًا من أعلى درجات الحرارة الدنيا أيضا، بحسب مكتب الأرصاد.

حذر خبراء استراليون مرارا من أن تغير المناخ يزيد من مخاطر الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات والفيضانات والأعاصير. وبعد أعوام عدة ممطرة، يتوقع خبراء أن يشهد الصيف المقبل حرائق غابات هي الأكثر كثافة منذ 2019-2020.

وتأتي المستويات القياسية لدرجات الحرارة في آسيا والمحيط الهادئ في وقت يقترب الإعصار الكبير ساولا من جنوب الصين، مع رياح تعتبر الأقوى في المنطقة، مما أرغم سكان مدينتي هونغ كونغ وشنتشن على الاحتماء.

وشهدت مختلف دول العالم هذا العام، نسقا قياسيا في حرارة الصيف.

وأفاد مرصد كوبرنيكوس الأوروبي أن شهر تموز/يوليو كان الأكثر حرا على الإطلاق. كما توقعت وكالة الفضاء الأميركية ("ناسا") وكوبرنيكوس أن يصبح تموز/يوليو عام 2023 على الأرجح الأكثر سخونة في العالم منذ "مئات، إن لم يكن آلاف السنين".

ويقول علماء إن الاحترار العالمي الناجم عن أنشطة بشرية يفاقم الكوارث الطبيعية ويزيد من تواترها وفتكها.

والشهر الماضي، حذّر جون نيرن، كبير مستشاري الحرّ الشديد في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، من أن موجات الحر "ستصبح أكثر شدة وأكثر تواتراً".

وأشار الى أنها "نتيجة احترار المناخ الذي يظهر أسرع في أنظمة الطقس".

كما تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات حرارة سطح البحر العالمية، بعدما ارتفعت درجات الحرارة "بشكل غير عادي" في نيسان /أبريل الماضي، والذي تسبب في ارتفاع درجة حرارة سطح البحر في تموز / يوليو إلى حوالي 0.51 درجة مئوية فوق متوسط 1991-2020.

من جهته، أشار كريس هيويت، مدير خدمات المناخ لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى توقعات الوكالة الأممية في أيار / مايو باحتمال أن تكون إحدى السنوات الخمس المقبلة واحدة من أكثر الأعوام دفئا على الإطلاق، وذلك "بنسبة 98 في المائة." وذكر أن المنظمة رجحت بنسبة 66 في المائة أن تتجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق معدل ما قبل عصر الصناعة في الفترة نفسها، فيما أكد أن ذلك التغيير سيكون "مؤقتا".

وحذرت السيدة بورغيس من أن أي زيادة من هذا القبيل، حتى ولو كانت مؤقتة، سيكون لها "عواقب وخيمة على كل من الناس والكوكب المعرضين لأحداث مناخية متطرفة أكثر تواتراً وشدة." وقالت إن ذلك يؤكد "الحاجة الملحة لجهود طموحة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والتي تعد المحرك الرئيسي وراء هذه الأرقام القياسية".

وأضاف المسؤول لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن "اتجاه الاحترار على المدى الطويل مدفوع بالزيادة المستمرة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي" والتي وصلت جميعها إلى مستويات قياسية.

عهد الغليان العالمي

وكان الأمين العام للأمم المتحدة قال سابقا إن عصر الاحتباس الحراري انتهى وبدأ عهد "الغليان الحراري العالمي".

وأوضح الأمين العام أن عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة "واضحة ومأساوية" حيث تجرف الأمطار الموسمية الأطفال وتهرب العائلات من لهيب النيران وينهار العمال بسبب الحر الشديد.

وأضاف أن هذا الصيف "قاس" بالنسبة لأجزاء شاسعة من أميركا الشمالية وأفريقيا وأوروبا، مؤكدا أنها "كارثة" للكوكب بأسره.

وقال غوتيريش إنه "لا مزيد من التردد. لا مزيد من الأعذار. لا مزيد من انتظار الآخرين للتحرك أولا".

وفي السادس تموز/يوليو، تجاوز المتوسط العالمي اليومي لدرجة حرارة الهواء السطحي الرقم القياسي المسجل في آب/أغسطس 2016، ما جعله اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق يليه يومي 5 و7 تموز/يوليو من نفس الشهر.

وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن هناك احتمالية بنسبة 98 في المائة أن تكون واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر دفئا على الإطلاق، وأن هناك فرصة بنسبة 66 في المائة لأن تتجاوز الزيادة في درجات الحرارة مقدار 1.5 درجة مئوية مؤقتا فوق متوسط الفترة ما بين عامي 1850-1900 لعام واحد على الأقل من السنوات الخمس القادمة.

حرمان المليارات من الطعام

قالت دراسة جديدة إن ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير لأيام معدودة يمكن أن يكون كافيا لحرمان المليارات من أصحاب الدخل المحدود من الطعام. وخلصت الدراسة التي شملت 150 دولة معظمها في مناطق استوائية وشبه استوائية، إلى أن موجة الحر نفسها تعني مواجهة ملايين الرجال والنساء والأطفال خطر الجوع، وإن ازداد انعدام الأمن الغذائي الإجمالي بنسبة تقل عن 1%.

وعلى سبيل المثال، يمكن لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير مدة أسبوع في الهند أن يؤدي على الأرجح إلى انعدام خطير في الأمن الغذائي بالنسبة لثمانية ملايين شخص إضافي، وفق استنتاجات نشرتها مجلة "نيتشر هيومن بيهيفيور".

وخلصت الدراسة التي شملت 150 دولة معظمها في مناطق استوائية وشبه استوائية إلى أن موجة الحر نفسها تعني مواجهة ملايين الرجال والنساء والأطفال خطر الجوع، وإن ازداد انعدام الأمن الغذائي الإجمالي بنسبة تقل عن 1%.

تفيد تقديرات البنك الدولي بأن 30 % تقريبا من سكان العالم عانوا من انعدام طفيف أو شديد للأمن الغذائي عام 2022.

وبينما يقتصر عادة تحليل تأثير درجات الحرارة المرتفعة على توافر الغذاء، على تراجع غلة المحاصيل التي تتجلى تداعياتها بعد شهور أو سنوات، فإن الدراسة الجديدة تكشف أن التأثير يمكن أن يكون فوريا عندما يتعلق الأمر بالدخل.

وقالت الباحثة الرئيسية للبحث كارولين كروغر من جامعة أكسفورد لوكالة الأنباء الفرنسية: "إذا كان اليوم حارا، قد يكون هناك انعدام للأمن الغذائي في غضون بضعة أيام فقط لأن الناس لا يمكنهم العمل، ما يعني أنه لا يمكنهم تحقيق دخل وتحمل كلفة شراء الطعام".

تظهر هذه النتائج عادة بشكل أكبر في الوظائف التي يرتبط فيها الأجر بالإنتاج بشكل وثيق، على غرار العمل في الحصاد أو بالقطعة.

في غرب البنغال مثلا، تحصل نساء يعملن في حمل الطوب على الأجر مقابل العدد الذي يقمن بحمله. عندما يجبرهن ارتفاع درجات الحرارة على حمل عدد أقل، تصل خسارة الأجور التي يعانين منها إلى 50 %.

وعكس تقرير أعدته وكالة الأنباء الفرنسية مؤخرا هذه الاستنتاجات.

على سبيل المثال، يستيقظ السوري مراد حداد باكرا ليتناوب على العمل في مهنة الحدادة لتجنب درجات الحرارة المرتفعة التي يزيد اللهب من شدتها.

وقال لوكالة الأنباء الفرنسية بينما تصبب العرق منه: "على عاتقي 6 أولاد، وبالكاد نتمكن من توفير مستلزمات عيشهم وعيشنا"، مؤكدا "إن لم نعمل، لن نتمكن من توفير لقمتنا".

أرقام قياسية

وتقول كروغر: "يمكن ملاحظة التداعيات الأشد في البلدان المنخفضة الدخل، المزيد من العاملين في الزراعة والمزيد من العمالة المعرضة للخطر".

وخلصت إلى أن الأشخاص الذين شهدوا للتو أسبوعا حارا يكونون أكثر عرضة للمشاكل الصحية و"الصعوبات في الاعتماد على دخلهم الحالي"، ما يؤدي إلى دخل أقل بكثير.

وتعد هذه التأثيرات تراكمية، فكلما ازدادت أيام الحر خلال الأسبوع، ازداد التأثير.

وتمت خسارة 470 مليار ساعة عمل محتملة، أي ما يعادل أسبوع عمل ونصف للفرد حول العالم في 2021 نتيجة الحر الشديد.

تأتي الدراسة في وقت لا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة جراء التضخم وبعد شهر على فرض الهند، أكبر مصدر للأرز في العالم، قيودا على الصادرات نتيجة ضرر كبير لحق بالمحاصيل.

لكن الإمدادات والأسعار ليست المشكلة الوحيدة.

وخلص باحثون أيضا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تراجع كبير في العناصر الغذائية الرئيسية في العديد من المحاصيل والبقوليات التي يعتمد معظم العالم عليها.

وقالت كروغر: "تم تسجيل درجات حر قياسية عديدة في العام أو العامين الماضيين، لذا أعتقد بكل تأكيد بأن بعض الأمور التي شهدناها قد تزداد سوءا".

وأضافت: "لكن يمكن لبعض الأمور أن تساعد مثل (عقود) التأمين الصغيرة وتحسين قوانين العمل، ما زال بالإمكان تغيير المعادلة".

وبحسب اللجنة الاستشارية لعلوم المناخ التابعة للأمم المتحدة فإن ملايين الأشخاص سيشهدون 30 "يوم حر مميت" على الأقل سنويا بحلول العام 2080، حتى وإن حقق العالم هدف اتفاق باريس للمناخ القائم على إبقاء سقف الاحترار أقل بكثير من درجتين مئويتين.

ذات صلة

أزمة البرود الجنسي: أسبابها وحلولهاالخطاب السياسي الإسلامي في العراق.. اضاءات في طريق التجديددفاع عن المثقفكيف أصبحت جامعة كولومبيا بؤرة للاحتجاجات في الجامعات العالمية؟الدولة من الريع الاستهلاكي الى الاستثمار الانتاجي