الإحترار المناخي يؤجج نيران الحرائق

شبكة النبأ

2023-09-04 08:10

ينتج عن التغير المناخي زيادة كبيرة في خطر امتداد حرائق الغابات بطريقة سريعة، وفقا لدراسة. وتفتح هذه الدراسة الطريق أمام أفكار جديدة للوقاية بعد الكوارث الأخيرة التي شهدتها كندا واليونان وهاواي، من بينها عمليات الحرق الوقائي قصد تنظيف أرضيات الغابات.

فقد تسبب الاحترار المناخي الناجم عن نشاطات الإنسان، في زيادة وتيرة "حرائق الغابات الشديدة" بنسبة 25 في المئة في المتوسط مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، وفق ما توصلت إليه دراسة نشرها معهد "بريكثرو إنستيتيوت" في مجلة "نيتشر" في كاليفورنيا.

وقد تولى العلماء درس مجموعة من الحرائق التي حصلت بين عامَي 2003 و2020، وأجروا تحليلا لتأثير معدلات الحرارة الأعلى والجفاف الأشد على الحرائق سريعة الامتداد، أي تلك التي تحرق أكثر من أربعة آلاف هكتار يوميا.

وظهر أن تأثير التغيّر المناخي متباين، ففي ظل الجفاف الجزئي، كان الاحترار كافيا لجعل رطوبة الجو أو النباتات تتجاوز عتبات رئيسية تجعل الحرائق الشديدة أكثر احتمالا، بينما كان تأثير الاحترار أقل وضوحا بكثير في حالات الجفاف الشديد أصلا.

وأوضح المعدّ الرئيسي للدراسة باتريك براون لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذه الخلاصات "تعني ضرورة إيلاء أكبر قدر من الاهتمام للأماكن والفترات التي شهدت تاريخيا ظروفا أدنى بقليل من هذه العتبات".

وإلى ذلك، قد يزيد الخطر في المتوسط بنسبة 59 في المئة بحلول نهاية القرن في سيناريو "الانبعاثات المنخفضة" (+1,8 درجة مئوية من الاحترار مقارنة بمناخ ما قبل الصناعة)، وبنسبة تصل إلى 172 في المئة في سيناريو الانبعاثات العالية غير الخاضعة للرقابة.

ولحد الآن ارتفعت درجة حرارة المناخ إلى نحو 1,2 درجة مئوية.

وشدد براون على أن تسليط الضوء على عتبات الجفاف الرئيسية قد يسهل تدابير الوقاية، ويساعد على اختيار المواقع ذات الأولوية لتخفيف الغطاء النباتي أو حرقه بشكل مضبوط، من أجل تقليل الوقود الصلب الذي يغذي الحرائق.

كما أكد أن "تأثير التخفيضات في الوقود الخطير يمكن أن يساهم في معظم الظروف في التعويض تماما عن تأثير التغير المناخي"، متوقعا كذلك أن "تنخفض أخطار الحرائق بشكل كبير رغم التغير المناخي" إذا تم تطبيق هذه التدابير على نطاق واسع.

ويمكن لهذه النتائج أن تساعد أيضا في جعل حملات المراقبة أفضل استهدافا وتحسين نشر وسائل مكافحة الحرائق.

ويذكر أن هذه الدراسة نُشرت في سياق عرف نهاية صيف ميّزته حرائق أودت بحياة ما لا يقل عن 115 شخصا في هاواي وحطمت كل الأرقام القياسية في كندا، حيث اضطر 200 ألف شخص إلى مغادرة منازلهم. وفي اليونان، يمتد أكبر حريق غابات تم تسجيله على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي على جبهة مساحتها عشرة كيلومترات.

انبعاث مليار طن من ثاني أكسيد الكربون

وتسبّبت حرائق الغابات التاريخية في كندا هذا العام في انبعاث ما يعادل أكثر من مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو مستوى غير مسبوق، وفق تقديرات السلطات الكندية الجمعة.

وهذا يساوي تقريبا الانبعاثات السنوية لليابان (ما يعادل 1,12 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون عام 2021)، خامس أكبر ملوث في العالم، ويتجاوز الانبعاثات السنوية لقطاع الطيران العالمي في العام 2022 (حوالى 0,8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون).

وقال مايكل نورتن، المدير العام لهيئة إدارة الغابات الكندية الجمعة "تحوّل هذا الصيف إلى ماراتون حقيقي" في وقت يتحضّر غرب البلاد لموجة حرّ جديدة.

واضاف "تشير تقديراتنا الأولية إلى أن انبعاثات الموسم الحالي تجاوزت مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون".

وتوقع أن تبقى أخطار اندلاع حرائق "أعلى من المعتاد" حتى أيلول/سبتمبر.

وبحسب بيانات نشرها المرصد الأوروبي كوبرنيكوس، وصلت انبعاثات الكربون الناتجة من الحرائق في كندا إلى مستويات غير مسبوقة وسجّلت في نهاية تموز/يوليو أكثر من ضعف المستوى القياسي السنوي الأخير الذي سجّل عام 2014.

وهذا الموسم، انتشرت الحرائق الضخمة في كل أنحاء البلاد بكثافة هائلة محطمة أرقاما قياسية في العديد من المقاطعات.

وما زالت كندا في حالة تاهب قصوى من الحرائق منذ 90 يوما، وهي فترة قياسية.

وقال وزير الموارد الطبيعية جوناثان ويلكنسن خلال مؤتمر صحافي في فانكوفر "كان موسم حرائق الغابات هذا العام مفيدا، فقد أظهر لنا ما ينتظرنا إذا لم نفعل شيئا لخفض الانبعاثات" مشيرا إلى أن ظاهرة احترار المناخ هي "السبب الرئيسي".

وأتت الحرائق حتى الآن على 13,5 مليون هكتار، أي ضعف المساحة المحترقة القياسية في العام 1989 والبالغة 7,3 ملايين هكتار، وفقا لمركز حرائق الغابات الكندي المشترك.

وقال المرصد "حاليًا يبلغ إجمالي الانبعاثات من حرائق الغابات في كندا نحو 290 ميغاطن (من الكربون)، بينما الرّقم القياسي السابق الذي سجّل في العام 2014 بلغ 138 ميغاطن".

ولا يعكس الرقم المسجّل حتى الآن لعام 2023 سوى كمية الانبعاثات منذ بداية العام والجزء الأساسي منها سجّل منذ بداية أيار/مايو عندما بدأت الحرائق تندلع في البلاد، فيما لم ينته بعد موسم الحرائق.

وقال مارك بارينغتون وهو عالم في خدمة مراقبة الغلاف الجوي في كوبرنيكوس "لقد راقبنا انبعاثات الحرائق في جميع أنحاء كندا خلال الأشهر الثلاثة منذ بداية أيار/مايو. وخلال هذه الفترة استمرت في الارتفاع بشكل شبه مستمر ووصلت إلى مستوى أعلى مما هو مسجّل في قاعدة بياناتنا مدة عام كامل في البلاد". وتجدر الإشارة إلى أنّ تاريخ البيانات يعود إلى بداية عام 2003.

وأضاف "الانبعاثات المرتبطة بالحرائق في المناطق الشمالية تبلغ ذروتها عادةً في أواخر تموز/يوليو أو أوائل آب/أغسطس، لذا فمن المفترض أن يستمرّ مستواها في الارتفاع لبضعة أسابيع اخرى".

لاجئو التغيّر المناخي

واجهت كندا التي ترتفع درجة حرارتها بشكل أسرع من بقية العالم بسبب موقعها الجغرافي، ظواهر مناخية متطرفة في السنوات الأخيرة، زادت حدتها وتواترها بسبب تغير المناخ.

وتشهد كندا حرائق غابات هائلة خلال فصل الصيف من هذا العام، وانتشرت النيران بسرعة في مختلف أنحاء البلد والتهمت مساحات كبيرة من الأراضي، ما أرغم عشرات الآلاف على الفرار من مساكنهم.

وينشط أكثر من ألف حريق غابات حاليًا في كندا بينها نحو 230 حريقًا في المناطق الشمالية الغربية، ما يسلط الضوء على الحر الشديد الذي يشهده النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

واجتاح البلاد اعتبارا من 30 تموز/يوليو أكثر من 990 حريقًا من بينها 613 صنّفت خارج نطاق السّيطرة. وحتى الآن احترق أكثر من 12 مليون هكتار هذا العام، وهو أعلى بكثير من مجمل ما شهدت البلاد على الإطلاق.

وبعد ما وُصفت بأنها أكبر عملية إجلاء على الإطلاق تشهدها الأراضي الشمالية الغربية، بات إخلاء يلونايف يعني أن نحو نصف سكان المناطق القريبة من القطب الشمالي سيصبحون قريبا نازحين.

وتحدث مسؤولون عن صعوبة في إخلاء معظم القرى المأهولة في المنطقة من طريق البرّ خصوصًا أنها تبعد عن بعضها البعض مئات الكيلومترات.

أظهرت لقطات انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وبثها التلفزيون الكندي ضبابًا برتقاليًا فوق المنطقة ومساحات كبيرة من الغابات المتفحّمة.

وأفاد الهاربون بأنهم شاهدوا جيف حيوانات، لا سيما دببة، متفحمة على جوانب الطرق.

وبدت ذائبة المصابيح الأمامية للسيارات والشاحنات التي تمكّنت من الوصول إلى مراكز الإجلاء في ألبرتا التي تبعد 1150 كلم.

وقالت جولي داونز في اتّصال هاتفي إن أعمدة دخان ترتفع على طول "طريق سريع مزدحم".

وتابعت "من المخيف قول ذلك لكنّي أصبحت الآن مع غيري من الشماليين لاجئة تغيّر مناخي".

يقول علماء إن الاحترار العالمي الناجم عن أنشطة بشرية يفاقم الكوارث الطبيعية ويزيد من تواترها وفتكها.

وقال عامل في محطة وقود في تصريح لفرانس برس إن طوابير السيارات امتدّت "كيلومترات عدّة" أمام المحطة.

وهربت ناديا بايرن (24 عاما) بالسيارة مع أصدقاء لها. وقالت إنها فكّرت بالعودة لكنّها خشيت أن يفرغ خزان السيارة من الوقود وأن تصبح محاصرة.

وقالت لفرانس برس "ليس هناك من خطة حتى الآن، لا أعلم حقا أين أذهب".

وقال جوردان إيفوي لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع، وهو من السكان المحليين، إنه اضطرّ لأن يعود أدراجه بعدما وصلت النيران إلى الطريق السريع أمامه، في ما اعتبره "أكثر لحظة مخيفة في" حياته.

وأضاف الشاب البالغ من العمر 28 عامًا أنه كان يخشى أن تذوب إطارات الشاحنة بفعل الحرارة المرتفعة.

وتابع "كان الإسفلت يحترق".

وأتى حريق الغابات ذاك على أكثر من ألفين من المنازل والشركات.

انتشرت حرائق ضخمة في جميع أنحاء كندا هذا الصيف، وأتت على 13,5 مليون هكتار، بحسب المركز المشترك بين الوكالات الكندية لإدارة حرائق الغابات.

في مقاطعة بريتيش كولومبيا الواقعة في أقصى غرب البلد والتي تشهد أيضًا حرائق غابات واسعة، أدت موجة الحر إلى ارتفاع مستويات الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية هذا الأسبوع.

حرائق هاواي

بلغت حصيلة ضحايا حرائق الغابات في هاواي، وهي الأكثر فتكا منذ أكثر من قرن في الولايات المتحدة، اكثر من مئة قتيل و"قد تتضاعف"، وفق ما ذكرت السلطات التي طالتها انتقادات بسبب ادارتها لهذه الكارثة.

واستحالت مدينة لاهاينا، المقر السابق للعائلة الحاكمة زمن الملكية في هاواي والتي يتجاوز عدد سكانها 12 ألف نسمة، أنقاضا وتحولت فنادقها ومطاعمها النابضة بالحياة رمادا.

والحرائق التي سوّت مدينة لاهاينا التاريخية في جزيرة ماوي بالأرض هي الأكثر فتكاً منذ أكثر من قرن في الولايات المتحدة وأدت إلى مقتل 106 أشخاص، وقد حذّر حاكم الولاية جوش غرين مراراً من أنّ الحصيلة النهائية يمكن أن ترتفع بشكل كبير.

وقال حاكم ولاية هاواي جوش غرين "خلال الأيام العشرة المقبلة، قد يتضاعف هذا العدد" وأعرب عن أسفه قائلاً "نحن منهكون بسبب ظروف تغير المناخ والمأساة في آن واحد".

في مدينة لاهاينا التي يتجاوز عدد سكانها 12 ألف نسمة، كان الحريق هائلاً حتى أنه صهر المعدن.

سجلت السلطات 1300 شخص في عداد المفقودين، بحسب غرين. وينخفض هذا التعداد مع عودة الاتصالات تدريجياً في جزيرة ماوي ما يسمح للسكان بتحديد مكان أقاربهم.

أثناء الحرائق، لم تجد التحذيرات التي اطلقتها السلطات عبر الاذاعة والتلفزيون نفعاً بالنسبة للكثير من السكان المحرومين من الكهرباء وانعدام التغطية. وبقيت صفارات الإنذار صامتة.

تم فتح تحقيق في إدارة الأزمة.

وقال غرين "نعتقد أن صفارات الانذار تعطلت بسبب الحرارة الشديدة" في ماوي.

وانتقد الرئيس السابق دونالد ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" إدارة غرين للازمة. وقال إنه "لا يريد أن يفعل أي شيء سوى إلقاء اللوم على تغير المناخ".

وظهرت مسألتان مثيرتان للجدل.

ففي لاهاينا، تأخر بعض رجال الإطفاء بسبب عدم وجود مياه في الخراطيم أو انخفاض شدة تدفقها.

وتم تقديم شكوى بحق شركة الكهرباء هاواي إلكتريك لأنها لم تقطع التيار الكهربائي، على الرغم من ارتفاع مخاطر نشوب حريق والرياح العاتية المصاحبة لإعصار مر جنوب غرب ماوي وهددت بالتسبب في سقوط أعمدة الكهرباء.

أتت حرائق ماوي عقب ظواهر مناخية قاسية أخرى في أميركا الشمالية هذا الصيف، حيث لا تزال حرائق غابات مستعرة في أنحاء كندا فضلا عن موجة حر شديد في جنوب غرب الولايات المتحدة.

ستستغرق إعادة الإعمار وقتًا طويلاً. وتُقدّر كلفتها بحوالى 5,52 مليارات دولار، وفقاً للسلطات الفدرالية.

وحذّر غرين من أيّ محاولة لشراء أراض في مدينة لاهاينا المنكوبة في وقت يخشى فيه الأهالي من احتمال أن يستغلّ مطورون أثرياء يأس الناس ويحاولون شراء قطع أراض يمكن تحويلها إلى مساكن فاخرة أو لإيجارات قصيرة المدة أكثر درّاً للأرباح.

وقال غرين "هدفنا أن يكون هناك التزام محلي، إلى الأبد، تجاه هذه المجتمعات بينما نقوم بإعادة البناء".

أضاف "لذا سنحرص على بذل كل ما بوسعنا للحؤول دون وقوع تلك الأراضي بيد أشخاص من الخارج".

في خطتها لإدارة الطوارئ العام الماضي، وصفت ولاية هاواي مخاطر حرائق الغابات بأنها "منخفضة".

جزر الكناري الإسبانية

أتت حرائق غابات كبيرة في جزيرة تنريفه السياحية على أكثر من 2600 هكتار من الأراضي وفق تأكيد السلطات الإسبانية.

وتواجه جزر الكناري الحرائق "الأكثر تعقيدا" منذ أربعة عقود.

واندلع الحريق في غابات في شمال شرق الجزيرة التي تعد جزءا من الأرخبيل الإسباني الواقع قبالة سواحل شمال غرب أفريقيا.

وأتت الحرائق التي تمتد على 30 كيلومترا على أكثر من 2600 هكتار وأثرت على نحو 7600 شخص، تم إجلاء العديد منهم، بحسب السلطات.

واندلع الحريق بعدما شهدت الجزر موجة حر تسببت بجفاف شديد في المنطقة.

ومع ارتفاع درجات الحرارة في العالم نتيجة تغير المناخ، يحذر العلماء من أن موجات الحر ستصبح أكثر تكرارا وشدة، فيما بات تأثيرها أوسع نطاقا.

ذات صلة

السياسة الخارجية لرئاسة ترامب الثانية: الرؤية والتوقعاتعصر التقلص السكاني... هل نحن أمام تحول ديموغرافي جديد؟مصير إمدادات المياه العالمية معلق في الميزانالتقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنين