كيف أثر الارهاب على نمو الاقتصاد العالمي؟
ندى علي
2016-07-13 06:27
يسعى رؤساء بعض المنظمات المهمة في العالم، فضلا عن بعض الدول القوية اقتصاديا وسياسيا، الى السيطرة على الاوضاع الخطيرة التي تضرب العالم بين حين وآخر، في السياسة او الاقتصاد، فكما هو واضح، هناك موجة ارهاب تضرب العالم أجمع، وكانت هذه الموجة في البداية قد ظهرت في الدول الضعيفة المتأخرة الفقيرة.
حيث ينتعش التطرف، وتسهم في ذلك قوى دولية من اجل اثارة الفتن بين الشعوب والدول الفقيرة حتى تسهل عملية السيطرة عليها ونهب ثرواتها باتجاه الغرب، وهذا الاسلوب معروف عالميا ومثبت تاريخيا، ولكن تلك البذرة الصغيرة التي تم زعها في الشعوب الفقيرة (بذرة الارهاب)، اصبحت اليوم شجرة كبيرة لها تفرعاتها الكثيرة، وبات الكل يخشى من تأثيراتها.
خاصة بعد أن بدأ الارهاب يضرب الدول والمدن المرفهة والمعروفة بالغنى والامان كباريس مثلا، في هذه الحالة عندما وصلت نار الارهاب الى اقدامهم، عرفوا ان الأمر يحتاج الى سلوك آخر، فبدأ الدول الغنية تضع الخطط المناسبة لمكافحة الارهاب والتطرف حيث مؤخرا قرر وزراء المالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة السبع المجتمعين في اليابان، تشديد مكافحة تمويل الارهاب باعتمادهم خطة عمل سيتم اقرارها خلال قمة رؤساء الدول والحكومات. وفرض موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكسيت) نفسه على المناقشات، فحذر الوزراء من "صدمة" ستضعف بالنمو الاقتصادي المتباطئ أساسا
والامر نفسه قامت به تكتلات سياسية واقتصادية مثل دول العشرين، ومجموعة السبع التي تعتزم القيام بتحركات اخرى، مثل تعزيز التعاون في تطبيق العقوبات المالية كتجميد الحسابات المصرفية، وتعزيز مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الاموال.
كذلك هناك تحركات دولية للسيطرة على الاقتصاد العالمي وتقلباته، ومعالجة ما ينتج عن تباطؤ الاقتصاد العالمي وما شابه ذلك على الرغم من ان المسؤولين الكبار على الاقتصاد العالمي وبعض الخبراء استبعدوا حدوث انكامش في الاقتصاد العالمي كما صرحت بذلك المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي استبعدت حدوث انكماش اقتصادي عالمي نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، رغم ما تسبب به من اضطراب في الاقتصاد العالمي. الا انها قالت ان قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) يؤكد ضرورة ان يوضح الاتحاد بشكل افضل الفوائد التي تعود على الاوروبيين من عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي.
علما أن تأثيرات واضحة بدأت تظهر على الدول الضعيفة بسبب ما افرزته العولمة من مخاطر ومشاكل، حيث قالت مديرة صندوق النقد الدولي انه يتعين على الصندوق الاخذ في الاعتبار تاثيرات العولمة على الاشخاص الاكثر ضعفا. واضافت "العولمة جلبت الكثير من الخير للناس واخرجت الكثير من الناس من الفقر. ولكنها انتجت خاسرين ايضا". وقالت انه "يجب مساعدة الخاسرين وسيواصل الصندوق ايلاء المزيد من الاهتمام لقضايا من بينها انعدام المساواة المفرط، وتمكين النساء، والتغير المناخي والفساد.
ومع التحرك على مكافحة الارهاب، هناك خطوات موازية في المسار الاقتصادي حيث تسعى الدول المعنية الى تقليل فرص الانكماش الاقتصادي في العالم، فقد ابدى وزراء التجارة في بلدان مجموعة العشرين، تصميمهم على تعزيز المبادلات الدولية لتحفيز الاقتصاد العالمي، معربين في الوقت نفسه عن مخاوفهم حيال تصاعد الحواجز الحمائية داخل دولهم وتبعات قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي.
وكان لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي انعكاسات واضحة في اوربا والعالم اجمع، ولهذا السبب حذر صندوق النقد الدولي من مخاطر الانعزالية السياسية ولاسيما ما سيحدث بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كذلك لابد من مواصلة الاجراءات الصحيحة بخصوص مكافحة ومتابعة مصادر تمويل المنظمات الارهابية وتجفيف منابع التطرف.
مجموعة السبع تكافح تمويل الإرهاب
في هذا السياق قرر وزراء المالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة السبع المجتمعين في اليابان، تشديد مكافحة تمويل الارهاب باعتمادهم خطة عمل سيتم اقرارها خلال قمة رؤساء الدول والحكومات. وفرض موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكسيت) نفسه على المناقشات، فحذر الوزراء من "صدمة" ستضعف بالنمو المتباطئ أساسا. كما وجه المشاركون تحذيرا الى اليابان التي حركت مؤخرا مخاطر قيام "حرب عملات" بحسب فرانس برس.
واكد المسؤولون الماليون للدول الصناعية السبع الكبرى في وثيقة ختامية "التزامهم بالتصدي لتمويل الارهاب، الذي يمنح الارهابيين الوسائل لتنفيذ اعتداءاتهم وتموين شبكاتهم وبث ايديولوجيتهم من خلال الدعاية". وقال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان في مقابلة اجرتها معه وكالة فرانس برس "اننا الان في مرحلة العمليات. سنقدم ادوات فعالة لمكافحة تمويل الارهاب، انها ضرورة قصوى". واكد ان تنفيذ خطة العمل سيكون "سريعا" وسيلي القمة المقرر عقدها في 26 و27 ايار/مايو في ايسي-شيما، في وقت كثفت الاسرة الدولية مكافحة الارهاب اثر اعتداءات باريس في كانون الثاني/يناير 2015 ثم في 13 تشرين الثاني/نوفمبر.
والمطلوب اولا بحسب الوزير حصول "تبادل ممتاز بين اجهزة الاستخبارات في المجال المالي، بحيث ينقل كل بلد ما يجري فيه الى البلد المجاور له، وخصوصا لمكافحة حركات التمويل الكبرى، لتنظيم الدولة الاسلامية مثلا في سوريا والعراق". وتابع انه ينبغي ايضا "مكافحة اغفال الهوية: البطاقات المسبقة الدفع وغير المعروفة الهوية، وحركات السيولة التي تسمح بالتمويل بدون ادراج هوية. لا بد ان يكون هناك اثر".
كما تعتزم مجموعة السبع القيام بتحركات اخرى، مثل تعزيز التعاون في تطبيق العقوبات المالية كتجميد الحسابات المصرفية، وتعزيز مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الاموال. وكان تباطؤ الاقتصاد العالمي ماثلا في اذهان جميع المشاركين في الاجتماع الذين اكدوا عزمهم على استخدام "كل الادوات" النقدية والمالية والهيكلية المتوافرة لديهم و"عدم استهداف اسعار الصرف".
وجددت الدول السبع وعدها "بتفادي تخفيض اسعار عملاتها لاهداف تنافسية". وشدد وزير الخزانة الاميركي جاكوب لو الضغط على اليابان التي هددت مؤخرا بالتدخل لوقف ارتفاع اسعار الين.
وقال وزير المالية الياباني تارو آسو مرارا انه لن يتردد في التحرك في حال حصول تحركات تنم عن مضاربة. غير ان واشنطن ترى ان الارتفاع الذي سجله سعر الين مؤخرا، ان كان يسدد ضربة للمصدرين اليابانيين، الا انه لا يبرر اطلاقا اي تدخل في الاسواق. وسعى سابان من جهته الى تهدئة الخلاف، معتبرا انه "لا يمكن ان تحصل" و"لن تحصل" حرب عملات، وهو احتمال "قلما" جرى بحثه خلال المناقشات.
واخيرا، مع اقتراب موعد الاستفتاء في بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الاوروبي في 23 حزيران/يونيو، اجمع كل المشاركين على التحذير من مخاطر مثل هذا السيناريو. وشدد المسؤولون الماليون الكبار للدول السبع على انه في ظل "الغموض المحيط بالوضع العالمي" مع النزاعات الجيوسياسية والارهاب وتدفق اللاجئين، فان "صدمة خروج محتمل لبريطانيا من الاتحاد الاوروبي تزيد من صعوبة البيئة الاقتصادية العالمية".
وكما صدرت تحذيرات عن وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن، ونظيريه الفرنسي ميشال سابان والالماني فولفغانغ شويبله. ويضاعف انصار البقاء في التكتل المدعومون من المؤسسات الكبرى المتعددة الاطراف مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التحذيرات بان الاقتصاد سيتكبد ضررا كبيرا في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ما يثير سخط مؤيدي الخروج الذين يعتبرون ان البلاد ستكون اكثر ازدهارا بدون قيود بروكسل البيروقراطية.
بريكست لا يتسبب بحدوث انكماش اقتصادي
من جهتها استبعدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد حدوث انكماش اقتصادي عالمي نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، رغم ما تسبب به من اضطراب في الاقتصاد العالمي. الا انها قالت ان قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) يؤكد ضرورة ان يوضح الاتحاد بشكل افضل الفوائد التي تعود على الاوروبيين من عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي، وسط "الخيبة" حياله.
وقالت ان الخطوة التي اتخذتها بريطانيا بخفض الضرائب على الشركات لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة من بريكست، يمكن ان تسيء الى الجميع. وبعد اسبوعين من تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الاوروبي، قالت لاغارد في الحديث الذي جرى في مكتبها في واشنطن في بداية ولايتها الثانية من خمس سنوات مديرة لصندوق النقد الدولي، ان بريكست يشكل "تهديدا سلبيا كبيرا" على اقتصاد العالم.
وقالت "نحن لا نرجح حدوث انكماش عالمي. والتاثيرات المباشرة ستكون على بريطانيا" مع بعض التاثيرات على منطقة اليورو. ولكنها اشارت الى انه كلما طالت فترة عدم الوضوح في آلية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، تفاقمت العواقب. وقالت ان "النقطة الجوهرية في قضية بريكست هذه هي الغموض، وكلما استمر هذا الغموض، ازدادت المخاطر".
واكدت انه "كلما اسرع (البريطانيون) في تحديد جدولهم الزمني وشروط خروجهم من الاتحاد الاوروبي، كان ذلك افضل للجميع" داعية الى القيام بذلك "في اسرع وقت ممكن".
وقالت لاغارد، التي واجهت خمس سنوات صعبة من الاضطرابات المالية والاقتصادية في اوروبا، انها لا تزال متفائلة رغم قرار بريطانيا. واضافت "ان نهجي المتفائل في الحياة يقول لي ان بريكست يمكن ان يكون حافزا للاتحاد الاوروبي لتعميق اندماجه الاقتصادي". وتولت لاغارد (60 عاما) رئاسة صندوق النقد الدولي في اكثر الفترات صعوبة بالنسبة للمؤسسة المالية، تحتم خلالها التعامل مع اكبر عملية انقاذ اقرت لصالح اليونان، وعمليات انقاذ متزامنة لثلاث من دول منطقة اليورو هي ايرلندا والبرتغال وقبرص بحسب فرانس برس.
وخلال هذه الفترة كان الصندوق لاعبا رئيسيا في انقاذ منطقة اليورو نفسها، وهي المهمة التي لم تكتمل بعد ولا تزال تعترضها الكثير من المخاطر. ورغم ذلك، وافقت لاغارد، التي كانت وزيرة المالية في فرنسا قبل ان تنتقل الى صندوق النقد الدولي في تموز/يوليو 2011، على تولي منصب مديرة الصندوق لفترة ثانية في مواجهة التحديات الكثيرة ومن بينها اثبات ان الصندوق يهتم بشكل اكبر بالدول التي تعاني من سياساته.
واقرت بان عملية انقاذ اليونان التي حصلت الان على خطة المساعدة الثالثة بعد فشل الخطتين الاوليين، جعلت من الصندوق "كبش الفداء" للازمة المستمرة. ويتهم الصندوق بالاسهام في تفاقم المصاعب التي تواجهها اليونان من خلال اصراره على ان تنفذ اثينا سياسات تقشف صارمة وتخفض نفقاتها بشكل حاد. ومع انكماش الاقتصاد اليوناني هذا العام، قالت لاغارد انه يتعين على الصندوق ان يدرس ما اذا كانت مطالبه مفرطة الى حد كبير.
الا انها اكدت ان اعادة التقييم لن تغير كثيرا وظيفة الصندوق الاساسية القاضية بانقاذ الحكومات المتعثرة ماليا ولكن مقابل تطبيق اصلاحات تهدف الى جعلها اقوى في المستقبل.
وقالت "في كل حكاية هناك شرطي سيء، ولكنني امل ان يكون لهذا الشرطي كذلك بعد انساني". الا انها قالت انه يتعين على الصندوق الاخذ في الاعتبار تاثيرات العولمة على الاشخاص الاكثر ضعفا. واضافت "العولمة جلبت الكثير من الخير للناس واخرجت الكثير من الناس من الفقر. ولكنها انتجت خاسرين ايضا". وقالت انه "يجب مساعدة الخاسرين وسيواصل الصندوق ايلاء المزيد من الاهتمام لقضايا من بينها انعدام المساواة المفرط، وتمكين النساء، والتغير المناخي والفساد، من اجل الوصول الى عولمة افضل لا تكتفي بزيادة اجمالي الناتج المحلي ولكن ترعى المهددين بالخسارة".
واضافت "هكذا اريد ان ارى الصندوق يتطور خلال السنوات الخمس المقبلة".
وفي ما يتعلق باوروبا، قالت لاغارد انه بعد التصويت البريطاني، على الاتحاد الاوروبي العمل بشكل اكبر لاثبات جدواه. وقالت "على الاتحاد الاوروبي بذل جهود اكبر بكثير ليشرح بمزيد من الشفافية ما يفعله، وما يعنيه ذلك بالنسبة للمواطنين، وكلفة عمله مقابل فوائده".
واشارت الى ان "الهيكل العام للاتحاد الاوروبي معقد ومن المهم توضيحه وشرحه (..) وفي الوقت نفسه يجب على الدول الاعضاء تجنب القاء اللوم على الاتحاد الاوروبي في كل الاخفاقات. رأيت ذلك بنفسي، ومن المحتمل ان اكون انا نفسي ارتكبت هذا الخطأ".
وردا على سؤال حول ما اذا كانت لاغارد، التي كانت في ما مضى تسجل صعودا على الساحة السياسية الفرنسية، ستعود الى العمل السياسي في بلادها، اجابت بالنفي. وقالت "امل ان اكون مفيدة لبلادي من موقعي الحالي" مؤكدة "ولكن هل لدي رغبة قوية في العودة الى السياسة؟ بالتاكيد لا".
مجموعة العشرين تخطط لإنعاش الاقتصاد
من جهته ابدى وزراء التجارة في بلدان مجموعة العشرين، تصميمهم على تعزيز المبادلات الدولية لتحفيز الاقتصاد العالمي، معربين في الوقت نفسه عن مخاوفهم حيال تصاعد الحواجز الحمائية داخل دولهم وتبعات قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي. واعلن وزراء ووفود الدول العشرين الكبرى التي تمثل مجموع 80% من الاقتصاد العالمي "ان انتعاش الاقتصاد العالمي لا يزال متفاوتا ويجب ان تبقى التجارة والاستثمار المحركين الاساسيين للنمو".
غير ان وضع الاقتصاد العالمي يبقى قاتما مع تراجع وتيرة نمو المبادلات الدولية بعد الازمة المالية، لتراوح بمستوى 3% سنويا منذ 2009، مقابل اكثر من 7% في العقدين السابقين. ولم يكن تشخيص منظمة التجارة العالمية لوضع الاقتصاد العالمي اكثر تفاؤلا لهذه السنة.
وقال وزير التجارة الصيني غاو هوشنغ معلقا على هذه الظروف الاقتصادية "نبقى ملتزمين باقتصاد عالمي مفتوح، وسنعمل اكثر من اجل تحرير المبادلات وتسهيلها"، مستشهدا بما صادق عليه المشاركون في اجتماع مجموعة العشرين بحسب فرانس برس.
غير ان بيان شنغهاي يقر "بقلق" بتصاعد التدابير الحمائية في الدول العشرين نفسها، ما يبعث مخاوف من ان يبقى التزام البلدان بهذا القرار ضعيفا. وجاء في البيان انه "رغم تعهدات متكررة، فان عدد الاجراءات الجديدة التي فرضها اعضاء مجموعة العشرين والتي تحد من تبادل السلع والخدمات يصل الى وتيرة شهرية قياسية منذ ان بدأت منظمة التجارة العالمية تعدادها عام 2009". وحذر رئيس قسم الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية روبرت كوبمان الذي التقته فرانس برس على هامش الاجتماع، من ان هذه الاجراءات تنعكس سلبا على حركة الشحن، وتؤثر على قطاعات مختلفة تراوح من الصناعات الالكترونية الى المنتجات الزراعية.
وتستهدف هذه التحذيرات بصورة خاصة الصين المتهمة باغراق العالم بفولاذ متدني الكلفة للتخفيف من الفائض الهائل في قدرات قطاع الصلب والفولاذ لديها، وتخضع صادراتها من المعادن لتدابير لمكافحة الاغراق في الاتحاد الاوروبي، ولضرائب باهظة في الولايات المتحدة.
واحتل هذا الموضوع حيزا من المحادثات التي جرت في شنغهاي، لكن البيان الختامي يكتفي بوصف هذه "الطاقات الفائضة" بانها تطرح "مشكلة عالمية تتطلب ردودا جماعية". وابدى نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين استياءه لدى تحدثه الى الصحافيين وقال "في حين ان بعض الدول (المسؤولة ايضا) لا تزال تبحث التدابير المرجوة، فان السلطات الصينية باشرت التحرك" للحد من انتاج المجموعات المملوكة من الدولة.
غير ان هذه المساعي تصطدم بالواقع اذ ان الصين تنتج وحدها نصف الصلب في العالم. وكان ملف صناعة الحديد والصلب في الصين ماثلا في البرلمان الاوروبي حين صوت مؤخرا للدعوة الى عدم منح بكين صفة "اقتصاد السوق"، ما يجعلها تتمتع بوضع مميز. اما واشنطن، فتندد بـ"اختلالات في السوق". ودعت دول مجموعة العشرين بدفع من الصين الى تسريع عملية ابرام "اتفاقية تيسير التجارة".
وبصوة عامة، ابدى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو ازفيدو قلقه حيال تصاعد "خطاب حمائي مضر للغاية" في وقت تراوح منظمة التجارة العالمية مكانها، وتتعثر المحادثات حول "اتفاقية الشراكة الاطلسية للتجارة والاستثمار"، على خلفية استياء شعبي حاد وانتشار الحركات الشعبوية المناهضة للتبادل الحر.
واخيرا، القى قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي بظله على الاجتماع ولو انه لم يذكر صراحة في البيان الختامي. ومن المتوقع ان تضطر لندن الى معاودة التفاوض في اتفاقات تجارية جديدة مع الاتحاد الاوروبي والدول الـ58 المرتبطة به باتفاقات تبادل حر، ما سيطرح معضلة حقيقية. ورفض وزير التجارة البريطاني لورد برايس التعليق على المسالة ردا على اسئلة فرانس برس في شنغهاي.
تصاعد خفض التصنيفات السيادية
وقد قالت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية إنه يبدو أن 2016 سيكون عاما قياسيا في خفض التصنيفات السيادية إثر ما يزيد على 12 خفضا في النصف الأول من العام وإن هناك 22 دولة الآن قيد التحذير من خفض التصنيف. وحفز هبوط أسعار النفط والمعادن في بداية العام على تخفيضات لسبع دول من العشر دول الأكثر اعتمادا على السلع الأولية بينما أصبحت بريطانيا من أحدث الدول التي يجري خفض تصنيفها في أعقاب تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي بحسب رويترز.
ويرفع هذا إجمالي خفض التصنيفات إلى 15 ويضع عام 2016 بقوة صوب تجاوز مستوى التخفيضات القياسية التي بلغت العشرين في 2011 خلال ذروة أزمة ديون منطقة اليورو. وقال تقرير لكبار محللي التصنيفات السيادية لدى فيتش "تتضمن 22 من التصنيفات السيادية نظرة مستقبلية سلبية وهو ما يشير إلى أن من المرجح أن يتجاوز الإجمالي النهائي لهذا العام مثيله في 2011."
وأضاف "يظل هبوط أسعار السلع الأولية العامل الوحيد الأهم وراء زخم خفض التصنيفات" مشيرا إلى أن الإنفاق العام المرتفع يضغط أيضا على كثير من التصنيفات. وعلى أساس المناطق شكل الشرق الأوسط وأفريقيا ما يزيد على نصف التخفيضات في تصنيفات فيتش وعشرة من 22 من تحذيرات النظرة المستقبلية السلبية.
صندوق النقد يخفض توقعات النمو العالمي
من جهته حذر صندوق النقد الدولي من مخاطر الانعزالية السياسية ولاسيما احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فضلا عن تنامي التفاوتات الاقتصادية بينما خفض توقعاته للنمو العالمي للمرة الرابعة في عام. وقال الصندوق الذي يستعد لاجتماعات الربيع في واشنطن إن ضعفا مزمنا كشف الاقتصاد العالمي لمخاطر صدمات مثل التخفيضات الحادة لقيم العملات وتفاقم الصراعات الجيوسياسية.
وتوقع الصندوق في أحدث تقاريره نمو الاقتصاد العالمي 3.2 بالمئة هذا العام مقارنة مع توقع معدل بالخفض كان يبلغ 3.4 بالمئة في يناير كانون الثاني. وسبق خفض تقديرات النمو في يوليو تموز وأكتوبر تشرين الأول من العام الماضي بحسب رويترز. وقال صندوق النقد إن الاقتصاد العالمي سينمو 3.5 بالمئة في 2017 بانخفاض 0.1 نقطة مئوية عن تقدير يناير كانون الثاني.
وأشار أحدث تقرير للصندوق إلى تفاقم تداعيات التباطؤ الاقتصادي الصيني وتأثير أسعار النفط المنخفضة على اقتصادات ناشئة مثل البرازيل. وسلط الضوء أيضا على الضعف الاقتصادي المستمر في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة. وتمهد الصورة القاتمة لإطلاق دعوة من صندوق النقد والبنك الدولي هذا الأسبوع لمزيد من الإجراءات العالمية المنسقة لدعم النمو.
وقال موريس أوبستفيلد كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي لمؤتمر صحفي "باختصار فإن انخفاض النمو يعني هامشا أقل للخطأ" مضيفا أن "ندوب" سنوات النمو البطيء قد تضعف بدورها الطلب وتقلص قوة العمل وتخفض الناتج الاقتصادي المحتمل بدرجة أكبر.
وحذر الصندوق في تقريره من صعود الأحزاب القومية في أوروبا والتصريحات المناوئة للتجارة الحرة خلال سباق الرئاسة الأمريكية وقال إن كل ذلك يهدد توقعات الاقتصاد العالمي. وقال إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يلحق "ضررا إقليميا وعالميا خطيرا عن طريق زعزعة علاقات التجارة القائمة."
وحث الصندوق صناع السياسات على تعزيز النمو عن طريق إجراءات مثل تحرير بعض الصناعات وزيادة مشاركة العمال. وأوصى الدول القادرة ماليا على زيادة الاستثمار في البنية التحتية وخفض ضرائب العمل وتشجيع البنوك المركزية على مواصلة التيسير النقدي.
واشنطن تراقب ألمانيا والصين إقتصاديا
من ناحيتها اكدت وزارة الخزانة الاميركية ان الولايات المتحدة ستعزز مراقبتها الاقتصادية لخمس دول بينها المانيا والصين للتأكد من ان سياساتها التجارية او النقدية لا تمنحها "امتيازات تنافسية غير نزيهة". وقال التقرير نصف السنوي حول صرف العملات ان "وزارة الخزانة ستراقب عن كثب وستقيم توجهات هذه الدول وسياساتها في اسواق الصرف"، وكشف عن "لائحة المراقبة" هذه التي وضعت بموجب قانون صدر في 2015.
وحددت الوزارة مجموعة الدول الخمس التي تضم ايضا اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية استنادا الى الفائض التجاري الكبير مع الولايات المتحدة، او الفائض في حساباتها الجارية او الى عمليات تدخل كبيرة و"احادية الجانب" في سوق الصرف. واوضح التقرير انه بعد اجراءات طويلة، ان تبين ان ايا من هذه البلدان حقق هذه المعايير الثلاثة ولم يغير سياسته، فان الادارة الاميركية يمكن ان تفرض عقوبات تتراوح بين حظر المشاركة في اسواق عامة اميركية والاستبعاد من اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة.
والصين مدرجة على لائحة هذه الدول بسبب الفوائض الكبيرة. لكن وزارة الخزانة تخلت عن الاشارة في تقريرها الى "خفض تقدير قيمة" اليوان بعد القرار الذي بدأت السلطات الصينية تطبيقه في صيف 2015 بالسماح بتقلبات في اسعار صرف عملتها. ويتوقع التقرير الاميركي ارتفاع سعر اليوان "في الامد المتوسط" ويواصل دعوة الصين الى "مزيد من الوضوح" في سياستها النقدية لتجنب زعزعة استقرار الاسواق بحسب فرانس برس.
اما المانيا فقد ادرجت في المجموعة بسبب احتياطاتها الميزانية "المفرطة" التي قال التقرير انها يمكن ان تستخدم لدعم الطلب الداخلي والحد من الخلل داخل منطقة اليورو. وقالت وزارة الخزانة ان "المانيا تملك هامش مناورة كافيا لتقديم دعم اضافي للطلب". وكانت الادارة الاميركية دعت في الماضي مرات عدة برلين الى استخدام هامش المناورة في الميزانية الذي تملكه لدعم النشاط. لكن المانيا تواصل الدفاع عن سياستها الحذرة وتعارض اي سياسة جديدة لانعاش الميزانية.
تراجع للاقتصادين الياباني والصيني
وقال صندوق النقد الدولي ان الاقتصادين الياباني والصيني سيشهدان تباطؤا واضحا في العامين القادمين لكن النمو في آسيا سيستمر متينا بفضل الاستهلاك الداخلي الذي سيعوض ضعف المبادلات العالمية. وتوقع الصندوق ان تسهم اجراءات الدعم الحكومية وتراجع اسعار المواد الاولية وضعف نسب البطالة في النمو الاقليمي داعيا السلطات الى الاستمرار في اصلاحاتها.
لكن التحديات القادمة من اماكن اخرى ستكون حاضرة بالنسبة لافاق النمو في آسيا والمحيط الهادىء، بحسب صندوق النقد الدولي. واشار الى ركود اقتصاد الدول المتقدمة وضعف حجم المبادلات العالمية وتذبذب اسواق المال. وتوقع الصندوق ان تبلغ نسبة النمو في آسيا 5,3 بالمئة في 2016 و2017 مقابل توقعات سابقة ب 5,4 بالمئة.
واوضح تقرير الصندوق ان "آسيا تبقى المنطقة الاكثر ديناميكية في العالم لكنها تواجه رياحا معاكسة ناجمة عن ضعف الانتعاش الشامل وتباطؤ المبادلات العالمية واثر الانتقال الاقتصادي الصيني على الامد القصير". واضاف "ولتعزيز المقاومة للمخاطر الشاملة والبقاء في هذه الديناميكية، يتعين على اصحاب القرار اجراء اصلاحات هيكلية لزيادة الانتاجية وتخفيف الضرائب مع دعم الطلب وفق الحاجات" بحسب فرنس برس.
ويتوقع ان ينمو الاقتصاد الصيني محرك النمو العالمي بنسبة 6,5 بالمئة في 2016 و6,2 بالمئة في 2017. وهذه الارقام بعيدة عن نسبة 6,9 بالمئة لعام 2015. كما توقع صندوق النقد تراجعا في الاقتصاد الياباني. وستعاني الصادرات من ارتفاع قيمة الين الى اعلى مستوياته منذ 18 شهرا مقابل الدولار، في حين ستتراجع المبادلات مع الصين.
وازاء ذلك راجع صندوق النقد نسبة النمو لعام 2016 التي توقع ان تكون بنسبة 0.5 بالمئة في حين ستنزل الى مستوى سلبي (ناقص 0,1 بالمئة) في 2017 بسبب الزيادة المتوقعة للرسوم على الاستهلاك. كما اشار الصندوق الى مشاكل مطروحة منذ فترة طويلة وهي شيخوخة السكان وضخامة الدين. وتوقع صندوق النقد ان تبلغ نسبة النمو في الهند 7,5 بالمئة في 2016 و2017، وفي كوريا الجنوبية 2,7 و2,9 بالمئة.
ثالوث المخاطر يهدد نشاط البنوك العالمية
فيما قال بنك التسويات الدولية إن السياسة الاقتصادية العالمية بحاجة إلى إعادة توازن عاجلة في ظل "ثالوث المخاطر" الذي يواجهه العالم متمثلا في ارتفاع الديون وتدني نمو الإنتاجية وتناقص الأدوات المتاحة لدى البنوك المركزية الرئيسية. وقال البنك الذي يعد مظلة عالمية للبنوك المركزية الرئيسية في تقريره السنوي إن انكشاف الاقتصاد العالمي كان كبيرا حتى قبل تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال كلاوديو بوريو رئيس القسم النقدي والاقتصادي بالبنك "ثمة تطورات تبعث على القلق هي بمنزلة "ثالوث مخاطر" تستحق المراقبة. "نمو الإنتاجية متدن على غير المعتاد مما يلقي بظلاله على تحسن مستويات المعيشة في المستقبل ومستويات الديون العالمية مرتفعة بشكل تاريخي مما يزيد المخاطر على الاستقرار المالي ومجال المناورة على صعيد السياسة ضيق بشكل ملحوظ."
وقال إنه لم يعد بوسع الاقتصاد العالمي التعويل على نموذج النمو الممول بالديون الذي وصل به إلى المفترق الحالي. ورغم خفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر وتحفيز بتريليونات الدولارات فإن البنوك المركزية في أوروبا واليابان تكافح لرفع التضخم والنمو. وقد أدمنت الأسواق ذلك الدعم لكن القلق يتنامى من أن تلك الذخيرة تكاد تنفد.
وقال "إذا امتد ذلك الوضع واهتزت ثقة الرأي العام في عملية صناعة السياسات فإن التداعيات على الأسواق المالية والاقتصاد قد تكون خطيرة." وأضاف أن على صناع السياسات إيلاء مزيد من الاهتمام برفع الفائدة عندما تتاح لهم الفرصة كي يصبح بوسعهم خفضها مجددا عندما تحل دورة التراجع التالية في تلميح على ما يبدو إلى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بحسب رويترز.
وحث بنك التسويات الدولية على إجراء تغيير عالمي في توجهات السياسة المالية والنقدية على حد سواء. ودعا إلى تصميم السياسة المالية للتأقلم مع دورات الازدهار والكساد على نحو أكثر منهجية وأن تراقب السياسة النقدية تلك الدورات من زاوية المخاطر الشاملة للمحافظة على توازن الشق المالي من الاقتصاد. وقال "توجد حاجة ملحة إلى إعادة موازنة السياسة للانتقال إلى نمو أكثر قوة وتوازنا واستدامة.