قبل فوات الأوان.. هل تنجح الدول الريعية في التنويع الاقتصادي؟؟
ندى علي
2016-05-22 08:44
لا يزال مرض (الدولة الريعية) ينتشر في عدد من الدول المنتجة للنفط، ومنها دول الخليج، وكذلك العراق، هذه الدول التي تعتمد في تحصيل وارداتها على مصدر رئيسي واحد هو النفط، اكتشف الآن بعد هذه (الرحلة الطويلة مع بيع النفط)، أنها أخطأت في اعتمادها على النفط كمصدر رئيس لوارداتها، وبعد أن ضربتها أزمة انخفاض اسعار النفط في عموم العالم، وتهددت اقتصاداتها بالانهيار، بدأت تفكر في بدائل ومصادر اضافية لزيادة مواردها، في محاولة - قد يكون احتمال نجاحها قليل- كونها جاءت متأخرة وتحت اضطرار ولم تأتي عن تخطيط مسبق.
ولو ان هذه الدول تنبّهت الى تنويع مصادر الدخل قبل هذه الازمة، لكانت قد حققت منجزات مهمة، ولكنها تحت الضغوط الهائلة قد تكون معرضة للفشل في هذا المسعى، وقد اعتبر صندوق النقد الدولي ان على دول الخليج ان تنوع مصادر عائداتها وتقلص نفقاتها بهدف التأقلم مع استمرار انخفاض اسعار النفط. واوضح الصندوق ان توقعات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان وقطر) لن تتجاوز هذا العام 1,8 في المئة بعدما كانت 3,3 في المئة في 2015.
علما أن تغيير السياسة الاقتصادية من ريعية الى متعددة المصادر ليست سهلة، ولا يمكن أن يكون النجاح فيها مضمونا اذا لم تأخذ الحيز الزمني الكافي لانضاجها ونجاحها، اما اذا جاءت تحت الاضطرار فإن فرص نجاحها قد تكون ضئيلة، لاسيما أن مسؤول في صندوق النقد الدولي قد اكد على ان "تنويع الاقتصادات التي تعول على سلعة واحدة مثل النفط ليس مهمة سهلة، وانظر الى ذلك بوصفه تحديا دائما في الاعوام المقبلة"، في اشارة الى دول الخليج التي تشكل العائدات النفطية بالنسبة الى بعضها القسم الاكبر من اجمالي ناتجها المحلي. واورد من جهة اخرى ان على هذه الدول التي ترتبط عملتها بالدولار الاميركي ان تحافظ على هذا الارتباط كونه "خدم مجلس التعاون الخليجي الى حد بعيد".
وتلوح في الأفق مشكلة اخرى ترتبط بحركة الاموال والعملة الاجنبية وارتباط عملات بعض الدول المنتجة للنفط بالدولار الامريكي حيث تفرض اسعار النفط المنخفضة ضغوطا على سياسة الدول الخليجية ربط سعر صرف عملاتها الوطنية بالدولار الاميركي، الا انه من غير المرجح ان تؤدي الى فك هذا الارتباط، بحسب ما يقول محللون. وبين دول مجلس التعاون الست، تربط البحرين وعمان وقطر والسعودية والامارات عملاتها الوطنية بالدولار، في حين تربط الكويت دينارها بسلة من العملات ضمنها الدولار. لكن مع فقدان النفط اكثر من ثلثي قيمته خلال اقل من عامين، بدأت الشكوك تتزايد في جدوى الابقاء على هذه السياسة النقدية، لاسيما أن رئيس الابحاث في مركز الكويت المالي ام. ار. راغو يقول ان "الحفاظ على تثبيت سعر الصرف (إزاء الدولار) امر مكلف على المصرف المركزي ان يكون مستعدا لشراء عملته او بيعها في السوق المفتوحة للحفاظ على الارتباط، ما قد يؤدي الى تضاؤل الاحتياطات من العملات الاجنبية". ويضيف ان "الصادرات النفطية التي تؤمن زهاء 80 بالمئة من العائدات الحكومية، انخفضت بنحو 70 بالمئة منذ منتصف العام 2014، ما يجعل تثبيت سعر صرف العملة ضعيفا لانه يقلص احتياطي العملات الاجنبية".
وما بين تبعية العملة الى الدولار، والاعتماد شبة التام على النفط كمصدر وحيد للايرادات، تعاني كثير من الدول النفطية، من تدهور اقتصادي حاد، تسعى لإيقافه باجراءات شتى، فقد قال مسؤول كويتي إن بلاده وهي عضو منظمة أوبك تسعى لتخفيض اعتماد ميزانيتها العامة على النفط إلى 60 في المئة فقط بحلول عام 2020 بدلا من نحو 93 في المئة حاليا. وقال خالد عبد الصاحب مهدي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية إن الخطة الخمسية الحالية التي بدأت في السنة المالية 2015-2016 وتنتهي في 2019-2020 تهدف إلى تنويع مصادر الدخل عبر إنشاء عدد من المشروعات التنموية التي تزيد من إيرادات الدولة وتقلل الاعتماد على النفط، ولكن الى اي مدى يمكن ان تنجح مثل هذه الخطط التي جاءت تحت ضغوط الأزمة المالية الناتجة عن هبوط اسعار النفط؟؟.
هل تتأقلم دول الخليج مع انخفاض اسعار النفط؟
في هذا السياق اعتبر صندوق النقد الدولي ان على دول الخليج ان تنوع مصادر عائداتها وتقلص نفقاتها بهدف التأقلم مع استمرار انخفاض اسعار النفط. واوضح الصندوق ان توقعات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان وقطر) لن تتجاوز هذا العام 1,8 في المئة بعدما كانت 3,3 في المئة في 2015. وقال المدير الاقليمي للصندوق في الشرق الاوسط مسعود احمد "مع استمرار انخفاض اسعار النفط (هذا العام)، قد نشهد تراجعا لعائدات صادرات النفط يناهز مئة مليار دولار (98 مليار يورو) او اكثر".
واضاف احمد في دبي حيث عرض آخر تقرير لصندوق النقد الدولي حول الافاق الاقتصادية الاقليمية ان "تاثير هذا الامر لا يشمل المالية فحسب بل ايضا اقتصاد" دول مجلس التعاون. واورد صندوق النقد ان اسعار النفط تراجعت بنحو سبعين في المئة منذ منتصف 2014 لتناهز اربعين دولارا للبرميل، لافتا الى ان الاسواق تتوقع ارتفاعا محدودا للاسعار لتصل الى خمسين دولارا للبرميل مع نهاية هذا العقد. وتوقع ان ينمو الاقتصاد السعودي، وهو الاكبر في العالم العربي، بوتيرة 1,2 في المئة هذا العام مقابل 3,4 في المئة في 2015. اما نسبة النمو في الامارات فستتراجع من 3,9 في المئة العام الفائت الى 2,4 في المئة في 2016.
ونبه تقرير الصندوق الى ان السعودية والبحرين وسلطنة عمان ستضطر الى "الاستدانة في شكل ملحوظ" بين العامين 2016 و2021، في ظل حاجات مالية تتجاوز احتياطاتها النقدية بحسب فرانس برس. واجبر تدهور اسعار النفط دول الخليج على اتخاذ اجراءات غير مسبوقة شملت تقليص دعم الوقود وفرض ضرائب جديدة غير مباشرة. كذلك، تم ارجاء مشاريع اقتصادية كبيرة.
ويعرض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الاثنين خطة على المدى الطويل لتنويع موارد الاقتصاد السعودي التي ما زالت تعتمد الى حد كبير على النفط.
وقال احمد ان على دول الخليج "ان تواصل الاجراءات التي اتخذتها لتقليص واعادة تصويب نفقاتها ولايجاد عائدات (جديدة) مثل الضريبة على القيمة المضافة". واوضح ان هذه الضريبة ستضيف 1,5 في المئة الى اجمالي الناتج الداخلي "ما ان تطبق بحلول 2018، وهذا ما نأمل به". ولفت الى ان تدابير مماثلة سيستغرق تطبيقها اعواما، والمطلوب من السلطات ان "تنفذها في شكل دائم" عبر تأمين الاطار المؤسساتي اللازم.
واضاف احمد ان بعض دول الخليج يمكن ان تقوم بذلك على مراحل، بفضل "الفائض المالي المريح" الذي راكمته على مدى اعوام في ضوء ارتفاع اسعار النفط. واضافة الى اعادة التوازن الى موازنات الدول، على القطاع الخاص في رايه ان يواصل تطوير نفسه لتأمين وظائف علما بانه يشهد تباطؤا بسبب انخفاض النفقات العامة. واكد ان "التحدي الكبير يكمن في اضفاء دينامية على القطاع الخاص"، مشددا على ضرورة ان يتوجه الشبان الباحثون عن عمل الى هذا القطاع بدل السعي الى الوظيفة العامة.
وقال المسؤول في صندوق النقد الدولي ان "تنويع الاقتصادات التي تعول على سلعة واحدة مثل النفط ليس مهمة سهلة (...) وانظر الى ذلك بوصفه تحديا دائما في الاعوام المقبلة"، في اشارة الى دول الخليج التي تشكل العائدات النفطية بالنسبة الى بعضها القسم الاكبر من اجمالي ناتجها المحلي. واورد من جهة اخرى ان على هذه الدول التي ترتبط عملتها بالدولار الاميركي ان تحافظ على هذا الارتباط كونه "خدم مجلس التعاون الخليجي الى حد بعيد".
واضاف "هذا يؤمن هامشا من الاستقرار على وقع تبدل العديد من العوامل وبينها اسعار النفط".
وستعلن السعودية رؤيتها البعيدة المدى لتنويع مصادر اقتصادها الذي يعول في شكل كبير على النفط. وقال احمد "ننتظر هذه الرؤية بفارغ الصبر"، معتبرا ان المشروع يعكس "استراتيجية طموحة لا تهدف فقط الى احداث توازن في موازنة المملكة في الاعوام الخمسة المقبلة، بل ايضا الى ارساء اقتصاد لا يكون مرتهنا للنفط بقدر كبير".
دول الخليج ستقترض 390 مليار دولار
في السياق نفسه توقع تقرير اقتصادي أن تقترض دول مجلس التعاوني الخليجي حتى 390 مليار دولار بحلول سنة 2020 لتمويل العجز في موازناتها في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط. توقع تقرير اقتصادي صدر الأحد عن مركز الكويت المالي ("المركز")، أن تقترض دول مجلس التعاوني الخليجي حتى 390 مليار دولار بحلول سنة 2020 لتمويل العجز في موازناتها، في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيراداتها. وجاء في التقرير أنه من المتوقع أن تسجل الدول الست لمجلس التعاون الخليجي عجزا يقدر بـ 318 مليار دولار في 2015 و2016.
ورجح التقرير أن تقترض هذه الدول ما بين 285 مليار دولار و390 مليارا حتى سنة 2020. وتعرضت المالية العامة لدول مجلس التعاون (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين وسلطنة عمان)، لضغوط كبيرة جراء فقدان برميل النفط أكثر من ثلثي قيمته منذ منتصف العام 2014. وكانت الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 80 بالمئة من مداخيل هذه الدول قبل انخفاض الأسعار. وقال "المركز" في تقريره أن دول الخليج ستواجه العجز المالي، إما عن طريق الاقتراض أو من خلال اللجوء إلى احتياطاتها المالية الضخمة.
واقترضت المملكة العربية السعودية العام الماضي 26 مليار دولار من المصارف المحلية، واستخدمت نحو 100 مليار دولار من احتياطاتها المالية التي سجلت 732 مليار دولار نهاية العام 2014 بحسب فرانس برس. وأعلنت وزارة المالية السعودية في نهاية شهر شباط/فبراير المنصرم تسجيل عجز قدره 87 مليار دولار في موازنة عام 2016، وتعتزم المملكة إعادة تقييم الدعم الحكومي على منتجات أساسية كالمنتجات البترولية والمياه والكهرباء.
وقالت الوزارة إن الإنفاق في موازنة 2016 يبلغ 840 مليار ريال سعودي (224 مليار دولار)، مقابل إيرادات تبلغ 513 مليار ريال (137 مليار دولار)، هي الأدنى مستوى منذ العام 2009. وسيتم تمويل العجز "وفق خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة، ومن ذلك الاقتراض المحلي والخارجي وبما لا يؤثر سلبا على السيولة لدى القطاع المصرفي المحلي لضمان نمو تمويل أنشطة القطاع الخاص". وباستثناء البحرين وعمان، تتمتع دول الخليج باحتياطات مالية هائلة ومستويات منخفضة من الدين العام، ما يتيح لها -بحسب التقرير- الحصول على قروض محلية ودولية كبيرة.
وسجلت دول المجلس عجزا يقدر بنحو 160 مليار دولار العام الماضي، مقارنة مع فائض في الميزانية يقدر بنحو 220 مليارا في العام 2012. وكان "المركز" توقع في تقرير صادر في شباط/فبراير، أن يرتفع الدين العام الخليجي إلى 59 بالمئة من الناتج المحلي في خمس سنوات، علما أن نسبته نهاية العام 2015 كانت 30 بالمئة من الناتج فقط. من جهته حث صندوق النقد الدولي الدول الخليجية التي تعتمد بشكل كبير على المداخيل النفطية، بتنويع مصادر الدخل لا سيما في ظل توقعات باستمرار انخفاض أسعار الطاقة على مستوياتها الراهنة لسنوات.
25 بنكا خليجيا قيد المراجعة
من جهتها قالت وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيفات الائتمانية إنها وضعت التصنيفات الائتمانية الطويلة الأمد لخمسة وعشرين بنكا بمنطقة الخليج قيد المراجعة من أجل خفض محتمل بينما أكدت تصنيف بنك بحريني مع إعطائه نظرة مستقبلية سلبية. جاء ذلك بعدما وضعت موديز التصنيفات الائتمانية لحكومات البحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة في الرابع من مارس آذار قيد المراجعة من أجل خفض محتمل.
وقالت موديز في تقرير إن من الأسباب الرئيسية وراء الإجراءات الجديدة المتعلقة بتصنيفات البنوك هو "احتمال انخفاض الجدارة الائتمانية لحكومات الدول المصدرة للنفط" بما يشير إلى احتمال ضعف قدرة هذه الحكومات على تقديم الدعم للبنوك في أوقات الأزمات فضلا عن أن الحكومات قد تصبح أكثر انتقائية في تقديم مثل هذا الدعم. وأشارت موديز إلى أن البنوك الخمسة والعشرين التي وضعت تصنيفاتها الطويلة الأمد أو تقييمات مخاطر الأطراف المقابلة لها أو كليهما قيد المراجعة من أجل الخفض المحتمل تضم خمسة بنوك في البحرين واثنين في الكويت واثنين في قطر و11 بنكا في السعودية إلى جانب خمسة بنوك في الإمارات العربية المتحدة بحسب رويترز.
ومن بين البنوك التي تأثرت بالإجراءات الجديدة بنك أبوظبي التجاري وبنك دبي الإسلامي ومصرف الهلال ومصرف الراجحي وبنك البحرين للتنمية والبنك السعودي الفرنسي وبيت التمويل الكويتي (بيتك) وبنك الخليج الدولي وبنك أبوظبي الوطني وبنك الكويت الوطني وبنك قطر الوطني. كما تأثرت أيضا مجموعة سامبا المالية والبنك السعودي البريطاني (ساب) وبنك البحرين الإسلامي والبنك العربي الوطني وبنك البلاد وبنك الجزيرة والبنك الأهلي التجاري وبنك الرياض والبنك السعودي للاستثمار والبنك التجاري القطري وبنك الاتحاد الوطني والمؤسسة العربية المصرفية (إيه.بي.سي).
تدهور العملات الخليجية المرتبطة بالدولار
في سياق مقارب تفرض اسعار النفط المنخفضة ضغوطا على سياسة الدول الخليجية ربط سعر صرف عملاتها الوطنية بالدولار الاميركي، الا انه من غير المرجح ان تؤدي الى فك هذا الارتباط، بحسب ما يقول محللون. وبين دول مجلس التعاون الست، تربط البحرين وعمان وقطر والسعودية والامارات عملاتها الوطنية بالدولار، في حين تربط الكويت دينارها بسلة من العملات ضمنها الدولار. لكن مع فقدان النفط اكثر من ثلثي قيمته خلال اقل من عامين، بدأت الشكوك تتزايد في جدوى الابقاء على هذه السياسة النقدية. وفرض تراجع سعر النفط، مصدر الايرادات الرئيسي لدول الخليج، ضغوطا كبيرة على ماليتها العامة، علما ان هذا الانخفاض يترافق مع تحسن في الاقتصاد الاميركي وارتفاعا في قيمة الدولار مع احتمال زيادة الفائدة عليه.
وللحفاظ على ربط عملاتها بالدولار، لجأت كل الدول الخليجية باستثناء قطر، الى رفع معدلات الفائدة في كانون الاول/ديسمبر، تماشيا مع ما قام به الاحتياط الفيديرالي الاميركي من رفع للفائدة على الدولار، رغم ان الوضع الاقتصادي لدول الخليج كان يتطلب خفضا للفوائد. وتواجه دول الخليج حاليا معضلة الابقاء على ربط عملاتها بالدولار، او اعتماد سعر صرف متحرك سيؤدي الى خفض قيمة عملاتها الوطنية ازاء العملة الاميركية بحسب فرانس برس.
ويقول رئيس الابحاث في مركز الكويت المالي ام. ار. راغو "الحفاظ على تثبيت سعر الصرف (إزاء الدولار) امر مكلف. على المصرف المركزي ان يكون مستعدا لشراء عملته او بيعها في السوق المفتوحة للحفاظ على الارتباط، ما قد يؤدي الى تضاؤل الاحتياطات من العملات الاجنبية". ويضيف "الصادرات النفطية التي تؤمن زهاء 80 بالمئة من العائدات الحكومية، انخفضت بنحو 70 بالمئة منذ منتصف العام 2014، ما يجعل تثبيت سعر صرف العملة ضعيفا لانه يقلص احتياطي العملات الاجنبية".
وباستثناء البحرين وعمان، تتمتع الدول الخليجية باحتياطات نقدية ضخمة تشكل ضمانة لكلفة سياسة ربط العملة بالدولار. الا ان بعض الخبراء يتوقعون الا تتمكن دول خليجية، لاسيما السعودية، من الابقاء على سياسة تثبيت العملة إزاء الدولار الى ما لا نهاية. ويرى مدير تحليل المخاطر السيادية في "آي اتش اس غلوبال انسايت" يان راندولف ان الاداء المتناقض للاقتصاد الاميركي واقتصادات دول الخليج، سيزيد من الضغوط على سياسة ربط العملات بالدولار.
وبحسب راندولف، من المتوقع ان تتباين السياسات النقدية ايضا، بين "تحفيز في دول مجلس التعاون الخليجي (خفض الفوائد)، في مقابل تشديد في الولايات المتحدة". ويشير المحلل الى حاجة الدول الخليجية لعملات محلية ضعيفة بعض الشيء ومعدلات فوائد منخفضة لتعزيز اقتصاداتها، لا سيما تنمية قطاع الصادرات غير النفطية. وكلما طالت مدة التباين بين الاقتصاد الاميركي واقتصادات الدول الخليجية، "كلما بات الانتقال الى سياسة سعر صرف مرنة منطقيا اكثر". الا ان لسياسة تثبيت السعر ايجابيات: فهي توفر ثقة مالية واستقرارا نقديا لدول الخليج في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة. كما تساعد هذه السياسة في احتواء التضخم وتعزيز ثقة المستثمرين الاجانب.
وسبق لدول منتجة للنفط مثل روسيا وكازاخستان وآذربيجان ونيجيريا، ان خفضت قيمة عملاتها، ما ساهم في رفع قيمة الايردات النفطية بالعملات المحلية، وساعد في الحد من العجز في الموازنة. الا ان خطوة كهذه ستكون مكلفة. وقالت وكالة "ستاندرد اند بورز" للتصنيف الائتماني في تقرير حديث لها، ان خفض قيمة العملة "عادة ما يؤدي الى تضخم مرتفع وغالبا ما يتسبب بخفض مستوى المعيشة، ما قد يهدد الاستقرار الاجتماعي".
ويحذر محللون من انه في حال قررت دول الخليج تحرير عملاتها، فبعضها قد يفقد ما يصل الى عشرين بالمئة من قيمتها. وسيؤدي ذلك الى تعزيز الايرادات النفطية وقيمة الاحتياطات النقدية لدول مجلس التعاون بموازاة عملاتها المحلية، بحسب سيباستيان هينان، رئيس ادارة الاصول في مؤسسة "المستثمر الوطني" بأبو ظبي. وقد يؤدي ذلك الى نتائج ايجابية على قطاع الضيافة والسياحة في دبي، اذ ستصبح الامارة اقل كلفة بالنسبة للسياح واكثر جذبا للاعمال غير المرتبطة بالنفط، بحسب هينان. لذلك، يتوقع محللون ان تكون الامارات العربية المتحدة اول دولة تتخلى عن تثبيت عملتها (الدرهم) ازاء الدولار. لكن المحللين يحذرون من خطر آخر مرتبط بتحرير سعر الصرف، وهو احتمال خروج رؤوس الاموال من الخليج.
ويقول راغو ان ذلك قد يحدث "لان المستثمرين سيرغبون بنقل اصولهم الى اسواق اخرى. هذا سيزيد التذبذبات وعدم اليقين المالي في المنطقة". ويعتبر راغو ان وضع حد لربط العملات الخليجية بالدولار سيحصل فقط في حال كان "خطوة أخيرة".
ويرى محمد زيدان، كبير استراتيجيي السوق في "ثينك فوركس" ومقرها دبي، ان ربط العملات الخليجية بالدولار "مكلف ويضر بالاقتصاد". يضيف "دول مجلس التعاون الخليجي تدافع (عن هذه السياسة) حاليا من اجل الاستقرار، لكن اذا استمر السعر المنخفض للنفط، ستختار نظام تعويم مضبوطا خلال خمسة اعوام".
محاولات كويتية لتقليل الاعتماد على النفط
من جهته قال مسؤول كويتي إن بلاده عضو منظمة أوبك تسعى لتخفيض اعتماد ميزانيتها العامة على النفط إلى 60 في المئة فقط بحلول عام 2020 بدلا من نحو 93 في المئة حاليا. وقال خالد عبد الصاحب مهدي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية إن الخطة الخمسية الحالية التي بدأت في السنة المالية 2015-2016 وتنتهي في 2019-2020 تهدف إلى تنويع مصادر الدخل عبر إنشاء عدد من المشروعات التنموية التي تزيد من إيرادات الدولة وتقلل الاعتماد على النفط.
وقال "تعتمد ميزانية الدولة في إيراداتها على 93 في المئة بترول. هذا الأمر يجب أن يتوقف. والمستهدف 60 في المئة خلال الفترة الزمنية المخصصة للخطة الإنمائية." وتضررت الكويت التي تعتمد على إيرادات النفط كمصدر شبه وحيد لتمويل ميزانيتها بسبب انهيار الأسعار من مستوى 110 دولارات للبرميل قبل عامين تقريبا إلى نحو 30 دولارا للبرميل في مطلع 2016.
وحفز هبوط أسعار النفط بشكل كبير دول مجلس التعاون الخليجي للتوجه نحو تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط حيث أعلنت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم في ابريل نيسان "رؤية السعودية 2030" والتي تتضمن حزمة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية تهدف إلى تحرير المملكة من الاعتماد على صادرات النفط. وحول إمكانية تحقيق الكويت هذا الهدف الطموح وتقليل الاعتماد على النفط قال مهدي بنبرة تنم عن الثقة "نعم. (أنا) متفائل جدا. أرى أن هناك إمكانية.. هي مسألة تحتاج من عندنا جهدا." وتنطلق الخطة الإنمائية الحالية من رؤية طموحة لدولة الكويت لتحويلها إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمارات العالمية واستعادة القطاع الخاص لدوره كقائد للنشاط الاقتصادي بحسب رويترز.
وتعتمد الكويت في تحويل هذه الرؤية لواقع ملموس على مشروع رئيسي يتمثل في استغلال الجزر الكويتية الخمس الواقعة في الخليج في الساحل الشرقي للكويت وتحويلها لمنطقة حرة متكاملة ذات تشريعات خاصة تتسم بالمرونة وتكون بمثابة بوابة اقتصادية وثقافية لدولة الكويت. وفي يناير كانون الثاني بارك أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هذا المشروع الذي يضم جزر بوبيان وفيلكا ووربة ومسكان وعوهه والتي تشكل نحو خمسة في المئة من مساحة دولة الكويت في اشارة للبدء بتنفيذ المشروع.
وقال مهدي إن كلفة الاستثمارات في هذا المشروع تبلغ نحو 125 مليار دولار مبينا أن دراسات الجدوى الخاصة بمشروعات هذه الجزر ستكون جاهزة في منتصف 2017 متوقعا أن يكتمل المشروع بحلول 2030. وقال "الخطوة القادمة هي تقديم الدراسات الاستشارية ودراسات الجدوى والمخططات الهندسية وغيرها وتحديد آليات الاستثمار والقوانين والمتطلبات التشريعية اللازمة لجعل هذا المشروع حقيقة." وأضاف " لابد من تحديد الخريطة الاستثمارية للمشروع وفقا لما تأتي به دراسات الجدوى.. من الطبيعي أن يتم اللجوء لخبرات عالمية من أجل الحصول على رؤى ومفاهيم وأدوات استثمارية (جديدة).. قد نخترع أدوات جديدة." وأكد أن المرحلة الحالية هي مرحلة "الدراسات التفصيلية" للمشروع حيث يمكن استدراج عروض جديدة للمستشارين العالميين لدراسة المشروع وتخطيطه أو إحالة الأمر إلى شركة ماكنزي. وبسؤاله حول ما إذا كان المشروع الجديد سوف يحذو حذو دول خليجية أخرى قال مهدي "كل شيء في الكويت (مختلف) يا أخي.. نحن نتكلم عن الكويت صاحبة الأفكار الابداعية.. قد نتأخر، لكن في النهاية سنصل وسنتفوق."
وأوضح مهدي أن المشاريع النفطية التي تعكف عليها الكويت حاليا تهدف أيضا لتنويع مصادر الدخل ومنها مشروع الوقود البيئي ومشروع مصفاة الزور. ويهدف مشروع الوقود البيئي لتطوير مصفاتي الأحمدي وميناء عبد الله التابعتين لشركة البترول الوطنية الكويتية كما يتضمن إنشاء 39 وحدة جديدة وتحديث سبع وحدات وإغلاق سبع وحدات أخرى مع التركيز على إنتاج منتجات عالية القيمة مثل وقود الديزل والكيروسين لتصديرها.
وتسعى الكويت من خلال مشروع مصفاة الزور الذي سيكون الأكبر في العالم والذي وقعت عقوده في أكتوبر تشرين الأول الماضي بكلفة 4.87 مليار دينار (16 مليار دولار) وطاقة تكرير قدرها 615 ألف برميل يوميا إلى رفع الطاقة التكريرية للبلاد إلى 1.4 مليون برميل يوميا من 936 ألف برميل حاليا. وفي يناير كانون الثاني قال الرئيس التنفيذي في شركة البترول الوطنية الكويتية محمد غازي المطيري إن بلاده بصدد إنشاء شركة نفطية جديدة تكون تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية وتضطلع بمهام تشغيل مصفاة الزور ومجمع جديد للبتروكيماويات حيث يتوقع أن يكون هذا المشروع المتكامل هو الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح المطيري آنذاك أن الشركة الجديدة التي سيكون اسمها (كيه بي آر سي) ستكون مسؤولة عن مشروع مصفاة الزور ومجمع البتروكيماويات ومنشأة استقبال الغاز المسال التي تبنيها الكويت حاليا. وقال مهدي إن مشروع البتروكيماويات الجديد يهدف إلى "تعزيز الصناعة البتروكيماوية وسوف تقلل منتجاته من اعتماد الدولة على النفط وتكون هناك إيرادات جديدة."
وأوضح أن المشروع الآن "في طور الدراسات الاستشارية ودراسات الجدوى لمعرفة أفضل التقنيات المجدية اقتصاديا.. وتحديد نموذج العمل الخاص به" وتحديد نوع اللقيم الذي سيستعمله وذلك بعد أن تم تخصيص مساحة من الأرض له بالقرب من مصفاة الزور. وأوضح أن هناك خيارين لنموذج عمل المشروع أحدهما أن تتولى الحكومة تشييده بالكامل والآخر أن يتم تنفيذه طبقا لنموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يستخدم في عدد من المشاريع حاليا.
ويتضمن نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الكويت تأسيس شركات مساهمة عامة تضطلع بتنفيذ هذه المشاريع بينما يديرها الشريك الاستراتيجي حيث يتم تقديم السلع والخدمات المنتجة للدولة في مقابل أموال تدفعها الحكومة لهذه الشركات وفقا لعقود بين الطرفين. وطبقا للقانون الذي صدر في 2014 وبدأ تطبيقه في 2015 فإن 50 في المئة من أسهم هذه الشركات يخصص للمواطنين الكويتيين بينما تخصص نسبة تتراوح بين 26 و44 في المئة لمستثمر استراتيجي قد يكون كويتيا أو أجنبيا أو تحالفا بين عدة مستثمرين وتمتلك الحكومة النسبة الباقية التي تتراوح بين 6 و24 في المئة.
أرباح الشركات في الكويت تحت رحمة الضرائب
من ناحيته قال وزير المالية الكويتي أنس الصالح خلال مؤتمر صحفي إن مجلس الوزراء أقر خطة للإصلاح الاقتصادي والمالي تتضمن عزم الحكومة فرض ضرائب بنسبة عشرة بالمئة على أرباح الشركات. وأضاف الصالح أن الخطة التي أقرها المجلس تتضمن إعادة تسعير بعض السلع والخدمات العامة وإعادة تسعير استغلال أراضي الدولة لكنه لم يذكر تفاصيل. وتضمن البرنامج الذي عرضه وزير المالية استحداث ضريبة على أرباح الأعمال والشركات بمعدل ثابت عشرة بالمئة "بعد تقييم شامل لأثرها على المستهلك وعلى تنافسية قطاع الأعمال".
وأوضح أن فرض الضريبة يتطلب إقرار تشريع من البرلمان أولا ثم تطبيقها بعد عامين. وتضمن البرنامج زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وإطلاق قدرات المجلس الأعلى للتخصيص عبر تعديل قانون الخصخصة ورفع الحظر عن خصخصة الصناعات النفطية ومرفقي التعليم والصحة. وقال الصالح إن الحكومة تعمل على "تأهيل المشروعات العامة المرشحة للخصخصة على أسس تجارية تمهيدا لطرحها في اكتتاب عام يشارك فيه المواطنون.. وإزالة كافة القيود على الاستثمار الأجنبي الخاص المباشر وفتح قطاعات الاستثمار أمامه خصوصا في القطاعات غير النفطية وتحرير نظم التراخيص وتوفير التسهيلات اللوجستية" بحسب رويترز. وأوضح أن المشاريع المرشحة للخصخصة تشمل المطارات ومؤسسة الموانئ ومحطات توليد وتوزيع الطاقة وبعض مرافق وأنشطة مؤسسة البترول الكويتية إضافة لمراكز الصرف الصحي وإدارة المدارس والمستشفيات الحكومية.