تباطؤ الاقتصاد الثاني في العالم يهدد بأزمة مالية جديدة
ندى علي
2016-01-18 11:10
ليس كثيرا على الاقتصاد الصيني أن يصفه علماء وخبراء الاقتصاد، بأنه يحتل المرتبة الثانية في العالم اقتصاديا بعد الولايات المتحدة الامريكية، وبسبب هذه المكانة يرى الخبراء أن المشكلة الاقتصادية الخطيرة التي تعاني منها معظم الدول النفطية، وخاصة (أحادية الموارد او الريعية)، تكمن في تراجع نسبة النمو التي اصابت اقتصاد الصين، فقد أثر هذا التباطؤ بصورة مباشرة على اسعار النفط وجعلها تهبط أضعاف المرات.
فقبل عام تقريبا بلع برميل النفط اكثر من مئة دولارا امريكيا، وكانت ميزانيات الدول النفطية تعيش بحبوحة لم تعشها من قبل، كما أنها من الواضح لم يخطر في بال خبرائها وحكوماتها أن النفط سيهبط في غضون أقل من عام الى أقل من ثلاثين دولارا، وهذا ما حدث بالفعل، الامر الذي جعل الدول النفطية ازاء صدمة لم تكن تتوقعها.
هذا التأثير العالمي للاقتصاد الصيني يؤكد مكانته العالمية، لدرجة ان الخبراء الاقتصاديين يربطون بين انفرج الوضع الاقتصادي العالمي وبين تعافي الاقتصاد الصيني من موجة التباطؤ التي يعاني منها منذ عام تقريبا، فقد نقلت صحيفة تشاينا سكيوريتيز عن أحد كبار مستشاري الدولة في الصين قوله إن الصين ستواجه صعوبة كبيرة في تحقيق نمو اقتصادي فوق 6.5 في المئة خلال الفترة من 2016 إلى 2020 بسبب تباطؤ الطلب العالمي وارتفاع تكاليف العمالة في الداخل.
ولم يبقَ تأثير الانكماش والتباطؤ في الاقتصاد العالمي الثاني محصورا بالصين وحدها، فالداخل الصيني طالما واجه مثل هذه الازمات، واستطاع الخبراء الصينيون من ايجاد الحلول اللازمة لمواجهة مثل هذه المشاكل، ولكن هذه المرة يبدو ان التباطؤ اكثر حدة واشد تأثيرا على الصين لدرجة ان بعض الخبراء كان اكثر ميلا للتشاؤم بخصوص الوضع الاقتصادي للصين، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل بات تأثيره واضحا على الدول النفطية وغيرها من دول العالم.
هنا يقول الخبراء أن ثمة معادلة يمكن ترجمتها على الواقع الاقتصادي العالمي مفادها، كلما كان الاقتصادي الثاني (الصيني) معافى واكثر نموا وحيوية كلما انعكس ذلك على اقتصاديات دول العالم الاخرى، وبصورة اكثر وضوحا على الدول التي تعتمد النفط كمصدر رئيسي لايراداتها، وطالما أن اقتصاد الصين بقي مهددا بالتراجع، فهذا يعني أن اسعار النفط ستبقى في حالة تراجع ايضا، وليس هناك ما يشير الى تحسن هذا التباطؤ بالنمو الاقتصادي الصيني في المدى المنظور، وهو امر يثير نوعا من اليأس او المخاوف لدى كثير من الدول التي أجبرت على اعادة حساباتها بصورة جوهرية بسبب تباطؤ اقتصاد الصين.
انخفاض كبير في التجارة الخارجية للصين في 2015
في هذا السياق سجلت الصادرات الصينية - بالدولار- تراجعا اكبر مما كان متوقعا في كانون الاول/ديسمبر الماضي في مؤشر الى بداية استقرار بعد سنة قاتمة واجهت فيها بكين انكماشا في تجارتها الخارجية وانهيار وارداتها مما يعكس تباطؤ ثاني اقتصاد في العالم. وحسب الارقام التي نشرتها الجمارك الصينية، توضحت صورة المبادلات التجارية في الاشهر الاخيرة الى حد ما. وباحتسابها بالدولار، تراجعت الصادرات الصينية بنسبة 1,4 بالمئة على مدى عام الى 224 مليار دولار وحاولت الانتعاش بعد انخفاض نسبته اكثر من سبعة بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر.
لكن اذا احتسبت باليوان، فان الصادرات تكون قد سجلت ارتفاعا نسبته 2,3 بالمئة، اي اكبر من التراجع بنسبة 4,1 بالمئة الذي كان يتوقعه المحللون في تصريحات لوكالة بلومبرغ. وما زالت الصين التي تعد الدولة الاولى المستهلكة للمواد الاولية والمصدرة للمنتجات التحويلية، محركا اساسيا للنمو العالمي رغم التباطؤ الواضح في نشاطها الاقتصادي. وسجلت الصين التي يعد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة شريكيها الرئيسيين، في 2015 اضعف نسبة نمو اقتصادي منذ ربع قرن. وقال ما تشياوبينغ الخبير في مجموعة اتش اس بي سي المصرفية ان "خفض قيمة اليوان" بقرار من بكين الصيف الماضي "ساهم في دعم الصادرات الصينية" عبر تعزيز قدرتها التنافسية "الى جانب زيادة الطلب الدولي خصوصا في البلدان المتطورة". لكنه اضاف ان "هذه المؤشرات على الاستقرار" تبقى هشة "ومن غير المؤكد ان يكون هذا الانتعاش دائما".
وفي الواقع ورغم التحسن النسبي في كانون الاول/ديسمبر، سجلت التجارة الخارجية الصينية في 2015 انكماشا بنسبة 8 بالمئة لتصل الى 3740 مليار دولار -- اقل من ستة بالمئة كانت تعول عليها بكين التي اخفقت في تحقيق هدفها للسنة الرابعة على التوالي. وتراجعت الواردات الى 1,590 مليار دولار متأثرة بضعف الطلب الداخلي ولتعكس الانخفاض الكبير في اسعار المواد الاولية. اما الصادرات فقد انخفضت 1,8 بالمئة الى 2280 مليار دولار. وفي الاجمال، ارتفع الفائض التجاري للبلاد العام الماضي بنسبة 56 بالمئة الى 595 مليار دولار بحسب فرانس بريس.
من الصعب على الصين تحقيق نموا اقتصاديا
وفي السياق نفسه نقلت صحيفة تشاينا سكيوريتيز عن أحد كبار مستشاري الدولة في الصين قوله إن الصين ستواجه صعوبة كبيرة في تحقيق نمو اقتصادي فوق 6.5 في المئة خلال الفترة من 2016 إلى 2020 بسبب تباطؤ الطلب العالمي وارتفاع تكاليف العمالة في الداخل. وقالت الصحيفة إن لي وي رئيس مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة أدلى بهذه التصريحات خلال مؤتمر عقد في مطلع الأسبوع.
وقال "خلال الثلاثين سنة الماضية من الإصلاحات والانفتاح سجل إجمالي الناتج المحلي الصيني نموا سنويا بلغ نحو عشرة في المئة. ومقابل هذا 6.5 ليس (معدلا) مرتفعا ولكن سيكون من الصعب جدا تحقيق هذه الوتيرة من النمو." وأضاف إن عوامل الإعاقة الرئيسية هي التباطؤ الاقتصادي العالمي المحتمل وارتفاع تكاليف العمالة التي تقوض الميزة التنافسية للصين والمخاوف البيئية المتزايدة.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد قال إنه يجب على الصين أن تحافظ على متوسط النمو السنوي عند معدل لا يقل عن 6.5 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة لتحقيق هدف الصين بمضاعفة إجمالي الناتج المحلي ودخل الفرد بحلول 2020. ومن المتوقع أن تنشر الصين بيانات إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الرابع والسنة كلها في 19 يناير كانون الثاني. ومن المتوقع أن تعلن تباطؤ النمو في 2015 إلى نحو سبعة في المئة وهو أبطأ معدل نمو خلال 25 عاما. بحسب رويترز.
الصين تحد من عمليات شراء الدولار
من جهة اخرى قالت ثلاثة مصادر مطلعة إن الهيئة المنظمة لسوق الصرف الأجنبي في الصين أمرت البنوك في بعض مراكز الاستيراد والتصدير الكبرى في البلاد بالحد من مشتريات الدولار هذا الشهر في مسعى جديد لوقف خروج رؤوس الأموال من البلاد. يأتي الإجراء في الوقت الذي سجلت فيه الصين أكبر هبوط سنوي في احتياطيات النقد الأجنبي على الإطلاق في 2015 في حين سمح البنك المركزي لليوان بالهبوط إلى أدنى مستوى له في عدة سنوات وهو ما أثار مخاوف من نزوح المزيد من رؤوس الأموال وأثار حالة من الهلع في الأسواق العالمية.
ويتزايد الفارق بين سعر اليوان في السوق المحلية وفي الخارج منذ أن أقدمت الصين على تخفيض قيمة عملتها بشكل مفاجئ في أغسطس آب الماضي بما دفع بكين إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات للحد من نزوح رؤوس الأموال إلى الخارج. وقالت المصادر الثلاثة إن جميع البنوك في بعض مراكز التجارة ومن بينها شنتشن تلقت أوامر الهيئة في الآونة الأخيرة. وطلب الثلاثة عدم الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مسموح لهم بالتحدث لوسائل الإعلام.
وقال مصرفي بارز في قسم النقد الأجنبي بأحد البنوك الأجنبية "سيكون له (الأمر) بعض الأثر لأنه نوع من القيود لكن حتى الآن لا يبدو فرض السقف (على مشتريات الدولار) مقيدا للغاية ومن ثم من المستبعد تغير الأحجام على مدى العام كله ما لم يقوموا بتمديد فترة التقييد." وأضاف "إنه فقط (إجراء) لوقف الشراء الجنوني هذا الشهر." ووفقا للمصادر الثلاثة فإن إجمالي كمية الدولارات التي تباع لعملاء أي بنك في أحد تلك المراكز في يناير كانون الثاني لا يمكن أن يتجاوز المبالغ التي بيعت في ديسمبر كانون الأول. وقال أحد المصادر "طلبوا منا تقييد مشترياتنا وهناك أهداف لكن الأمر يتعلق في الأساس بالمؤسسات والشركات ولا يوجد تغيير في السياسة تجاه الأفراد." ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مسؤولي إدارة الصرف الأجنبي الحكومية بحسب رويترز.
الصين تتوقع نمو استهلاكها للطاقة
فيما قالت وكالة أنباء الصين الجديدة شينخوا إن الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم تتوقع نمو استهلاكها من الطاقة في 2016. وبحسب الوكالة قال نور بكري رئيس مصلحة الدولة للطاقة إن الطلب الصيني المتوقع على النفط الخام سيصل إلى 550 مليون طن (11 مليون برميل يوميا) والطلب المتوقع على الغاز الطبيعي سيصل إلى 205 مليارات متر مكعب. وسيزيد استهلاك الكهرباء إلى 5.7 تريليون كيلوات/ساعة وسيبلغ حجم استهلاك الفحم 3.96 مليار طن. وقال إن الوقود غير الأحفوري سيشكل أيضا 13.2 في المئة من الاحتياجات الأولية للطاقة في 2016 ارتفاعا من 12 في المئة هذا العام في حين سيتقلص الفحم إلى أقل من 62.6 في المئة من 64.4 في المئة.
وستشكل الطاقة المتجدة 1.7 تريليون كيلوات/ساعة في 2016 منها أكثر من 20 جيجاوات من طاقة الرياح و15 جيجاوات من الطاقة الشمسية المضافة باستخدام الألواح الضوئية. أضاف أن النمو الإجمالي في حجم استهلاك الطاقة هذا العام هو الأضعف منذ 1998 عند 0.9 في المئة. وسيبلغ حجم واردات الصين من النفط هذا العام 330 مليون طن (6.6 مليون برميل يوميا) ومن الغاز الطبيعي 60 مليار متر مكعب وستصل قدرات توليد الكهرباء إلى 1.47 مليار كيلوات بزيادة 7.5 في المئة. وبشكل أساسي ستتوقف الصين عن الموافقة على مشروعات التنقيب عن الفحم لثلاث سنوات اعتبارا من مارس آذار كما تسعى لغلق أكثر من ألف منجم بحسب نور بكري بحسب رويترز.
اعتماد اليوان الصيني كعملة عالمية مرهونة بالإصلاحات
من ناحية اخرى يساهم اقرار صندوق النقد الدولي اعتماد اليوان كعملة احتياط في تشجيع التداول به خارج الصين ويعزز موقعه ضمن احتياطات المصارف المركزية، الا ان انطلاقته ستستغرق وقتا طويلا مع انعدام امكانية تحويله بحرية، وستبقى مرهونة بالاصلاحات المالية المنتظرة من بكين. واكد صندوق النقد الدولي في واشنطن الاثنين ضم اليوان الى سلة العملات الرئيسية التي تحدد الوحدة الحسابية للمؤسسة المالية، معترفا به كعملة احتياط الى جانب الدولار الاميركي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو.
وبذلك، تكون بكين حققت انتصارا رمزيا كبيرا، لا سيما انها تواصل الجهود لتعزيز مكانة عملتها الوطنية في العالم لتوازي مستوى قوتها الاقتصادية. الا ان عددا من الخبراء يستبعدون ان تجني الصين على الفور فوائد قرار صندوق النقد الدولي، ولو انه سيشجع حتما المصارف المركزية الكبرى على تسريع عملية تنويع احتياطاتها من العملات.
وقال الخبير الاستراتيجي لدى مصرف كريدي اغريكول داريوش كوفالسكي ان "المصارف المركزية غير ملزمة باعتماد تشكيلة حقوق السحب الخاصة، غير انها عمليا تاخذها بالاعتبار. ومن المفترض ان ينطبق الامر على اليوان" نظرا الى وزن الصين الاقتصادي كثاني قوة في العالم. وراى ان "حصة الرنمينبي (اليوان) في احتياطات هذه المصارف قد يرتفع خلال ست سنوات من 1,4% حاليا الى ما بين 4,7% و10%"، ما يترجم اقبالا على شراء اليوان قد يصل الى 110 مليارات دولار في السنة. غير ان الخبير الاقتصادي لدى مجموعة ايه ان زد المصرفية ريموند يونغ يحذر بان هذا التطور "لن يتم بين ليلة وضحاها"، مشيرا الى ان الامر يتوقف على مستوى ثقة المؤسسات المالية.
ويقول اندرو كينينغهام من مكتب كابيتال ايكونوميكس ان "المصارف المركزية على غرار سائر الشركات التي تدير اموالا، تفضل التعاطي بالعملات القابلة للتحويل بشكل تام والتي لها اسواق صرف واسواق سندات واسعة" يمكن التداول بها بسهولة. وهنا تحديدا تكمن المشكلة. اذ يوضح الخبير ان "جاذبية اليوان كعملة احتياط ستصطدم بانعدام قابليتها للصرف وبمحدودية +السيولة+" فضلا عن المخاوف الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني. ويحتم اندماج عملة في سلة صندوق النقد الدولي عليها ان تكون "مستخدمة بشكل واسعة" و"مستخدمة بشكل حر".
ولم يطرح الشرط الاول اي مشكلة على صندوق النقد، اذ كان اليوان في ايلول/سبتمبر خامس عملة للمدفوعات الدولية، وسجل 2,45% من التعاملات ولو ان الفرق يبقى شاسعا مع الدولار الاميركي (43,3%) واليورو (28,6%)، بحسب شركة سويفت المالية. اما الشرط الثاني، فاثار جدلا اذ ان اليوان يفتقد الى حرية التحويل وتبقى تقلبات سعره محدودة ضمن هامش يتراوح حول سعر محوري يحدد يوميا. وحرصا منها على تفادي هروب الرساميل، تواصل بكين فرض قيود شديدة على حركة الاموال خارج البلاد، وفي دليل على تشدد السلطات في هذا الصدد قامت مؤخرا بتفكيك شبكات متهمة بتحويل مئات مليارات اليوان بصفة غير شرعية الى الخارج.
ادنى مستوى لاحتياطي الصين من العملات الاجنبية
في السياق نفسه انخفض احتياطي الصين من العملات الاجنبية الى ادنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات في تشرين الثاني/نوفمبر، حسب ما اظهرت البيانات الرسمية، وذلك بسبب خروج راس المال "القياسي" من البلاد على خلفية توقعات انخفاض سعر اليوان، بحسب محللين. وانخفض احتياطي الصين من العملات الاجنبية، الاكبر في العالم، الى 3,44 ترليون دولار الشهر الماضي، بانخفاض قدره 87,2 مليار دولار مقارنة مع تشرين الاول/اكتوبر، طبقا لارقام الادارة الحكومية للنقد الاجنبي.
وهذا اقل رقم منذ شباط/فبراير 2013 حين وصل الاحتياطي الى 3,40 ترليون دولار، حيث بلغ اجمالي الانخفاض هذا العام 404,7 مليار دولار. كما ان هذا الرقم اقل من معدل توقعات استطلاع بلومبرغ الذي توقع ان يبلغ الاحتياطي 3,49 ترليون دولار. وقرر صندوق النقد الدولي الاسبوع الماضي اعتماد اليوان كعملة احتياط الى جانب الدولار الاميركي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو. الا ان جوليان ايفانز برتيشارد المحلل في شركة "كابيتال ايكونوميكس" للابحاث قدر ان خروج راس المال الصافي من الصين بلغ رقما "قياسيا" هو 113 مليار دولار في تشرين الثاني/نوفمبر، بارتفاع عن 37 مليار دولار في تشرين الاول/اكتوبر، بما في ذلك اضطرار البنك المركزي الى بيع 57 مليار دولار لرفع قيمة العملة الصينية. وكتب في مذكرة ان "زيادة تدفق رؤوس الاموال سببه الرئيسي هو زيادة التوقعات بخفض قيمة اليوان" لاسباب من بينها احتمال رفع الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الاميركي لاسعار الفائدة هذا الشهر. وتسيطر بكين على تدفق العملات، ولا يمكن لليوان ان يتحرك صعودا او هبوطا مقابل الدولار الا بنسبة 2% من معدل توسطي يحدده البنك المركزي الصيني يوميا. وفاجأ البنك الاسواق في اب/اغسطس بخفض قيمة اليوان مقابل الدولار بنسبة تقارب خمسة بالمئة في غضون اسبوع واحد. وتعهدت بكين بالتحرك من اجل تحرير اليوان امام العملات الاخرى تماما بحلول 2020 بحسب فرانس بريس.
الفساد يعرقل تحفيز الاقتصاد الصيني
من ناحية اخرى يتردد مسؤولون محليون في الصين في إقرار مشروعات وصفقات نتيجة سعي البعض لتجنب الأضواء في ظل حملة لمكافحة الفساد مما يعرقل خطط بكين لاستغلال الإنفاق على البنية التحتية لوقف تباطؤ النموالاقتصادي. ورغم أن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح أقرت مشروعات استثمار بقيمة 1.9 تريليون يوان (300 مليار دولار) في العشرة أشهر الأولى من 2015 فإن اللجنة تقدر أن مشروعات بقيمة 45 مليار دولار متخلفة عن جدولها الزمني ومن بينها مشروع خط سكك حديد في يونان تأخر تنفيذه خمسة أعوام بسبب تراخي المسؤولين.
كان مسؤولون على مستوى المقاطعات والمدن حملوا لواء التوسع السريع في وقت سابق إلا أنهم لم يلتزموا بقواعد الشراء عند ترسية العقود وحقوق استغلال الأراضي. والآن في ظل محاولات الحكومة تعزيز النمو الذي هوى لأقل مستوى في 25 عاما يخشى بعض المسؤولين أن يلفتوا الانظار وأن تعود الممارسات السابقة لملاحقتهم. وعززت الصين إجراءات فحص المشروعات الضخمة والتدقيق فيها منذ عام 2012 لاحتواء الفساد حين أعلن الرئيس شي جين بينغ الحرب على الفساد متعهدا بملاحقة كبار وصغار الفاسدين.
وقال مسؤول في مقاطعة جيانغشي الجنوبية طلب عدم نشر اسمه "يخشى كثيرون من أن بذل جهد أكبر قد يعرضهم لمشاكل أكثر." وتابع "المسؤولون لا ينفذون السياسات التي تعلنها الحكومة المركزية." وفي مارس آذار أبلغ البرلمان أن ممثلي الإدعاء أجروا تحقيقات مع 4040 موظفا على جميع مستوى المقاطعة أو أعلى في 2014 أي بمتوسط 11 موظفا في اليوم. لكن محاولات تجنب الأضواء تجلب المشاكل. وقالت وسائل الإعلام التابعة للدولة إنه جرت معاقبة نحو 250 مسؤولا لتقاعسهم عن إنفاق المخصصات الحكومية مما أدى لتأخر مشروعات او الاحتفاظ بأراض خصصت لمشروعات تنمية.
ووبخ رئيس الوزراء لي كه تشيانع المسؤولين مرارا لتكاسلهم وبدا غاضبا في اجتماع العام الماضي. ومنذ ذلك الحين لجأ لسياسة الترغيب والترهيب ووعد بترقية المسؤولين النزهاء وتوعد المنحرفين بالفصل. وقال لي للمسؤولين المحليين خلال اجتماع في أكتوبر تشرين الأول "ينبغي أن نمنح السلطات المحلية مزيدا من الاستقلالية في أخذ القرار ونقدم مزيدا من الدعم للمسؤولين المحليين الراغبين في الإنجاز والقادرين على ذلك." وفي أول عشرة أشهر من العام الجاري ساهم تردد المسؤولين المحليين في تباطؤ معدل النمو السنوي للاستثمار في الأصول الثابتة الى 10.2 بالمئة وهي أقل وتيرة منذ عام 2000 رغم تعجيل اللجنة باقرار المشروعات.
لكن انخفاض العائد وضعف الحماية القانونية أعاق جهود بكين لجذب الاستثمارات الخاصة لمشروعات البنية التحتية وزاد من الضغط على الحكومة لزياة الإنفاق. وقال باحث في لجنة التنمية الوطنية والإصلاح "من الصعب جدا أن يستقر معدل النمو الاقتصادي دون دعم محلي." وقال "المواطنون يرحبون بمحاربة الفساد لكن هذا الأمر له آثار جانبية لأن بعض المسؤولين يمتنعون عن العمل." بحسب رويترز.
كيف قررت الصين إعادة رسم الخريطة المالية العالمية؟
ويعد بنك التنمية الصيني الجديد أحد أكبر نجاحات السياسة العالمية لبكين رغم أن خططه كادت تتجمد قبل عامين بسبب الشكوك التي ساورت كبار صناع السياسات. فبحسب مصدرين مطلعين على المناقشات الداخلية عانت بكين من عدم الثقة عندما فكرت للمرة الأولى في إقامة البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية أوائل 2013 وذلك بفعل المخاوف من عدم جمع التمويل الكافي وبواعث القلق من أن الدول الأخرى لن تدعم المشروع.
لكن تعهد بعض حكومات الشرق الأوسط بتقديم السيولة ودعم دول أوروبية مهمة - وهو ما فوجئت به بكين وجاء على الرغم من المعارضة الأمريكية - أصبحا نقطة تحول في خطط الصين لتغيير البنية المالية العالمية. وبفضل التأكيدات الخارجية ودعم شخصيات مهمة مثل رئيس الوزراء الصيني السابق والرئيس المقبل لبنك البنية التحتية جين لي تشون الرئيس السابق لصندوق الثروة السيادي مؤسسة الاستثمار الصينية استطاعت الصين تحويل الفكرة إلى حقيقة. ومن المرجح أن يعزز التأسيس الناجح للبنك ثقة بكين في قدرتها على الاضطلاع بدور رائد في المؤسسات المالية العالمية رغم الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تواجهها في الداخل.
وقال أحد المصدرين عن خطط بكين لبنك البنية التحتية "في البداية لم تكن الصين واثقة جدا. وقال المصدر إن وفدا من وزارة المالية حاول جس نبض دول جنوب شرق آسيا بخصوص دعم البنك لم يفرز نتائج مشجعة. فقد أيدت الحكومات الفكرة غير أنها لم تكن تملك الموارد الكافية للمساهمة بقوة في التمويل. لكنه أضاف أن زيارات لاحقة إلى الشرق الأوسط جلبت النجاح حيث أخطرت حكومات المنطقة الصين بأنها بحاجة إلى بنية تحتية جديدة وأنها - وهذا هو المهم - قادرة على الدفع مقابل ذلك. وقال "جميعها دول منتجة للنفط وتملك العملة الصعبة ويحدوها تفاؤل كبير وبوسعها تقديم السيولة.
وأحجم البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية عن التعليق على هذا التقرير وأحال الأسئلة إلى وزارة المالية الصينية التي لم ترد على طلب للتعقيب. ومن المنتظر أن ينافس البنك الجديد الذي وقعت 57 دولة للانضمام إليه كلا من البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية وأن يعظم النفوذ الصيني في تمويل مشاريع التنمية العالمية. وبحسب موقع البنك على الانترنت فإن نسبة السبع تقريبا من الخمسين بلدا التي وقعت في يونيو حزيران لتصبح من الأعضاء المؤسسين هي من الشرق الأوسط ومن بينها إيران وإسرائيل ومصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وقال المصدران إن النقاشات الحكومية بخصوص البنك دامت ستة أشهر من ربيع 2013 وشملت وزارة المالية ووزارة التجارة ومركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية وهو مركز أبحاث حكومي. وأضافا أن جهات حكومية شككت في قدرة الصين على إدارة بنك دولي نظرا لانعدام الخبرة مبدية تخوفها من أن تتكبد المؤسسة الجديدة خسائر ومقترحة أن تنشئ الصين صندوق استثمار حكوميا لتمويل صفقات البنية التحتية الخارجية.
وشكك آخرون في حاجة الصين إلى إطلاق بنك جديد نظرا لعضويتها في بنك التنمية لمجموعة بريكس مع البرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا وإجرائها محادثات مع روسيا للمشاركة في إنشاء بنك آخر. لكن أحد المصدرين قال إن مقترح إقامة صندوق استثمار قوبل بالرفض من منطلق أن جهدا أحاديا من جانب الصين قد يثير شكوك الحكومات الأخرى بشأن دوافعه. وجادل مؤيدو بنك البنية التحتية بأن الأعضاء الآخرين ببنك بريكس سيهرعون إلى المشاركة في البنك الجديد وأن روسيا تبدي فتورا إزاء فكرة إقامة بنك تنمية مع الصين. وأحجمت وزارة المالية الروسية عن التعليق على هذا التقرير بحسب رويترز.
العالم يترقب ارقام الاقتصاد الصيني
من جهة اخرى يسود التوتر هذا الاسبوع الاسواق المالية في العالم مع اصدار الصين سلسلة من الاحصاءات الاقتصادية سيدقق فيها المستثمرون بشكل معمق بحثا عن مؤشرات تباطؤ. وتعلن القوة الاقتصادية الثانية في العالم خلال الايام المقبلة ارقام التجارة الخارجية والتضخم والبيع بالتجزئة والانتاج الصناعي والاستثمارات في رأس المال الثابت. وظهر مؤشران الاسبوع الماضي كشفا ان انشطة التصنيع الصينية سجلت تقلصا شديدا في اب/اغسطس ما اثار مخاوف في الاسواق الدولية اذ تساءل المستثمرون ان لم تكن الصين تستعد لـ"انقباض مفاجئ" في نشاطها الاقتصادي. واشار بعض المحللين الى انه ينبغي عدم بناء الكثير من التوقعات على مؤشرات مديري المشتريات هذه، غير ان انشطة التصنيع تشكل تقليديا ركيزة للنمو الصيني واي معطيات جديدة تشير الى تراجع يمكن ان تعتبرها البورصات مبررات تدفع الى البيع.
وقال جاكسون وونغ المحلل لدى مجموعة سيمسن المالية الدولية في هونغ كونغ "هناك خطر (رد فعل مسرف) لان ثقة المستثمرين هشة وعند صدور اي ارقام غير مؤاتية، ياتي رد فعل المستثمرين اقوى مما ينبغي". وتراجع نمو الاقتصاد الصيني الى 7,4% عام 2014 وهو ادنى مستوياته منذ حوالى ربع قرن، قبل ان يتباطأ اكثر الى 7% في الفصلين الاولين من العام 2015. ويمثل العملاق الاسيوي 13% من اجمالي الناتج الداخلي العالمي وتخشى الاسواق من انتقال عدوى التباطؤ الاقتصادي من الصين الى باقي العالم.
وما اثار مخاوف الاسواق بالاساس التخفيض المفاجئ في سعر اليوان مقابل الدولار في اب/اغسطس، وهو ما اعتبر بشكل واسع محاولة يائسة من بكين لدعم تنافسية صادراتها. وتسلك السلطات الصينية منعطفا اليما نحو نمط نمو جديد يعتمد اكثر على الاستهلاك واقل على الاستثمارات العامة. واوضحت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الجمعة ان "التشاؤم الذي يحيط بافاق الصين على المدى القريب مبالغ به وزيادة النمو في الفصل الثاني بدأت تتحقق". وتابعت "غير ان التطلعات في ما يتعلق بطاقة النمو الاقتصادي على المدى المتوسط تم تخفيضها مع تبلور التحديات التي تطرحها اعادة الهيكلة".
غير ان مصرف ايه ان زد يتوقع تراجع اجمالي الناتج الداخلي الى 6,4% في الفصل الثالث من السنة قبل ان يعود ويتعزز محققا 6,8% في الفصل الاخير، ما يبقى دون اهداف الحكومة التي تتطلع الى نسبة نمو سنوي قدرها 7%. واعتبر المصرف في تقرير انه "من الضروري تبني تدابير قوية لتليين السياسة النقدية واعتماد سياسة ضريبية نشطة وليبرالية مالية من اجل ابقاء نمو اجمالي الناتج الداخلي" بالمستويات المرجوة. وتحت ضغط التباطؤ الاقتصادي وتراجع البورصات اقر البنك المركزي الصيني في نهاية اب/اغسطس تخفيضا جديدا لمعدلات الفائدة كما خفض نسبة الاحتياطات الالزامية المفروضة على المصارف مجيزا لها عمليا منح المزيد من القروض. وهذه التدابير تعود الى عملية كثيفة لضخ السيولة اذ تؤدي الى تخفيض كلفة الاقتراض على الافراد والشركات والادارات بحسب فرانس بريس. ويتوقع مصرف نومورا الياباني ان تكون ارقام التجارة الخارجية لشهر اب/اغسطس "ضعيفة" مع تراجع الصادرات بنسبة 7% بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي وتراجع الواردات بنسبة 10%. وحذر المصرف بان التضخم سيبلغ 1,8% تحت تاثير زيادة اسعار لحوم الخنزير غير ان خطر انهيار الاسعار ما زال قائما. الا ان العديد من المحللين يعتبرون ان الصين ستنجح في تفادي انتقال اقتصادي اليم ولو انها ستواجه حتما تباطؤا في النمو.
الصين تخفض تقديراتها لنمو الناتج الداخلي
في السياق ذاته اعلنت الصين تخفيض تقديراتها لنمو اجمالي الناتج الداخلي عام 2014 من 7,4% الى 7,3% في اجواء من القلق المتزايد حول القوة الاقتصادية الثانية في العالم. وبعدما باتت تعتبر انها تخطت ازمة البورصات، تصدر الصين في الايام المقبلة ارقام التجارة الخارجية والتضخم والبيع بالتجزئة والانتاج الصناعي والاستثمارات في رأس المال الثابت. واوضح المكتب الوطني الصيني للاحصائيات في بيان ان تخفيض اجمالي الناتج الداخلي للعام 2014 بمقدار 0,1 نقطة كان نتيجة "تاكيدات اولية" بهذا الصدد على ان يصدر الرقم النهائي في كانون الثاني/يناير. وكانت نسبة 7,4% من النمو للعام 2014 التي اعلنت في كانون الثاني/يناير الماضي تمثل اساسا حدا ادنى منذ 1990. بحسب فرانس برس.
وسيطر الهلع على الاسواق المالية الشهر الماضي بسبب مخاوف على صحة الاقتصاد الصيني الذي ينعكس تباطؤ نموه على باقي الاقتصاد العالمي. وبعد سنوات من النمو الذي فاق 10%، تسلك السلطات الصينية منعطفا اليما نحو نمط نمو جديد يعتمد على الاستهلاك اكثر منه على الاستثمارات العامة. وواصل النمو تباطؤه خلال الفصلين الاولين من السنة وصولا الى 7% علما ان السلطات حددت هدفا للنمو "حوالى 7%" للعام 2015 رغم ان العديد من المحللين باتوا يشكون في بلوغ هذه النسبة. ويتوقع مصرف ايه ان زد تراجع اجمالي الناتج الداخلي الى 6,4% في الفصل الثالث من السنة قبل ان يعود ويتعزز محققا 6,8% في الفصل الاخير، ما يبقى دون اهداف الحكومة التي تتطلع الى نسبة 7%.
التجارة الخارجية الصينية تواصل تراجعها
في حين واصلت التجارة الخارجية الصينية تراجعها في اب/اغسطس على ما افادت الجمارك الثلاثاء مع استمرار تراجع الصادرات وانكفاء كبير للواردات، فيما تشير اخر الارقام المرتقبة للاقتصاد الصيني الى تراجع القوة الاقتصادية الثانية في العالم. وتقلصت الصادرات الصينية بنسبة 5,5% اذا احتسبت بالدولار (6,1% باليوان) بالمقارنة مع اب/اغسطس 2014 الى 196,9 مليار دولار، فيما تراجعت الواردات بالدولار بنسبة 13,8% (14,3% باليوان) الى 136,6 مليار دولار، وازداد الفائض في الميزان التجاري ب20,1%، بحسب ما اعلنت الجمارك الصينية على موقعها الالكتروني. بحسب فرانس برس.
ونسبة تراجع الصادرات البالغة 5,5% ادنى بكثير من متوسط التوقعات التي وضعتها مجموعة من خبراء الاقتصاد من وكالة بلومبرغ نيوز والبالغ 6,6%، وهي تشير الى تحسن بالنسبة الى تموز/يوليو حين شهدت الصادرات الصينية تراجعا حادا بلغ 8,9%. وتشكل الصادرات الصينية المحرك التقليدي لنمو الاقتصاد في هذا البلد. وتسعى السلطات الصينية لتغيير توازن نموذجها الاقتصادي من خلال تطوير الاستهلاك والحد من الاستثمارات في البنى التحتية التي تشكل الركيزة التقليدية الثانية لنموها. وقالت الجمارك الصينية في بيان ان "الصادرات الى الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق اسيا (اسيان) تواصل النمو لكن عمليات الشحن الى الاتحاد الاوروبي واليابان في تراجع". ويشير تراجع الواردات بنسبة 13,8% بالمقارنة مع اب/اغسطس 2014 الى انحسار حاد بعد 8,1% في تموز/يوليو، وجاء اكبر من توقعات وكالة بلومبرغ التي قدرت ب7,9% نسبة تراجع الواردات المحتسبة بالدولار