السودان: نزيف اقتصادي وتقشف قسري
عبد الامير رويح
2018-11-25 04:20
يعيش السودان الكثير من المشاكل والازمات السياسية والحروب الاهلية، التي اسهمت بتفاقم قضايا الفساد التي اثرت سلباً على حياة المواطن، الذي يعيش اليوم اوضاع صعبة بسبب الأزمات الاقتصادية الحادة، حيث أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، أن التضخم بلغ بلغ أعلى مستوياته في سنوات وهو ما اجبر الحكومة على اتخاذ قرارات واجراءات خاصة لمعالجة بعض هذه المشكلات، وكان ارتفاع أسعار الأغذية وكما ذكرت بعض المصادر قد أشعل شرارة قلاقل، صاحبتها أعمال شغب في يناير الماضي، في حين أدى نقص في العملة الصعبة إلى تقليص الواردات في الأشهر القليلة الماضية.
وتدهور الاقتصاد بعد أن رفعت الولايات المتحدة عقوبات ظلت تفرضها لـ20 عاما على الخرطوم، ورفضت الحكومة السودانية مقترحا في ذلك الوقت من صندوق النقد الدولي لتعويم عملتها (الجنيه)، التي هوت إلى مستويات قياسية منخفضة في السوق السوداء هذا العام، مما دفع البنك المركزي إلى خفض قيمتها بشكل حاد مرتين. ويعد الإقتصاد السوداني من أكثر القطاعات الاقتصاديّة التي شهدت معاناة كبيرة؛ بسبب الصراعات الاجتماعيّة، والحرب الأهليّة، وغيرها من الأسباب الأخرى.
وفيما يخص اخر التطورات أعلن رئيس الوزراء السوداني معتز موسى فى البرلمان عن برنامج إصلاح اقتصادي عاجل لمدة 15 شهرا ويتضمن مزيدا من إجراءات التقشف. ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال الجنوب في 2011 آخذا معه ثلاثة أرباع إنتاج النفط ليحرم الخرطوم من مصدر حيوي للعملة الصعبة. وقال موسى ”يهدف البرنامج التركيزى للاستقرار الاقتصادى لتخفيض متوسط التصخم وتحقيق استقرار فى سعر صرف الجنيه وتحقيق معدل نمو حقيقى فى الناتج المحلى الاجمالي فى حدود أربعة بالمئة ومعالجة أزمةالسيولة“.
وأضاف أن هذه الإجراءات تشمل إلغاء جميع الإعفاءات الضريبية باستثناء لمدخلات الإنتاج وسحب بعض السيارات التي يستخدمها المسؤولون والتوقف عن دفع ثمن الوجبات الغذائية المقدمة أثناء الاجتماعات الحكومية وحظر استخدام الأثاث المستورد في المقرات الحكومية. وتحدث موسى أيضا عن خطط لتأسيس بورصة سلعية لتداول الذهب والعملات. ورغم ازدهار التنقيب عن الذهب منذ انفصال جنوب السودان فإن المسؤولين يقرون بأن معظم المعدن النفيس المستخرج يجري تهريبه إلى خارج البلاد.
انهيار اقتصادي
وفي هذا الشأن نفد النقد من الكثير من ماكينات الصرف الآلي في العاصمة السودانية الخرطوم في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتفادي انهيار اقتصادي من خلال خفض حاد في قيمة العملة وإجراءات تقشف عاجلة. وارتفع الطلب على السيولة النقدية بسبب التضخم، وضعف الثقة في النظام المصرفي، وسياسة البنك المركزي في تقييد المعروض النقدي لحماية الجنيه السوداني. أدى هذا إلى أزمة في السيولة تفاقمت في الايام الماضية انتظارا لتسليمات جديدة من أوراق النقد. وتأتي أزمة السيولة النقدية بعد شهر من سماح السلطات للعملة المحلية بالتراجع إلى 47.5 جنيه للدولار من 29 جنيها وإعلانها إجراءات لتقليص الإنفاق.
وقال أحمد عبد الله (42 عاما)، وهو موظف حكومي، ”أتنقل من مكان إلى آخر حتى أجد صرافا به أموال، لأن عددا كبيرا من الماكينات ليس به أموال... لماذا نعاني هكذا للحصول على أموالنا؟“ ويعاني السودان من شح العملة الأجنبية منذ أن فقد ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي حينما انفصل الجنوب في عام 2011. ولم يفلح رفع عقوبات أمريكية استمرت عشرين عاما في أكتوبر تشرين الأول 2017، في إحياء الأمل في التعافي. ودفع التضخم المرتفع، وتقييد حدود السحب، وأزمة العملة، اقتصاد السودان بالفعل إلى السقوط في براثن أزمة صعبة قبل الشح الأخير في السيولة.
واتخذ الرئيس السوداني عمر البشير سلسلة من الإجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية في الأسابيع الماضية. وغير محافظ البنك المركزي الجديد نظام تحديد سعر صرف العملة، وأعلن رئيس الوزراء الجديد خطة إصلاح اقتصادي تستغرق 15 شهرا. ورغم هدوء الشوارع بعد احتجاجات نادرة عمت أرجاء البلاد وحفزتها أسعار الخبز في وقت سابق من هذا العام، شهدت الأسعار مزيدا من الزيادات منذ خفض قيمة العملة ، وهو ما أثار الاستياء من جديد.
وأظهرت حملات التفتيش المفاجئ على التجار والبائعين في السوق أنه على مدى الشهر الماضي، ارتفعت تكلفة الكيلوجرام من الطحين (الدقيق) 20 في المئة، ولحوم الأبقار 30 في المئة، والبطاطا 50 في المئة. وبلغ التضخم ما يزيد عن 68 في المئة في سبتمبر أيلول، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم. وفي بداية الشهر الحالي، زادت الحكومة دعم الطحين في محاولة منها لاحتواء الأثر الناتج على الخبز.
وقال رئيس الوزراء في تغريدة إنه اجتمع مع محافظ البنك المركزي لمعالجة مشكلة ماكينات الصرف الآلي وتلقى تطمينات حول إمدادات أوراق النقد. لكن مسؤولا في بنك تجاري بالخرطوم قال إن البنك المركزي لم يضخ كميات كافية جديدة من العملة، وهو ما أثار أزمة سيولة وتسبب في اصطفاف طوابير طويلة أمام ماكينات الصرف الآلي. وقال مصدر بوزارة المالية إن السودان استورد شحنة واحدة من أوراق النقد الجديدة الشهر الماضي، ومن المنتظر وصول ثلاث شحنات أخرى قريبا. ولم يذكر المصدر مزيدا من التفاصيل.
وعلى الرغم من خفض قيمته الشهر الماضي، لا يزال الجنيه السوداني يواجه ضغوطا، بينما تتسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق السوداء. فقد بلغ سعر الدولار 52 جنيها في المعاملات النقدية بالسوق السوداء، وبلغ 58 جنيها في التعاملات بشيكات مصرفية. وقال تاجر عملة في السوق السوداء ”نتوقع استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق لشح العملات الأجنبية. ”التعامل بسعر الشيك أصبح تجارة رائجة مع أزمة السيولة من النقد السوداني في البنوك والصرافات“. بحسب رويترز.
وتقوم لجنة من بنوك وشركات صرافة منذ الشهر الماضي بتحديد سعر صرف رسمي للعملة يوميا، ورفعت اللجنة سعر الجنيه إلى 46.95 جنيه مقابل الدولار بعد أيام من خفض قيمته، لكنها سرعان ما أعادته إلى 47.5 جنيه للدولار. وقال محمد الجاك الأستاذ بجامعة الخرطوم ”سعر الصرف الحقيقي هو السعر في السوق الموازية. ”يجب أن تعمل آلية سعر الصرف بناء على العرض والطلب حتى تتوصل إلى سعر حقيقي وواقعي يتماشى مع التحرير الاقتصادي“.
عملة جديدة
على صعيد متصل نقلت وكالة السودان للأنباء عن البنك المركزي قوله إن الخرطوم بدأت في طباعة عملة فئة 100 جنيه للمرة الأولى وسط أزمة فى السيولة النقدية. تحاول الحكومة السودانية خفض الإنفاق في الوقت الذي تواجه فيه ارتفاعا قياسيا في التضخم ونقصا في العملة الصعبة فضلا عن تزايد القلق بشأن تراجع حجم السيولة النقدية في البنوك.
وأصبح مشهد الصفوف الطويلة خارج البنوك التجارية مألوفا في أنحاء الخرطوم مع تقلص السيولة من العملة المحلية وخلو أجهزة الصراف الآلي من النقود. وقال الخبير الاقتصادي السوداني عبد الله الرمادي ”طباعة فئة المئة جنيه خطوة فى الاتجاه الصحيح لأن ارتفاع نسب التضخم خفض من القيمة الشرائية للفئة قيمة الخمسين جنيها.“ وأضاف أن القرار ”سيساعد فى حل أزمة نقص السيولة التى أضرت فى الشهور الماضية بالاقتصاد السودانى ضررا كبير والبنك المركزى يتوجب عليه زيادة الكتلة النقدية لتجاوز أزمة السيولة.“
من جانب اخر قال رئيس وزراء السودان معتز موسى إنه لا خطط لدى الحكومة لرفع الدعم عن السلع الأساسية في الوقت الذي يرتفع فيه التضخم وتشهد فيه العملة تقلبا بعد انخفاض حاد في قيمتها. وأعلنت الحكومة سلسلة من الإجراءات للتعامل مع أزمة مالية واقتصادية قادت البلد الذي يعد من أكبر دول أفريقيا إلى حافة الإفلاس. وقال موسى إن دين السودان الخارجي يبلغ نحو 56 مليار دولار في الوقت الحالي.
وأبلغ البرلمان بأن التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد يتمثل في الوقت الحالي في السيطرة على سعر صرف الجنيه والتضخم. وعلق قائلا ”لا يمكن حاليا الحديث عن رفع الدعم مع ارتفاع نسبة التضخم وتذبذب سعر صرف العملة الوطنية“.
وقال موسى إن دعم الوقود يصل إلى 20 مليار جنيه سوداني (421 مليون دولار)، أو ما يعادل 20 بالمئة من الميزانية، وإن الحكومة تدفع 25 مليون جنيه استرليني يوميا للدعم من أجل إبقاء سعر الخبز عند جنيه سوداني. وأعلنت الخرطوم آلية جديدة تسمح للبنوك وشركات الصرافة المحلية بتحديد سعر الصرف يوميا، وذلك في إطار حزمة إجراءات لمعالجة نقص العملات الأجنبية وأزمة اقتصادية أوسع نطاقا.
اقتصاد يتداعى
من جانب اخر على مدى 22 عاما ظل محمد محمود يودع إيرادات عمله في المحاماة في بنك قرب مكتبه في الخرطوم. لكن الخوف من أن يمنعه خفض سقف عمليات السحب من البنوك عن سحب نقوده، جعله يحتفظ بها في خزانه بمكتبه في الوقت الحالي. وفرض قيود علي السيولة المتاحة للبنوك التجارية من بين الإجراءات التي تهدف لكبح التضخم ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي قد تعرقل خطة الرئيس عمر البشير للبقاء في السلطة بعد أن أمضى فيها نحو ثلاثة عقود.
وعلى الرغم من أن البنوك لم تعلن قيوداً محددة على سحب النقود، فإن مبالغ السحب هبطت في بعض الحالات خلال الأسابيع الأخيرة إلى 500 جنيه سوداني (17.12 دولار) يومياً. وقال محمود ”حتى إن لم يكن المكتب آمنا من السرقة والحريق، فهذا أفضل من إيداعها في بنك“. وبعد رفع العقوبات التجارية علي السودان التي فرضتها الولايات المتحدة قبل عشرين عاما، أقال البشير الحكومة في خطوة قال إنها ”ضرورية لمعالجة حالة الضيق والإحباط التي واجهتها البلاد خلال الفترة الماضية“ وقلص عدد الوزارات بنحو الثلث لخفض التكاليف.
ويقول خبراء اقتصاد إن استمرار واشنطن في تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب مثله مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا يُبعد المستثمرين الأجانب والبنوك. ومن المتوقع أن تجري مراجعة لإدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب. لكن وجود السودان على القائمة لا يعطيه الحق في الحصول على قروض وتمويل هو في أمس الحاجة إليه من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقال سام بودلي سكوت مسؤول الاستراتيجية في دال الغذائية، وهي أكبر منتج للغذاء في السودان، ”كانت ثمة لحظة تفاؤل جميلة في نهاية العام الماضي حين زالت العقوبات واعتقدنا أن الجميع سيتهافت علينا من حيث الرغبة في الاستثمار“. وتابع ”للأسف رجحت كفة الضغوط الاقتصادية المحلية والخارجية وما تبعها من تحديات أمام مزايا إنهاء العقوبات“.
وعلى الجانب الأخر من سوق الذهب في الخرطوم، يستند تجار عملة في السوق السوداء على السيارات ويلوحون بأوراق مالية لجذب عملاء. وزادت أعداد هؤلاء على الرغم من الحملة التي تشنها الحكومة مع خروج الأموال من النظام المصرفي وزيادة الطلب علي العملة الصعبة. وقال أحد التجار ”في العام الماضي، كان هناك ثلاثة تجار أو نحو ذلك يبيعون العملة في السوق السوداء في الشارع، ولكن الآن تجد بين 10 و20 في الوقت ذاته“.
وخفض البنك المركزي سعر صرف العملة من 6.7 جنيه للدولار إلى 30 جنيها في العام الماضي، لكن سعر السوق السوداء لا يزال أقل عند حوالي 42 جنيها للدولار. ويقول متعاملون في العملة إن الطلب على الدولار زاد مع تحويل الناس نقودهم للحفاظ على قيمتها. وقال زهير سعيد الرئيس التنفيذي لمجموعة سعيد، وهي من أكبر مجموعات الشركات في السودان، ”ليس هناك ثقة في النظام السياسي والاقتصاد، ما حدا بكثيرين للاحتفاظ بالعملة الصعبة في منازلهم وفي حاشيات وخزائن. الآن حتى ربات البيوت حين يوفرن نقودا يدخرنها بالدولار“.
وخارج متجر أمير محمد عثمان في الخرطوم تتكدس الخزائن على الرصيف على مرمي البصر من عملاء البنك المصطفين في الشارع ذاته. وارتفعت المبيعات إلى ثلاث أو أربع خزائن يوميا من واحدة فقط في الشهر في وقت سابق، متخطية مبيعات الأثاث، وهو نشاطه المعتاد. وتقول دال الغذائية موزع كوكاكولا ومجموعة سعيد، أكبر منتج للبسكويت في السودان، إن مبيعات الوجبات الخفيفة التي ينتجاها تماسكت خلال فترة التراجع الاقتصادي إذ لجأ إليها الناس كبديل عن أغذية ليست في متناول أيديهم. وقال سعيد ”أصبحت وجبة منتصف النهار لكثيرين قطعة من البسكويت مع حليب أو شاي“.
وقال سكوت من دال إن إيرادات كوكاكولا استقرت، مضيفا أن ”الناس يعتبرونها سلعة اقتصادية للحصول علي ما يحتاجونه من كربوهيدرات يقيمون بها صلبهم للاستمرار في الحياة“. وعلى الرغم من الهدوء الذي يعم الشوارع منذ احتجاجات الخبز في يناير كانون الثاني، فإن الأزمة تمثل مشكلة للبشير الذي أعلن حزبه الحاكم الشهر الماضي أنه سيرشحه لخوض الانتخابات في عام 2020، ما سيتطلب تعديل الدستور. وقال الرئيس، الذي تولى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري عام 1989، في خطاب أن الإنفاق الحكومي سيكون عند أقل مستوى ممكن. وربما تكبح الاحتجاجات ذكريات عام 2013، حيث تشير التقديرات إلى أن قوات الأمن قتلت نحو 185 شخصا حين نزل الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على رفع أسعار الوقود. بحسب رويترز.
لكن الصحفي والمعلق فيصل صالح يقول إن الناس بدأوا يشعرون أنه لم يعد هناك ما يخسروه. وعلق على ذلك قائلا ”هذه أسوأ أزمة اقتصادية واجهناها على الإطلاق. أخشى أننا أمام انهيار الاقتصاد بشكل كامل... استبد الغضب بالناس، ويمكن أن تتوقع كل شيء في المستقبل. لا أعلم ماذا سيفعلون“.