خمسة اتجاهات كبرى تشكل صعود التمويل غير المصرفي
صندوق النقد الدولي
2025-10-07 03:52
بقلم: جاي سورتي
المؤسسات غير المصرفية العاملة خارج إطار التنظيم المصرفي تهيمن على نصف مجموع الأصول المالية العالمية عن طريق الحيازة أو الوساطة.
أدت الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨ إلى تجميد النظام المالي، حيث تراجعت البنوك عن منح الائتمان، ولجأت الأسر إلى إجراءات تقشفية، واستغنت الشركات عن موظفيها. وكانت فترة عصيبة على الجميع، ولحظة حرجة بالنسبة لقطاع الخدمات المالية.
واليوم، يختلف مشهد التمويل تماما، وقد استفادت منه الشركات والحكومات على حد سواء. ففي الوقت الحالي، يقدم المستثمرون والشركات على اختلاف أنواعهم الائتمان والسيولة للشركات والمستهلكين والحكومات. وازداد عدد المستفيدين من الائتمان بأكثر من مليار شخص، ويعزى الفضل الأكبر في ذلك إلى جهات الإقراض الجديدة القائمة على التكنولوجيا. وأصبح لدى الأسر المزيد من الخيارات أيضا لتمويل المشتريات وتنويع محافظ التقاعد. وشهدت جميع أسواق الأسهم والدخل الثابت والمشتقات المالية نموا قويا.
غير أن هذه التطورات لم تكن مدفوعة بالبنوك، ولكن بصعود المؤسسات المالية "غير المصرفية" التي نجحت في زيادة حصتها من الائتمان والتمويل العالميين من 43% خلال أزمة 2008 إلى نحو 50% بحلول عام 2023، كما تشير أحدث بياناتنا.
وتلك لحظة فارقة. إذ إن نصف الخدمات المالية في جميع أنحاء العالم تقدمها حاليا مؤسسات غير مصرفية تعمل خارج إطار التنظيم المصرفي.
وتشمل المؤسسات المالية غير المصرفية أنواعا مختلفة للغاية من الشركات، لكل تعريفه الخاص. وبوجه عام، يشمل هذا القطاع الشركات المالية التي تقدم خدمات الائتمان والتداول والاستثمار، ولكنها لا تتلقى ودائع من الجمهور أو تحتفظ بحسابات لدى البنك المركزي. ويعني ذلك أنها غير مغطاة بشبكات الأمان، مثل تأمين الودائع ودعم السيولة، التي تستفيد منها البنوك مقابل خضوعها لإطار تنظيمي واحترازي شامل. وفي أوقات الضغوط في أي من أجزاء النظام المالي، فإن المؤسسات التي تقترض منها المؤسسات غير المصرفية غالبا ما تتحول من طلب ضمانات محدودة إلى اشتراط ضمانات مفرطة، مما يعرض جميع الأطراف للمزيد من المخاطر.
الاتجاهات الكبرى
نظرًا لحجم المؤسسات غير المصرفية وأهميتها، ينبغي بحث الاتجاهات الكبرى وراء نموها.
أصبح للحكومات مقرضون جدد، مما يعزز السيولة ويضمن تدني أسعار الفائدة. وتوفر المؤسسات غير المصرفية الجديدة التي تقوم بشراء السندات، مثل سندات الخزانة الأمريكية، سيولة إضافية. ويساعد ذلك الأسواق على العمل بكفاءة، مما يُسهم في تدني فوائد الديون الوطنية التي يسددها الممولون الضريبيون في نهاية المطاف. وفي الولايات المتحدة، تعتمد نماذج عمل شركات التداول للحساب الذاتي، مثل سيتادل سيكيوريتيز وجين ستريت كابيتال، على التداول الخوارزمي عالي التواتر القائم على التكنولوجيا، مما ساهم في تعزيز هذا الاتجاه.
ازدادت فرص حصول الشركات متوسطة الحجم على التمويل، مما يدعم النشاط الاقتصادي والتوظيف والصلابة المالية. ويُمكن لصناديق الائتمان الخاصة توفير التمويل للشركات التي قد تكون أكبر حجما وخطرا من أن تقترض من البنوك، ولكنها أصغر من أن تصدر سنداتها الخاصة.
والعديد من هذه الصناديق تديرها شركات الاستثمار في الأسهم الخاصة، والتي تحصل بدورها على تمويل من البنوك والمؤسسات غير المصرفية الأخرى. وهذه المؤسسات غير المصرفية –التي تشمل عادة شركات التأمين، وصناديق التقاعد، وصناديق الثروة السيادية، وصناديق الأوقاف– غالبا ما تتمتع بمستويات أقل من الرفع المالي ومصادر تمويل أكثر استقرارا على مدى أطول مقارنة بالبنوك، وبالتالي لا تضطر إلى سحب أموالها بنفس السرعة في أوقات الضغوط، مما يعزز صلابة النظام المالي.
المزيد من خيارات الاقتراض للمستهلكين والشركات الصغيرة: تتوفر منتجات ائتمانية أكثر تنوعا من حيث المبالغ وآجال الاستحقاق، بدءا من قروض السيارات طويلة الأجل، وقروض الدفع الآجل التي يبلغ متوسط قيمتها 142 دولارا فقط في الولايات المتحدة، وحتى قروض الهاتف المحمول الأقل قيمة في بلدان مثل كينيا. وقد قادت شركات الإقراض القائم على التكنولوجيا المالية هذا التوجه من خلال استخدام مصادر جديدة للبيانات لضمان القروض، وتخفيض تكلفة خدمة الديون من خلال الأتمتة. وفي الاقتصادات الصاعدة والنامية، أتاحت هذه الشركات خدمات الدفع عبر الأجهزة المحمولة لعدد أكبر من المواطنين، وتبعتها مجموعة أوسع نطاقا من الخدمات المالية.
توافر المزيد من الخيارات أمام الشركات الاستثمارية بجميع أحجامها لتنويع محافظها: أتاحت صناديق الاستثمار، وخاصة أدوات الاستثمار الساكنة، مجالا أكبر للمستثمرين الأفراد للنفاذ إلى أسواق رأس المال. ومع تراجع العائدات على الأصول الأكثر أمانًا، سارعت صناديق الاستثمار المربوطة بمؤشرات إلى زيادة حصتها من الأصول المُدارة - من 19% عام 2010 في الولايات المتحدة إلى 48% بحلول عام 2023. وأتاحت المؤسسات غير المصرفية فئات جديدة من الأصول، بما في ذلك العقارات التجارية والمعادن النفيسة، لعدد أكبر من المستثمرين. وتساعد زيادة تنويع الأصول جميع فئات المستثمرين على إدارة المخاطر، وإن كانت الأصول القائمة على المضاربة لها مخاطرها الخاصة.
وبخلاف مزايا التنويع، تجدر الإشارة إلى ميزة أخرى لأدوت الاستثمار الساكنة. فيمكن لأنواع معينة من الصناديق أن توفر قوة جديدة داعمة لاستقرار الأسواق. وتتمثل إحدى سمات هذه الصناديق في الحفاظ على رصيد الأسهم الذي تتعهد بتوفيره للمستثمرين النهائيين، من خلال الشراء المنتظم والمتوقع للمزيد من الأسهم عند تراجع أسعارها، وبيع الكثير منها عند ارتفاع قيمتها. على سبيل المثال، عندما تسجل أسعار بعض الأسهم ارتفاعا كافيا لإدراجها في أحد مؤشرات الأسهم القياسية، أو تُحذف منه عند تراجع قيمتها. ونظرًا لحجمها الكبير، فقد ساعد التأثير الموثوق لهذه الأدوات في استقرار الأسواق.
وتعكس هذه الاتجاهات مزايا الابتكار في القطاع غير المصرفي. ولكن نموها ينطوي على مخاطر أيضًا.
مخاطر محتملة
السيناريو التقليدي "الانسحاب الجماعي من المؤسسات غير المصرفية": على غرار البنوك، تنخرط صناديق الاستثمار المفتوح وصناديق أسواق المال في استثمارات طويلة الأجل، ولكنها تُتيح للعملاء إمكانية الانسحاب في أي وقت. ولذلك، خلال فترة "التكالب على السيولة" في بداية جائحة كوفيد عام 2020، استنفدت هذه الصناديق مواردها النقدية (أزمة سيولة)، وطلبت المساعدة من البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي. ورغم أن الحكومات لم تتكبد خسائر مالية، فقد تحملت المخاطر نيابة عن هذه المؤسسات غير المصرفية.
سيناريو "طلب تغطية حساب الهامش وانتقال العدوى": الاقتراض بالهامش لرفع قيمة المضاربات يجني المزيد من الأرباح، والمزيد من المخاطر أيضا. فبعض صناديق التحوط ومديري الاستثمارات العائلية، أي شركات إدارة الثروات التي تركز أنشطتها على عائلة ثرية واحدة أو أكثر، يقترضون أموالا طائلة للمضاربة على أحداث مثل تقلبات أسعار الأسهم أو السندات. وفي أوقات الضغوط في أي من أجزاء النظام المالي، فإن المؤسسات التي تقترض منها المؤسسات غير المصرفية غالبا ما تتحول من طلب ضمانات محدودة إلى اشتراط ضمانات مفرطة، مما يعرض جميع الأطراف للمزيد من المخاطر.
وإذا ثبت عدم صحة هذه المضاربات، قد تنهار المؤسسات غير المصرفية، مما يعرض دائنيها لخسائر ونقص في السيولة، ويزيد من ضغوط السوق. وقد نتج عن انهيار شركة أركيغوس كابيتال مانجمنت لإدارة الاستثمارات العائلية عام ٢٠٢١ انتقال العدوى إلى البنوك العالمية الكبرى التي شهدت أضرارا جسيمة.
حماية الجمهور
إتاحة المزيد من البيانات وتحسين جودتها: تقترض المؤسسات غير المصرفية بكثافة من البنوك وغيرها من مؤسسات النظام المالي، غير أنها تخضع لمتطلبات متساهلة للغاية فيما يخص الإفصاح وإعداد التقارير. وبالتالي، لا يمتلك المشاركون في السوق أو جهات التنظيم المالي رؤية شاملة لحجم مخاطر هذا القطاع على الاستقرار المالي الكلي. وغالبًا ما يُستعان بالممولين الضريبيين في أوقات الضغوط، وبالتالي يحق لهم معرفة المزيد عن المخاطر التي تتحملها المؤسسات غير المصرفية. وإذا تعذر النشر عن المعاملات لأسباب تنافسية، ينبغي إتاحة هذه المعلومات للجهات التنظيمية – ومشاركتها عبر الحدود. وتساعد فرقة العمل المعنية بالبيانات غير المصرفية التابعة لمجلس الاستقرار المالي في إضفاء المزيد من الوضوح على أنشطة المؤسسات غير المصرفية.
استخدام البيانات في تحسين تحليلات المخاطر: يمكن للجهات التنظيمية أيضا تحقيق المزيد من الاستفادة من البيانات المتاحة لديها في رسم خريطة للروابط بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية، وفيما بين المؤسسات غير المصرفية. وباستخدام النماذج والتكنولوجيات الجديدة، يمكنها تكوين رؤية أفضل عن المخاطر المالية العالمية. ومن الأمثلة الرائدة السيناريو الشامل لاستكشاف النظام المالي الذي نفذه بنك إنجلترا لأول مرة في عام 2023، والتحليلات التي أجراها صندوق النقد الدولي مؤخرا حول مخاطر الاستقرار المالي على مستوى النظام في منطقة اليورو.
استخدام تحليلات المخاطر في تعزيز الرقابة: كلما ازداد فهم الهيئات التنظيمية الوطنية والدولية للمخاطر، أمكنها التعجيل باكتشافها والتدخل بقوة لجعل التمويل العالمي أقل عرضة للصدمات.
الخلاصة
هناك مجموعة متنوعة من المؤسسات غير المصرفية. ونحن بحاجة إلى فهم أنشطتها وتنظيمها عن كثب للحد من المخاطر، حتى تتمكن الأسر والشركات والحكومات من الحصول على الخدمات المالية الضرورية.