البلدان النامية تدفع أكثر مما ينبغي للاقتراض
بروجيكت سنديكيت
2025-09-30 01:44
بقلم: إسحاق ديوان، فيرا سونغوي
بيروت/ياوندي ــ لماذا تتحمل البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى تكاليف اقتراض خارجي مرتفعة للغاية؟ برزت هذه القضية بوضوح في المناقشات العالمية هذا العام. حَـدّد التزام إشبيلية (خلاصة المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في يونيو/حزيران) وتقرير اليوبيل (بتكليف من البابا فرانسيس الراحل) المبادئ المشتركة لمعالجة هذه المشكلة. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين لتترجم هذه المبادئ إلى اتفاقات عملية.
هذه القضية ملحة لأن المساعدات الرسمية من المتوقع أن تنخفض بشكل حاد في 2025-2026. لم يتوقف الأمر عند قرار الولايات المتحدة بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي أكبر مانح ثنائي في العالم، بل رأينا أيضا عددا كبيرا من الدول الأوروبية تخفض ميزانياتها الخاصة بالمساعدات. علاوة على ذلك، تأتي هذه التحركات في أعقاب التضييق الحاد في أسواق رأس المال التقليدية. فمنذ عام 2022، خسرت البلدان النامية إمكانية الوصول إلى التمويل التجاري، الأمر الذي جعل إعادة تمويل الديون المستحقة أمرا باهظ التكلفة ــ أو مستحيلا ببساطة.
أوصى كل من التزام إشبيلية وتقرير اليوبيل بتوسيع بنوك التنمية، وزيادة إمكانية الوصول إلى تدفقات رأس المال الخاص، وفرض قواعد أكثر إنصافا لتنظيم الاستثمار الأجنبي، وتعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، وفرض ضرائب عالمية لتمويل المنافع العامة العالمية. هذا فضلا عن الدعوة أيضا إلى اتباع نهج أكثر وضوحا (ترديدا لاقتراح الجسر الذي تقدمنا به) في حالات "المنطقة الرمادية" الشائعة، حيث لا تكون الديون الخارجية مرتفعة بما يكفي لجعل البلد معسرا ولكنها كبيرة بالقدر الكافي لفرض ضغوط تمنع الإنفاق على التنمية.
هذا يعني عمليا تنفيذ "نهج الركائز الثلاث" الذي اقترحه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والذي يوصي بما يلي: بذل جهود محلية لجمع مزيد من الإيرادات؛ وزيادة التمويل الرسمي للبلدان التي تبذل جهودا عازمة للتكييف البنيوي في محاولة للنمو بالقدر الذي يسمح لها بالخروج من ضائقة الديون؛ والأمر الشديد الأهمية هنا هو خفض خدمة الديون المستحقة لدائنين تجاريين أثناء فترة التكييف والتعديل.
قبل وقت ليس ببعيد، كانت التوصية الأولى لتبدو غير واقعية. لكن الخبراء من البلدان النامية أدركوا على نحو متزايد الحاجة إلى زيادة الضرائب، أو خفض الإنفاق، أو مزيج من الاثنين. يعترف كثيرون بوعد نموذج كوت ديفوار، حيث تقلل الإصلاحات الناجحة من الفوارق في السوق وتساعد على إعادة أعباء خدمة الديون إلى مستويات يمكن التحكم فيها. لكن مثل هذه الإصلاحات يجب أن يجري الإعداد لها بعناية. ذلك أن رفع الضرائب أو خفض النفقات بسرعة أكبر مما ينبغي من الممكن أن يؤدي إلى احتجاجات عنيفة مزعزعة للاستقرار، كما رأينا مؤخرا في كينيا. وعندما يحدث ذلك، تصبح مخاطر السوق أكثر ارتفاعا في نهاية المطاف.
ترتبط الركيزة الثانية بالتمويل، وهو أمر ضروري لدفع أي انتعاش للنمو. من المؤسف أن الطفرة التي شهدتها حقبة الجائحة في الإقراض المعاكس للدورات الاقتصادية من قِـبَـل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية انحسرت. فبحلول عام 2023، انخفض صافي تحويلات هذه المؤسسات ونادي باريس للدائنين السياديين إلى البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى إلى حوالي 30 مليار دولار ــ أقل من نصف نظيره الذي بلغ 70 مليار دولار في عام 2020 ــ وتحول صافي تحويلات صندوق النقد الدولي إلى السالب. ومع نضوب معين التمويل، أصبحت زيادة القدرة المالية لهذه المؤسسات، سواء بالاستعانة بحقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) أو رأس المال الجديد، أولوية ملحة.
أما الركيزة الثالثة ــ خفض خدمة الديون المستحقة لدائنين تجاريين ــ فهي ضرورية لقيام الركيزتين الأخريين. من المتوقع أن يظل صافي التحويلات إلى البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى في عام 2025 سلبيا للسنة الخامسة على التوالي، بسبب عمليات سحب رؤوس الأموال الخاصة الضخمة. إذا استمرت الموارد من المؤسسات المالية الدولية في التوجه نحو السداد للدائنين التجاريين بدلا من توجيهها نحو الاستثمارات المحلية، فسوف يتعاظم احتمال التخلف عن سداد الديون السيادية.
تتمثل المشكلة الأساسية في تكلفة الاقتراض، وهي مرتفعة إلى الحد الذي تعجز معه البلدان المدينة عن إعادة تمويل ديونها التجارية. وفي حين يفترض صندوق النقد الدولي، ربما من قبيل التفاؤل، أن الأسواق قادرة على تنظيم نفسها بنفسها، فإن فروق الأسعار بالنسبة للبلدان الفقيرة المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى تظل مرتفعة (ارتفع المتوسط من 200 نقطة أساس في عام 2018 إلى 700 نقطة أساس في عام 2025)، حتى مع تطبيع الأسعار التي تحصل عليها البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى.
{img_1}
كما يعترف التزام إشبيلية، في غياب جهود متضافرة لمنع تدفقات رأس المال إلى الخارج، لن يتسنى للبلدان النامية أن تتخلص من الديون. الواقع أن المؤسسات المالية الدولية أصبحت جزءا من المشكلة. خلصت أبحاثنا الأخيرة إلى أن حصة ضخمة من ديون المؤسسات المالية الدولية ترفع في نهاية المطاف تكلفة التمويل من القطاع الخاص. ولأن قروض المؤسسات المالية الدولية تتمتع بحكم الأمر الواقع بوضع ممتاز، فإنها تقلل من قيمة الاسترداد للدائنين الآخرين في حالات التعثر، الأمر الذي يدفع هؤلاء المستثمرين إلى فرض رسوم أعلى على القروض الجديدة. وعلى هذا، فإن الإقراض من جانب المؤسسات المالية الدولية ينطوي على تكلفة فرصة ضائعة لا تحظى بالتقدير الكافي. فإذا لم يساعد البلدان على الخروج من أزمة الديون، فإن الحال تنتهي به إلى جعل الأمور أشد سوءا بزيادة تكاليف الاقتراض الإجمالية.
ارتفعت حصة الدين الخارجي المستحق على البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى لصالح المؤسسات المالية الدولية من متوسط 35% في عام 2018 إلى 45% في عام 2023. الأسوأ من ذلك أن هذه الحصة في حوالي 20 دولة تجاوزت 75%، وفي 56 دولة تجاوزت 50%. ولأن الدعم غير الكافي من جانب المؤسسات المالية الدولية يمول عمليات إنقاذ الدائنين بدلا من تعزيز تعافي هذه الاقتصادات، فإنه يخلق دوامة ديون قاتلة لا تهدد البلدان المدينة فحسب، بل تهدد أيضا الميزانيات العمومية للمؤسسات المالية الدولية ذاتها.
تتطلب معالجة تسرب الأموال على هذا النحو إلى المقرضين من القطاع الخاص بذل جهود متضافرة لتحسين الشفافية والتعاون بين جميع الدائنين. ودعم عودة البلدان النامية المعسرة طواعية إلى السوق ضروري في بعض الحالات. ولكن في حالات أخرى عديدة، يستلزم الأمر أيضا إعادة الجدولة عن طريق التفاوض. من الـمُـسَـلَّـم به أن هذا أمر بالغ الصعوبة، نظرا للوصمة المرتبطة بإعادة هيكلة الديون. هذا هو السبب وراء احتياجنا إلى قواعد واضحة، بدلا من الاجتهاد التقديري. يمتلك صندوق النقد الدولي بالفعل أدوات فرض إعادة الجدولة عند الحاجة، مثل الإقراض حتى في حالة وجود متأخرات. وفي حين أن هذه الأدوات محجوزة في عموم الأمر لصالح البلدان التي تعاني من ضائقة الديون، فمن الممكن تطبيقها أيضا على حالات المنطقة الرمادية.
الواقع أن أي قاعدة لضمان الانضباط وتقاسم الأعباء على النحو اللائق قد تشبه اقتراح الباحث القانوني شون هاجان الذي يقضي بالحد من الإقراض الاستثنائي من جانب صندوق النقد الدولي من خلال وضع حد صارم لكل الديون غير المرنة (الأقدم) المستحقة على بلدان تواجه ظروف المنطقة الرمادية. على سبيل المثال، عندما تصل الديون غير المرنة إلى 60-65%، قد يتطلب برنامج الصندوق تلقائيا إعادة جدولة الديون التجارية، وبالتالي ضمان بقاء قدر كاف من الأموال في البلد المدينة لدعم تعافي النمو.
بما أن مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا سوف تعقبها استضافة فرنسا لمجموعة السبع، فإن هذا يقدم فرصة فريدة لتشكيل تحالف من الراغبين يضم معظم الدول الأعضاء في مجموعة السبع والصين. ولكن إذا لم تتمكن جنوب أفريقيا من التوسط في التعاون بين دول الشمال والجنوب، فقد تضيع فرصة حل أزمة الديون الحالية لجيل كامل. قد تكون هذه فرصتنا الأخيرة لمنع كارثة ديون من شأنها أن توقف تقدم جهود التنمية والتخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، فضلا عن تعريض نظام بريتون وودز ذاته للخطر.