ثروة براءات الاختراع

ندى علي

2018-12-29 07:03

ان مكاتب براءات الاختراع في امريكا واوربا واليابان هي البنوك المركزية للبراءات بصفتها ملكية، وهي تقبع وسط شبكة شاملة من الباحثين، والمخترعين، والمقاولين والشركات التي تزداد اقتناعاً ان عليها استصدار براءات اختراع ليس على ما تبيع فحسب، بل وعلى طريقة بيعها ايضاً، فهي ترى في براءات الاختراع العلامات التجارية جوهر عملها او منتجها الرئيس وميزتها التنافسية، وهي تندفع لأسباب وجيهة نحو خصخصة مايمكنها خصخصته، وهي عادةً ما تنال دعم مساهميها الذين يريدون تحقيق ميزانيات مزدهرة، ودعم حكوماتها التي ترغب في صناعات قوية، والبنوك المركزية هي التي تصدر العملة.

تحفيز الابتكار

ان الهدف الرئيس هو منح اكبر عدد ممكن من براءات الاختراع، فالغرض الرئيس لمكتب البراءات البريطاني هو تحفيز الابتكار والمنافسة الدولية لدى الصناعة البريطانية عبر الترويج لحقوق الملكية الفكرية وفهمها، وهو يولي اهتماماً واضحاً برضا المستهلك، وللوصول الى ذلك يقدم المكتب مجموعة من الخدمات التعليمية والارشادية، وهو يترك للبرلمان امر تكريس اطار العمل الاجتماعي والاخلاقي الذي يعمل ضمنه، ولو ان البرلمان لم يبد سوى القليل من الاهتمام اذ لم يناقش براءات الاختراع سوى مرتين على مدى عشرين عاماً، اما مهمة مكتب البراءات الامريكي تتمثل في ترويج استخدام حقوق الملكية الفكرية كوسيلة لتحقيق الرخاء الاقتصادي، بل ان شعاره على المستوى الدولي فهو اكثر تشويقاً:"نساعد زبائننا على نيل براءات اختراع".

انها عمل مربح، فكرة البنوك هذه فقد حقق مكتب البراءات في الولايات المتحدة عوائد وصلت الى نحو 830 مليون دولار وارباحاً تقدر بين 90 و190 مليون دولار تبعاً لما تفرضه الحكومة من التزامات اضافية، اما مكتب البراءات البريطاني فقد سجل في العام 2000 عوائد بلغت 52 مليون جنيه وربحاً بمقدار 13 مليون جنيه، اما الفائض التراكمي لديه فقد بلغ 103 مليون جنيه.

التنقيب عن البراءات

الزبائن يطرقون الباب طوال الوقت حتى اصبحت حمى الذهب مجازاً من العمومية بما بدأ يفقده معناه، اذ ان ما نراه اليوم هو حمى ذهب سعياً وراء براءات الاختراع، سواء منها القديمة او الجديدة، ثمت انتعاش للاستشاريين المتخصصين الذين يشجعون الشركات على طلب المزيد من براءات الاختراع مثل اوريجين، كيو،ID،BTG، وغيرها من شركات التنقيب عن براءات الاختراع.

وتقدم شركة اوريجين خرائط ثلاثية الابعاد للصناعات تبين اين تكثر البراءات، وهو ما يعرض على شكل هضبة، واين تندر، وهو ما يعرض على شكل واد، و اوريجين تنصح زبائنها المحتملين بالاتجاه نحو الوديان وشراء براءات تخمينية، وكيفين ريت الذي يعمل لدى اوريجين متخصص في اغناء اصول الشركة من البراءات، بما في ذلك البحث عن براءات نسيتها الشركة، كما يوضح في كتابه ذي العنوان المغري "رامبراند في العلية"، ولدى الكثير من الشركات المعتمدة على التقانة مخزن مليء ببراءاتها الخاصة التي تستغل بشكل كامل، فقامت اوريجين بتطوير تقنية تستخدم ضمن استراتيجية الشركة حيال البراءات واطلقت عليها اسم التنقيب عن البراءات، وهي تحدد البراءات التي يجب تنميتها او تقويتها او بيعها، ولدى اوريجين العديد من الامثلة على الشركات التي لا تعلم ماذا تملك من براءات، ولا كيف تستطيع ان تدعم عملها في المستقبل، فقد قام بين ديبون وهو احد ورثة ثروة ديبون بتأسيس شركة ييت تو، تقدم خدمات مقايضة البراءات و الحقوق بين الشركات وعند اطلاق الشركة اقتبس عن ديبون قوله "لقد عملت لدى ديبون لمدة اربعة عشر عاما، ولم اكن افقه شيئا حول ما كان علينا ترخيصه"، اما الان ومقابل رسوم زهيدة تقوم ييت تو بعرض البراءة وايجاد زبائن لها، ويقدم موقع اي بيي نيتوورك الخدمة نفسها لكن لحقوق النشر والعلامات التجارية، وتقديمها انترديجيتال من اجل البراءات الاسلكية.

منح البرءات

ان المدققين هم نواة عمليات براءات الاختراع، فهم مسؤولوا الجبهة ويعملون عادةً من تلقاء انفسهم، وهم من يقرر ما اذا كان يجب منح براءة ام لا، وعليهم ان يبرروا لكل قرار يتخذونه في اطار المعايير المستمدة من ارشيف مكتبهم، او بالاعتماد على تطبيقات سابقة او من الدوريات العلمية والتقنية ذات الصلة، وهذه الموارد تكفي عندما تكون التقانة بطيئة في تطورها، الا انهم غير اكفاء في حالة التطور السريع للتقانة فأذا كان المخترعون يعملون خارج الدوائر البحثية او الاكاديمية التقليدية او اذا كانوا منتشرين على عدة بلدان تتحدث لغات مختلفة، وتقدر خدمة اخبار براءات الاختراع على الانترنت ان اكثر من 50% من براءات الاختراع الممنوحة لبرمجيات امريكية لا تشير الى اي صنعة اولية، اعتبرها خبراء البراءات غير نظيفة او ربما غير قانونية.

ان مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة هو اقوى البنوك المركزية سلطةً على الاطلاق، ويمارس كل من نظام البراءات الامريكي ومجلسه ومكتب البراءات والمحاكم الامريكية نفوذاً استثنائياً على السياسة العالمية فيما يتعلق بتحديد ما يجب منحه براءة ام لا، ويتعامل المكتب يومياً مع اكبر المؤسسات ومع منظمات البحث والتطوير في العالم، وهو يقف تماماً عند الذروة التي يتم فيها تعريف ماهو جديد ومبتكر، وتؤثر قراراته على تحديد الحد الذي يفصل بين العام والخاص، وهو بالتالي يؤثر على الثروة المشتركة في امريكا وفي العالم، ومع ان براءة الاختراع الامريكية لا يمكن فرضها سوى في امريكا، فأنها تصبح تلقائياً صنعة اولية، ولا يمكن منح الفكرة براءة اختراع في اي مكان آخر سوى من قبل حامل البراءة الاصلية، فأذا كان مكتباً فتمنح براءته بسرعة، ومن المرجح ان يحدد هو الايقاع العالمي كله، وتتبع بلدان اخرى سياسة امريكا لأسباب تعود الى المصالح الاقتصادية فهي معجبة بقدرة امريكا على تحويل الافكار الى اختراع مربح، وتتمنى لو كانت شركاتها المحلية بهذه الربحية، وهي تعلم ان المؤسسات الامريكية لن تستثمر في الخارج حيث لا حماية لحقوقها.

ان احداث الثروة عبر براءات الاختراع هو اقتراح تجاري لايقل حكمة عن التنقيب عن النفط او صنع السيارات او كتابة كتاب، ويمكن لمكاتب البراءات ولحامليها الادعاء ان النظام الحالي يناسب النظرة العامة للمجتمع حيال ما يجب ان يكون عاماً وما يمكن جعله خاصاً، من دون الكثير من التغييرات او التعديلات على توجهه، الا ان الانتقادات تزداد صخباً، فجميع مكاتب البراءات حيادية من الناحية التقانية اي انها بعبارة اخرى تطبق مبادئ الجده والابتكارية والاثر التقني نفسه بغض النظر عن التقانة المعنية سواء اكان ذلك جهازاً ميكانيكياً ام طريقة تجارية، وهذا المبدأ الذي لبى الحاجة جيداً لأكثر من 100 عام يصبح اكثر عمومياً من اللازم عندما تصبح معاني التقانة واثرها بهذا الاتساع، ففي مجال برامج الحاسوب والطرائق التجارية تكون الحدود الفاصلة شديدة الضبابية، والفروق بين امريكا وبقية العلم كبيرة.

وفي مجال النباتات والحيوانات لم تتم الاجابة عن الاسئلة الاخلاقية، وتريد الصناعة ان تزيل الحدود، بينما تستطيع الطبيعة الام احداثه وما تستطيعه الشركات، وتقوم بعض البلدان التي لم تقتنع ان عليها منح احتكارات لمدة عشرين عام على اشياء كهذه بالعودة الى افكار البراءات المصغرة او الثانوية، حيث تؤثر حماية متدنية المستوى لبضع سنوات لكن يمكن توفيرها بكلفة اقل ووقت اقصر.

اعمال مكتب البراءات

ان نظام البراءات مضطرب مفهوماً ومثقل ادارياً، ومكتب البراءات الامريكي هو من يعاني من القدر الاكبر من الاشكالات مع انه، وهذا لصالحه اكثر المكاتب انفتاحاً، فهو ينشر تقارير رسمية حول براءات الطرائق التجارية، ويعقد منتديات فصلية حول الطرائق التجارية والتقانة الحيوية، ومن المستبعد ان ينهار هذا النظام وعلى السوية نفسها تقوم القرارات التي تتخذ في واشنطن وغيرها بأعادة كتابة عقد الملكية، وتتمثل النتيجة المدروسة في خصخصة طيف اوسع من المعارف بطرق قد نعجز عن الالمام بها الماماً كاملاً، لكن تغيرها اذا ماضلت سيكون صعباً.

على الجمهور ان يعبر عن مطالبه مثله مثل اولئك الوكلاء التجاريين، وعليه ايضاً ان يفعل ذلك يقوة، وفي الوقت الحالي تتعامل مكاتب براءات الاختراع يومياً مع زبائنها ومع المحاكم وقلما تتعامل مع الساسة وتتعامل تعاملاً اقل مع الجمهور، فهي تعتبر نفسها مجموعة من الموظفين، وتتحاشى عمداً التعقيدات الاخلاقية والاجتماعية والسياسية لأقتصاد الابداع وبالنتيجة فأن الجمهور لاينال خدمة جيدة.

الخطوة الاولى هي ان يضمن كل بلد ان مكتب البراءات الوطني لديه لايخدم زبائنه وحسب بل الجمهور ايضاً، وثانياً فأن على جميع المكاتب وليس فقط نادي الثلاثة- واشنطن، وطوكيو، وميونخ- ان تتقارب اكثر في عملها، ففي اقتصاد عالمي يجب ان تكون قواعد الملكية ديمقراطية ومتسقة، وان تتظافر جميع الجهود وتعزز سبل التعاون بين مكاتب براءات الاختراع في العالم لتطوير الاقتصاد العالمي والمحافظة على استقراره.

..........................................................................................................
* هذا المقال ملخص لاهم المفاهيم والأفكار الاقتصادية المعاصرة مقتبسة من كتاب اقتصاد الإبداع كيف يحول المبدعون الأفكار إلى مال للمؤلف جون هوكنز.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد