الادخار السلبي ونقص الاستثمارات
إيهاب علي النواب
2018-03-17 05:56
الادخار السلبي هو عندما يكون الإنفاق أكبر من الدخل. ويحدث حينما يعيش فرد معين على المدخرات السابقة. وفي الفترات التضخمية، يفضل بعض الأفراد الذين يجدون أنه مع حدوث الانخفاض في قيمة النقود، فلن تستمر دخولهم في تزويدهم بمستوى المعيشة الذي اعتادوا عليه طريقة السحب من المدخرات السابقة بدلاً من المعاناة من حدوث انخفاض في مستوى معيشتهم.
واليوم يعد الادخار جوهر الأزمة من خلال تشابك عناصر الاقتصاد العام والاقتصاد الاجتماعي لذلك جاءت محاولات الإنقاذ لحماية موجودات المصارف ولمعالجة نقص السيولة بعد سياسات لم تراع أهمية الادخار بقدر ما ركزت على تسويق خدمات الإقراض المفرط، حيث كان الفرد عام 1916 يدخر ما يعادل 35% من راتبه ومع نمو وتنوع الخدمات المصرفية في مطلع الثمانينات وصولا إلى 2003 أصبح 70% من راتبه الشهري يذهب لسداد القروض.
ان ما تعرض له الاقتصاد الدولي عائد لغياب الاستراتيجيات الادخارية من أجندة السياسات المالية التي أدركت أن واقع الأزمة كان نتاج التركيز المفرط على الإقراض وتسهيل عملياته على حساب قياس معدلات الادخار نتج عنه ضياع لقيم ضمانات الاقتراض الاستثمارية من جهة وضياع قيم المدخرات من جهة أخرى من خلال أسباب منها:
1- مبالغة الإيمان بالعقار كضمانة ادخارية أدى إلى تضخم القيم السوقية للعقار يفوق واقع قيمتها الاستثمارية وتبعه إقراض أنهك معه جودته كعنصر ادخاري طويل الأمد وتحوله إلى أداة مضاربة استثمارية.
2- ضعف تحكم السياسيات الاقتصادية في ظروف ودرجات الادخار من خلال الأدوات المالية(الدخل، معدلات الفائدة، حجم الضرائب، التامين الاجتماعي، الاستقطاعات التقاعدية).
3- عدم إدراك أهمية الادخار الاقتصادية من خلال تركيز الخطط الاقتصادية على المتغيرات قصيرة المدى وتجاهل استراتيجيات التنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.
4-المؤسسات المصرفية لم تدرك خطورة مؤشرات سلبية الادخار الفردي واعتمادها على أسواق المال والنشاط العقاري لتأمين السيولة التي نضبت اليوم وأدركت أهمية بناء المصارف من جديد على الادخار واستثماراته.
5- مبالغة السياسات المصرفية في تسويق الاقتراض وتسهيلاته كان لها أكبر الأثر على إضعاف الادخار.
6- المبالغة في تبني النظرية المالية الحديثة «نظرية الاختيار» والتي يصفها ميلتون فريدمان بالاختيار الاجتماعي كونه كفيلا بإحداث التوازن الاقتصادي من خلال أداء الأفراد الاستثماري واتجاهاتهم كهياكل مالية ولكن الواقع أثبت عدم انضباط المبدأ في قياسه المالي.
7-القارة الاسيوية أدركت أهمية الادخار ولكن تدفق ادخارها أرهق الغرب الذي لم يفهم العبرة من ركودين سابقين وتوسع في خلق الأصول الاستثمارية بدلا من الادخار.
8- أما الادخار في مجال الطاقة البشرية الخطأ فيه تمثل في المراهنة على التعيينات والتدريب كأداة لتحقيق التطوير مع إغفال المحافظة على الخبرات مما اضعف الثقة في القرارات الإدارية والاستثمارية.
9- بالرغم من انهيار قيم الموجودات الاستثمارية إلا أنه لا توجد مؤشرات معدلات قوية لنمو الادخار والأسباب عائدة لما سبقه من إقراض فاق 170% لقيم الأصول والسداد اليوم تشوبه مهددات استقرار وظيفي كضمانة لدخل الأفراد.
التجربة الأوروبية في تحفيز الادخار
وجاء الأداء الأوروبي لحماية الادخار متمثلا في ثلاث خطط مالية بدأت بالإنقاذ المصرفي ثم شراء الحكومة حصص مصرفية وآخرها إعطاء الضمانات المالية وفي نهاية المطاف سوف تنتهي بطباعة العملة لدعم الاقتصاد برمته، وأسباب إخفاق أدائها فتمثل في الآتي:
1- الإنقاذ في مرحلته الثانية يرفع حصة الحكومات من35 إلى 70% فهو أشبه ما يكون باستحواذ سوف ينعكس على خفض حاد لقيم مدخرات حملة الأسهم.
2-إنقاذ المدخرات أغلبه ينصب في المصارف وإهمال الأوجه الاستثمارية الأخرى الكفيلة بإنعاش الاقتصاد.
3-عدم القيام بدعم الإنفاق الحكومي الذي يعتبر مشجعا للقطاع الخاص وليس مهددا له.
أما اقتصادات الادخار الخليجي فقد تميزت في جانب بحسن الأداء تمثل في زيادة الإنفاق في الاستثمار الداخلي منذ 2001 بنسبة 25% على شكل بنية تحتية من طرق وخدمات وفي جانب ينقصه حقيقة جوهرية ألا وهي إدراك أن «ديمقراطية القائد» تكمن في خلقه لشبكة من المستشارين وعليه يتوجب على المصارف المركزية الخروج من جمودها وخلق فرص تشاور مالي متمثلة في المؤتمرات وفتح قنوات الاتصال للتحاور حول الأوضاع المالية ومعوقاتها وفق ما يعرف «بالخطاب المالي الحر» بالإضافة إلى إعداد دراسات تحليليه لتطوير مواضيع الاستقطاعات التقاعدية وضماناتها وصيغ استثمارها وبناء الثقة في الادخار بالتركيز على إنعاش دوافع الادخار الاستثمارية في المنطقة.