كَالبريث والنظرية العامة للتنمية المتقدمة

إيهاب علي النواب

2017-11-22 05:00

يعد كالبريث من أكثر الاقتصاديين المؤسسيين من بعد كينز شهرة، والتزم بالهجو على النيوكلاسيكيين، الذين كانوا ينادون ضد تدخل الدولة في قوى السوق الطبيعية، فقد كان يرى كالبريث أن القوى الاقتصادية اذا ماتركت لنفسها فأنها غالباً ما تعمل لصالح الفئة الأقوى، وكان هدف كَالبريث في الاقتصاد ليس أقل من إستبدال النظام النيوكلاسيكي، وكان يعترف بأن النسق الكلاسيكي يكون مفيداً عند تطبيقه على نظام السوق، ولكن كما يقول الرأسمالية الامريكية الحديثة قد ولدت نظاماً أخر يعيش جنباً الى جنب مع نظام السوق المعروف، ولكنه تجاوزه وتفوق عليه بمراحل من ناحية الثروة والقوة الضخمة.

نظام التخطيط

يطلق كَالبريث على هذا النظام الأخر نظام التخطيط، الذي يقصد ألفاً من أضخم الشركات الصناعية، إن المنشات الصناعية الألف العملاقة في الولايات المتحدة تنتج حصة من الناتج القومي الاجمالي (GNP)، أكبر من باقي منشات الأعمال مجتمعة التي يبلغ عددها 12 مليون منشأة، وتبلغ المبيعات الكلية لأضخم أربع شركات في الولايات المتحدة ما يزيد على أولئك الملايين الثلاثة من المزارعين الذين احتفظ بهم كَالبريث في السوق، لأنهم ينتجون المواد الغذائية.

ويطلق كَالبريث على نظريته (النظرية العامة للتنمية المتقدمة) (The General Theory of Advanced Development) وهي تختلف عن النظرية النيوكلاسيكية من ناحتين هامتين هما:

أولاً : أن نظرية التسعير ليست بذات أهمية خاصة في نظم التخطيط.

ثانياً : أنه بينما تتم المحافظة على التناغم النيوكلاسيكي ، نظراً لعدم وجود أي عنصر واحد في الاقتصاد لديه القوة لضبط الاسعار، فأن الشركة العملاقة لديها القوة التي تمكنها من فرض ما تريد على الاخرين، وعلى الرغم من أن الشركات لا تتحكم في كل مصادر القوة السياسية، فأن قوة التخطيط تكفي لفرض نمط غير رشيد لحياة الافراد.

وطبقاً لكالبريث، فأن الشركة الضخمة تضخمت ونمت بهذا الشكل، لأن التكنولوجيا بلغت درجة من التعقيد، مما تطلب وحدة تنظيمية جديدة للتعامل معها، وبفضل هذا التخطيط بمعنى التحكم في ضبط التوريد وضبط الطلب وتوفير رأس المال وتقليل المخاطر للحد الادنى.

الهيكل التقني والغرض منه

في عالم نظم التخطيط للشركات العملاقة تقوم مجموعات بدلاً من أفراد بصناعة القرارات، وكل الموظفين الذين لهم دور في العملية الجماعية لصنع القرار هم اعضاء في الهيكل التقني، وهو مصطلح جماعي لا يضم كبار الموظفين في الشركة فقط، بل يضم بعض الموظفين وبعض العمال ايضاً، وهو يتكون فقط من أولئك الذيم يمكنهم ان يضيفوا المعرفة المتخصصة والموهبة أو الخبرة الى قرارات المجموعة.

وفي الشركات الضخمة جداً، فقد يضم أيضاً رئيس مجلس الادارة والرئيس ونواب الرئيس من ذوي المسؤوليات المهمة، اشخاصاً من ذوي المناصب الرئيسية في هيئة موظفي الشركة، مثل رؤساء الادارات أو الاقسام والهيكل التقني لا يمكن تعريفه بشكل محدد، كما يقول كَالبريث، ولكنه أصبح يسيطر على الشركات بطريقة تدعن نبؤة فيبلن بأن جميع المنشأت سيتولى الفنيون منطقياً تشغيلها بدلاً من المخاطرين.

إن نظام التخطيط والهيكل التقني مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالدولة، نظراً لأن النفقات الحكومية تمثل حصة ضخمة من ايراد الشركات، ومازالت هناك أيضاً أسباب أخرى لوجود علاقة حميمة بين البيروقراطيات الحكومية والشركات، أهمها التكافل البيروقراطي، وتتجه الوكالات التنظيمية العامة مثل لجنة التجارة الفيدرالية الى أن تقع أسيرة للمنشأت التي أنشئت هي من أجل تنظيمها، وغالباً ما تقدم الحكومة رأس المال للتطوير الفني، مثل الطاقة النووية والحاسبات والنقل الجوي الحديث ومعدات الاتصال بالاقمار الصناعية.

وأحياناً يمكن للحكومة أن تقوم بدور وكالة اقراض الملاذ الاخير، مثل ماكان عليه الحال في حالات الانقاذ التاريخية لشركة لوكهيد وشركة كرايزلر وأخرها الانقاذ لبعض المصارف في الازمة المالية الأخيرة، وهكذا يصبح هدف نمو الشركة غير قابل للانفصال عن هدف النمو الاقتصادي القومي، فما يكون جيداً للحكومة يكون جيداً لجنرال موتورز، والنمو الاقتصادي القومي هو ايضاً هدف مهم للعمالة المنظمة، وهو هدف يتلائم مع طموح الهيكل التقني، فالمنشات العملاقة تحدد الاسعار بحث يمكنها أن تنقل عادة عبء زيادة الاجور الى المستهلك في شكل أسعار للأعلى، وكل إنسان يربح ربما باستثناء المستهلك.

التطور غير المتساوي والنموذج المقدم

ما يصفه كالبريث هو توزيع غير متساوي للقوة بين نظام التخطيط ونظام السوق الذي ينتج من تطورهما غير المتساوي، وعلى غرار ما فعله جون ستيورات ميل فقد قام كالبريث وهيلبرونر وغيرهما من المؤسسيين بتذكير علم الاقتصاد بمضامينه الانسانية الواسعة، وقد أظهروا بطريقة لا لبس فيها عدم التساوي في التطور بالاقتصاد الامريكي، على النقيض من السلاسة المفترضة التي رسمها النيوكلاسيكيون، فأن كالبريث مثل أدم سميث هو المعلم الاخلاقي الاسكتلندي الذي يحثنا على التحرك تجاه مجتمع اكثر انجازاً، وكما قال هيلرونر في أول كتاب له : ان الاقتصاديين الأكثر أهمية تاريخياً قد حاولوا أن يحطموا الارثذوكسية الحاكمة.

يركز كالبريث على التخطيط وليس على السوق، من خلال المنشأة الكبيرة لا الصغيرة، ويرى أن الاسعار والنواتج يجري تقريرها من خلال الهيكل التقني، وليس عن طريق آلية السوق، وهو أكثر إيماناً بسيادة المنتج منه بسيادة المستهلك وهدف المنشأة هو النمو لا الربح، وعليه فأن علاقة الدولة بالشركة أو المنشأة هي علاقة تعاونية وهذه تمثل النموذج المتقدم للتنمية الاقتصادية أو مايعرف حالياً بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا