الشراكة الاورومتوسطية وبعدها الاقتصادي

ندى علي

2017-09-10 04:40

ان العلاقات بين الدول أصبحت محكومة من خلال المصالح الاقتصادية باعتبارها المحرك الجوهري لسلوك المجتمعات البشرية والدافع القوي للتقارب والاندماج، ذلك ما تجسد بتزايد تأسيس الترتيبات الإقليمية أو توسيع القائم منها في إطار إقامة للتبادل الحر أو اتحادات جمركية وغيرها من صور التكامل الاقتصادي، التي أصبحت تشكل أهم فعاليات العلاقات الدولية وأكثرها تأثيرا بالنظر إلى الدول أعضاء تلك التجمعات وحجم مبادلاتها التجارية ومغزى إنشاؤها لإحدى صور التعاون أو التكامل الاقتصادي، وما لذلك من إفرازات على العلاقات فيما بينها أو بينها وبين أطراف خارجية أو على إجمالي التجارة العالمية سيما وأن الانضمام إلى أو إقامة إحدى صور التكتلات الاقتصادية تمثل أبرز المعايير للحكم على مدى اندماج الدولة أو عزلتها على الصعيد الإقليمي أو العالمي، في ظل التوجه العام للتحرير التام للمبادلات الدولية ضمن المنظمة العالمية للتجارة في إطار حرية تدفق السلع والخدمات، الأفراد ورؤوس الأموال على الصعيد الدولي بما يجسد مظاهر العولمة الاقتصادية إلا أنه يضع جملة من التحديات أمام اقتصاديات الأقطار النامية.

صور التكامل الاقتصادي

فقد ذكرت الدكتورة فاطمة الزهراء رقايقية في كتابها الذي يحمل عنوان (الشراكة الاورومتوسطية)، ان من أبرز الوحدات الفاعلة حاليا على الصعيد الدولي فكرة مناطق التبادل الحر كإحدى صور التكامل الاقتصادي القائم بين مختلف الاقتصاديات، من خلال تحرير التبادل التجاري في ظل تزايد وتيرة العولمة والتوجه نحو تبني مبادئ اقتصاد السوق، سيما وأن المنطقة العالمية للتجارة منحت فرصة إقامة الترتيبات والتجمعات (الاقتصادية، التجارية) الإقليمية في أجل أقصاه (10 سنوات) من تاريخ انطلاقها الفعلي سنة (1994)، لذلك بادرت عدة أقطار لإقامة مناطق للتبادل الحر باعتبارها من أسهل وأبسط صيغ التكامل الاقتصادي بين الدول سواء تقاربت مستوياتها التنموية الاقتصادية سعيا للوصول إلى أرقى الصيغ على سلم التكامل الاقتصادي، أو في إطار علاقات التعاون الاقتصادي القائم بين اقتصاديات تتباين أنماطها التنموية، مما يقيد ذلك التكامل الاقتصادي بينها اعتبارا لجملة المعيقات المترتبة على اقتصادياتها أو اقتصاديات أقطار العالم الخارجي.

واستنادا لمسعى الدراسة المتضمن بحث العلاقات الأوروبية – المتوسطية ضمن مضمار الشراكة بهدف إقامة منطقة للتبادل الحر، والتي تمثل انحرافا عن المبادئ التقليدية للتكامل الاقتصادي في التعامل بين اقتصاديات تتقارب أنماطها التنموية إلى شكل جديد يسمح باتخاذ أحد صور التكامل الاقتصادي لتجسيده في صيغة من صيغ التعاون الاقتصادي. اليات التقارب

وضعت عملية برشلونة أسس جديدة للعلاقات الإقليمية في المنطقة، ما يمثل تحولا كبيرا في علاقة ضفتي المتوسط الغير متوازنتين، نظرا للهوة الكبيرة التي تميز الشمال المتوسطي عن جنوبه، وقد استهدفت أسس الشراكة الآليات الممكنة لتجسير هذه الهوة، وتقريب الشعوب والثقافات ورفع مستوى التعاون والتبادل التجاري لأجل تحقيق طموح وغايات الشركاء المتوسطيين.

لقد وضع الشركاء المتوسطيين آليات وترتيبات ومبادرات داعمة، لغرض الالتزام بتلك الأسس وتحقيق الأهداف المسطرة لتعزيز الديمقراطية، والحكم الرشيد وحقوق الإنسان وتحقيق شروط تجارية متبادلة مرضية لشركاء المنطقة، الذين يتطلعون إلى شراكة أوسع في إطار تكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية المستديمة.

محاور الشراكة

طرح الكاتب ابراهيم قلواز سؤالا كالتالي: بعد عقدين من تقديم مشروع الشراكة، ما التقدم الذي أحرزته الشراكة فيما يتعلق بالأهداف المحددة من هذه العملية، خصوصا بالنسبة لدول الضفة الجنوبية؟ وماهي الفرص والتحديات التي يطرحها مشروع الشراكة في ظل ما تحقق وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالفضاء الاورومتوسطي؟

الفرضيات: يعبر مشروع الشراكة الاورومتوسطية عن رؤية أوروبية لهندسة خطة عمل لمواجهة التحديات المستجدة في البيئة المتوسطية والمجال الحيوي للفضاء الأوروبي.

تتعلق فرص دول الضفة الجنوبية للاستفادة من مشروع الشراكة بقدرتها على تبني سياسة مشتركة ومرتكزات دعم، لاستغلال الفرص والمستجدات والمتغيرات الاقتصادية، السياسية والأمنية في الفضاء الاورومتوسطي.

عناصر الإجابة:

اولا-الإطار العام للشراكة الاورومتوسطية.

ثانيا-معوقات الشراكة الاورومتوسطية.

ثالثا-الفرص والتحديات في الفضاء الاورومتوسطي من خلال:

ا-الأزمة المالية العالمية.

ب-الربيع العربي.

ج-الأمن الطاقوي.

رابعا-التنافس الدولي في المتوسط وأثره على مستقبل الشراكة الاورو متوسطية.

خامسا-اثر تعدد المبادرات والمشاريع المطروحة على الشراكة الاورومتوسطية.

سادسا-السيناريوهات المستقبلية للشراكة الاورومتوسطية.

فيما يلي توضيح لما تقدم .

اولا_ الاطار العام للشراكة الاورومتوسطية:

تعتبر الشراكة الأورومتوسطية أول مشروع سياسي واقتصادي وإنساني حقيقي، تتم صياغته من اجل تجسير الهوة بين ضفتي المتوسط واستغلال مؤهلات المنطقة خدمة لازدهار ورفاه شعوبها على أساس من الحوار والتفاهم بناءا على المحاور التالية:

المحور السياسي

يربط بشكل وثيق بين السلام بمنطقة الشرق الأوسط وبين خلق فضاء للسلام والرخاء بحوض البحر الأبيض المتوسط، كما يؤكد على أهمية الحوار السياسي للنهوض بقيم الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان.

-المحور الاقتصادي والمالي

يرمي إلى خلق منطقة واسعة للتبادل الحر تستند إلى مبادئ اقتصاد السوق، والنهوض بالقطاع الخاص وذلك في أفق عام 2010، نتيجة لذلك ستعرف بلدان جنوب المتوسط وشرقه نقلة اقتصادية تواكبها تحولات اجتماعية بالخصوص، وهو الأمر الذي حذا بالإتحاد الأوروبي إلى اقتراح دعم مالي لهذه الدول خلال عملية الانتقال هذه، وهذا ما يتجلى من خلال برنامج ميدا.

وقد بين الكاتب اديب عبد السلام ما يلي: ان شعوب جنوب المتوسط هم المعنيون ببرامج التقويم الهيكلي التي تعتمد بتوجيه من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي ادت الى افلاس العديد من الاقتصاديات الوطنية ورمت بملايين الاشخاص عبر العالم نحو الفقر المطلق.

ما صمتت عنه الشراكة

من هنا يمكن الجزم بأن اتفاقيات الشراكة الحالية المبرمة بين دول الاتحاد الاوربي الخمسة عشر ودول جنوب وشرق المتوسط الاثني عشر، تتضمن مرحلة جديدة من الهيمنة والتكيف والغبن لدول الجنوب، ويكفي للتدليل على ذلك من الاشارة الى صمت اتفاقيات الشراكة المبرمة مع دول الجنوب عن الكثير من الجوانب الحساسة لشعوب الضفة الجنوبية للمتوسط:

- فلماذا تم اقصاء المنتجات الفلاحية الحيوية لدول الجنوب من منطقة التبادل الحر المزمع اقامتها في افق عام 2010، خصوصاً وان الحوامض والبواكير ومنتجات فلاحية اخرى تعتبر المنتجات الوحيدة التي يمكن لهذه الدول مثل المغرب ان تأمل التوفر من ورائها على حد ادنى من التنافسية في السوق الاوربية؟

_لماذا تم اقصاء ملف الصيد البحري الشائك من هذه الاتفاقات؟ والاحتفاظ به كشوكة في حلق العلاقات الاوربية المغربية تهدد بأفشال الاتفاقيات؟

_لماذا اقصيت شراكة المديونية من اتفاقيات الشراكة في الوقت الذي اصبحت هذه المديونية تثقل الميزانيات العمومية لدول شرق وجنوب المتوسط وتحد من قدرتها على مواصلة الاستثمار ومنح مواطنيها الخدمات الاجتماعية الضرورية؟

يمكن الاسترسال في سرد العديد من الامثلة المشابهة، فليس من الصعب التأكيد على ان التبادل الحر الذي تعمل اتفاقيات الشراكة على فرضه ليس الحل المثالي لضمان "التأهيل المنشود لدول الجنوب ولأتاحة بناء منطقة للرفاهة المشتركة".

وعلى العكس من ذلك، فأن فتح المجال امام المنافسة الحرة عبر فتح المجال امام حرية التجارة والمضاربة بين شركاء غير متكافئين لايمكن ان يؤدي سوى الى تكريس المزيد من الاختلالات القائمة فعلاً ويؤدي بالتالي نحو المزيد من تهميش الدول الاكثر فقراً، وبالتالي نحو سجنها في اطار دوامة لولبية تكرس استمرار مديونيتها مما يؤدي الى المزيد من اقصاء وافقار شرائح واسعة من المواطنين.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا