دور الدولة الاقتصادي وفقاً لفكر الامام الشيرازي
حامد عبد الحسين الجبوري
2017-07-16 05:45
يُعد الاقتصاد أحد المجالات المهمة التي يهتم بها أغلب أصحاب الشأن على المستوى العام، وكذلك اهتمام عامة الناس به على المستوى الخاص، وذلك لأهميته في كيفية إدارة الموارد بالشكل السليم الذي يضمن عدم استنزافها وتبذيرها، حتى تكفي لسد الحاجات المتزايدة للأجيال الحالية والمستقبلية، مقابل محدودية الموارد، حيث إن عدم إدارتها بالشكل السليم من قبل الجميع سيؤدي بالجميع إلى دائرة الاحتياج والعوز والفقر وما يترتب عليه من آثار سلبية مادية ومعنوية.
مدرستان توضحان إدارة الاقتصاد
هناك مدرستان توضحان كيفية إدارة الاقتصاد وهما المدرسة الرأسمالية والمدرسة الاشتراكية، فالأولى ترى صوابية تحرير الاقتصاد من تدخل الدولة والإيمان بالملكية الخاصة من أجل تحقيق الهدف الرئيس المتمثل بالربح، أي إن الأفراد لهم الحق والحرية في امتلاك ما يشاؤون من وسائل الإنتاج وما ينتجون وما يستهلكون...إلخ من اجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح دون الأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية والبيئية وغيرها. في حين إن المدرسة الاشتراكية تؤمن بملكية الدولة اي أن الدولة تمتلك كل وسائل الإنتاج لتحقيق هدفها الرئيس ألا وهو الربح الاجتماعي، ولا يحق للأفراد امتلاك تلك الوسائل في ظل هذه المدرسة إلا في حالات محدودة، وهي تأخذ بعين الاعتبار القضايا البيئية لكنها ليست كفوءة في إدارة الموارد. فالقطاع الخاص هو صاحب السبق في الإدارة والإنتاج والتوزيع ...إلخ في ظل المدرسة الرأسمالية، بينما تكون الدولة (القطاع العام) هي صاحبة السبق بالاقتصاد وإدارته في ظل المدرسة الاشتراكية.
الإشراف للدولة والحرية للقطاع الخاص
وفي خضم هذه الأدوار، التي تخص إدارة الاقتصاد ما بين الدولة والقطاع الخاص، التي رسمتها كل مدرسة أعلاه، يطرح المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي رؤيته المختلفة لإدارة الاقتصاد وذلك من خلال إعادة صياغة العلاقة ما بين الدولة والقطاع الخاص وتوضيح دور كل منها في الاقتصاد، حيث يعطي للدولة دور الإشراف فقط على المشاريع الحيوية دون القيام بها بنفسها، حتى لا يظلم أحدا أحد، والذي يقوم بهذه المشاريع هو القطاع الخاص عبر قيام الدولة بتوسيع نطاق الحريات له، وذلك بأن تسمح له، بل تساعده في إنتاج وتصنيع كل ما يحتاجه أو يريده من مواد غذائية وإنشائية وخدماتية سواء في مجال الزراعة أو الصناعة أو الفنون والتقنيات اللازمة، وتفتح له أبواب العلوم والحرف والمهن والكسب والاكتساب والتصدير والاستيراد وغير ذلك.
حيث لا يحق للدولة تأميم مصادر الثروة الرئيسة كالغابات والأنهار والمعادن والمعامل الكبيرة، ولا لأي فرد ذلك، لأنها موارد للجميع حيث يقول الله في محكم كتابه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، ومن حيث الدليل العقلي إن التأميم هو استيلاء على مال الغير بدون إذنه، يؤدي حتماً إلى تلف المال بصورة تدريجية. وما يؤكد على رفض تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية، قول الرسول محمد(ص) "الناس مسلطون على أموالهم".
إذ إن تدخل الدولة في الاقتصاد ووضع القيود على النشاط الاقتصادي من خلال فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة، سيقلص حافز المنتجين على الإنتاج والمستهلكين على الاستهلاك، وذلك لانخفاض أرباحهم ودخولهم بسبب الضرائب، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض قوة الاقتصاد، فتظهر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فينخفض النمو الاقتصادي وتزاد البطالة والفقر وانحراف السلوك الاجتماعي...إلخ.
الدولة كالتاجر
إن بعض السلع والخدمات لا يمكن أن ينتجها القطاع الخاص وتقوم الدولة بإنتاجها ففي ظل عدم تدخل الدولة عن طريق الضرائب أو لا يحق لها تأميم مصادرة الثروة لتأمين الأموال الكافية لسد إنتاج تلك السلع والخدمات بالإضافة إلى نفقات الموظفين والمشاريع العامة، فكيف تمول الدولة تلك الأمور؟
يجيب السيد الشيرازي عن هذا السؤال بأن الدولة تعتمد بالدرجة الأولى على الحقوق الشرعية - التي يلتزم بها بالتأكيد المسلمون فقط بناء على قانون "الإلزام" التي أقرتها الشريعة الإسلامية المتمثلة بالخمس والزكاة والجزية-هي الضريبة المتعلقة بأهل الذمة فقط مقابل صون دمائهم وأعراضهم وأموالهم من قبل الدولة الإسلامية- والخراج، وكذلك تستطيع توفير الأموال اللازمة لتغطية نفقاتها عن طريق القيام بالأعمال التجارية الحرة على ضوء قوانين القطاع الخاص كالكلفة مقابل العائد، فالدولة تعتبر تاجراً من التجار بدون اخذ الفرصة من الآخرين، ولها الحق أيضا في السبق إلى المباحات من الأراضي والمعادن وما شابه، حالها حال أي فرد آخر في المجتمع، بشرط أن لا تمنع الآخرين ولا تحتكر الأمر لنفسها.
تمويل استثنائي للظروف الطارئة
وفي حال لم تكف أموال تلك الحقوق-والتي هي بالتأكيد تكفي لسد نفقات الدولة بل تفيض عنها وذلك لسببين الأول إن الناس هم يديرون أمرهم وبالتالي فهم لا يحتاجون نفقات الدولة عليهم باستثناء ما لم يستطيعوا إنتاجه وإشباعه كالأمن والدفاع والعدالة، والسبب الثاني مرتبط بالأول وهو كنتيجة لإطلاق الحريات للناس في ممارسة نشاطاهم الاقتصادية وإشباع حاجاتهم أصبحت الدولة لا تحتاج إلى كوادر إدارية كبيرة وأبنية فخمة وموظفين كثر تتخللهم البطالة المقنعة، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى مزيد من الأموال لتلبية متطلبات تلك الكوادر والأبنية والموظفين، ومع ذلك لو افترضنها أنها (تلك الحقوق) لا تكفي النفقات التي تحتاج الدولة لصرفها كنتيجة لوقوع ظروف طارئة كالحروب والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل وغيرها، فكيف تستطيع الدول توفير تلك الأموال اللازمة لسد الظروف الطارئة او غيرها؟
في هذه الحالة تستطيع الدولة أن تأخذ المقدار الذي يسد النقص فقط ويجب أن يكون هذا المقدار بشكل صورة نسبية لا متساوية، مع اعتبار ان مشروعية هذا الأخذ يقوم على قاعدة الاضطرار وليس على القاعدة الأولى قاعدة الحقوق الشرعية التي اقرها الإسلام كالخمس والزكاة، وما يزيد من فاعلية اخذ الضرائب هو ان الدولة تعطي الحرية للجميع في ممارسة أعمالهم فالجميع سيسهم في إقراض الدولة لسد النقص لان الجميع يعلم ان الدولة ستصرف هذه المبالغ لصالحه، فالجميع يدفع الضرائب طواعية.
ومن المعلوم لدى الجميع ان هذه الضرائب الزائدة هي بمثابة قانون ثانوي ومؤقت ومتى ما تم رفع النقص فسوف تسقط هذه الضرائب وترجع الأمور إلى القاعدة الأصلية وهي عدم اخذ الضرائب إلا تلك الأربعة المذكورة.
الإشراف لتحقيق العدالة
وكما ذكرنا سابقاً يجب ان يكون للدولة حق الإشراف على موارد الحيازة بحيث لا يتسبب في ذلك الظلم للآخرين، فهي تقوم بعملية توزيع عادل للموارد التي سمح الشارع المقدس بها، كذلك من حقها أن تمنع الإجحاف بالقيم حتى لا يستطيع أحد الاعتداء على حقوق الآخرين. فإذا كان لأحد رجال الأعمال القدرة على استثمار جميع المساحات الصالحة للزراعة ومن ثم التحكم بأسعار المنتجات الزراعية وبيعها بأسعار مرتفعة لا تناسب قيمتها العادلة، كنتيجة لاستصلاح جميع الأراضي وأصبح المنتج والمتحكم الوحيد، كان لابد على الدولة أن تتدخل لمنع ذلك الاحتكار والتحكم بالأسعار.