القضية النفطية
د. مظهر محمد صالح
2017-06-04 06:20
اولا: النفط والعالم
منذ ان تحولت الولايات المتحدة الامريكية كمصدر للنفط الخام في الاشهر الماضية فإنها برهنت حقاً للعالم بانها قوة هائلة في التجديد والابتكار التكنولوجي (ولاسيما في مجال انتاج النفط الخام من المصادر غير التقليدية كالنفط الصخري ليصبح اقل كلفة بشكل متعجل ومتسارع قدر الامكان، مما اضاف في النهاية مصادر مرنة جداً على حركة العرض النفطي الامريكي.
في وقت استمرت ستراتيجية الطاقة الامريكية تعمل بقوة وبسرعة للاستحواذ على خريطة السوق العالمية للنفط الخام وهي تتطلع لتصبح أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمقياسي روسيا الاتحادية والمملكة السعودية.
ويلحظ ان الولايات المتحدة تعتمد اليوم موديل اقتصادي هجيني لاحتكار القلة oligopoly فهو انموذج مزدوج سواء في توجيه عرض النفوط او الطلب عليها احتكارياً وفي وقت واحد. ويلحظ كيف خضعت اسواق النفط الخام كلها ولاسيما طلب المستهلكين ضمن منطقة النفوذ الامريكية وسياستها الجديدة في ادارة مصادر الطاقة النفطية العالمية بعد السيطرة على التحركات السعرية من خارج الاوبك، اضافة الى قدراتها في التأثير في العرض العالمي للنفط الخام.
وهي جادة على المدى البعيد بان لاتكون عوائد النفط وتراكماتها المالية مصدر لفوائض مالية كبيرة للبلدان المصدرة خارج سياسة نفوذ الطاقة للولايات المتحدة الامريكية واسواق الولايات المتحدة نفسها او مناطق نفوذها.
ولابد من تتدارك البلدان المصدرة للنفط مراحل عجز مالي طويل ُستلجئها الى تكيفات مالية عميقة. اما على المدى القصير فان سوق النفط المستقبلية الامريكية future market تمتلك قدرات عالية على تبديل المراكز positions من طويلة الى قصيرة وبالعكس ضمن واقع مخزوناتها النفطية لأغراض المضاربة السعرية، وهي تحول بذلك عرض النفط من عرض واطيء المرونة الى عرض يتسم بالمرونة العالية ازاء السعر. ناهيك عن الاعلان عن طبيعة المخزونات الستراتيجية الامريكية للتأثير على التوقعات السعرية وجعل السوق النفطية أكثر مرونة.
وقد نتوقع على المدى المتوسط ان يضمحل الكثير من صناديق الثروة السيادية للبلدان المصدرة للنفط والتي أنشأتها ريوع العقود الماضية ودخول بلدان الاوبك في اخفاقات نوادي مصدري المواد الخام في العالم الثالث المتعثرين في عوائد الثروة المصدرة وفقدانهم لتميزهم في توليد فوائض مالية عالية الا ما ندر.
وعليه لا أجد قيمة لتجمع الاوبك بكونه كارتل للمنتجين للتأثير في ثبات او استقرار اسواق النفط العالمية مستقبلا مالم تدخل الولايات المتحدة بنفسها (في منظمة الاوبك) وتصبح عضواً مؤثراً فيها وهذا ما استبعده حالياً!!!
ثانيا: ماذا يفعل العراق؟
هنالك تطور باتجاه رفع القيمة المضافة للغاز سواء المصاحب او الطبيعي وتطوير قدرات الصناعات البتروكيمياوية وباستثمارات تقوم على الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص. والتي ابتدأت حقاً بشركة غاز البصرة.
فإعادة النظر بخرائط التطوير للحقول النفطية مازالت مستمرة، اذ مازال العراق هو ضمن مجموعة البلدان المنتجة للنفوط التقليدية الاقل كلفة في العالم والتي تشكل نسبتها ٥٠٪ من القدرات المتاحة المنتجة للنفط الخام من مصادره التقليدية. فالتنويع في مصادر الطاقة هو بداية الطريق للتنويع الاقتصادي الشامل من خلال استراتيجية تطوير القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار ومواجهة مشكلات الاستثمار الاجنبي في العراق، ولاسيما في المشاريع الجوهرية المعظمة للتشغيل والقوية في تشابكاتها الاقتصادية في بلادنا التي تعد تاسع بلدان العالم في تركز الثروات الطبيعية.
فالاقتصاد السياسي للسلام الذي يتجه اليه العراق بعد انتهاء الارهاب وتحرير الانسان والارض في المدة القليلة المقبلة ستعقبها ستراتيجية اصلاحية شاملة في مقدمتها تطوير الشراكة مع القطاع الخاص او مايسمى العراق ٢٠٣٠ التي ستضمن تنوعاً اقتصادياً ترتفع فيه مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي مع النفط من ٣٧٪ في الوقت الحاضر لتقارب ٥٧٪ في سنة الهدف. مع توافر نظام سوق تنافسي موفر للأمن الاجتماعي في التشغيل والضمان والتمويل وتسيير الاعمال في تأسيس نظام يسهل تأسيس الشركات سواء الصغيرة او المتوسطة او الكبيرة. بإسناد الدولة ومنهجها الذي سيقوم على اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي تكفل فيه الدولة التنافسية والعدالة الاجتماعية.