الخفاجي لـ شبكة النبأ: قشور البصل… ابتكار نانوي يخدم الإنسان والبيئة
أوس ستار الغانمي
2025-09-21 03:16
في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه عالمنا اليوم، يبرز دور الباحثين الشباب في تقديم حلول مبتكرة ومستدامة لمشاكل التلوث وإدارة الموارد. في هذا السياق، تحاورت شبكة النبأ مع الباحثة نبأ عبد الوهاب محمد علي الخفاجي، الحاصلة على بكالوريوس هندسة بيئية، والمستمرة في رسالتها لنيل درجة الماجستير في هندسة الموارد المائية والبيئة بكلية الهندسة في جامعة القاسم الخضراء.
تناول حوارنا معها رسالتها العلمية الموسومة بـ: "التصنيع الأخضر لمركب نانوي من أكسيد الزنك باستخدام مستخلص قشور البصل لإزالة السيفيكسيم والتتراسيكلين ضوئيًا". وقد استعرضت الباحثة خلال اللقاء إمكانيات تحويل نتائج البحث من المستوى المختبري إلى مشاريع عملية تخدم المجتمع، والفوائد الاقتصادية والبيئية لإعادة استخدام قشور البصل مقارنة بالطرق التقليدية، بالإضافة إلى تأثير هذه التجربة على وعيها الشخصي تجاه البيئة وإدارة النفايات. كما تحدثت عن أصعب التحديات التي واجهتها خلال عملها على الرسالة، ونصائحها للباحثين الشباب الراغبين في الجمع بين البحث العلمي وخدمة الإنسان والبيئة.
هذا الحوار يقدم لمحة عن الإبداع العلمي الذي ينبع من البساطة والاهتمام بالمجتمع، ويعكس رؤية الباحثة نحو مستقبل بيئي أكثر استدامة.
ما الذي دفعكِ لاختيار قشور البصل بالذات كمصدر طبيعي لتصنيع المادة المستخدمة في البحث؟
اخترت قشور البصل لأنها من أكثر المخلفات الزراعية والغذائية وفرة في البيئة المحلية، وغالبًا ما يتم التخلص منها كنفايات دون الاستفادة منها. تمتاز قشور البصل بكونها غنية بالمركبات الفينولية ومضادات الأكسدة، وهذه الخصائص الكيميائية تجعلها قادرة على العمل كعامل اختزال ومستقر في تصنيع الجسيمات النانوية بطريقة خضراء وصديقة للبيئة. وبالتالي فإن الاستفادة منها لا تحقق فقط جدوى علمية، بل أيضًا مردودًا بيئيًا في تقليل النفايات وتحويلها إلى موارد ذات قيمة.
كيف تنظرين إلى خطورة وجود المضادات الحيوية في المياه على صحة الإنسان والبيئة؟
وجود المضادات الحيوية في المياه يُعد تحديًا عالميًا، لأنه يؤدي إلى تطوير مقاومة بكتيرية، مما يجعل علاج الأمراض أكثر صعوبة. إضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الأدوية على التوازن الميكروبي الطبيعي في البيئة المائية، وقد تؤدي إلى اضطراب السلاسل الغذائية. على مستوى الإنسان، فإن استهلاك مياه ملوثة بمضادات حيوية حتى بتركيزات منخفضة قد يتسبب في مشاكل صحية مزمنة. لذا فإن معالجتها تعد ضرورة لحماية الصحة العامة والبيئة معًا.
عند بداية العمل، ما الفجوة أو النقص الذي لاحظتِه في الدراسات السابقة وحاولتِ أن تغطيه في بحثكِ؟
أغلب الدراسات السابقة ركزت على استخدام طرق كيميائية أو فيزيائية تقليدية لتحضير المواد النانوية، وغالبًا ما كانت هذه الطرق مكلفة أو ترافقها مخرجات ضارة بالبيئة. الفجوة التي لاحظتها هي قلة التركيز على استخدام النفايات الزراعية المنزلية كمصدر مستدام لتصنيع مواد نانوية فعالة لإزالة الملوثات الدوائية. لذلك حاولت من خلال بحثي سد هذه الفجوة بتطوير طريقة تصنيع خضراء وبسيطة وذات جدوى اقتصادية.
ما الذي يميز المادة المصنعة من قشور البصل عن المواد الأخرى في قدرتها على إزالة الملوثات؟
المادة المصنعة تمتاز بأنها صديقة للبيئة، منخفضة التكلفة، وذات كفاءة عالية في امتصاص وتحفيز تفكك الملوثات الضوئي. إدخال مستخلص قشور البصل في عملية تصنيع أوكسيد الزنك النانوي أدى إلى تحسين مساحة السطح وخواص المسام، مما زاد من كفاءتها في إزالة المضادات الحيوية. كذلك فهي مادة متاحة بسهولة ويمكن إنتاجها بطرق غير معقدة مقارنة بالمواد الكيميائية التجارية.
كيف ساعدتكِ الفحوصات والتحاليل المختبرية في فهم خصائص المادة، وأي نتيجة كانت الأكثر أهمية بالنسبة لكِ؟
التحاليل المختلفة مثل ( (XRD, FESEM, BET, FTIRكانت أساسية لفهم التركيب البلوري، المسامية، مساحة السطح، والمجاميع الوظيفية للمادة. النتيجة الأكثر أهمية بالنسبة لي كانت نتائج BET التي أثبتت أن المادة المصنعة تمتلك مساحة سطح عالية جدًا، مما يفسر كفاءتها العالية في إزالة المضادات الحيوية. هذه النتيجة أعطت ثقة بأن المادة قادرة على العمل بكفاءة في تطبيقات عملية.
ما الفروق التي وجدتها بين إزالة دواء السيفيكسيم والتتراسيكلين، وكيف تفسرين هذه الفروق؟
الفروق كانت في الظروف المثلى للإزالة، حيث كان الرقم الهيدروجيني الأفضل للتتراسيكلين (3) وللسيفيكسيم (4). كذلك اختلفت الجرعة المثلى للمادة الممتزة. أفسر هذه الفروق بأن لكل مركب دوائي خصائص كيميائية وبنيوية مختلفة تؤثر في طريقة ارتباطه بالمادة النانوية، مثل حجم الجزيء، الشحنة السطحية، وعدد المواقع الفعالة للتفاعل.
برأيكِ، هل يمكن تطبيق نتائج هذا البحث في محطات معالجة المياه على نطاق واسع؟
نعم، أرى أن النتائج قابلة للتطبيق عمليًا، ولكن تحتاج إلى تطوير إضافي في جانب التصميم الهندسي لتقنيات المعالجة. ما يميز هذه المادة أنها غير مكلفة ويمكن إنتاجها بكميات كبيرة، مما يجعلها مناسبة للتوسع الصناعي. ومع ذلك، يجب إجراء تجارب على نطاق نصف صناعي قبل الانتقال إلى الاستخدام الواسع في محطات المعالجة.
كيف ترين إمكانية تحويل هذه التجربة من مستوى مختبري إلى مشروع عملي يمكن أن يخدم المجتمع؟
يمكن تحويلها إلى مشروع عملي من خلال التعاون بين الجامعات، مراكز الأبحاث، والقطاع الصناعي. الخطوة الأولى تكون في إنشاء وحدات تجريبية صغيرة لمعالجة المياه الملوثة بالمضادات الحيوية في المستشفيات أو مصانع الأدوية. إذا أثبتت نجاحها، يمكن تعميم التجربة لتكون جزءًا من منظومات المعالجة الوطنية، وبذلك نخدم المجتمع عبر تقليل التلوث وتحسين نوعية المياه.
ما الفائدة الاقتصادية والبيئية من إعادة استخدام قشور البصل مقارنة بالطرق التقليدية في معالجة المياه؟
من الناحية الاقتصادية، نحن نحول نفايات عديمة القيمة إلى مادة فعالة ورخيصة الثمن يمكن أن تنافس المواد الكيميائية المستوردة. ومن الناحية البيئية، نقلل من حجم النفايات العضوية ونحد من تلوث المياه بالمضادات الحيوية. إذ نحن نحقق ما يسمى بـ”الاقتصاد الدائري”، حيث يتم إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مورد مستدام.
كيف غيّر هذا البحث من وعيكِ الشخصي تجاه البيئة وإدارة النفايات؟
هذا البحث غيّر نظرتي للنفايات تمامًا، فلم أعد أراها مجرد مواد للتخلص منها، بل مصادر محتملة للابتكار والحلول البيئية. أصبحت أكثر وعيًا بضرورة إدارة الموارد بحكمة، وأدركت أن الحلول المستدامة تبدأ من أفكار بسيطة مثل الاستفادة من المخلفات اليومية.
ما أصعب موقف واجهتِه خلال عملكِ على الرسالة، وكيف تمكنتِ من تجاوزه؟
أصعب موقف كان في مرحلة التجارب الأولية حين لم تكن النتائج مستقرة، وكان هناك تباين في كفاءة الإزالة. شعرت بالإحباط، لكن تجاوزت ذلك بالعودة إلى مراجعة الدراسات السابقة، وإعادة ضبط الظروف التجريبية بدقة أكبر، والتواصل مع الدكتورة المشرفة للحصول على توجيهات. بالصبر والمثابرة وصلت إلى النتائج المرجوة.
إذا أردتِ أن توجهي نصيحة للباحثين الشباب حول الجمع بين البحث العلمي وخدمة الإنسان والبيئة، ماذا تقولين لهم؟
أنصحهم أن ينطلقوا من مشكلات واقعية تمس المجتمع، وأن يجعلوا أبحاثهم وسيلة لإيجاد حلول عملية تخدم الإنسان والبيئة معًا. البحث العلمي ليس مجرد أرقام ونتائج، بل رسالة ومسؤولية. عندما يكون هدف الباحث أسمى من مجرد النشر الأكاديمي، فإنه يترك أثرًا حقيقيًا في المجتمع والبيئة.
في ختام هذا الحوار، تبرز رسالة الباحثة نبأ عبد الوهاب محمد علي الخفاجي بوضوح: أن البحث العلمي ليس مجرد أرقام وتجارب، بل أداة حقيقية لخدمة المجتمع وحماية البيئة. من خلال الابتكار البسيط مثل الاستفادة من قشور البصل وتحويلها إلى مركبات نانوية فعّالة، تؤكد الباحثة أن الحلول المستدامة تبدأ من أفكار صغيرة تُترجم إلى أثر كبير. إن تفانيها وإصرارها على مواجهة التحديات يشكل مثالًا ملهمًا لكل الباحثين الشباب، ويعكس دور العلم في بناء مجتمع أكثر وعياً واستدامة.