الشباب العراقي الواقع والمعالجات
المحور التاسع عشر: قطاع الشباب والرياضة
الهيئة الاستشارية العراقية للإعمار والتطوير
2018-12-09 06:44
ورقة دراسة موجزة: السيد سامي الفارس
كاتب وباحث-رئيس جمعية المدارس العربية التكميلية في المملكة المتحدة
الشباب هم الطاقة البشرية الكامنة والاحتياط المكنون وشريان الأمة النابض بالحيوية والطموح وأمل الشعوب في تغيير الواقع نحو مستقبل أفضل.
تفتخر الشعوب بنسبة الشباب العالية في تركيبة سكانها هم الفئة التي يقع على عاتقها النهوض في تنفيذ الخطط التنموية للبلاد.
وكما تتشابه احتياجات الشباب في كل بقاع الأرض أيضاً تختلف الحكومات حسب نوع السياسات التي تتخذها في معالجة قضايا الشباب.
استثمار طاقة الشباب في عملية البناء والأعمار يكون على شكلين:
أولاً: الاستثمار السلبي يقوم على هدر هذه الطاقة فتصبح معطلة دون الاستفادة من قدراتها وإمكانياتها الكامنة وتتحول خطراً على الأمة وتصبح فيما بعد من الأسباب الرئيسية في تحطيم عجلة الاقتصاد وعدم الاستقرار والأمني وتصيب جراء ذلك جميع مرافق الحياة الأخرى بالشلل التام إذا لم تتداركها حركات الاصلاح لتوفير الخدمات اللازمة لها ومعالجة الواقع وإصلاح منظومة القيم.
ثانياً: الاستثمار الإيجابي لشريحة الشباب والتعامل معهم باعتبارهم هم المحور الأساسي في عجلة التنمية المستدامة للشعوب وذلك من خلال مخرجات تنموية بشرية صحيحة فتصبح الرافد الأساسي، والطاقة المحركة التي تتمتع بالقدرة على الأعمار والبناء والتقدم في كافة مجالات الحياة فتنهض بها الشعوب وينتعش بها الاقتصاد وينتشر الأمن والأمان والاستقرار، فترتقي البلدان بسواعد شبابها وعقولهم وذلك من خلال توظيف طموحاتهم المستقبلية وقدراتهم على التحدي في مواجهة الصعاب في عملية البناء والأعمار.
العراق وعلى مدى عقود من الزمن ونتيجة العديد من الظروف ومنها السياسية المعقدة على وجه الخصوص يتعامل مع الشباب من خلال الشكل الأول في هدر هذه الطاقة ويعتبر العراق على وجه الخصوص ولعقود من الزمن قوة طاردة للكفاءات وللشباب ولم يضع خطط فعلية للاستفادة من قدراتهم في التنمية لذلك يعتبر من الدول التي لم تعرف الاستثمار في الطاقة البشرية بل استثمرها النظام السابق وعلى مدى عقود فقط في الحروب وساحات القتال.
وكذلك لم يستفيد العراق من تجارب الدول الأخرى التي لها تجارب إيجابية رائدة وشهدت واقع متشابه لما مر به العراق من أزمات اقتصادية وسياسية وحروب، ولكن استطاعت هذه البلدان أن تتجاوز كل الصعاب والعراقيل وأصبحت تجربتها من التجارب العالمية الرائدة في استثمار الطاقة البشرية وفي الشباب بشكل خاص، مما أدى الى تطور خطط التنمية فيها وأصبحت لها مكانة متقدمة بعدما خرجت من حروب طاحنة ولسنوات عديدة أنهكتها اقتصادياً وجعلتها تعاني العديد من الأزمات الاقتصادية وتحولت فيما بعد من التي لها تأثير كبير في الاقتصاد العالمي والقرار الدولي والتجمعات الاقتصادية الدولية المؤثرة عالمياً وذلك بفعل سياساتها الناجحة في معالجة قضايا الشباب.
عند تشخيص واقع الشباب العراقي المأزوم والذي عانى من معضلات عصيبة وواجه مشاكل مستعصية على مدى عقود مضت من خلال دراسة تحليلية وواقعية للوضع الحالي الذي يمر به البلد نحتاج الى دراسة الواقع العراقي وتشخيصه وإيجاد الحلول المناسبة بشكل دقيق يعتمد الدراسات البيانية.
المشكلة الحقيقية التي يعاني منها الشباب العراقي هي مشكلة شعب وطاقة بشرية معطلة عانت من الظلم والاضطهاد لعقود من الزمن ومن سياسات بائسة نتيجة الظروف المعقدة التي مر بها الشعب.
يتشابه الواقع العراقي أحياناً مع العديد من المشاكل والمعضلات التي يعاني منها الشباب العربي والدول الإقليمية المجاورة وهي هموم ومشاكل متشابهة في العموم ولكن تختلف على وجه الخصوص.
ولكن هنالك العديد من الأخطار الرئيسية والتي نتجت عنها مشاكل متفاقمة ومركبة، ومشكلة الشباب العربي والعراقي على وجه الخصوص جاءت نتيجة العديد من الأسباب الرئيسية منها:
أولاً: الحروب والمعارك
الحروب بكل أنواعها تعتبر من اخطر الأسلحة الفتاكة في تدمير الطاقة البشرية عموماً وعلى الشباب بشكل خاص وتعد سبباً رئيسياً في تخلف الشعوب وتراجعها عن حركة التقدم والتطور العالمي وتعمل على اجهاض قدرات وطاقات البلد المادية والبشرية مما يجعل هذه الدول تعاني من أزمات متفاقمة، وذلك نتيجة تدمير البنية التحتية للبلد واستنزاف الطاقة البشرية والشباب في طبيعة الحال هم من يواجه خطر الحرب في الدفاع عن البلد فهم الوقود البشري لهذه الحروب اذ يقتل معظمهم والبعض الأخر يخرج من الحرب معوقاً جسدياً أو معوقا نفسياً وعقلياً، مما يجعل الأمة عاجزة بعد ان فقدت طاقتها الحيوية التي تعتمد عليها في عملية البناء والأعمار.
والتاريخ العراقي الحديث يشهد معاناة شعب وعلى مدى عقود من الزمن شهد حروب هوجاء طالت لسنوات عديدة وعلى سبيل المثال في ثمانينيات القرن الماضي الحرب العراقية الإيرانية 1980 التي أكلت الأخضر واليابس كما يقال وعلى مدى ثمان سنوات عجاف كان الشعب العراقي تحت ظل الدكتاتورية الورقية لايملك القرار فيها فهي حرب سلطوية دموية ذهب ضحيتها أعدداً كبيرة من الشباب وبمعدل مليون شهيد ومليون معوق وأسير معظمهم من الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 18 الى 40 سنة.
وكذلك طالت أضرار الحرب الفئات العمرية الشابة من النساء اللواتي فقدن أزواجهن وأولادهن وترملن في سن مبكّر، وخلفت الحرب بطبيعة الحال أعداداً كبيرة من الأيتام تفتقر في أمس الحاجة الى رعاية الأسرة المتكاملة وبالتالي أصبحت هذه الأعداد الكبيرة من الأيتام ضمن إعداد الشباب التي ينهض بها البلد في المستقبل رغم معاناتها القاسية من الحرب.
ونشبت حرب الخليج عام 1991 التي خرج منها العراق أيضاً بخسارات فادحة بالأرواح معظمهم من الشباب، مع المعاناة الجسيمة والبالغة في الصحة النفسية والعقلية والأمراض الأخرى والعوق الجسدي وكذلك حالات الإحباط واليأس أما في المنشئات العامة تدمير شبه كامل للبنية التحتية.
شهد عام 2003 سقوط النظام الدكتاتوري ودخل العراق في مرحلة جديدة من الصراع السياسي على السلطة وتصعيد حالة الاقتتال الطائفي والعنصري والتعصب الديني الذي بلغ ذروته مما جعل العراق ساحة للاقتتال الطائفي والقتل على الهوية وتصفية حسابات دولية وإقليمية ومحلية.
وأصبح خطر الحرب الأهلية يخيم على الواقع العراقي المأزوم الذي فقد فيه الاستقرار الأمني وانتشار القتل على الهوية والتفجيرات والعبوات الناسفة وتقسيم المدن على أساس طائفي وعرقي وانتشرت حالة الذعر والإرهاب في اغلب محافظات العراق حتى أصبحت جميع ايام الأسبوع دامية ويعد هذا الوضع من اخطر أنواع الحروب، وذهب ضحية نتيجة ذلك العنف والإرهاب وعدم الاستقرار الأمني أعداداً كبيرة من الشباب ومن كافة أنحاء العراق ومحافظاته في وقت يعد فيه العراق بأمس الحاجة اليهم جميعاً الى الطاقات الشابة في عملية البناء والأعمار التي ينتظرها الشعب بعد سقوط النظام.
وفي عام 2014 دخل العراق مرحلة جديدة من القتال وهي الحرب ضد داعش العصابات الإجرامية التي احتلت المدن ودمرت البنية التحتية للبلاد ونهبت الأثار وتعرض خلال هذه الفترة الحرجة شباب العراق عموماً وفي المحافظات المحتلة بالدرجة الأولى الى التهجير والقتل العشوائي والقتل على الهوية وسبي النساء وعادت الجاهلية والأفكار المتعصبة ومنها سوق النخاسة وبيع النساء وأغلبهن في عمر الشباب.
وكذلك الإعدامات الجماعية للشباب وعلى سبيل المثال مجزرة سبايكر التي ذهب ضحيتها 1700 شاباً خلال ساعات معدودة.
وعانى العراق معاناة قاسية ومريرة من هذه المرحلة المريرة التي استمرت اربع سنوات تقريباً تصدى شباب العراق من القوات المسلحة والأمنية ورجال الحشد الشعبي للدفاع عن الوطن في مواجهة شرسة مع هذه العصابات الإجرامية، خسر العراق خلالها أعدادا كبيرة من الشباب في هذه المعارك الطاحنة.
الشباب العراقي هو أول من تصدى من شرائح الشعب لمواجهة هذا الخطر الذي حاق بالبلاد مما أدى الى تعطيل وشلل في عمليات البناء والأعمار نتيجة العنف والإرهاب وعدم الاستقرار الأمني.
ثانياً الركود الاقتصادي
تنتج الحروب عادة طبقة فاحشة الثراء وهي طبقة تجار السلاح والموت والدمار، ويكون نصيب الجنود الذين ساهموا في الدفاع عن الوطن عادة بعد الحروب التقشف والركود الاقتصادي الذي يتمخض بعد كل انواع الحروب الإقليمية او المحلية او الدولية أو الاقتتال الطائفي فالحرب العراقية الإيرانية تركت لنا دماراً للبنية التحتية لحقها حصاراً اقتصادياً جائراً ذهب ضحيته آلاف الشباب نتيجة نقص العلاج والغذاء.
مر العراق خلال فترة الحصار الاقتصادي بأسوأ حالة اقتصادية في كافة مجالات الحياة وتعطلت مشاريع التنمية الصناعية والعمرانية للقطاع العام والخاص.
وترك لنا الاقتتال الطائفي والحرب على داعش بعد عام 2014 تقشفاً اقتصادياً طال كل مرافق الحياة في التعليم والصحة وانكماش في سوق العمل.
وكان أول المتضررين هم الشباب الذين كانوا وقوداً للحرب الطاحنة وأصبحت من معاناة الناجين البحث عن لقمة العيش أو الحصول على وظيفة مع معاناة مريرة في علاج جراحاتهم المزمنة والعوق الجسدي الذي لحق الكثير منهم مع ضعف في الرعاية والعناية وصعوبة توفير العلاج اللازم والخدمات المناسبة وذلك نتيجة حال المستشفيات بشكل عام.
البطالة:
تعتبر البطالة احدى نتائج الركود الاقتصادي، وعدم توفر فرص العمل المناسب وغير المناسب مما يجعل الشباب يشعر بالإحباط والانكسار والخيبة التي تؤدي بهم الى نتائج وخيمة فيصبح قوة معطلة قد تسلك طريقاً يجعل من هذه الطاقة الغاضبة من الواقع الاقتصادي المرير الذي تعيشه طاقة سلبية مهدورة تعمل على تدمير البلد باتخاذها الأساليب غير المشروعة منها المخدرات والسرقة والقتل والعمل مع العصابات الإجرامية من اجل توفير لقمة العيش مما يجعلها تفكر جدياً بالهجرة بعد شعورها بأزمة الهوية.
أزمة الهوية
الهوية هي التمسك بالوطن وبجميع مفرداته اللغة والتاريخ والثقافة والتقاليد والموروث الديني والحضاري المشترك، على الرغم من ازدياد منظمات المجتمع المدني بعد عام 2003 وعملها في كافة المجالات وذلك من اجل دعم الشباب والمرأة والطفولة ويعمل بعضها بالتعاون مع المنظمات العالمية الساندة والداعمة للتطوير الشباب وإيجاد الحلول والمقترحات المناسبة لهم وذلك بسبب عدم وجود ثقافة العمل التطوعي المشترك مع المؤسسات الأجنبية سابقاً بسبب سياسيات الدولة السائدة آنذاك.
وعملت مؤسسات الدولة المعنية بالشباب وعلى رأسها وزارة الشباب والرياضة على إيجاد الحلول المناسبة من خلال ورش العمل للشباب والملاعب الرياضية ورفع الحصار عن العديد من المسابقات الرياضية وتفعيل دور الشباب.
مع كل ذلك تعرض الشباب العراقي الى حالات الاحباط جعلهم يتخلون عن الهوية ويبحثون عن طرق للهجرة وذلك بسبب ماخلفته الحروب والاقتتال الطائفي وعدم العدالة الإجتماعية وصعوبة حصولهم على الفرص العمل المناسبة للعيش الكريم.
ولشعورهم بتخلي المؤسسات الحكومية عن دورها في توفير فرص العمل المناسبة والخدمات المطلوبة لهم، وعجز المؤسسات الأخرى أيضاً وهي المدرسة والأسرة والمجتمع عن توفير احتياجاتهم لذلك تؤكد جميع البحوث ان مشاكل الشباب في الوقت الراهن هي أزمة مجتمعية حقيقية تجسدها حالات الضياع وأزمة الهوية وضعف الانتماء الى الوطن.
أزمة الهوية من أخطر الحالات التي تهدد البلد وتدفع بالطاقة الشابة الى الهجرة، وعند متابعة بيانات وزارة التخطيط نجد ان ارتفاع مستوى دخل الفرد في عام 2008 وصل مايقارب ثلاث أضعاف على ماهو عليه في عام 2003 ولكن المؤشرات الإجتماعية تؤشر على عدم ارتفاع دخل الفرد ولم يحظ الشباب العراقي بالمتطلبات الخاصة بهم وذلك نتيجة البطالة وارتفاع نسب التضخم.
وكذلك الخطط التي تضعها وزارة التخطيط العراقية ضمن (خطة التنمية الوطنية) منذ سنوات ونتيجة عدم الاستقرار والحرب على داعش لم تحقق هذه الخطة التوازن الأمثل بين احتجاجات الدولة واحتجاجات الشباب، مع العلم ان حصة الشباب في خطط التنمية الوطنية كبيرة جداً ولكنها لم يتحقق منها الكثير وصرفت الأموال بعيداً عن احتياجات الشباب وذلك بسبب الظروف غير الطبيعية والمعقدة المحيطة بالبلد مما جعلت الشباب يشعر باليأس وإهمال الدولة المتعمد في توفير احتياجاته ومتطلباته مما جعل الشباب يفقد الثقة بالمؤسسات الحكومية المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ المباشر.
العولمة
العولمة تسمية تعني الكثير في عالمنا وهي أيضاً تعني الانفتاح على الأخر فيصبح العالم قرية صغيرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتكنلوجي ونقل المعلومة السريع بما يخدم التطور والتقدم في جميع العلوم والمعارف.
والعولمة هي ذوبان الخاص بالعام وتسهل فقدان الهوية وتخلي الشباب عنها بشكل خاص بعد ان تتوفر لهم أسباب الهجرة وذلك بما يحلم به الشاب ويطمح في الحصول على فرصة للعيش المزين والعمل الحر مما تسهل عليه عملية التخلي عن الهوية والوطن وذلك بعد ان انفتحت أمامه أبواب المستقبل، فأصبحت العولمة تعني التحدي الكبير أمام الحكومات في العالم الثالث وتفكر بشكل عملي في كيفية المحافظة على الهوية والتمسك بها دون مواجهة او صدام مع العولمة.
الانفتاح الإعلامي بطبيعة الحال هو من احد وسائل العولمة في توصيل مفرداتها والإعلام سلاح خطير ممكن ان يستغل أبشع استغلال من خلال القنوات الفضائية التي تحمل اجندات خاصة بها معادية للعلم والمعرفة والتي تبث بعضها وبشكل مقصود سموم التخلف والجهل وتعمل على تدمير الشباب ببرامج تستهدف عقولهم وافكارهم وتوجههم بشكل منحرف ليكونوا طاقة معطلة مهمشة ينشغلون بقضايا وهموم بعيدة عن الانتماء الحقيقي للوطن والنتيجة ستكون لدينا أعداداً كبيرة من الشباب المعوق فكرياً غير قادر على إلحاق بالتطور والنهوض بحركة التنمية في البلد وأخذ زمام المبادرة في العمل والبناء.
التعليم:
عندما ينحرف التعليم عن مساره الصحيح نتيجة العديد من الأسباب والمشاكل والمعوقات وطرق الفساد المتعددة يصبح التعليم عبئاً ثقيلاً على الشعب والدولة، والتعليم في العراق منذ إيام النظام السابق يعاني العديد من المعوقات التي انعكست على مستقبل الشباب.
سعى النظام السابق على قتل وتهجير العقول والطاقات العلمية التي أخذت تحلم بالخلاص من الواقع المرير الذي يعيشه الشعب جراء الدكتاتورية وأحلامها المريضة وأهدافها البغيضة فهاجر اغلب الأطباء والعلماء والمفكرين للخلاص من الواقع التعليميي المأزوم، وتمت أدلجة المناهج التعليمية وبشكل سلطوي تعسفي صادر من خلالها حرية الإنسان العراقي والشباب على وجه الخصوص من التفكير الحر والإرادة المستقلة وغصت السجون والمعتقلات بالعديد من طلاب المدارس والجامعات والمثقفين من الذين يمتلكون وعياً وحساً وطنياً.
وتمت مصادرة حرية الشباب في العديد من مجالات العلم والمعرفة والثقافة وحجب العراق عن التواصل عن معظم دول العالم مع مراقبة شديدة لما ينشر في الصحف والمجلات والدوريات.
وبعد سقوط النظام عانى التعليم ولايزال يعاني من معوقات ومشاكل كبيرة ومعقدة في المناهج التعليمية التي أصبحت معظمها دون المستوى المطلوب بعيدة عن الأكاديمية ووصلت اليها أيادي الفساد، وكذلك ازدياد حالة التسرب من المدارس نتيجة الفقر والحرمان، وقلة الأبنية المدرسية امام إعداد الطلبة المتزايدة في كل عام دراسي.
ضعف الجانب الأكاديمي والمهني عند المعلمين الذين تخرجوا من الدورات السريعة فأغلبهم غير مؤهلين لقيادة مجتمع وتعليم جيل.
والتعليم الجامعي هو الآخر له معاناته الخاصة ولكن اغلبها لاتختلف عن مشاكل التعليم بشكل عام بل بعضها اكثر تعقيدات جراء بعض القوانين التي تصدر دون دراسة او معرفة اثارها التي ستخلفها هذه القوانين.
اذا تعاني الجامعات بعد إقرار التعليم الأهلي بعدم تكافؤ الفرص مع طلبة الجامعات الحكومية وعانى من ذلك الطلبة الذين لاتتوفر لديهم الإمكانية المادية، مما جعل حالة الإحباط والشعور باليأس تدب بين معظم الشباب الجامعي، وبالخصوص صعوبة توفر فرص العمل بعد التخرج
وهذا من الأسباب الرئيسية التي يعاني منها التعليم العالي على وجه الخصوص هي عدم تكافؤ مخرجات التعليم مع فرص العمل المتوفرة في سوق العمل وعدم استيعاب العديد من المؤسسات الحكومية للطلبة الخريجين وإيجاد وظائف تناسب اختصاصهم.
يقابل ذلك العجز في القطاع الخاص الذي عانى العديد من المشاكل التي خلفها النظام السابق والوضع الحالي وعدم تمكنه من أن يأخذ دوره بفاعلية ليستقبل الطلبة الخريجين والاستفادة من خبراتهم الأكاديمية في العمل، كل ذلك أدى الى ظهور إعداداً كبيرة من البطالة في صفوف الشباب خريجي الجامعات والحاصلين على شهادات جامعية أولية.
وضعت الدولة بعد ذلك العديد من الخطط والبرامج التي ليس لها مثيل لأنقاذ التعليم ولكنها بقيت حبر على ورق ولم يتم تفعيلها وذلك بسبب الظروف القاسية التي يعاني منها البلد والتي تم ذكرها سلفاً وكذلك بسبب الفساد الإداري.
الحلول والتوصيات:
إيجاد الحلول والمعالجات ليس بالإمر الصعب وذلك لجملة من الأسباب منها:
ان العراق بلد يتمتع بمكانة وموقع جغرافي متميز وطاقة بشرية تمتلك من العمق الحضاري والموروث الفكري والثقافي مما يجعله شعبا قادرا على التغيير والبناء وتجاوز العقبات وخاصة اذا عرفنا ان نسبة الشباب تشكل ثلثي نسبة عدد السكان في العراق مع ازدياد سكاني متزايد ونماء بشري مستمر.
أولاً - تدعيم عوامل المواطنة لدى الشباب من خلال:
١- تكافؤ الفرص في الدراسة والعمل وفي كافة مجالات الحياة ولكلا الجنسين دون طائفية او محاصصة حزبية.
٢- التسامح ونبذ الطائفية والعنصرية وغرس ثقافة المحبة والسلام بين الشباب
٣- تدعيم التمسك بالهوية من خلال مشاركة الشباب في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية ومنحهم آليات التفاعل الإجتماعي و قيادة منظمات المجتمع المدني مع احترام كافة الهويات والانتماء الفكري والعرقي والسياسي وفسح المجال أمامهم في ممارسة نشاطاتهم بشرط عدم تعارضها مع الأهداف الوطنية مع توفير الضمان الحقيقي لمستوى معاشي مقبول يشعر الشباب بالإنتماء للوطن مع الحرص على توفير الاحتياجات الأساسية التي يفتقدها مما يجعله يتمسك بالوطن ويتخلى عن التفكير بالهجرة.
٤- تعزيز ونشر ثقافة العمل التطوعي ومساعدة الآخرين من خلال التجمعات الشبابية الواعية والاستفادة من التجارب الأوربية والأسيوية في هذا المجال.
يؤدي العمل التطوعي على غرس حب الوطن في نفوس الشباب ويجعلهم يتمسكون ويفتخرون بمنجزاتهم التي بذلوها والتي تزيد من الأواصر الإجتماعية وتزيل الفوارق الطبقية والعرقية وتجعل الشباب يتطلعون الى التواصل مع تجارب عالمية رائدة في العمل التطوعي.
٥- الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في احتواء العولمة والاستفادة منها إيجابيا من خلال برامج الخطط التنموية الشبابية وتطوير خبراتهم وتسهيل عملية تواصلهم مع العالم الاخر لنقل التجارب المفيدة والناجحة بدلاً من محاربة العولمة والدخول في صراع خاسر معها.
ثانياً: يجب تحقيق توازن عند وضع الخطط التنموية للدولة ويجب أن تعطى فيها الأولوية والأهمية القصوى الى احتياجات الشباب وعدم التهاون بتطبيقها او الغائها او اتخاذها مجرد دعاية انتخابية بل يجب وضع خطط واستراتيجيات وسياسات تنموية متكاملة وتنفذ بالكامل وكما وضعت مما يزيد من ثقة الشباب والشعب عموماً بالدولة ويقوي أواصر التمسك بالوطن.
ثالثاً: الاهتمام بإنشاء مراكز للرعاية الإجتماعية والتأهيلية جديدة للشباب على أن تمتلك أدوات متطورة وذلك لمعالجة العديد من الحالات التي يعانون منها جراء الحروب والعنف والإرهاب ودراسة ومعالجة حالات التعصب الديني والفكري المتطرف.
والإشراف المباشر على هذه المراكز التدريبية من قبل وزارة الشباب والمؤسسات التابعة لها لتصبح مراكزاً لتأهيل الشباب طبقاً لحاجة سوق العمل وبما يوفره من فرصاً واسعة لمشاركة الشباب فيها مع اتاحة العديد من الامتيازات الخاصة بالمعوقين وتوفير الرعاية الخاصة بهم حسب حقوق الأنسان المنصوص عليها في الدستور العراقي.
رابعاً: الاهتمام بالتعليم واتخاذ سياسات تربوية ناجحة ومفيدة والاستفادة من تجارب الشعوب التي لها تجربة مماثلة مع الواقع العراقي بعيداً عن المثالية في التطبيق وإعداد مناهج تربوية حديثة تتناسب مع روح العصر والتطور ومراعاة الأجيال الحالية او مايسمى بالجيل الرقمي وذلك من خلال تأهيل الهيئات التعليمية ورفع الكفاءة المهنية للهيئات الإدارية والتعليمية المتخصصة.
وتضمين المناهج التربوية دروساً في التنمية البشرية وكذلك العمل على مناهج تنشر لغة المحبة والسلام وقبول الأخر وتعتمد مفهوم الوطن للجميع وتعزز الروح الوطنية لدى الشباب.
خامساً: تنمية ودعم ومساندة وتفعيل القطاع الخاص بكافة اشكاله وصنوفه ووضع خطط تنموية شاملة ذات فاعلية وفائدة اقتصادية والاستفادة من تجارب الشعوب في هذا المجال، التجارب التي جعلت من القطاع الخاص قائداً وعاملاً مساعداً للنهوض من خلال العديد من المخرجان منها استقطاب إعداداً من الخريجين الشباب والاستفادة من خبراتهم الأكاديمية وتأهيلهم مهنياً وتشغيلهم في سوق العمل مما يجعل من القطاع الخاص يشارك مشاركة فعلية في تحقيق التنمية المستدامة للبلد ويدعم خطط الشباب للنهوض بالاقتصاد العراقي ليأخذ دور الصدارة في المشاريع الصناعية الرائدة.
سادساً: تعزيز دور الأسرة والمدرسة في تنشئة الشباب ودعم هذه المؤسسات المجتمعية الأساسية في بناء المجتمع بالوسائل التي تمكنها أن تؤدي دورها المؤثر في الحفاظ على المجتمع وبناء الشباب المتمسك بالهوية وبالوطن ليصبح قادر على تحمل المسؤولية.
سابعاً: إعطاء الدعم الكافي للحركة الرياضية والتوسع في بناء الملاعب والمشاركات الرياضية المحلية والإقليمية والدولية بما يعزز من روح التفاني والإخلاص لدى الشباب لتحقيق مكاسب وانجازات رياضية.
وكذلك الاستفادة من الطاقة الكامنة لدى الشباب في ألعاب رياضية جماعية وفردية مفيدة تخلق منهم ابطالاً وقادة للمستقبل واثقون من قدراتهم وكذلك تقلل من واقع الجريمة في صفوف الشباب واللجوء الى المقاهي وإماكن تواجد العاطلين عن العمل. والعمل على مكافحة العوامل الإجتماعية والاقتصادية التي تشجع الشباب على التسرب من المدرسة.
ثامناً: إقامة المؤتمرات الشبابية والملتقيات التربوية والتعليمية التي تركز على الحوار الثقافي بين الشباب وإزالة الحواجز المتراكمة لغرس الروح الوطنية ومبادئ الديمقراطية وتعمل على التواصل مع الشباب العراقي المغترب والاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم في عملية البناء والإعمار وكذلك فسح المجال امام الشباب المغترب في العودة الى البلد وإيجاد فرص العمل المناسبة لهم وذلك من اجل تشجيعهم في العودة الى البلد الأم.
تاسعاً: رفع الكفاءة العلمية والمهارات الفنية والإبداعية وتعزيز روح الاكتشاف العلمي عند الشباب ودعم البرامج التعليمية التي تطور من التعليم في الجامعات والمعاهد والاهتمام بالبعثات العلمية خارج القطر وتوفير سبل الدراسة الممكنة لهم من خلال تعليمات وقوانين جامعية ثابتة تتناسب مع احتياجاتهم والعمل على التواصل مع الجامعات العالمية والعمل على تبادل الخبرات والمنفعة العلمية المتبادلة.
عاشراً: تفعيل دور وزارة الشباب والمؤسسات التابعة لها في المحافظات، بعيداً عن المحاصصة والطائفية وبمساندة منظمات المجتمع المدني والجامعات الحكومية والأهلية على استقطاب الشباب وتحقيق البرامج التي تعمل على تطوير قدراتهم العلمية والمهنية على ان تكون هنالك مكاتب خاصة في كل وزارة لدعم الشباب وتحسين الخدمات التي تقدم لهم وتسهيل الحصول عليها.
تفعيل عمل المعسكرات الشبابية الثقافية والعلمية والرياضية والفنية داخل وخارج العراق وتبادل الخبرات والمشاركة في السابقات الشعبية والدولية مما تكسب الشباب خبرات ومعرفة وتقوي آواصر التعاون بين الشباب.
الحادي عشر: دعم الإعلام الوطني الذي يبث روح الشعور بالمسؤولية وينمي القدرة على التحدي وينشر لغة المحبة والسلام ويغرس حب الوطن والتمسك بالهوية دون ان يتعارض مع العولمة، ويحاكي طاقات الشباب في العمل والبناء والأعمار ويبث برامج فكرية وعلمية بإسلوب حضاري حديث أقرب الى نفوسهم ويطور قابلياتهم من خلال برامجه.