لكل إنسان رسالة.. ما هي رسالتكم للمجتمع؟
علي حسين عبيد
2016-03-23 08:48
لكل انسان رسالة، اذا نجح في إيصالها الى الآخرين، خرج من هذه الدنيا ناجحا، مع أهمية أن تكون رسالته منتمية للصلاح، يأتي الانسان هذه الحياة، وأمامه فرصة أن يكون فاعلا متميزا، نعم هو محكوم بالحاضنة والبيئة والقدرات، ولكن يبقى العامل الذاتي يحمل قصب السبق في تميز الانسان ونجاحه، فهناك أفراد متميزون خلقوا فرص نجاحهم بأنفسهم، واستطاعوا أن يثبتوا أفعالهم وافكارهم واسماءهم في لوحة ذاكرة الحياة الى الأبد.
هناك أمر غاية في الأهمية، يتمثل بحتمية انعكاس نجاح الفرد على المجتمع، وقد تكون الأفكار الصادرة عن شخصية عالم او مفكر او مصلح كفيلة بصناعة مجتمعات تنحو نحو التطور والاستقرار، وقد وعتْ الشعوب النازعة الى التطور هذه الاشتراطات الحتمية لخلق المجتمع القوي المتآزر المنسجم الذي يحافظ على نفسه وتشتبك أفعل وافكار التعاون لديه ليصل بالنتيجة الى تكوين منظومة انتاج متطور محكومة بقيم تقدمية ترفض كليا حضور الفساد في عمليات الانتاج المتنوع سواء في ميادين الفكر او الفعل ايضا، وبهذا يكون دور الفرد متساوقا تماما مع الجماعة وصلا الى نسق من العلاقات المتنامية نحو الاستقرار والتميز.
من البديهي أن يتأثر الفرد عقلا وسلوكا بالهزات الكبرى التي تحدث في حياة المجتمع، وسوف تنعكس عليه من حيث طبيعة التفكير وردود الفعل التي تنتج عن ذلك، ولعل اخطر ما يمكن ان يتعرض له المجتمع يكمن في التحولات المحورية التي تحدث في تاريخه ومسيرته كما هو الحال مع العراق إذ يبدو أن الهزة العميقة التي تعرض لها المجتمع العراقي، والتي أفضت الى انهيار شبه تام، على المستويات السياسية والاقتصادية وسواها، قاد الى نوع من التحول، في منظومة القيم التي حكمت سلوك العراقيين لفترة طويلة، ليواجه المجتمع سلسلة من التغييرات الحذرية التي قادت الى نوع من الفوضى في مجريات الحياة اليومية مع اشاعة نوع من الاضطراب والقلق على الحاضر والمستقبل.
سمات اجتماعية حصيلة مئات السنين
هناك سمات يمكن من خلالها معرفة طبيعة الفرد والمجتمع العراقي ايضا، فهذه السمات حصيلة قرون من الارث الديني والعرفي والاخلاقي، والعراقيون كما يعرف أهله والمنتمون له، كانوا متمسكين بتلك المزايا التي تحافظ على الروابط الاجتماعية، وتزيد من لحمة الشعب، لاسيما الفقراء منهم، ومن تعرضوا للاضطهاد، أكثر من غيرهم، كانوا رحماء بينهم، يساعدون بعضهم البعض الآخر، ويواسون من يتعرض منهم الى مصاب، او ضرر ما، سواء كان مصدره السلطان واذنابه او غيرهم، وهذه كلها تنتمي الى قيم التقدم التي لابد من الحفاظ عليها لذلك نلاحظ وجود التقارب، بين تلك الشرائح المنتهكة، في حقوقها السياسية، والمدنية وسواها، وهذا ما دفع بالمجتمع، الى التمسك بالقيم الاصيلة الجيدة، التي تساعد على حفظ العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية وغيرها، بما يخفف من ثقل الفقر ووطأته، على ضعفاء الحال، فكان هناك نوع من التعاون الفطري بين الجميع لتجاوز الاوضاع العصيبة التي مر بها الناس، وقد حدث هذا بالفعل كما تؤكد ذلك الذاكرة الجمعية التي تحتفظ بأروع المواقف للفقراء والاغنياء معا على قلتهم.
على سبيل المثال كانت سمات الانسانية أيام القهر والحرمان اكثر حضورا بين مكونات المجتمع، فالموظف البسيط، أو المدير العام، أو المسؤول على هذه الدائرة او تلك، يرفض أن يضغط على المواطن ولا يلجأ الى ابتزازه مطلقا، بل كان الموظفون يؤدون خدماتهم، بطريقة محصنة بالشرف، والقيم التي يؤمنون بها، لدرجة أن الموظف كان يرفض أن يستقبل أية هدية، من المواطن، ويعتبر هذا السلوك، مساسا بشرفه واخلاقه وشخصيته، وطالما أن الدوائر الرسمية أصبحت على مساس مباشر بحياة الناس، وصار الموظف يتحكم بنوعية حياة الفرد والجماعة، وغالبا ما تكون الخدمات التي تقدمها هذه الدوائر، تتعلق بمصدر الرزق اليومي للفرد، ولكن في تلك الفترة العصيبة ظهرت بوادر الفساد والانحراف بسبب الاستبداد.
وتعرضت المزايا الاجتماعية الى ما يشبه الصعقة بعد التحولات التي رافقت التغييرات في ما بعد نيسان 2003، فقد نمت بعض القيم التي غيّرت التعامل المتبادل بين الموظف والمواطن، وانتشرت ظواهر لا تمت بصلة لقيم التقدم، وبرزت ظاهرة الاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير والاحتيال وغسيل الاموال والمضاربات والمتاجرة بما يسيء للطبقات المتدنية، ومع أنها سبقت هذا التأريخ المذكور بكثير، لكنها لم تكن بهذا الحجم الواسع، ولا بهذا التغيير الملحوظ في العلاقات الاجتماعية، التي دخلت فيها مضامين، اخلاقية وسلوكية غريبة، على المجتمع العراقي، فصارت الأنانية تتحكم بكل شيء، وصارت المصلحة عنونا لمعظم الافراد، وانعكس ذلك على الفعل الجمعي.
خطر العلاقات القائمة على الأنانية
وبهذا ضعفت كثيرا من المزايا الانسانية التي كانت تساعد الجميع وتحثهم على بناء مجتمع ناجح وحلّت محلها ظواهر خطيرة إذ أصبح الاختلاس والسرقة وتعاطي الرشوة، نوعا من الشطارة، لبناء حياة الفرد والعائلة العراقية، كذلك تضاعفت نزعة الحصول على الاموال، بغض النظر عن شرعية او مصدر الاموال، والمهم في الامر هو أن يحصل الفرد على المال، وفقا لطبيعة العلاقات العملية والانسانية القائمة على الفائدة او المصلحية التي شاعت بين اوساط المجتمع على نحو واسع، في حين كانت مثل هذه القيم معيبة، ولا يمكن أن يقبلها العراقي على نفسه، وقد وصل الامر في احيان كثيرة الى اعتبار مثل هذه السلوكيات، نوعا من الانحراف وفقدان الشرف، وليس نوعا من الشطارة كما هو متعارف عليه الآن، لذا فإن تنامي مثل هذه الظواهر السلبية، يشكل خطورة كبرى على المجتمع، وهي تمثل نوعا من انواع الفساد الخطيرة التي يمكن أن تنخر النسيج المجتمعي وتطيح بهيكلية البناء الاخلاقي القويم للمجتمع، لاسيما اذا تم التغاضي عن الاخطاء التي يتم ارتكابها في هذا المضمار.
اذاً نحن ازاء سلوك فردي هو الذي ينعكس على السلوك الجماعي ويحدث العكس بطبيعة الحال في علاقة تبادلية، تقف وراؤها حزمة من المزايا الانسانية الدينية العرفية الاخلاقية التي تزيد من تماسك المجتمع وتقلل من فرص السقوط الاجتماعي، وتعد مثل هذه الاعمال إرهابا من نوع آخر بحسب المراقبين والمعنيين، كما عبر عن ذلك كثير من السياسيين والكتاب والمصلحين والمعنيين بهذا الامر، وهو ما يتطلب مواجهة هذه الانتكاسات عبر حماية وصيانة وتنشيط المزايا التي تحمي الجميع من السقوط الاجتماعي.
يتعلق ذلك بطبيعة الحال في الشروع الفوري بوضع خطط مكتومة من لجان وكفاءات وخبراء، لهاذ القدرة على تحليل المصاعب التي يعاني منها المجتمع، وترصد الأزمات بدقة، وتسعى بعلمية تامة، لوضع أسس متينة علمية تسعى لمعالجة مكامن الضعف هنا او هناك، وصولا الى صيانة الفرد والجماعة من البقاء في حالة تيه وضياع، وكأن الحياة انتهت عند هذا الحد، بل على العكس من ذلك، دائما تشكل الازمات لحظة انطلاق لبداية بناء جديدة غالبا ما تكون لصالح المجتمعات والدول، والعراق حتما مشمول بهذه الاحتمال الكبير,