البيت المرن نفسيًا أسرة قادرة على مواجهة الضغوط

ميرزا حيدر

2025-09-10 06:17

مفهوم البيت لا يمكن ان يكون فقط سقف وجدران بل كما يقول ضمير الإنسان هو حضنٌ يقي الروح من برد الوحدة وضغوط الحياة. إن كل أسرة هي معملٌ خفيّ لصياغة بشر إمّا أن تخرج منه شخصياتٌ هشة تتصدّع عند أول مواجهة، أو تخرج منه شخصيات صلبة مرنة، تعرف كيف تنحني أمام العاصفة ثم تنهض أقوى.

الشدة في الأسرة والعصبية والضرب لا تصنع شخصيات بطولية، كما أن اللين المائع لا يصنع تربية كامله. إننا أمام معادلة دقيقة المرونة النفسية. وهي أن يكون البيت قادرًا على ضبط التوتر وتحويله إلى طاقة بناء، لا إلى كسورٍ في القلوب. في البيوت الجامدة الصمت سيد الموقف، وحين يُفتح باب المجتمع، ينفجر ما كُتم طويلاً. أما في البيوت المرنة، فإن النقاش يُستثمر، والغضب يُترجم إلى وعي، والاختلاف يتحول إلى درسٍ في التعامل.

وحتى علم النفس التربوي يبيّن أن الطفل الذي يرى والديه يتعاملان مع الضغوط بهدوء، يكبر وفي داخله جهاز مناعة نفسي. بينما الذي ينشأ في بيتٍ صراخه أعلى من حكمته، ينمو مرتبكًا يخاف من كل خلاف، أو يتحول إلى نسخة مصغّرة من الطغيان..

المرونة الأسرية لا تعني غياب الانضباط، بل تعني أن تكون هناك مساحة للتعبير بلا خوف. فالبيت المرن هو الذي يتسع للدمعة كما يتسع للابتسامة، وللاعتراف بالخطأ كما يتسع للنصيحة. هو الذي يسمح للابن أن يجرّب ويخطئ ويتعلم، لا أن يعيش مراقبًا كالسجين.

أن الإنسان ابن بيئته. فإذا كانت بيئته الأولى، أي البيت، قاسية وجامدة، خرج إلى المجتمع إما متمردًا أو منسحبًا. أما إذا كانت بيئة مرنة، فإنه يخرج متوازنًا، قادرًا على مقاومة ضغوط العمل، الدراسة، والشارع، لأنه مارس أولى تجاربه في مواجهة الحياة داخل أسوار أسرته.

وشيء مهم ان الأسرة ليست مؤسسة اجتماعية باردة، بل رسالة أخلاقية، إن فشلت في بثّ المعنى لأفرادها، فقدت الأمة كلها روحها. فالبيت المرن ليس مجرد بيت، إنه مدرسة المقاومة ضد الانكسار، إنه تربية على أن الإنسان أكرم من أن يُكسر أمام أي ضغط. أن المرونة الأسرية اليوم ليست ترفًا، بل ضرورة. نحن نعيش في عصر ازدحمت فيه الضغوط

فالبيت المرن هو معجزة صغيرة في زمن الضجيج والمجتمع، في النهاية، ليس إلا مجموعة بيوت. فإذا كانت بيوتنا مغلقة بالتحكم والجمود، خرج جيل عاجز عن مواجهة الضغوط. أما إذا جعلناها مرنة، فإننا نصنع إنسانًا يعرف كيف يحوّل الألم إلى حكمة، والضغط إلى قوة، والهزيمة إلى بداية جديدة.

إن البيت المرن نفسيًا ليس بيتًا بلا مشاكل، بل هو بيت يحوّل مشاكله إلى دروس، وأزماته إلى جسور، فينشأ أبناؤه قادرين على مواجهة الحياة بثباتٍ وأمل، بدلاً من الهروب منها بصمتٍ أو تمرد.

ذات صلة

في ذكرى مولده العطِر.. رسول الرحمة والحياة الزوجيةفي ذكرى مولده.. العودة الى إسلامهمسؤولية العلماء في الزمن الصعبالغيبة الكبرى.. فلسفتها في ضوء بعض قصص الغياب في القرآن الكريممخيم اليرموك ذاكرة لا تُغادر