الحصانة الفكرية: بوابة العقل الواعي

عزيز ملا هذال

2023-03-22 07:57

ظهرت ذات مرة احدى الحركات المشبوهة والتي تدعي انها حركة دينية واخذت هذه بالتوسع الشعبي وهذا امر طبيعي لكونها حركة ناشئة ومدعومة ولها افكار جديدة اضافة الى بعض المغريات المعنوية والمادية، لكن غير الطبيعي ان الكثير من الذي انتموا لها هم اصحاب شهادات علمية محترمة وقامات اجتماعية يشار اليها بالبنان، وحين تفحص اسباب الانجذاب لمثل هذه الحركات ذات الافكار المنحرفة ظهرت عدة اسباب ولعل اهمها عدم امتلاكهم (الحصانة فكرية) تتيح لهم النهل من المنابع الصافية فأختلط الامر عليهم واصاروا ضحايا قصور عقولهم.

يمكننا ان نعرف الحصانة الفكرية على انها القدرة التي يمتلكها الانسان للتميز بين الافكار الصالحة والعمل بها وتسويقها وعزل الافكار المسمومة ودحضها، مما يجعل الانسان يفلتر الافكار الجديدة التي تفد اليه وتحديد منابعها ومدى صلاحيتها لمنهجه التي يريد عبره اداء رسالته الحياتية وعدم ترك الزوابع تأخذها يمنياً وشمالاً وصولا به الى حد الضياع الذي يفقد الانسان هويته.

سيدي القارئ الكريم ان الفكر من الأشياء التي من الصعب السيطرة عليها إلا من خلال تحصينها جيدا من الأفكار الغريبة أو المعتقدات السيئة التي أصبحنا نراها اليوم، فالفكر مثل إنسان لو وضعته في الصحراء وقلت له أنت حر لن يتمكن من معرفة الطريق الصحيح للعودة أو ما هي الحدود الخاصة به والكثير من الأمور الأخرى، أما إذا وضعت له بعض العلامات التي من الممكن أن يستدل بها في الطريق فهذا الأمر سوف يقيه من انحرافات الطريقة ويؤمن له الطريق الجيد للعودة مرة أخرى.

جميع سلوكيات الانسان يمكن تعديلها وفق خطط علمية ومناهج معدة لذلك ونسبة نجاح تعديلها تكون عالية جدا ولو حدث وفشلت الخطة الاولى للتعديل فليس في الامر خطر اذ يمكن ان يصار الى خطة اخرى، الا الافكار اذا فشلت في عديلها فأن ذلك يعني انك اخفقت في اطفاء جذوة نار تكاد تحرق الأخضر واليابس ومن هنا تأتي الخطورة التي ترتب على انحراف الافكار وعدم السيطرة على اعادتها لجادة الصواب.

نحن نتكلم عن الطبقة المتعلمة على مستويات عالية وكيف انقادت لأفكار مريضة دونما تعي خطورة الذي تقوم به فما بالك بالطبقة البسيطة من الناس ذات التعلم البسيط والخبرات الحياتية الفقيرة حتماً انها ستؤله فلان وتجعل من رمزاً لا يمكن مناقشة كلامه او الاعتراض عليه وبذا يصبح فرعون زمانه كما هو حال تأليه السياسيين وغيرهم من الرموز المجتمعية الفاسدة التي عاثت في الارض فاسداً واصبح لها عصابات ومشاريع خارجة سلطة القانون والاخلاق والاعراف.

اما غياب الحصانة الفكرية عن الشباب فتسبب بتأثرهم بأفكار منحرفة مستوردة وبعضها محلي دخيل لا تمت لديننا ومبنياتنا الاخلاقية واصبحوا عرضة للكثير من الافكار غير المتزنة التي تدفعهم لرفض الكثير من الاعتقادات الصحيحة التي تربينا عليها فصار الكثير منهم ملحدين والقسم الاخر منهم ناشزاً عن الاعراف بداعي التحرر ومواكبة التطور كما يعتقدون وهم من التطور براء وكل ما يفعلونه هو تمرد صريح على القيم والفضائل وهذا هو نتاج غياب الضابط الفكري.

تؤدي الحصانة الفكرية مهمة ابعاد الانسان من التلوث بالملوثات الفكرية التي تحيط به من كل جانب سيما ونحن نعيش في زمن الانفتاح التكنلوجي على الجميع ويسر وصل الافكار وعدم وجود رقابة عليها، ومن هنا تضاف الى مسؤولياتنا المسؤولية الفكرية التي بموجبها يحمي الانسان نفسه ومن يعنيه امره وبالتالي رؤية الامور بمنظار الحقيقة غير المشوهة للحقائق بدون زيف والمحافظة على الصورة النقية للانسان والحياة والكون.

اعتقد ان كل الادران التي تعلق بنا من تسلط اناس غير مؤهلين علينا سيما في الوضع السياسي كان بفعل تقبل البعض لافكارهم المنحرفة والتي يصدرونها الينا عبر خطاباتهم الرنانة وما يقف بوجه هذا وغير من السلوكيات الناتجة عن تقبل الافكار ومن ورائها مسوقيها هو التسلح بالعلم ولخبرات الحياتية التي تحمينا جحيم الانخراط في السلوكيات غير الناضجة.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد