حب التملك المرضي

عزيز ملا هذال

2021-03-01 04:20

كل كائن حي على وجه المعمورة لديه رغبة في التملك وبني بشر احد هذه الكائنات، لكن هل يمكن لرغبة التملك ان تفقد ابن ادم ادميته؟ ومتى يتحول حب التملك الى مرض؟

الجواب يبدو جلياً في سلوك الاطفال الصغار حيث تتضح هذه النزعة لديهم بصورة عفوية، فمن الطبيعي ان تجد طفلين بأعمار الاربع سنوات يتخاصمان من اجل لعبة ما محاولين استحصال اللعبة كل لنفسه، من هذه الحالة نرى ان حب التملك هو رغبة غريزية في الانسان، ولكن ما يجعله في شخص معين بمعدل اعلى من اقرانه هي أمور نفسية واخرى تربوية واجتماعية.

ومن انواع هوس الامتلاك عند الانسان هي هوس امتلاك الاشياء المادية، يختلف هذا النوع من فرد لآخر فثمة شخص يرغب في الحصول على الاشياء بمشروعية ودون تخطي الحدود الطبيعية في الاستملاك وعدم الحصول لا يعني له شيء ولايأثر عليه او على صحته النفسية.

وثمة اشخاص آخرين يسلكون طرق متعرجة من اجل الاستملاك متخطين لكل قوانين الحياة وهنا تبدو الإشكالية كبيرة حين لا يكون مجرد رغبات أو مجرد شهوات، بل هو محاولات مستميتة للاقتناء وهذا هو المرض بعينه، فقد يصبح هؤلاء الاشخاص مرضى نفسيين لسعيهم في امتلاك كل رغباتهم غير مقتنعين ان امتلاك جميع الرغبات امر في غاية الاستحالة والصعوبة.

فالكمال نفسه كفكرة مادية مستحيلة ففي حال تطور الأمر غالبًا هؤلاء الناس ييأسون ويحبطون ويرهقون نتيجة ليأسهم، فلو فرضنا جدلاً انه تملك كل ما يرغب ان يتملكه فهل سيمنحنه هذا التملك الحب والسعادة والاطمئنان وراحة البال والنوم الهنيء؟

الكثير من الحالات تنبأنا بأشخاص يمتلكون الملايين والمجوهرات والبيوت والسيارات الفارهة وغيرها من صور التملك المادي، لكنهم ينتحرون بدافع عدم امتلاكهم الراحة النفسية لم يتمكن في الحصول عليها.

ثاني انواع الامتلاك هو الامتلاك العاطفي او (تملك العواطف) وهو النوع الاصعب لأنه يعتمد على تبادل العاطفة مع شخص أخر او ربما الارتباط بشخص لديه ما يجعلك مكتفي عاطفياً وهذه الغاية من العلاقة ويتم ذلك من خلال استغلاله لعواطف ومشاعر الاخر فحتى لو فشلوا في اقامة مثل هذه العلاقات التي يفترض ان تكون انسانية لا تجارية قد يلجئون الى شراء العواطف واستمالتها بالأموال والمغريات الاخرى.

ومثل هؤلاء الاشخاص لا تستطيع ان تأخذ منهم ما يبحثون عنه هم انفسهم لانهم غير قادرين على العطاء بالقدر الذي يأخذون فيه، وفي هذه الحالة سيخرج التملك من اطاره الطبيعي الى الاطار المشبوه.

والنوع الاخر للتملك هو تملك الرجل للمرأة (زوجته) ففكرة التملك ليست سيئة في كل الحالات، فامتلاك الرجل للمرأة أمر مهم بالنسبة للمرأة الشرقية من باب التقيد بالأعراف والتقاليد والقيم الدينية والاخلاقية والاجتماعية ولكن تقييد المرأة والتعامل معها كأنها اداة وليست انسان وهو ما يضفي صفة السوء على التملك لأن المرأة إنسان لديها حرية ولديها رغبات ولديها عقل تفكر به ولا تقبل بمثل هذا الامتلاك غير المبرر.

ومن الاسباب المباشرة لحب التملك والتي جعلت منه سلوكية غير طبيعية عند البشر هو التربية المشوهة من قبل الوالدين، فإعطاء الحرية للطفل في التعدي على ممتلكات الاخرين من الاخطاء التي يتحملها الاباء ربما من دون قصد والاحرى بهم تدريب الطفل على الاكتفاء بحاجياته وتوجيه غريزته الى التملك في الاتجاه السليم الذي يجعل منه انسان مكتفي بما عنده ومقتنع به.

كذلك من الاسباب المؤدية الى انماء حب التملك لدى الانسان بصورة تثير القلق والخوف لخروجها عن الرغبة الطبيعية في التملك هو الحرمان في مرحلة الطفولة حتى لا يكتوي بلظى شجن الحرمان وبالتالي يكبر وهو ذو سلوك غير سوي يترجم في التملك في سبيل اشباع حاجته بأي طرقة كانت.

كما يشكل الدلال الزائد الذي يوليه اولياء الامور لأبنائهم سبباً آخراً من اسباب حب التملك لدى الانسان، فبعض الاهل يدللون اطفالهم بطريقة مبالغ فيها بداعي انه الابن الوحيد او الاول فيبدأون يغدقون عليه بما لذ وطاب وكل ما يشتهي دون قيد او شرط، فوفق هذا الترف الذي يوفره الاهل يكبر الطفل على حب الامتلاك بعيداً عن الوسائل التي توصله الى بلوغ نشوته في الامتلاك فليس صحيحاً ان يعطى الطفل كل ما يرغب فيه.

اما المعالجات فهي يجب ان ننمي في ابناءنا قيمة الاعتماد على الذات في الحصول على ما يريده من مستلزمات وبالتالي يكبر على تحمل المسؤولية والعمل من أجل اكتساب ما يريده بجهده حتى يعرف قيمته وكذلك الاقتناع بالقليل في حال لم يتوفر الكثير.

ابتعاد الاهل عن اسلوب التدليل الزائد الذي يجعل الطفل يجنح حول الامتلاك بأي وسيلة كانت لانهم اعتادوا على توفر كل ما يحبونه من قبل اهلهم، وبذلك قد يرتكبون جرائم من اجل الظفر بما يرون حاجتهم فيه وان كانت حاجات غير ضرورية.

كما الابتعاد عن حرمان الاطفال في المراحل الاولى من حياتهم لان ذلك الحرمان سيجعلهم باحثين عن التعويض بأي ثمن كان حتى لوكان على حساب اخلاقهم وسمعتهم او سمعة اهلهم، فالأفضل توفير ما يمكن توفيره حتى لا يذهب الاطفال الى الانحراف في سبيلهم الى الاشباع.

ختاماً نقول ان حب التملك غريزة تولد مع الانسان لكن الفرق في ان تتبع وسائل صحيحة في اشباع هذه الغريزة دون حدوث مشكلة او خلل في الطريق الى الهدف (التملك)، او ان تتبع طرق غير شرعية في سبيل بلوغ التملك بوحشية وعبثية وبذا يصبح مرضا ًينم عن حالة من انعدام السواء.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي