حصاد 2019: الطلاق في العراق
دلال العكيلي
2019-12-11 04:15
حتى سنوات مضت، كان الطلاق يعد من اللثمات الاجتماعية التي تؤتي بنتائجها السلبية على المرأة في المجتمع العراقي، إلا أنه ومع الانفتاح الذي شهده العراق خلال السنوات الأخيرة، خفت حدة النظرة الدونية للمرأة المطلقة، إلا أن ذلك صاحبه في الوقت ذاته ارتفاع معدلات الطلاق، الغريب في ارتفاع حالات الطلاق بالعراق انه فقط في العام الماضي وصلت إلى حوالي 74 ألف حالة تفريق بسبب التطور التكنولوجي والانفتاح الثقافي والصراعات السياسية التي أثرت على الاسرة، وكذلك المسلسلات الغرامية وانتشار تعاطي المخدرات وارتفاع الجرائم المجتمعي.
في حديث للقاضي أحمد الصفار عن اسباب الطلاق أن "الآونة الأخيرة شهدت ارتفاع حالات الطلاق بسبب الرسائل والصور أو المسلسلات الغرامية أو الألعاب الالكترونية كلعبة "البوبجي"، وهذا كله من الإخطار المجتمعية".. لافتًا إلى أن "قضايا الابتزاز الالكتروني إحدى الصور التي شكلت نسبة من حالات الطلاق"، لافتا إلى أن "عدة عوامل أخرى تقف وراء أسباب تنامي هذه الظاهرة.
واشار إلى انه "من العوامل المعروفة أيضا تدخل الأطراف الأخرى في الشؤون الزوجية والعوامل الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل والوظائف كذلك انخفاض مستوى دخل الأسرة وتباين مستوى الوعي الفكري والثقافي بين الزوجين والتحصيل الدراسي"، وأقترح القاضي استحداث موظف بصفة باحث نفسي يساعد الباحث الاجتماعي في المحاكم لمعرفة الطابع النفسي لكلا الزوجين، مؤكدا على ان "هذا الاجراء يحد من حوادث الطلاق".
أسباب اجتماعية واقتصادية
من جهتها، حددت إنعام صاحب سلمان - مديرة قسم البحث الاجتماعي في مجلس القضاء الأعلى- اسباب الفرق بين نسب العامين المتتاليين في حالات الطلاق قائلة إن "أسبابا اجتماعية وراء تسجيل ارتفاع الحالات عن العام السابق والاطراد الملحوظ في العقد الأخير" لافتة إلى الاسباب المجتمعية مثل عدم توفر السكن والخلافات العائلية وأسباب اقتصادية هي من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق وسببها عدم توفر فرص العمل للزوج وعدم توفر الوظائف للزوجين وان وجدت فرص عمل فتكون بمردود شهري لا يكفي لسد الحاجة في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع فواتير المتطلبات اللازمة للمكتب سواء أكانت من ناحية القوت او الناحية الطبية او الناحية المعيشية.
شبكات التواصل الاجتماعي
لا تقف أسباب الطلاق على الأسباب السابقة فحسب، إذ تتعداها إلى أخرى غريبة على المجتمع العراقي، تقول رئيسة جمعية العراق الجديد سهام أحمد إن الجمعية أجرت دراسة ميدانية في مختلف محافظات البلاد، ونتائجها كشفت أن 60% من حالات الطلاق سببها الفقر والبطالة وانعدام بيئة سكن صالحة للزوجين، إضافة إلى آفة المخدرات وقلة التعليم.
وأكدت أحمد أن الطلاق الناتج عن الشك بسبب استخدام أحد الزوجين مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية التفاعلية شكلت نسبة لا بأس بها من الدراسة التي أجرتها الجمعية، وتعتقد أن انعدام التوعية وضعف دور المحاكم كجهات إصلاحية إضافة إلى مهامها القضائية أدى إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق المسجلة، التي بالنهاية ستظهر آثارها على الأبناء ابتداءً ثم تمتد آثارها إلى بقية أفراد المجتمع، ويؤيد هذا الطرح الدكتور كريم ماهر علوان، إذ يرى أن الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي وما ينتج عنه من تفكك للأسرة وانعدام الثقة بين الزوجين، يؤدي إلى ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع العراقي.
أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك الارتفاع هو غياب التوعية الأسرية للأبناء والبنات المقبلين على الزواج، في ظل انشغال الأهل بالتواصل الشبكي والألعاب الإلكترونية التفاعلية، ويضيف علوان أن الزواج المبكر يجعل الزوجين غير قادرين على تحمل تكاليف الحياة، خاصة بعد أن شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع متطلبات الزواج وتنوعها وتكاليف الحياة الزوجية ذاتها، ما يجعل الزواج مهدداً ولا يقوى على الصمود بوجه المشاكل المتزايدة، فيكون الطلاق الحل بنظر الزوجين أو عائلتيهما.
منحى آخر يتحدث به الحقوقي صهيب أحمد إذ يرى أن الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية والبطالة، كلها عوامل عايشها الشعب العراقي إبان الحصار الدولي على العراق بين عامي (1991-2003) إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، لم يسجل العراق ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الطلاق على النحو الذي تشهده البلاد في السنوات الأخيرة، ويعزو أحمد في حديث له ارتفاع معدلات الطلاق إلى جملة من الأسباب التي باتت دخيلة على المجتمع، ومنها الطائفية والحرب التي عايشتها البلاد طيلة الـ16 عامًا الماضية، إضافة إلى انفتاح البلاد على العالم ومواقع التواصل الاجتماعي والعولمة.
ومن بين أهم الأسباب التي يعتقد أحمد أنها تقف وراء ذلك الارتفاع هو غياب التوعية الأسرية للأبناء والبنات المقبلين على الزواج، في ظل انشغال الأهل بالتواصل الشبكي والألعاب الإلكترونية التفاعلية، حتى باتت الفترة التي يقضيها الآباء مع أبنائهم لا تتعدى الدقائق المعدودة خلال اليوم الواحد، لافتًا إلى أن ذلك أدى بالمجمل إلى تأثر الشباب (ذكور وإناث) بما يشاهدونه ويتابعونه على وسائل التواصل الاجتماعي والمسلسلات المدبلجة التي تعرض قصص الحب الخيالية التي تنعكس سلبًا على حياتهم الشخصية.
الدليفري والباجة
قضية غريبة ومثيرة قد يراها البعض طريفة، لكن خطورتها أوصلت زوجين الى المحاكم، فقد طلبت آمنة (22 عاماً) من زوجها الطلاق لأنه يرفض اعتمادها على "الدليفري" ويطلب منها تحضير الطعام بنفسها، اذ أنها لم تتعود على إعداد الطعام قبل الزواج ولم تقم به حتى بعد زواجها، وأمام هذا الخلاف قررت الزوجة اللجوء الى المحاكم لطلب الطلاق.
اما الحالة الأخرى التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي فهي عدم معرفة الزوجة كيفية تحضير الأكلة الشعبية "الباجة"، فبعد علاقة حب دامت لسنوات وتكللت بالزواج، طلب الزوج من زوجته تحضير هذه الأكلة، إلا أن عدم معرفة الزوجة بطريقة تحضيرها ومحاولاتها لمرات عديدة في إعدادها باءت بالفشل، ما جعله يهددها بالطلاق، وبعد نقاش وتهديد احتكم الزوج الى المحكمة لطلب التفريق، فطبق "الباجة" كان سبباً في نهاية أسرة!
الملل والروتين
على الرغم من توفر كل وسائل العيش الكريم لدى بعض من المتزوجين، التي توفر السعادة بينهما، إلا أن العديد منهم بات الملل والروتين المستمر بينهما سيدَي هذه العلاقة، لذا ترى بعضهم يتعمدون خلق المشاكل بينهما حتى يعطي لتلك العلاقة نكهة التغيير، أميرة جليل (45 عاماً) تحدثنا بعين ملؤها الدموع وتقول: إن الالتزام بنمط معين في العلاقة الزوجية هو ماجعل هذه العلاقة تنذر بالفشل، فقد حاولت في العديد من المرات أن أدخل بعض التغييرات على حياتي الزوجية لكني لم أفلح بذلك، وعدم معرفتي بما يسعد زوجي كان أحد أسباب هجره لي، فقد قال عندما سأله القاضي عن سبب الطلاق، حسب ادعائه: "هيجي عيشة متنراد، الملل حطمني، وخلاني انفر منها"، وهذا طبعاً بعد أن فات أوان التغيير، ما يدعوني الى أن أناشد جميع الزوجات أن يضفين نوعاً من التغييرات باستمرار على حياتهن الزوجية حتى لا تنتهي كما انتهت بالنسبة لي.
10حالات طلاق كل ساعة
وتكشف ارقام سُجلت خلال سبعة اشهر اولى من العام الماضي وقوع نحو 10 حالات طلاق في العراق خلال كل ساعة كان النصيب الأكبر منها من حصة العاصمة بغداد، حيث سجلت الأخيرة أعلى نسبة من حالات الطلاق مقارنة مع المحافظات العراقية الأخرى خلال السنوات الـ15 الماضية بلغت 44% وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وقوع نحو 800 ألف حالة طلاق منذ عام 2004 وحتى شهر يوليو 2018 بمعدل 4،500 و4،900 ألف حالة طلاق شهريًا حيث 20% من حالات الزواج في البلاد تنتهي بالطلاق بحسب الإحصائيات المتوفرة وهي نسبة مقلقة جدًا في مجتمع لا تتمتع فيه المرأة بكامل حقوقها بحسب مؤسسة "ألترا صوت".
وتبرز في إحصائيات السلطة القضائية، إشارات إلى أن نحو 70% من حالات الطلاق تتم خارج المحاكم العراقية، حيث يلجأ كثيرون إلى المكاتب الشرعية لتوقيع الطلاق تفادياً لمحاولات الصلح التي يقوم بها القضاة في محاكم الأحوال الشخصية، فيما لا يتجاوز عمر الزيجات في الكثير من حالات الطلاق أكثر من خمس سنوات، ووفقاً للمادة 39 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام1959 المعدل والتي تنص على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية لمن يريد الطلاق والحصول على حكم الا انه على الرغم من ذلك، فإن هناك حوالي 70% من حالات الطلاق تتم خارج تلك المحاكم حيث يلجأ كثيرون إلى المكاتب الشرعية لتوقيع الطلاق تفاديًا لمحاولات الصلح التي يقوم بها القضاة في محاكم الأحوال الشخصية، ما يؤشر إلى غياب الوعي القانوني وعدم إدراك نتائج التفكك الأسري.
24088 حالة طلاق لـ 2019
اعلن مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة عن تسجيل 24088 حالة طلاق في المحاكم العراقية يقابلها 109707حالة زواج في الاشهر الاولى من سنة 2019، وفي بيان للمرصد "بحسب الاحصائيات الرسمية الصادرة من مجلس القضاء الاعلى فأن نسبة الطلاق في العراق لسنة 2017 بلغت 49328 يقابلها 262007، الا ان حالات الطلاق ارتفعت في سنة 2018 حيث بلغت 73569 يقابلها 245296 حالة زواج في المحافظات العراقية باستثناء محافظات اقليم كردستان".
واضاف ان "حالات الطلاق في شهر كانون الثاني وشباط واذار ونيسان لسنة 2019 بلغت 24088 حالة يقابلها 109707 حالة زواج"، مبينا ان "المرصد يتخوف من ارتفاع حالات الطلاق في نهاية العام الحالي وتسجيل نسبة تتجاوز الحد المعقول"، وبحسب مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة، بأن "نسبة الطلاق بدأت بالارتفاع في السنوات الاخيرة، بسبب الاوضاع الاقتصادية ومواقع التواصل الاجتماعي، اضافة الى الزواج المبكر، هو سجل نسبة 65% من حالات الطلاق في العراق".
بغداد في المقدمة
واوضح مجلس القضاء الأعلى ان محاكم العراق كافة سجلت (73569) حالة طلاق" مشيرة إلى ان العاصمة "بغداد بجانبيها الكرخ والرصافة حلت في المرتبة الأولى مقارنة ببقية المحافظات من خلال تسجيل محاكم العاصمة (30028) حالة، بـ(16724) طلاقا في جانب الرصافة و(13304) حالات طلاق في الكرخ "، وقال قاضي محكمة الأحوال الشخصية احمد الصفار إن "المحاكم سجلت تزايدا في حالات الطلاق لاسيما خلال العقد الأخير".. مبينا أن "الدوافع متنوعة ومتعددة بسبب المتغيرات الاجتماعية وانفتاح المجتمع على عصر التواصل الالكتروني وكثرة الصراعات السياسية وأثرها على الأسرة وهذا التغير السريع أصبح يهدد اغلب المجتمعات وبمختلف الفئات العمرية".
أرقام مُخيبة جنوب العراق
أعلنت رئاسة محكمة استئناف البصرة الاتحادية، أن محاكم الأحوال الشخصية التابعة لها في المحافظة شهدت خلال العام المنصرم 2018 إبرام 25864 عقد زواج مقابل تسجيل 5854 حالة طلاق، وقالت رئاسة المحكمة في بيان إن "محاكم الأحوال الشخصية في البصرة أنجزت خلال العام المنصرم 19598 دعوى شرعية معروضة أمامها من أصل 20344 دعوى، بحيث بلغت نسبة الانجاز 99%"، مبيناً أن "محاكم الأحوال الشخصية أبرمت 25864 عقد زواج، فيما سجلت 5864 حالة طلاق، وقد تمخض الدور الكبير لشعبة البحث الاجتماعي في حل الخلافات وإعادة الحياة الزوجية لأكثر من 1861 حالة".
كيف نحد من حالات الطلاق؟
حلول عديدة قد تسهم في الحد من حالات الطلاق في البلاد، ولعل من أهمها التدابير الوقائية التي يمكن أن تتخذها الحكومة العراقية في سبيل الحفاظ على الأسر من التفكك، الطلاق بحد ذاته يعد خياراً شخصياً للمتزوجين، خاصة إذا تم برضاهما، إلا أنه في الوقت ذاته يعد مشكلة متفاقمة للأزواج المنفصلين الذين يتركون وراءهم أطفالاً سيعانون من المشاكل طيلة حياتهم وقد تنعكس بالتالي على حياتهم الزوجية المستقبلية، قد تسهم حلول عديدة في الحد من حالات الطلاق بالبلاد، ومن أهمها التدابير الوقائية التي يمكن أن تتخذها الحكومة العراقية في سبيل الحفاظ على الأسر من التفكك.
ولعل أهم تجربة في هذا المجال التجربة الماليزية، إذ كانت هذه الدولة الآسيوية سباقة في تجربة ثورية في الحياة الزوجية، حققت من خلالها الحكومة قفزة نوعية في مجال المحافظة على الأسرة واستقرارها والحد من حالات الطلاق، ويمكن تلخيص التجربة الماليزية تلك بأن الحكومة باتت ومنذ سنوات تلزم المقبلين على الزواج باجتياز دورات تدريبية تمكنهم من الحصول على "رخصة الزواج"، وتقوم الفكرة على أن كل متقدم للزواج لا بد أن يقدم للقاضي المختص شهادة من وزارة الشؤون الاجتماعية، تؤكد أنه اجتاز دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة كأهداف الأسرة والتخطيط للحياة الزوجية والتغلب على المشاكل البينية بين الزوجين، إضافة إلى تجارب ميدانية أبدعت الحكومة الماليزية في تضمينها في تلك الدورات.
ويمكن للحكومة العراقية أن تستثمر دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في هذا المضمار، كما يمكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد من خلال الندوات واللقاءات التي يمكن أن تضفي التوعية اللازمة والمعرفة للشباب المقبلين على الزواج في البلاد، ومع ارتفاع حالات الطلاق في العراق ووصولها إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، بات من الضرورة بمكان أن تبدأ الجهات الحكومية بوضع خطط لأجل معالجة هذه المشكلة، خاصة أن تقارير عدة تؤكد أنه وفي ظل استمرار معدلات الطلاق على الحال الذي عليه الآن، فإنه وفي السنوات القليلة المقبلة، سيكون العراق قد سجّل مليون حالة طلاق منذ عام 2003.