أصل الأزمات المالية
قراءة في كتاب لـ جورج كوبر
حاتم حميد محسن
2021-08-11 04:35
هذا الكتاب كُتب استجابة الى أزمة الائتمان الحالية، ليوضح لماذا الاقتصاد العالمي والاقتصاد الامريكي بالذات، وجدا نفسيهما في فخ دائم من فقاعات أسعار الاصول التي تعقبها موجات هائلة وسريعة من الإئتمان المدمر. هو يصف كيفية نشوء هذه الدورات والأسباب الكامنة وراء أخطاء السياسة التي تميل بطبعها لتجعل الموقف اكثر سوءاً.
القضية المركزية لهذا الكتاب هي ان نظامنا المالي لايتصرف طبقا لقوانين فرضية السوق الفعال التي وصفتها النظرية الاقتصادية التقليدية السائدة اليوم. فرضية السوق الفعال تصف نظامنا المالي كحيوان مُذعن تُرك لوسائله الخاصة، وسوف يستقر في توازن مثالي ثابت. على عكس ذلك، هذا الكتاب يرى ان نظامنا المالي هو غير مستقر أصلا، ليس فيه توازن ثابت، وهو بطبعه ينزع الى تكوين دورات مدمرة من الصعود والهبوط السريعين boom-bust cycles. عدم الإستقرار هذا يتطلب من البنوك المركزية إدارة عملية خلق الإئتمان. في الكتاب جرى ايضا توضيح كيف يمكن لسياسة البنك المركزي، وبشكل لا متعمد، ان تنزلق من مهمة تهيئة الاستقرار في الفعالية الاقتصادية، الى اتجاه آخر يعمّق دورات الصعود والهبوط السريعين ويخلق عدم الاستقرار الاقتصادي.
محتويات الكتاب
1- مقدمة
2- الأسواق الفعالة والبنوك المركزية
3- النقود، المصارف، البنوك المركزية
4- الأسواق المستقرة والأسواق غير المستقرة
5- خداع العمل الشاق
6- حكّام البنوك المركزية
7- الانسجام بين منسكي وماندلبرت
8- ما وراء مغالطة فرضية السوق الفعال
9- استنتاج الملاحظات
مقارنة بين سوق السلع وسوق الأسهم والسندات
يتحدث المؤلف عن الأسواق المستقرة وغير المستقرة وبدأ بالتعليق على مصطلح "اليد اللامنظورة" لآدم سمث، حيث من الواضح ان سمث كان يشير الى المنفعة من تشجيع اتّباع المصلحة الذاتية، واليوم يُستعمل المصطلح على نطاق واسع ليصف فكرة ان الاسواق بطبيعتها تسير ذاتيا نحو الاستقرار الذاتي. ان وجود الاستقرار في السوق كان يُقصد به الاستقرار في اسواق السلع والخدمات وهو لاينطبق على اسواق الاصول او اسواق الائتمان او نظام سوق رأس المال بشكل عام.
فحالما يحصل اي اضطراب في اسواق الائتمان او الاصول ستميل هذه الاسواق الى التوسع او التقليص اللذان من حيث المبدأ لا يحدّهما حد وليس لهما توازن مستقر. يشير الكاتب الى ان الاختلاف الاساسي بين اسواق السلع واسواق الاصول هو بكيفية استجابة الاسواق للتحولات في السعر، او بمعنى اخر للتحولات في الطلب. في اسواق السلع، أعلى او أدنى الاسعار يحفز أدنى او أعلى طلب، اما في سوق الاصول نجد ان أعلى او أدنى سعر يحفز أعلى او أدنى طلب. السوق الاول هو نظام باحث عن توازن مستقر بينما السوق الآخر يميل بطبعه الى دورات من النمو والانكماش السريعين دون أي توازن.
البقاء لأصلح النظريات
وفي الحديث عن نظرية السوق الفعال يقارن المؤلف بين نظريات التطور البايولوجي والاقتصاد بإعتبار ان كلاهما قاما على اساس مشترك وهو ان التقدم ينتج عن المنافسة. نظرية دارون في التطور توضح كيف ان القوى التنافسية تقود الاختيار الطبيعي. المنظرون الاقتصاديون يستعملون نفس الفكرة في توضيح كيفية نشوء التقدم عبر اتّباع المصلحة الذاتية.
ان المنافسة هي –بلا شك المحرك في التقدم الاقتصادي لكن المحرك ليس هو كل القصة. سعي آدم سمث وراء المصلحة الذاتية هو بالتأكيد نفس عملية الوجود التي يرى فيها دارون البقاء للأصلح. ومع ذلك، يشير البايولوجيون الى عالمية التقدم التطوري– أينما توجد حياة يوجد هناك تطور evolution. اما الاقتصاديون لا يستطيعون قول نفس الشيء عن التقدم الاقتصادي.
قصة الانسان تبيّن ان التطور الاقتصادي هو حالة سريعة الزوال مقتصرة على أجزاء ضيقة من التاريخ والجغرافيا. ان فلسفة حرية المنافسة laissez-fair يمكن استعمالها لتوضيح التقدم حينما يحدث ولكنها لا تستطيع توضيح غياب التقدم عندما هي تفشل في تلمّسه. نحن نميل الى اعتبار النمو الاقتصادي المتسارع الحالي كظرف عادي، ولكن في الحقيقة ان القرون الاخيرة من التاريخ الانساني كانت استثنائية لو قورنت مع الاف السنين الماضية من الجمود الاقتصادي. وحتى في هذه السنوات من التطور السريع، كان التقدم مقتصرا وحتى وقت متأخر على جزء ضيق من العالم.
ان الارثودكسية السائدة عن فاعلية السوق لا توضح النموذج التاريخي للتقدم الاقتصادي ولا تستطيع توضيح اسباب ظهور الأزمات المالية، او سلوك أسواق الاصول او ضرورة البنوك المركزية او وجود التضخم. وباختصار، نظرياتنا الاقتصادية لا توضح كيف يعمل الاقتصاد. ان الطريقة العلمية تتطلب اولا وهو الأهم، ان تُبنى النظريات بمقتضى الحقائق. وفي هذا الجانب لا ترقى الارثودكسية الاقتصادية لتكون علما.
اذا كان علينا التقدم باتجاه نظام لإدارة الاقتصاد الكلي بنوعيّة عالية ولا يميل الى الكوارث، يجب علينا اولا فهم الكيفية التي يعمل بها نظامنا المالي فعلا وليس طبقا لما يحب الاكاديميون ان يعمل به. هذا يتطلب تبنّي الطريقة العلمية، نحن يجب ان نلوي النظريات لكي تناسب الحقائق وليس العكس. نظريات فرضية السوق الفعال فشلت في إجتياز مثل هذه الإختبارات الجوهرية ويجب ان تُلقى جانبا.
فرضيات بديلة
شرع كنز في البحث عن بديل رصين لفرضية السوق الفعال. اما منسكي فقد سار بنا الى نقطة أبعد في نفس الاتجاه. نظرية منسكي القائلة ان الاسواق المالية المتقلبة بين توسّع معزز ذاتيا وتقليصات توضح السلوك الحقيقي للسوق المالية. والى حين تأتي افكار أفضل يجب علينا تبنّي فرضية عدم الاستقرار المالي باعتبارها الافتراض العملي حول كيفية عمل نظامنا المالي واقعيا. يجب علينا استعمال هذا كنقطة بداية ننطلق منها لدراسة أفضل السبل لإصلاح سياستنا الاقتصادية الكلية.
ماكسويل ونظرية أنظمة التوجيه
طالما قبلنا منطق فرضية منسكي في عدم الاستقرار المالي، لم يبق سوى خطوة قصيرة نحو إدراك ان دورات الإئتمان تتطلب ادارة. هذا الادراك يفتح الباب للأخذ برؤية ماكسويل في نظرية أنظمة التوجيه. يبيّن لنا ماكسويل إمكانية ان يؤدي النظام المفرط في الحكم الى تقلبات مدمرة في الفعالية. يجب الاهتمام بهذه الرؤية والسعي الى تطبيق أضيق الاتجاهات في السياسة الاقتصادية الكلية والنقدية.
في الأنظمة غير المستقرة بالأصل مثل الاسواق المالية يجب علينا ان لا نسعى الى تحقيق استقرار تام، لأن هذا هو الذي قاد الى مشاكل اليوم. الاستراتيجية الاكثر ثباتا تستلزم السماح وتشجيع المزيد من الدورات القصيرة الأجل، وكذلك استعمال المزيد من حالات الهبوط الصغيرة والمتكررة لكي ننظف النظام من الاحتقانات المفرطة. وبهذه الطريقة سيكون بالإمكان تجنب الأزمات المؤذية كالتي نمر بها حاليا.
ماندلبرت والحاجة الى إحصاء جديد
الخطوة الاخرى نحتاج الى إحصاء جديد كامل للأسواق المالية. الاحصاء التقليدي الحالي المرتكز على فكرة الحركات السعرية العشوائية التامة لايبدو منسجما مع الهدف. ولأجل تحليل مخاطرة الأسواق المالية نحتاج الى طاقم كامل من الأدوات الجديدة قادرة على وصف نموذج من مردودات الاصول تحت تأثير الأنظمة المضطربة المعززة ذاتيا. ان المحصلة الكلية من M3(منسكي وماكسويل وماندلبرت) تجعلنا نعتقد اننا لدينا الأساس لفلسفة اكثر واقعية للأسواق المالية والتي لو طبقناها في أنظمتنا المنظمة للبنوك المركزية الحالية سيكون من السهل انتاج مناخ اقتصادي كلي غير ميّال للكوارث.
يختتم المؤلف كتابه بالإعتراف ان ما عرضهُ من نقاش قد يُفسّر كنقد للسياسات الحالية للبنك الاحتياطي الفيدرالي. ويقول لسوء الحظ لا يمكن تجنب هذا الاستنتاج لأن السياسات النقدية الامريكية لعبت دورا اساسيا في تطور أزمة اليوم. واذا كان هناك لوم فيجب القائه على الارادة الجماعية للمجموعة الأكاديمية كونها اختارت ان تستمر بتعزيز نظرياتها غير الصائبة في فعالية السوق والمعززة ذاتيا، أمام الأدلة الساحقة الرافضة لها. ان خلق الإئتمان هو الأساس في عمليات خلق الثروة، وهو ايضا سبب عدم الاستقرار المالي. يجب ان لا نسمح لمزايا السابق ان تعمي أبصارنا عن مخاطر اللاحق. ان التحدي الكبير يكمن في تغيير إهتمامنا من الإيمان المطلق بفاعلية السوق الى الايمان بالحاجة الى حكم مؤسسي شفاف لإدارة الإئتمان المتراكم، والى إتخاذ ما يلزم من خيارات صعبة عند الحاجة.