اليمن مقبرة الغزاة
قراءة في كتاب
زيد المحبشي
2019-08-25 04:27
التاريخ حلقات مترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها، بل تشكل تراكما معرفيا لقراءة الأحداث القائمة حاليا، ومعرفة خلفياتها وسياقاتها وأبعادها.. وهنا تكمن أهمية الكتاب الذي بين أيدينا لمؤلفه عبدالله بن عامر، نائب رئيس الدائرة لشئون الإعلام في دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، كأول مصنف تاريخي يتناول الحملات الاستعمارية التي تعرض لها اليمن منذ العام 25 قبل ميلاد المسيح عليه السلام وحتى القرن العشرين الميلادي، بطريقة سلسة ومقتضبة، ولغة سهلة ومبسطة، حيث قام الكاتب إلى جانب توثيق الأحداث بتحليل وقراءة الأبعاد والأسباب والظواهر لكل مرحلة استعمارية على حدة، ومقارنتها مع غيرها من الأحداث في نفس السياق التاريخي، واستخلاص الدروس والعبر والمآلات والنتائج..
والهدف من هذه الطريقة في صياغة تاريخ الحملات الاستعمارية التي تعرض لها اليمن، وإن بدت غريبة بعض الشيء كما يذكر الكاتب في مقدمة الجزء الأول، هو تقديم تلك الأحداث في أطر بحثية بعناوين مختلفة، جميعها تسهم في تشكيل الصورة المتكاملة لتاريخ الإنسان اليمني بصلابته وتضحيته وعفويته وعنفوانه وحبه لأرضه التي طالما سقاها من دمه وعرقه، كرامة وعزة وشموخا، فكانت الملاحم وكانت الفدائيات التي تحطمت عليها كل أحلام وأطماع الغزاة والمستعمرين..
قراءة التاريخ وتقديمه بأسلوب سهل ومبسط يجعله في متناول الجمهور والنخبة والحاكم والمحكوم والباحث والمجتهد والأكاديمي والطالب.. وهذا ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى عمل وجهد كبير، وسرعة بديهة وخبرة وإلمام واسع بالتاريخ وبالأحداث الحالية، باعتبارها واحدة من حلقات العدوان الاستعماري المتواصلة على اليمن منذ ما قبل ميلاد المسيح، بذات الأهداف والدوافع والأطماع والذرائع والأدوات والأجواء والمنقسم المحلي بشقيه الموالي والممانع..
الكتاب في إطاره العام وتوقيت نشره وطريقة عرض أحداثه، ضمن ضوابط ومعايير أخلاقية ووطنية، تطلبت ضرورة تجاوز كل ما يتعلق بتغذية الصراعات المحلية ذات الأبعاد الدينية والعصبوية والمناطقية، لما لها من تداعيات كارثية على الأحداث الحالية، كما يبرر الكاتب في سياق حديثه عن المعايير التي اعتمدها، بما فيها من حيادية وموضوعية وحس وطني، وصولا إلى تحقيق الهدف الأهم من وراء الكتاب وتوقيت النشر، وهو: ”تقديم الصفحة المشرقة لتاريخ اليمن، وما قدمه اليمنيين من إسهامات في تطوير مسيرة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ الإنساني العريض، والوقوف على ما توارثه اليمنيين من قيم وعادات أصيلة، وعلى رأسها تلك القيم الارتباط بالوطن والذود عنه ورفض الخضوع لأية قوة خارجية، مهما كانت..”، وبالتالي إثراء حاضرنا بتعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ مفاهيم واحدية تاريخ اليمن المقاوم وواحدية المصير المشترك لكل أبنائه..
في المضامين، تحدث الكاتب في الجزء الأول عن الحملات الرومانية والغزو الحبشي الأول والثاني والإمبراطورية الساسانية/الفارسية والغزو الأيوبي والإسلام والدويلات المستقلة والحالة العسكرية اليمنية/ الجيش والعتاد والتصنيع العسكري.. وفي الجزء الثاني تحدث عن الغزو البرتغالي والغزو المملوكي والغزو العثماني والبريطاني لليمن والمقاومات والثورات اليمنية ضد الغزاة والمحتلين في الحقب التاريخية المختلفة..
اعتمد الباحث على 127 مرجعا، جمع فيها التاريخ الحربي والسياسي والاجتماعي والثقافي لليمن..
ولنا هنا تسجيل بعض الملاحظات والاستخلاصات، لأهميتها في معرفة خلفيات وأبعاد ومآلات العدوان السعودي الإماراتي المتواصل على اليمن منذ 26 مارس 2015، إنطلاقا من الفرضية التي حاول الكاتب التحقق من صحتها وهي: “واحدية السبب والنتيجة بين كل الغزاة لليمن”.. واحدية الأسباب والدوافع والأهداف والأطماع والمبررات والتفكير والأساليب والممارسات والأدوات الاستعمارية، وواحدية النتائج والمآلات والمصائر لكل المستعمرين لليمن..
وما بين السبب والنتيجة تتضح الصورة الحقيقية للعدوان الخارجي القائم، وهو الأكثر قذارة بين كل الغزوات الاستعمارية التي تعرض لها اليمن عبر تاريخه العريض، لاصطفاف أكثر من 18 دولة خلفه، واستخدامه أحدث منتجات السلاح في العالم، وإحتمائه بقرارات المؤسسة الأممية الأولى المعنية بحماية الأمن والسلم الدوليين..
بينما كانت الحملات الاستعمارية التاريخية، مقتصرة على دولة أو إمبراطورية لديها فائض قوة ورغبة جامحة لاستثمار هذا الفائض لتوسيع نفوذها في محيطها الإقليمي أو الدولي من أجل إشباع نشوة الهيمنة والوصاية والتبعية وخدمة أهدافها ومصالحها القومية، إلا أن كل أحلام الغزاة بتلاوينهم تحطمت على صخور جبال اليمن وتحول هذا البلد البسيط والفقير إلى مقبرة لم ولن تنمحي من ذاكرة المستعمرين..
1 – تسببت لعنة الجغرافيا ولعنة الثروات بالكثير من العذابات والكوارث لليمنيين، وجعلت اليمن على مر التاريخ منصعا لرماح أطماع الغزاة والمحتلين، الذين رأوا في السيطرة على اليمن الواقع جنوب شبه الجزيرة العربية، والمطل على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن والخليج العربي والمحيط الهندي والمتحكم في مضيق باب المندب وخطوط الملاحة البحرية بين المشرق والمغرب، والغني بجزره وسواحله وثرواته المتنوعة وإبداعات أبنائه التاريخية في فنون التسويق والتجارة والزراعة والصناعة، وتنوع منتجاته الطبيعية وثرواته البحرية والنفطية في عصرنا، والثري بالعلوم والمعارف الحضارية والكنوز التاريخية ووو، هذه الأمور مجتمعة جعلت السيطرة على اليمن مفتاحا للمجد الإقليمي والدولي، نظرا لما يمكن أن يجنيه الغزاة من هذا الموقع الجيوستراتيجي من فوائد اقتصادية وعسكرية وسياسية وحتى ثقافية وفكرية، وصولا إلى تعزيز النفوذ والهيمنة والوصاية والتبعية على الإقليم برمته..
2 – تعدد وتنوع الذرائع والمبررات التي حاول الغزاة استحضارها، فقدموا أنفسهم لليمنيين كمحررين ومنقذين ومصلحين لخلافاتهم وحريصين على تقدمهم، ورفعوا شعارات وطنية محلية وتنقلوا من مشروع إلى أخرى، كي يظفروا بحب اليمنيين ويكسبوا ثقتهم ويوسعوا نفوذهم في اليمن.. وكلها ذرائع ومبررات واهية حملت في طياتها أهداف استعمارية قهرية إذلالية صرفة، سرعان ما تكشفت حقيقتها لليمنيين فتصدوا لها بكل بسالة ورباطة جأش..
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أ – استدعاء الأحباش أصولهم اليمنية، فقالوا أنهم يمنيون، حتى يشرعنوا حكمهم وسيطرتهم واحتلالهم، قبل أن تدحض الأفعال الأقوال وتظهر سوء النية، فتفننوا في جرائم القتل والسجن والتعذيب والنهب والسلب ومصادرة الأموال والأراضي وفرض الضرائب الباهظة على المزارعين ومطاردة المعارضين والتحكم في الموانئ ونهب عوائدها.. والأكثر خطرا محاولتهم فرض ثقافتهم وديانتهم المسيحية بالقوة.
ب – تمثل الفرس دور المساعد الحريص وتقديم المشورة، قبل أن يصبحوا المتحكمين بالقرار والراغبين بالاستقرار، فاحتكروا التجارة وفرضوا النفوذ في صنعاء وعدن.
ج – رفع العثمانيون شماعة حماية الحرمين الشريفين – وهو نفس مبرر السودانيين اليوم لمشاركتهم في عاصفة الحزم – ومحاربة القوى العالمية المتصارعة على المنطقة، فعاثوا في الأرض الفساد ونهبوا البلاد والعباد وتجبروا على الناس وارتكبوا كل المحرمات، بما فيها سلخ جلود المعارضين من اليمنيين ورميهم من أعالي قمم الجبال أحياءا ونفيهم من البلاد وأخذ الرهائن المثلثة/رجل، امرأة، طفل.. والأكثر بشاعة استدعاء المناطقية والعشائرية حتى يحققوا أهدافهم، فتعرضت الكثير من العادات والتقاليد اليمنية للتجريف والاستهداف.
د – تحرك المماليك تحت مبرر التصدي للبرتغال، فعاثت عصاباتهم في اليمن، ومارست كل أنواع النهب والسلب والقتل والتعذيب بحق اليمنيين.
هـ – رفع الأيوبيون شعار حماية البلاد الإسلامية من مخاطر الصليبية المحدقة بهم – بينما يتعلل العدوان السعودي الإماراتي اليوم بحماية اليمن من مخاطر الفكر الصفوي والتمدد الإيراني في اليمن والذي لا وجود لهما على الأرض – قبل أن يكشروا عن أنيابهم باستخدام المذهب لضرب المذاهب الأخرى، وارتكاب أبشع المجازر والجرائم – كعصر الأرجل والرؤوس وطرد الأهالي من بيوتهم ومصادرة أموالهم وبيوتهم وأخذ الرهائن المثلثة/ رجل، مرأة، طفل – وقبل أن يصطدموا بعامة الناس قبل قادتهم.
و – رفع السعودية في توسعها الأول محاربة البدع الضلالية ونشر الإسلام الحقيقي/الوهابية، فلم يسلم من جرائمهم حتى ضيوف الرحمان من اليمنيين، ودمروا البيوت وأحرقوا العشش ونهبوا المسافرين وصادروا الأموال واعتدوا على المحرمات.
ز – تذرع بريطانيا بحادثة السفينة المنهوبة لاحتلال عدن، وقالوا نحن هنا للتحالف والمساعدة والحماية، قبل أن يرتكبوا الجرائم ويصادروا الأموال، وينصبوا أنفسهم حكاما مخلدين، ويعذبوا الثوار في السجون.
ح – تذرع أميركا اليوم بالإرهاب للسيطرة على المنافذ والممرات البحرية الحيوية والمواقع الجيوستراتيجية..
3 – اليمن كغيره من بلدان العالم ذات العمق التاريخي، لم يتعرض لأي غزو خارجي وهو في حالة القوة والوحدة، فكل المحاولات الاستعمارية التي تعرض لها، كانت في لحظات الضعف والوهن والتشظي والانقسامات والصراعات والخلافات المحلية:
أ – مجيئ الرومان على خلفية احتدام الخلافات بين الريدانيين الحميريين والسبئيين والحضارم
ب – استغلال الأحباش استمرار الخلاف بين ذات القوى وحالة الضعف والانقسامات المحلية
ج – دفع الفرس قواتهم لتوطيد حكمهم بعد أن كانت الخلافات بين اليمنيين قد وصلت درجة اغتيال الملك
د – دخول الأيوبيين اليمن في مرحلة صراع دامية بين قوى رأى بعضها في غزو الخارج حلا لصالحها
هـ – استفادة المماليك من خلافات الطاهريين مع قبائل تهامة والأمام شرف الدين
و – إتيان العثمانيين في غزوهم الأول على وقع الخلافات المحلية وفي الثاني استدعتهم خلافات القبائل وضعف الدولة، وكذا الحال بالنسبة للاستعمار الإنجليزي
وهذا يضعنا أمام عدة استنتاجات:
– عملت الصراعات والخلافات المحلية، ولا تزال للأسف، على التوفيق بين حاجة أحد الأطراف الداخلية إلى الحسم والرغبة الخارجية في فرض الهيمنة والوصاية والتبعية، ليتعزز بذلك حضور الأجنبي عبر الأدوات المحلية.
– استمد كل الغزاة قوتهم من ضعف وتفرق اليمنيين، وأمدوا فترة بقائهم من تغذيتهم للخلافات المحلية، وحرصهم الدائم على استمرارها، والدفع بها في كل لحظة إلى حالة الانفجار، واستغلال أي خلافات في زمن تدخلهم العسكري وتغذيتها وتأجيجها أحيانا، وإستدعاء وإثارة خلافات قديمة من أجل زرع الفتنة بين اليمنيين.
– محاربة اليمنيين بأنفسهم، أي حرب اليمنيين بأيدي يمنية، من قبيل استدعاء الأحباش أتباعهم من اليمنيين لتسهيل دخولهم اليمن، واضطرار الدولة السعودية الأولى لطلب العون من مرتزقة محليين، واتخاذ بريطانيا لنفسها الحكام والسلاطين المحليين واستجلاب المرتزقة من مستعمراتها إلى عدن، كما استعان الرومان بمرتزقة من عرب الأنباط واليهود، واستعان الأتراك بمرتزقة محليين وو..
ولذا كانت ورقة المرتزقة والعملاء، ولا تزال، إحدى الأوراق المهمة بأيدي الغزاة والمستعمرين، إلى جانب توظيف الصراعات والخلافات المحلية.. ففي كل مرحلة استعمارية يتوالد المرتزقة والعملاء بكثرة، فيرى الغازي في هذه الحالة أداة قوية لتحقيق أهدافه، غير أنها لم تفلح، رغم كل ما قدمته في بداية الأمر..
ومع تقدم زمن الاستهلاك أصبحت صلاحية الاستخدام معدومة، فتفقد أثرها وينتهي مفعولها، عندها تتحول ورقة المرتزقة إلى عبء كبير على الغازي، ووسيلة من وسائل إنهاكه وإحراقه، فيقوم بالتخلص منها، إما عن طريق تبني رؤية طرف محلي نكاية بالأخر، كما عمل الأتراك، أو تمثل مواقف جماعة أو مذهب ضد الجماعات والمذاهب الأخرى، كما هو حال الأيوبيين، أو دعم شيخ أو سلطان للتخلص من شيخ أو سلطان أخر منافس، ودعم قبيلة لحرب قبائل، وجماعة لدحر جماعات، وقائد لإسقاط قادة، كما عمل الانجليز بالجنوب..
وما نراه اليوم من صراع بالمحافظات الجنوبية بين مرتزقة العدوان واضح وجلي، على أن صلاحية بعضهم قد انتهت، وحان الأوان للتخلص منهم، واستبدالهم بأوراق أخرى أكثر فاعلية لخدمة أطماع وأهداف الغازي..
4 – اندفع الغزاة إلى اليمن وهم في ذروة قوتهم السياسية والعسكرية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية، فاستدعوا خيرت جنودهم، وصنعوا من الأسلحة والعتاد ما يكفي لغزو اليمن، وعلى النقيض، كانت اليمن في أسوأ حالات الضعف والوهن والتخلف والتشظي، ومع ذلك كسر ضعف اليمنيين، تفوق الغزاة، وحول أحلامهم الاستعمارية إلى كوابيس ونعوش ومقابر، ولم يستقر لهم حال في اليمن، رغم بقاء بعضهم عقودا من الزمن:
أ – اعتمد الرومان معيار الكيف، فأرسلوا ما يسمى اليوم بقوات النخبة، فواجههم اليمنيون بالكمائن وإستراتيجية الأرض المحروقة وحروب العصابات.
ب – مزج الأحباش بين معياري الكيف والكم، فأرسلوا عشرات الآلاف من الجنود معززين بأسلحة متنوعة من السيوف والرماح والنبال واستخدموا الفيلة والخيول والجمال، فنهض اليمنيون رغم خلافاتهم، وإلتحموا في تشكيلات عسكرية نظامية، وأشعلوا الثورات في الأرياف والمدن، واستغلوا الجغرافيا المعقدة في المناطق الداخلية، لإيقاع الخسائر الفادحة بالغزاة.
ج – اعتمد الفرس عامل الكيف، من خلال عقلية التخطيط والإدارة والتوجيه، ومع ذلك لم يستقر لهم حال، فقد شهدت مرحلت ما بعد الإسلام باذان العديد من الثورات الشعبية حتى تم إزاحتهم من حكم اليمن.
د – مزج الأيوبيون بين النوعية والكفاءة القتالية، واستخدموا المنجنيقات، واعتمدوا أعلى درجات التخطيط الحربي، فتم التصدي لهم بالهجمات المتفرقة، والغزوات الخاطفة، والغارات السريعة، وتجنب المواجهة المباشرة، والاستفادة من الجغرافيا اليمنية باللجوء إلى الحصون والقلاع على رؤوس الجبال، فكانت المواجهة بين القلاع والحصون اليمنية والمنجنيقات الأيوبية، واخترع اليمنيون الآلات الحربية لتعطيل فاعلية المنجنيقات، ثم أضاف بعدها الأمام عبدالله بن حمزة أسلوب جديد للمواجهة يعتمد على استثارة الحمية الوطنية واستخدام أساليب الحروب النفسية.
هـ – استخدم البرتغال البنادق ولم تكن معروفة لدى اليمنيين، فاعتمدت عدن لمواجهتها على تحصيناتها الدفاعية القوية، وقاومت الشحر بالسيوف والأحجار ومصاحف القرآن، وكتبت دماء الشهداء ال 207 من أبناء الشحر وحضرموت أيقونة النصر.
و – استخدم المماليك جيش لديه بنية جسدية ضخمة وخبرة قتالية عالية، فوصلوا إلى تعز، وشقوا طريقهم إلى صنعاء، مستقوين بالأسلحة النارية، إلا أن اليمنيين تصدوا لهم بالسيوف والمقاليع والاحجار، والثورات الأهلية لأبناء صنعاء.
ز – أتى الأتراك إلى اليمن بقوة لا تقهر، وجيش نظامي مدرب، بفيالق وفرق وسرايا وكتائب وطوابير ومدافع وبنادق من مختلف الأحجام والأنواع، وجمعيها لم تكن معروفة في اليمن، فاعتمد اليمنيون على أسلوب الهجمات المباغتة للحاميات العثمانية، ونهب الأسلحة والعتاد، وقتل الجنود وأسرهم، وتنوعت أساليب اليمنيين بين المعارك المباشرة والمناورات والخدع والحصار والكمائن
ح – استخدم الانجليز قوتهم البحرية بمدافعها المتحركة والثابتة وأعيرتها النارية الكثيفة وسرعتها المذهلة ودقتها في التصويب، وكانت حينها مالكة البحار والمحيطات، واستخدمت كل أنواع وأساليب الحرب القذرة، وغذت الصراعات والاستقطابات المحلية، وجندت المرتزقة، ورفعت شعارات إنسانية وإنقاذية، ومع ذلك فشلت كل محاولاتها، وتكسرت كل أطماعها على صخور المقاومة اليمنية، رغم أن البريطانيين كانوا أكثر ذكاءا في التعامل مع اليمنيين، على عكس القوى الاستعمارية الأخر، إلا أن اليمنيين لم يقبلوا بهم، وظلوا يقاومونهم حتى تم طردهم..
5 – يعتقد أغلب المؤرخين عربا وأجانب أن اليمن ظلت عصية على كل القوى الإستعمارية، فلم تخضع أو تستكين لأحد، حتى عرفت بمقبرة الغزاة، ويضيف روبرت كابلان: “لم يتمكن العثمانيون ولا البريطانيون من السيطرة على اليمن أبدا، فاليمن لم يكن مستعمرة حقيقية على الإطلاق”..
والعجيب، تسبب اليمن إما بشكل مباشر أو غير مباشر في نهاية وتلاشي وتواري وأفول وسقوط كل القوى التي حاولت استعماره، وفقدان هذه القوى عشرات الآلاف من جنودها في اليمن وبعضها مئات الآلاف، من نماذج ذلك: المماليك، فبينما كان جزأ من جيشهم يحارب في اليمن، باغتت قوات العثمانيين مصر واستولت عليها وسقطت دولتهم، والدولة العثمانية هي الأخرى أفل نجمها بعد خروجها من اليمن مباشرة وفقدت في اليمن أكثر من 300 ألف جندي، وكذا الحال بالنسبة للإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس، سرعان ما غربت شمسها بعد إجلاءها من اليمن وفقدانها عشرات الآلاف من جنودها ومن قبلهم الرومان..
فهل يعتبر الغزاة الجدد مما حل بمن سبقهم؟؟