عندما تسهم الدولة بسرقة اموالها
القاضي سالم روضان الموسوي
2025-11-01 03:39
ان عدد الموظفين في الدولة العراقية يتجاوز الاربعة ملايين موظف على وفق بعض الاحصائيات وقد تكون قديمة نسبياً، ويقول البعض ان رواتب هؤلاء تستنزف الخزينة العامة، ونجد ان ملايين أخرى من الشباب عاطلين عن العمل، والعذر توقف التعيينات بسبب الترهل الوظيفي وكثرة اعداد الموظفين.
مع التنويه الى ان الموظفين هم أصحاب الدرجات العليا ممن كانوا يخضعون لقواعد العمل الوظيفي، ومعهم الملايين من الذين كانوا بعنوان عمال وهم من أصحاب الدرجات الوظيفية المتدنية حاليا، لان النظام السابق ارتكب بحق الطبقة العمالية جريمة كبرى عندما حول العمال الى موظفين بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 150 لسنة 1987.
وهذا الامر لفت الانتباه الى ان اغلب دوائر الدولة الخدمية، بمعنى التي تقدم خدمات مباشرة الى المواطن، منحت هذه المهام الى شركات القطاع الخاص، منها عراقية وبعضها مسجلة في خارج العراق، لكن في أصلها تعود لعراقيين أصلاً، وتعطى لهذه الشركات الخاصة أجور ضخمة جداً.
فضلاً عن ذلك بعض الدوائر الأخرى التي يفترض فيها الخدمة مجانية اتجهت نحو منح تلك المهام الى شركات خاصة، ومنها وزارة العدل والجوازات والمرور والكهرباء وغيرها، حيث تقوم بعض الشركات الخاصة بوضع برامج وتطبيقات الكترونية لتقديم الخدمة الى المواطن بكلف باهظة جداً، وهناك سعي لمنح شركات خاصة مهمة تنظيم حصول المواطن على الوثائق الخاصة به من القضاء بمقابل أجور تتقاضاها تلك الشركات، فضلاً عن جباية الرسوم والخدمات التي منح بعضها الى شركات خاصة تستحصلها نيابة عن الدولة ويتحمل المواطن كلف إضافية.
السؤال الذي لابد من الإجابة عليه، لماذا تمنح تلك المهام الى شركات القطاع الخاص، مع وجود الالاف من الموظفين المعينين في الدوائر التي تقدم هذه الخدمة، مثلاً جباية الأموال في الكهرباء او في الكمارك او في غيرها، ولماذا لا يوظف هؤلاء العاملين فيها بهذه المهام وهم يشغلون عناوين وظيفية بعنوان (جباية الأموال)؟
ومن الأمثلة التي نراها يوميا خدمات التنظيف التي تمنح الى شركات خاصة بمليارات الدنانير بينما دوائر البلدية لديها كم هائل من العاملين بعنوان موظف حرفي او موظف خدمات نظافة او أي عنوان آخر، او صيانة الطرق، تجد لدى دوائر البلدية المعدات والعدد الهائل من الموظفين بعناوين الصيانة والادارة الفنية، ومع ذلك تمنح تلك المهام الى شركات القطاع الخاص، بل حتى خدمة تنظيف الدوائر، التي فيها عناوين وظيفية (موظف خدمات)، تمنح الى شركات خاصة وتتقاضى أموال طائلة، بينما العمال الذين تستخدمهم تلك الشركات يتقاضون رواتب شهرية لا تتجاوز مائتي الف دينار في بعض الأحيان.
هذه أسئلة توضح لنا المنفذ الواسع الذي تغسل فيه أموال الفساد، واضفاء المشروعية عليها، بعنوان وهمي أصله سرقة المال العام، والغريب في الامر ونحن في خضم الدعاية الانتخابية لم نسمع أي مرشح يشير اليها من قريب او بعيد، كما ان الأجهزة الرقابية وأجهزة المحاسبة والمساءلة لم تلتفت اليها بل انها هي من تعمل بذات النهج.