الانتخابات العراقية: فقدان المضمون الديمقراطي

محمد عبد الجبار الشبوط

2025-10-29 03:54

فقدت الانتخابات العراقية مضمونها الديمقراطي إلى حدٍّ كبير، وذلك لأسباب متشابكة تتعلق بالبنية السياسية، والوعي الاجتماعي، وطبيعة النظام الانتخابي نفسه. يمكن تفصيل ذلك في النقاط الآتية:

1. تحوّل الانتخابات إلى آلية لتكريس السلطة لا لتداولها

من المفترض أن تكون الانتخابات أداة لتجديد السلطة على أساس الإرادة الحرة للناخبين، لكنها في العراق تحولت إلى وسيلة لإعادة إنتاج القوى نفسها التي تهيمن على النظام السياسي منذ 2003، من خلال النفوذ المالي، والسلاح، والولاءات الطائفية والعشائرية، ما أفقدها جوهرها الديمقراطي القائم على المنافسة الحرة والمساواة في الفرص.

2. ضعف الإرادة الشعبية وفقدان الثقة العامة

الناخب العراقي لم يعد يرى في الانتخابات وسيلة فعالة للتغيير، إذ أثبتت التجارب أن النتائج لا تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية، وأن “المحاصصة” تتجاوز صناديق الاقتراع لتفرض توازنات ما قبل الانتخاب وما بعده. لذلك، تتراجع نسب المشاركة تدريجيًا، وتُختزل العملية الديمقراطية في شكلها الإجرائي فقط.

3. المال السياسي والسلاح المنفلت

يتحكم المال السياسي والإعلام الحزبي والميليشيات المسلحة في مسار الحملات الانتخابية ونتائجها، مما يجعل مبدأ “الاختيار الحر” مجرد شعار. ويشعر الناخب أن الصوت لا يُحتسب، وأن السلطة تظل حكرًا على القوى المتنفذة التي تملك أدوات الضغط والتزوير.

4. خلل النظام الانتخابي نفسه

القوانين الانتخابية المتغيرة وغير المستقرة صُممت غالبًا لخدمة مصالح الكتل الكبرى، وليس لتحقيق تمثيل عادل. كما أن غياب المفوضية المستقلة الحقيقية واستبدالها بمؤسسة خاضعة للمحاصصة يجعل العملية فاقدة للنزاهة والثقة.

5. انعدام البيئة الديمقراطية الحاضنة

لا يمكن لانتخابات أن تكون ديمقراطية في بيئة يغيب فيها القانون، وتُقمع فيها حرية التعبير، وتُستخدم فيها مؤسسات الدولة كأدوات حزبية. فالديمقراطية لا تُختزل في صندوق الاقتراع، بل هي منظومة قيم وسلوك ومؤسسات، وهذه المنظومة لم تُبنَ بعد في العراق.

النتيجة:

نعم، الانتخابات العراقية فقدت مضمونها الديمقراطي لأنها لم تعد وسيلة لاختيار الأصلح، بل أصبحت واجهة شكلية لتثبيت النظام القائم. ومع استمرار غياب الدولة الحضارية الحديثة، ستظل الانتخابات مجرّد طقس سياسي يُعيد إنتاج التخلف والاستبداد في ثوب ديمقراطي زائف.

ذات صلة

مركز الفرات ناقش.. التداعيات الاقتصادية للتهديد بتوسيع العقوبات على العراقالخمس في زمن الغيبة.. تحليل لبعض الروايات الشريفة ومقاصدهاتصحيح العمل البرلماني الجديدهوس الشباب: الوقوف على حافة الضياعشركة تأمين نيوزيلندية حافظت على تدفق النفط المحظور من إيران وروسيا