نفط الإقليم وقوته
عبد الامير المجر
2025-10-08 02:19
بعد جدل طويل استمر لنحو عقدين، اصبح نفط اقليم كردستان يصدر من خلال المركز، لم يقرأ كثيرون خلفية هذا الامر ولم يضعوه في سياق العلاقة الملتبسة بين الحكومة المركزية واقليم كردستان، والحكاية باختصار هي إن عراق ما بعد 2003 كان مخططا له ان يكون ثلاثة اقاليم، تنتهي إلى ثلاث دول، وهذه حقيقة وليست تصورات من نسج الخيال، لان من يقرأ دستور 2005 سيتوقف عند مسائل رئيسية تتصل بوحدة البلاد، وهي مسألة صلاحيات الاقاليم المفترض اقامتها بالإضافة إلى اقليم كردستان الذي عدّ أمرا واقعا، فصلاحيات الاقاليم في الشق الاقتصادي منها، وفقا للدستور تقول؛ ان الثروات المستخرجة قبل العام 2003 تكون ادارتها ضمن صلاحيات الحكومة المركزية، بينما الثروات المستخرجة بعد هذا العام، تكون ادارتها من صلاحيات حكومات الاقاليم، وان قوانين الثروات (النفط والغاز والكبريت ..الخ) التي تكتب من قبل الاقاليم ترسل إلى بغداد للمصادقة عليها، وفي حال مرور شهرين ولم تحصل المصادقة تكون نافذة!.
بمعنى أن الإقليم يقوم بتصدير النفط وغيره من دون الرجوع لبغداد، ولك ان تتخيل لو ان العراق بات ثلاثة اقاليم وكل اقليم يصدر وفقا لمصالحه، فأي حكومة مركزية يمكنها التعامل مع العالم وبوصفها ماذا؟ والحقيقة المخفية، هي ان هذا يؤدي بالنتيجة الحتمية إلى تقسيم ناعم وتصبح وحدة العراق في خبر كان، وهو الهدف الرئيس الذي توخته ادارة المحافظون الجدد بعد احتلال العراق، وادخلت البلاد في فوضى دموية كمقدمة لتحقيق ذلك، ومن ثم تعميم نموذج الخراب هذا إلى المنطقة، بغية قيام (شرق أوسط جديد).
لم يتحقق هذا وجيء بالمشروع البديل المتمثل بإبقاء دول المنطقة موحدة، وان الشرق الاوسط الجديد سيكون على مستوى التوزيع الجيوسياسي وتقاسم النفوذ بين الكبار، وهو ما تسير عليه منطقتنا اليوم. وهكذا علق نفط اقليم كردستان وسط هذه المعادلة المركبة التي جعلت العلاقة بين بغداد واربيل غير مستقرة طيلة الفترة الماضية، فأربيل ترى ان من حقها ان تنتج النفط وتبيعه وفقا لما تراه في مصلحتها، وبغداد ترى ان الامر يجعل العراق غير قادر على التعامل مع العالم، لأنه مرتبط بحصة معينة تقررها منظمة أوبك ويلتزم بها العراق لضبط اسعار النفط عالميا.
في لقاء متلفز مع وزير النفط في حينه، حسين الشهرستاني قال؛ ان من المستحيل تصدير النفط العراقي وسط هذه الفوضى، اذا ما حصلت، وهذه حقيقة اربك السعي لتحقيقها من قبل اربيل العلاقة مع بغداد، قبل ان تحصل تطورات اقليمية استراتيجية، ابرزها التغيير في سوريا الذي انهى حلم وحدة الكرد العراقيين مع كرد سوريا، الذين اقاموا استفتاء لتقرير المصير بالتزامن من استفتاء كرد العراق في العام 2017 ليكون مفتاح الاندماج المقبل بين المنطقتين.
لقد ترتبت على العلاقة المضطربة بين بغداد واربيل استحقاقات اقتصادية قاسية دفع ثمنها المواطن الكردي البسيط الذي صار لم يتحصل على مرتبه الشهري بشكل مستمر، وادى ذلك إلى هجرة الكثيرين من شباب الكرد للخارج، وصعوبة الحياة في الداخل.
ومع التطورات الاخيرة في المنطقة ايقن القادة الكرد ان الجري وراء حلم الاستقلال الاقتصادي الذي يفضي بالضرورة إلى استقلال سياسي كامل، هو محض سراب، وإن اضعاف بغداد يعني اضعاف اربيل ايضا وان الحل يكمن في تفاهم حقيقي ينطلق من رؤية واقعية للأمور، ليترجم هذا باتفاق وصف بالتاريخي، وانا ايضا اراه تاريخيا، لان الاقليم سيتخفف من مسؤولية انتاج وبيع النفط وسيلقي بالمسؤولية على بغداد، وسيتسلم حصته من الموازنة السنوية كاملة، ما يسهل عليه ادارة الاقليم في اطار الدولة الواحدة، بدلا من الدولة المتخيلة التي دفع الكرد في الجري وراءها الكثير الكثير قبل ان يكتشفوا ان وعود من كانوا يرونهم حلفاء لهم، هي محض أوهام.