العراق حر في أمواله اين يضعها
أنهى الرئيس الأمريكي في مايس 2014 حماية أموال العراق
د. احمد ابريهي علي
2025-12-30 05:27
اتخذ الرئيس بوش الأبن الأمر التنفيذي رقم 13303 في 22 مايس 2003 لحماية أموال الصندوق العراقي للتنمية، وهي تسمية لمجموعة الحسابات المفتوحة بإسم البنك المركزي العراقي لإستلام موارد النفط والتصرف بها، بما في ذلك تسديد تعويضات الكويت.
ولقد انهى قرار لمجلس الأمن الصندوق العراقي للتنمية عام 2011، ولم يعد له وجود، وسُدّدت تعويضات الكويت وأغلق صندوقها. وكذلك أنهى الرئيس باراك أوباما العمل بالأمر التنفيذي لحماية اموال العراق في 17 مايس عام 2014، ولا يوجد في الواقع منذ ذلك الحين امر تنفيذي لحماية اموال العراق. وهذه المسألة قد بينتها في مقالات سابقة في موقع الحوار وغيره وسأضطر، هذه المرة، لعرض قرار الرئيس اوباما بإنهاء الحماية، عسى ان يُسدل الستار عن هذا الأمر.
العراق يتعامل مع الإحتياطي الفدرالي مثل أية دولة اخرى، وقد باشر البنك المركزي العراقي تنويع العملات والدول منذ عام 2008. ولم تعترض الولايات المتحدة في حينها، وليس لها ذلك تبعاً للقواعد المحترمة في العلاقات المالية الدولية.
وما يصل إليكم من أخبار حول وقائع العلاقة بين العراق والاحتياطي الفدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية، تأتي هذه من عقوبات تفرضها الولايات المتحدة على جهات معينة بان تمنع مؤسساتها، مثل الإحتياطي الفدرالي والمصارف والشركات الأمريكية، من التعامل معها. وسّعتها لكي تشمل الأطراف المتعاملة مع الجهات المُعاقبة، ولذلك تراقب تعامل العراق مع إيران، وتعترض على تعامل الصين معها، واحياناً تغض النظر، وكانت كذلك إلى مدة قريبة، وقد تعرضت روسيا إلى عقوبات من الولايات المتحدة واوربا، وترصد الصفقات معها ايضاً من هذا الجانب، وغيرها. وحتى لو إستخدم العراق أرصدته في دول اخرى فهي تراقب ايضا تعاملات العراق مع الجهات المعاقبة، وتعترض وربما يصل الأمر إلى فرض عقوبات.
ولا يوجد ما يُلزم العراق على وضع أمواله في الإحتياطي الفدرالي وقد بيّنت هذا تفصيلاً من قبلْ، وارجو من الذوات المهتمين لهذه الشؤون أن يتأكدوا جيدا من مصادر معلوماتهم، لأن العلاقات المالية الدولية ليست من الخبرات واسعة الإنتشار، وتحكمها قوانين وتقاليد راسخة، ومن تفضل من القراء بمتابعة كتاباتي السابقة عن هذا الموضوع سيجد ما يكفي من التوثيق للقرارات وصلتها بالعلاقة المالية بين العراق وأمريكا.
لقد توهم البعض بوجود قرارات تحت الفصل السابع ترغم العراق على وضع أمواله في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه بيّنا خطأها، وقد تألمت كثيراً لعدم متابعة اهل القانون للقرارات التي صدرت ضد العراق، وكيف إنتهت بتحقق شروطها، أو بقرارات من مجلس الأمن، أو لم يعد لها موضوع بتصريح أو قرار منه. ثم كيف يتصور مختص في القانون أن يُصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يضع فيه اموال العراق تحت وصاية أية دولة.
العراق مع الولايات المتحدة، قدر تعلق الأمر بالأموال، مثل أية دولة اخرى ولكن لا أستبعد حاجة بعض الشخصيات والجهات السياسية وغيرها إلى نفوذ أمريكي في العراق، ويُوظّف تخويف العراقيين على اموالهم لهذا الغرض، مثل إحتمال عودة داعش.
كان التهديد لأموال العراق يأتي من الدائنين، ومن أمريكان صدرت لهم أحكام قضائية بإستحقاق تعويضات من العراق عما تعرضوا له قبل عام 2003. واخيراً سدد العراق تلك التعويضات عندما هدد الكونغرس بنقض الأمر التنفيذي للرئيس وبلغت 460 مليون دولار او نحو ذلك. اما من جهة الدائنين، فلا يأتي التهديد من الحكومات، بسبب العرف الراسخ منذ الحرب العالمية الثانية، فلم يسبق لحكومة أن إحتجزت قضائياً اموال حكومة أخرى لسداد ديونها.
بقي الدائنون من القطاع الخاص، إذ قد يحصل بعضهم القليل على حكم قضائي بإستيفاء الدين من أموال للحكومة. لكن في الغالب الأعم هذه ليست سهلة للدائن لأن اموال البنوك المركزية سيادية ومشمولة بقوانين حماية الأموال السيادية في اوربا والولايات المتحدة، لكن قد تحصل تواطؤات فيصل بعض الدائنين إلى الأموال في بعض الدول.
المهم العراق قد أجرى تسوية مع الدائنين من القطاع الخاص الذين إرتضوا قواعد نادي باريس بالتنازل عن 80% من الدين والباقي سندات. ولم يتخلف من دائني القطاع الخاص عن التسوية سوى عدد منهم مجموع ديونهم تقديراً لا تزيد في كل الأحوال عن 1.5 مليار دولار. وهو مبلغ زهيد لا يوجد مجتمع إعتيادي يقبل بإرتهان أمواله وعلاقاته الإقتصادية الدولية على هذا المبلغ مقارنة بالحجم الإقتصادي للعراق وصادراته النفطية. والمتوقع من نخبة العراق عدم الإهتمام بهذه الجزئية الصغيرة، واغلب حكومات العالم لديها أكبر من هذه بكثير ولم ينشغل الرأي العام بها.
حضرات القراء الكرام ارجو ان تتأملوا مبررات الرئيس الأمريكي لرفع الحماية، لأنها لم تعد مطلوبة، العراق صار إلى وضع إعتيادي.