الرؤية التفسيرية المعاصرة بين الشيخ الشعراوي والإمام الشيرازي

د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي

2025-12-30 05:31

يُعدُّ المنهج التفسيري من الموضوعات التي شكَّلت محور اهتمام من قِبَل مفسّري مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومدرسة الصحابة من حيث موضوع التفسير الروائي والروايات التفسيريّة؛ وكذلك إسقاط المفاهيم العامَّة التي جاء بها القرآن الكريم على الواقع المعاش وفقاً لنظرية الجري والانطباق، وهذا يكشف علِّيَّة خلود كتاب الله العزيز وإمكانية تطبيقه على واقع المجتمعات في أزمنة مختلفة.

 ولهذا من جاء ليسبر غور هذا البحر الزاخر؛ راح يُوظف كل إمكاناته وما استلهمه وتعلمه وعَلِمه في خدمة بيان معانيه؛ ليكشف بعض أسراره وخباياه، فكان لكل مُفسِّر منهج خاصٌّ به يعتمده في بيان المعاني التي يراها تتكشَّف له من آيات الذكر الحكيم؛ لذا فهم لم يتبعوا أسلوباً واحداً في التعاطي معه. فاكتفى بعضهم بذكر الروايات المتعلّقة بالآية المفسَّرة، فيما اعتمد آخرون لفهم النص القرآني على الروايات أكثر من أيِّ شيء آخر، وإن استعانوا بغيرها. 

 وفسّرت طائفة ثالثة الآيات الشريفة بمنهجٍ اجتهاديٍّ جامعٍ إلى حدٍ ما، وكانت الروايات إحدى مصادرهم الأساسيّة، فيما كانت استعانة آخرين بالروايات محدودة، لكنهم درسوا الروايات التفسيرية وناقشوها بعيداً عن التفسير. وممّا امتاز به التفسير الروائيّ عند الشيعة من التفسير الروائيّ عند أهل السنّة، فكانت العناية كبيرة عند الشيعة بروايات أهل البيت (عليهم ‏السلام).

 ومن هنا جاء اختيارنا لمفسرَينِ مُعاصِرينِ، أحدهما يُمثل مدرسة الصحابة وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي، والآخر يُمثل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وهو الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، فقد كانا أكثر واقعية في تفسيرهما واستطاعا أن يوظفا الآيات القرآنية في مواجهة التحديات العصرية، ولكن كان لكلٍ منهما منهج خاص به في تفسير القرآن الكريم -كما سنرى -.

سمات التفسير بين الشعراوي والسيد الشيرازي

 1-التفسير بالرأي:

 من أبرز سمات تفسير الشيخ الشعراوي؛ إنَّه لا يرى بأساً بالتفسير بالرأي، فعنده التفسير ما هو إلَّا خواطر روحانية يفيضها الخالق عزَّ وجل على عبده؛ إذ يرى أن التفسير الحقيقي هو ما يفيض به القلب، ويقدم "خواطره" كفيض إلهامي، معتمداً على الاستدلال العقلي واللغوي، لذلك أطلق على تفسيره بــ(الخواطر).

 في حين يركز السيد الشيرازي على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث يمزج بين التفسير الروائي (الأثري) والاجتهادي العقلي إذا تعذَّر الحصول على رواية خاصَّة في بيان المعنى عن الرسول الأعظم وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ويُعرف بمنهجه الشامل الذي يربط النص القرآني بـواقع الحياة، إلى جانب ذلك فهو لا يرتضي التفسير بالرأي إذا وُجد نص في ذلك.

2- المنهج اللغوي:

 يهتم الشيخ الشعراوي بالجانب اللغوي في تفسيره ليُثبت أن خواطره تنسجم والمعنى الذي تُريده اللغة العربية؛ فعنده التركيز على الجانب اللغوي والبلاغي تركيزاً كبيرا، ويولي اهتماماً كبيراً لجماليات اللغة العربية، والمعاني الدقيقة للكلمات، وأسرار البلاغة، فهي مفاتيح المعاني وبيان الدلالات عنده.

 في حين يذهب السيد الشيرازي إلى الاستعانة باللغة على سبيل الوسيلة لا الغاية فلا نجد ذلك التركيز في تفسيره إلَّا استعانات لتثبيت المعنى الذي يُريد الوصول إليه، إذ يتناول الآيات الكريمة ويستخرج منها الدروس والعبر، ويربطها بالواقع، ويشرح كيف يمكن تطبيقها في بناء المجتمع الإنساني، وإذا احتاج لذلك بياناً لغويَّاً ذكرها وإلَّا فلا.

3- التفسير الموضوعي:

 يبتعد الشيخ الشعراوي -نوعاً ما- عن التفسير الموضوعي المعروف بربط الآيات بآيات أخرى تُشيرُ معها إلى موضوعٍ معيَّنٍ؛ حيث يهتم بتطبيق الآية على الواقع ليكشف الاتساق القرآني وإمكانيَّة استنباط المفاهيم العصرية منها. 

 ولكنَّ السيد الشيرازي لا يكاد يخلو تفسيره في جميع آياته من الموضوعيَّة، فهو يربط الآيات بعضها ببعض إذا فسَّر آية في موضوع معيَّن، مثلا: يركز على الجوانب التربوية والأخلاقية، والاجتماعية، والفكرية، والتجديدية، مع التأكيد على فهم القرآن من مصادره الأصيلة (العترة الطاهرة) وتطبيقه لحل مشكلات العصر، وهو منهج يتسم بالوضوح والشمولية وخدمة الإنسان، وهنا: يأتي بالآيات الأخرى من السور الأخرى لينسج بوساطتها الموضوع الخاص بهذه المفاهيم، ويتبنى أحياناً أسلوب التفسير الموضوعي لاستنباط مفاهيم كلية من القرآن حول موضوع معين، إلى جانب التفسير الترتيبي للسور والآيات. وهذا ما لا نجده في تفسير الشعراوي.

4- الاستدلال العقلي:

 يستعمل الشيخ الشعراوي الاستدلال العقلي في تفسيره لآيات العقيدة؛ فهو يخاطب العقل ليقوده إلى التسليم لله بوحدانيته، مستخدماً الدليل القرآني لبيان الحق، ونستشعر من ذلك مخاطبته الأفكار الماديَّة بالأدلَّة التي تنسجم مع العقل المادِّي، ويبدو من ذلك أنَّه في صراع مع المادية الفكرية إبَّان عصره.

 أمَّا السيد الشيرازي لا يستعمل الدليل العقلي فقط في بيان آيات العقيدة؛ وإنَّما يُشير إلى المنهج الروائي واللغوي ولم يعتمد على بيان الماديَّة اعتماداً يستدعي النظر والتأمل، وهذا يكشف أن العقيدة عنده لا تحتاج إلى دليل لإثباتها؛ إذ هي من المسلَّمات الفطرية، ولا ينكر ذلك إلَّا مَن تلوَّثت فطرته.

5- موضوع البسملة:

 يذهب الشيخ الشعراوي في ركاب المفسرين السابقين؛ فعنده البسملة لا تُعد من السور القرآنية سوى في الفاتحة، وهذا ما درج عليه التفسير منذ عصر النزول وإلى يومنا هذا.

 ولكنّ السيد الشيرازي ينحى منحى آخر يكاد يكون فريداً من نوعه، فهو يعد البسملة جزءاً من كل سورة ويضع لها ترقيماً خاصَّاً، فكل سورة تبدأ بآيتها الأولى البسملة، وهذه الفكرة هي فكرة روائية طبَّقها السيد الشيرازي في تفسيره (تقريب القرآن للأذهان) إذ إنَّ البسملة آية من كل سورة، وهذا ما تفتقر إليه جميع التفاسير.

مديات التوافق بين التفسيرين

 يتوافق التفسيران في أساليب معيَّنة نجدها قريبة فيما بينهما، من ذلك الأسلوب التجزيئي لتفسير القرآن الكريم، فكلاهما يبدأ بالفاتحة وينتهي بسورة الناس، مع اختلافات في السمات -كما ذكرنا-.

 وكذلك أنَّهما يتجهان اتجاه الحداثوية في التفسير، وإنّ التفسير القرآني يجب أن يواكب العصر ولا يمكن أن يكون تفسيراً رجعيَّاً نزوليَّاً يُؤكد على العصر النزولي، فالقرآن الكريم عندهما متجدد ومعانيه متجددة ويمكن تطبيقها في كل زمان على أي مجتمع وفي أي عصر، وهذا ما لا نجده في التفاسير الأخرى.

 بالإضافة إلى الربط بين الموروث والمعاصر، يدمج كل منهما بين التراث التفسيري وبين متطلبات العصر الحديث، مما يجعله مفسراً مواكباً لروح العصر.

الاستنتاجات

 تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي وتفسير السيد محمد الحسيني الشيرازي هما من أهم تفاسير القرآن الكريم في العصر الحديث. ونستنتج من منهجيهما:

1-منهج التفسير: الشعراوي: يعتمد على الأسلوب البسيط والسهل، ويهتم بتفسير الآيات القرآنية بطريقة تجعلها مفهومة للعامة، ويركز على الجانب التربوي والإصلاحي، أمَّا السيد الشيرازي: يتبع منهجًا أكثر عمقًا وتفصيلًا، ويهتم بالجانب العقائدي والفقهي مع الاهتمام بربط الآيات القرآنية في مصاديقها الخارجية المعاصرة.

2- الهدف: الشيخ الشعراوي يهدف إلى تثقيف الناس وتوعيتهم بدينهم، وتبسيط فهم القرآن الكريم، أمَّا السيد الشيرازي: يهدف إلى تقديم تفسير شامل للقرآن الكريم، مع التركيز على الجوانب العقائدية والفقهية إلى جانب تبسيط المفهوم القرآني وبيان مصاديقه العصرية لجذب المجتمع بطريقة قرآنية سلسة.

3-الأسلوب: الشيخ الشعراوي ينماز أسلوبه بالسهولة والبساطة المبالغ فيها، ويستخدم الأمثلة والقصص لتقريب المعاني، لأنّ أصل تفسيره محاضرات دينية في مدارس ومساجد مختلفة، في حين أن السيد الشيرازي ينماز أسلوبه بعمقيَّة وأكثر توسيع، ويعتمد على المصادر الفقهية والعقائدية واللغوية في بيان المعاني القرآنية.

4- أصل تفسير الشعراوي محاضرات ولم يعمد إلى تفسير القرآن الكريم بما هو تفسير، أمَّا السيد الشيرازي شرع للتفسير وهيئ له إمكاناته وكتبه تفسيراً للقرآن الكريم أسماه (تقريب القرآن للأذهان).

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

http://shrsc.com

ذات صلة

الإمام الجواد (ع).. معجزة السماء وقدوة الشبابالعراق حر في أمواله اين يضعهاالمتفرج السياسي: حين يصبح الفرد جزءا من مشهد لم يكتبهنحو تفعيل رأس المال الاجتماعي في العراقمرشّح التسوية: حين يتحوّل العجز السياسي إلى آلية حكم