التثقيف الانتخابي المفقود
عبد الامير المجر
2025-09-27 04:50
التقيت قبل مدة احدى قريباتي القادمة من الجنوب، وبعد السلام والحديث الذي توزع يمينا وشمالا، تذكرت أن هناك جيرانا لهم كان نائبا في البرلمان، وسألتها عنه واين هو الآن، فردت عليّ بالقول وبعفوية المرأة البسيطة؛ (ما سوى شي للناس ومحّد انتخبه).
لم تكن هذه المرأة وحدها من تفكر بهذه الطريقة، أي انها لا تعرف واجبات النائب وانما هناك الملايين من الناس البسطاء، بل وحتى بعض المتعلمين، يرون أن النائب في البرلمان هو المسؤول عن الخدمات وتعيين أبناء المنطقة في دوائر الدولة وغيرها من المهام التي هي من واجبات السلطة التنفيذية ووفقا لما تراه في الصالح العام.
من صلب هذه الثقافة التي أراها أحد اسباب تشوه العمل السياسي في العراق، انتشرت مكاتب النواب (لشؤون المواطنين)، والتي يرونها أحد اهم الابواب لتجديد انتخابهم بعد ان يغرقوا الناس بالوعود، وربما من خلال علاقات بعضهم الشخصية، يقضون حاجة هذا المواطن أو ذلك ليشيعوا بين الناس أنهم في خدمة المواطنين بشكل مباشر، وهذا خلاف واجباتهم الاساسية التي هي تشريع القوانين وخدمة الشعب من خلال بناء مؤسسة سياسية رصينة تقوم على قواعد قانونية متينة، أو هذا ما يجب أن يكون.
للأسف الشديد، لم تقم الدولة من خلال مؤسساتها المعنية بحملات تثقيفية للمواطنين، تنبههم خلالها على ضرورة أن يكونوا حذرين من الذين يريدون استغفالهم والصعود على اكتافهم، اذ لا بد من تنظيم ندوات جماهيرية واسعة تسبق الانتخابات بأشهر، وترافقها حملة اعلامية من قبل اعلام الدولة تحديدا، لأن الاعلام (المستقل) لم يعد في اغلبه مستقلا ويروج كل حزب من خلاله لمرشحيه، ما يجعل المسؤولية الاخلاقية والوطنية مضاعفة على اعلام الدولة في نشر الوعي الانتخابي بين الناس، لا سيما البسطاء، وان يكون خلاصة ما يقوله، ان مجلس النواب هو جهة تشريعية وان أي نائب غير مسؤول عن تعيين هذا المواطن أو ذلك، الّا اذا كان هذا عن طريق علاقاته الخاصة، وهذه وسائل غير صحيحة وغير ناجعة، لان أي نائب مهما اتسعت دائرة علاقاته لا يستطيع أن يلبي جميع طلبات الناس في منطقته، وان عمله اساسا ليس هذا وعلى المواطن ان يعرف هذه الحقيقة.
أن يقوم المرشح بـ”تبليط” شارع صغير في منطقته، فهذا احتيال، لان “تبليط” الشارع وإدامته من مهام البلديات، وان يتدخل هذا النائب الذي يريد تجديد انتخابه، ويمنع عمل البلدية أو الجهات المعنية عند قيامها بإجراءات تراها مناسبة، لكي يكسب أصوات من يستفيدون من ايقاف اجراءات البلدية، فهذا يعد تحديا للدولة، وان هذه الامور حصلت ورأيناها بأعيننا في بعض المناطق الشعبية، وأن يتعهد مرشح ما بعمل أمور هي ليست من صميم واجباته، فإنه يستغفل الناس ويمارس عملا لا يختلف عن اعمال النصب. لذا بات من الضروري ان تستبق الدولة هذه الألاعيب التي بدأت مبكرا بحملة توعوية، بوسائل الاعلام أو من خلال الندوات المباشرة لتبصير الناس بحقوقهم وواجباتهم ايضا!.