مبادرة المطوّر العقاري: رسالة انتخابية لا تُصاحبها ضمانات تنفيذية
مصطفى ملا هذال
2025-09-24 07:31
على عكس الفرحة التي غمرت الملاكات التربوية في كربلاء، ملايين من المراقبين اصابتهم خيبة امل جراء الوعود التي اطلقها الحكومية المركزية بشمول شريحة التربويين بمبادرة القطع السكنية، عبر بوابة "المطور العقاري"، فالشيء المُخيب للآمال هنا ان هذه الحكومة لا تختلف مع غيرها في إيهام جمهورها وتعزف على وتر الحاجة.
آلاف التربويين يحلمون بقطعة سكنية جراء ما قدموه من خدمة جليلة في تربية الأجيال الناشئة، بينما هنالك الكثير من الشرائح لا تؤدي أي خدمة اجتماعية او لنقل ان علمها لم يترك أثر على حياة الفرد وسلوكياته في المستقبل، وفي المقابل فأنها حظيت باهتمام الحكومة ووزعت عليها أراض سكنية.
وقد يكون التوزيع هو للخلاص من شر او تأثير هذه الشريحة، كشريحة الصحفيين على سبيل المثال.
بينما الشرائح الأخرى ومن بينهم الشريحة المذكورة (التربويين)، فهي قد عانت الإهمال الحكومي ولم تلتفت أي من الحكومات السابقة الى هذه المظلومية، سوى مبادرات محدودة لا تشكل شيئا على مسطرة القياسات.
وسط هذه الحالة من اليأس التربوي، جاءت مبادرات وتصريحات حكومية، تقول ان الخير قادم، وان التربويين سينعمون بخيرات هذا البلد، أكد ذلك العواجل التي تناقلتها وسائل الإعلام التي زفت البشرى السارة للمعلمين والمدرسين، بعد ان افرزت 14 ألف قطعة سكنية، وتعتزم توفير 60 ألف أخرى لشرائح مختلفة.
هذه المبادرات تُعرض على انها استجابة لحاجات محلية ملموسة في المحافظات، اهمها إسكان، بنى تحتية، مشاريع طاقة ومياه، ومبادرات بيئية، لكن الأكثر حظا من بين هذه المبادرات هي مبادرة حملت اسم "لمطوّر العقاري" الموجهة لتوفير أراض للتربويين في محافظة كربلاء.
هذا الإعلان رغم أهميته الظاهرية، لكنه اثار نقاشات شعبية وسياسية تتمحور حول توقيته وأهدافه وشفافية تنفيذه، لا سيما مع اقتراب نهاية عمر الحكومة الحالية، والبدء بمرحلة تسيير الاعمال، والدخول بمعترك العملية الانتخابية.
هذا الاطلاق يذكرنا بمبادرة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي وزع ارقام وسندات لشريحة ذوي الشهداء وضحايا الإرهاب، قبل سنوات من هذه اللحظة، والشيء المضحك ان المشمولين بها في وقتها، علقوا عند السماع بهذه المبادرة، بأنها النسخة الثانية من مسلسل الضحك على الشعوب.
هذا المسلسل ربما لم تنته حلقاته مع وجود انتخابات برلمانية، يتنافس فيها آلاف المرشحين مع تصاعد وتيرة المنافسة وصعوبة الاقناع الشعبي من قبل السياسيين.
ومع الإعلان الرسمي عن هذه المبادرة، عبر كثيرون عن شعور خيبة الامل التي اصابتهم ذلك لجملة من الأسباب، منها الشكوك التي تحوم حول مصداقيتها في التنفيذ بعد اجراء الانتخابات، وكذلك من هذه الأسباب الخبرات السابقة المتكونة لدى الجماهير الشعبية، بأساليب الحكومات المتعاقبة وعملية المراوغة التي تتبعها من المواطنين.
لا تأتي مبادرة المطور العقاري بمعزل عن نشاط حكومي أوسع، في الفترة نفسها طرحت الحكومة مبادرات ومشروعات في مجالات الطاقة والمياه وحماية الأنهار والبنى التحتية الوطنية، منها مبادرات إقليمية لحماية نهري دجلة والفرات ومشروعات طاقة كبيرة تهدف إلى تحسين الإمداد الكهربائي والاعتماد على الغاز المحلي.
هذا التنوع في المبادرات يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق والتخطيط المؤسساتي، فهل توجد خارطة طريق متكاملة تربط هذه المبادرات بعضها ببعض؟ أم أنها مبادرات متفرقة تستهدف خلق انطباع استثماري وسياسي سريع؟
ولا تزال الشكوك تدور حول هذه المبادرة التي اطلقتها الحكومة، ومن دواعي هذه الشكوك، هي عدم نشر خطة زمنية واضحة ومفصلة للتنفيذ تتضمن مراحل محددة ومؤشرات أداء قابلة للقياس وإشراف جهات رقابية مستقلة، اضف الى ذلك عدم فتح قواعد بيانات علنية لبيانات المستفيدين ومعايير الاستحقاق وإجراءات الطعون لتفادي المحسوبية.
وأخيرا لم يتم فصل جهود التنمية الحقيقية عن الحملات الانتخابية، عبر وضع قواعد سلوكية واضحة للحكومة والأحزاب تمنع تحويل المساعدات العامة إلى أدوات دعاية.
مبادرة المطور العقاري وتلك المماثلة في المحافظات تحمل قيمة حقيقية إذا نُفذت بشفافية ومهنية؛ فهي قد تساهم بتحسين مستوى السكن للقطاعات الضرورية كالتربويين وتخفيف ضغط السكن في المدن، لكنها - كما تظهر ردود الفعل - تفقد جزءا كبيرا من جدواها إذا صارت مجرد رسالة انتخابية لا تُصاحبها ضمانات تنفيذية ومؤسساتية.