تركيا بين التصعيد والضغط الدبلوماسي

قراءة في تصريح أحمد شرع حول احتمالية العملية العسكرية

مهيمن الأغا

2025-09-21 03:17

جاء تصريح أحمد شرع الذي حذّر فيه قائلاً: "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية حتى نهاية العام، فمن المحتمل أن تنفذ تركيا عملية عسكرية ضدهم"، ليضع الملف السوري من جديد في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي. هذا التصريح لا يعكس مجرد موقف سياسي عابر، بل يسلط الضوء على التوترات المستمرة في شمال سوريا، حيث تتقاطع مصالح تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع أجندات الولايات المتحدة وروسيا.

أبعاد التصريح وسياقه

منذ بداية الأزمة السورية، تعاملت أنقرة مع أي وجود كُردي مسلح قرب حدودها الجنوبية باعتباره تهديداً لأمنها القومي. وقد تجسّد ذلك في أربع عمليات عسكرية كبرى شنتها تركيا داخل الأراضي السورية خلال الأعوام الماضية، أبرزها عمليتا غصن الزيتون ونبع السلام.

اليوم، ومع اقتراب نهاية العام، تعود لغة التهديد من جديد، وهو ما يعكس عدة معطيات مهمة:

حسابات داخلية تركية: أنقرة تواجه أزمات اقتصادية وضغوطاً سياسية، تجعل من الخطاب الأمني والعسكري وسيلة لتعزيز الموقف الداخلي.

المعادلة الدولية: واشنطن تدعم قسد بدرجات متفاوتة، فيما تسعى موسكو لضمها أكثر إلى دمشق، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد.

الظرف الميداني: مناطق سيطرة قسد تضم حقول نفط ومواقع استراتيجية، ما يجعلها محوراً رئيسياً في أي تفاوض أو مواجهة محتملة.

دلالات التوقيت

ربط التهديد بشهر ديسمبر يحمل رسالة سياسية واضحة. فهو من جهة يفتح باب التفاوض أمام قسد وحلفائها، ومن جهة أخرى يضع سقفاً زمنياً يجعل أنقرة في موقع الطرف المبادر. كما أن توقيت التهديد يتوافق مع الاعتبارات الميدانية، حيث تكون العمليات العسكرية قبل الشتاء أكثر مرونة من الناحية اللوجستية.

بين التهديد والتنفيذ

التجارب السابقة تشير إلى أن التهديدات التركية كثيراً ما تُترجم إلى أفعال على الأرض. غير أن الظروف الحالية قد تجعل من الخيار العسكري الواسع أكثر تعقيداً للأسباب الآتية:

الحضور الأميركي والروسي المباشر في مناطق نفوذ قسد، وهو ما قد يقيد حركة أنقرة.

التكلفة الإنسانية والسياسية لأي عملية واسعة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التركية الراهنة.

مخاطر أمنية إضافية، إذ أن أي تراجع في سيطرة قسد قد يؤدي إلى فراغ تستغله التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها "داعش".

السيناريوهات المحتملة

انطلاقاً من المعطيات الراهنة، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

التوصل إلى تفاهم سياسي بوساطة أميركية أو روسية، يحقق لتركيا بعض الضمانات الأمنية ويجنب المنطقة مواجهة عسكرية.

عملية عسكرية محدودة تستهدف مواقع قريبة من الحدود، بغرض الضغط وتحقيق مكاسب ميدانية رمزية.

عملية واسعة النطاق، وهو خيار أقل ترجيحاً بسبب التعقيدات الدولية، لكنه يبقى احتمالاً قائماً في حال فشل التفاهمات.

خاتمة

تصريح أحمد شرع يكشف أن الملف السوري ما زال مفتوحاً على احتمالات متعددة. فأنقرة تسعى لاستثمار الضغط العسكري كأداة تفاوضية، لكنها في الوقت نفسه تُبقي خيار القوة قائماً على الطاولة. وبالنظر إلى التجارب السابقة، فإن التهديد التركي لا يمكن التعامل معه كمجرد ورقة ضغط، بل كرسالة جدية تعكس توازنات دقيقة بين الأمن القومي التركي والمصالح الدولية المتشابكة في سوريا.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل سيؤدي التصعيد إلى تفاهمات سياسية جديدة، أم أننا مقبلون على جولة عسكرية جديدة تعيد رسم خريطة النفوذ في شمال سوريا؟

ذات صلة

محورية الإنسان في البناء الحضاري عند الإمام الشيرازيهل قيدت او عطلت مدونة الاحكام الشرعية صلاحية محكمة التمييز الاتحادية؟التسويف الدراسي.. فهم الأسباب وسبل التغلب عليه‏إشكالية الديمقراطية في العراق.. التحديات والمرتكزاتاقتصاد السوق الضرورة المغيبة