استغلال الظهور الإعلامي في التمهيد للترشيح الانتخابي

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-09-15 07:35

أصبح الإعلام المعاصر أحد أقوى أدوات التأثير على الرأي العام، خاصة في السياق السياسي والانتخابي، ففي عالم تتسارع فيه الأخبار وتنتشر فيه المعلومات بسرعة، يمكن للظهور الإعلامي أن يتحول إلى منصة لإيصال الرسائل السياسية قبل بدء الحملات الرسمية، استغلال هذه المنابر الإعلامية للتمهيد للترشيح الانتخابي أصبح ممارسة شائعة في العديد من الديمقراطيات، ويثير تساؤلات حول العدالة الانتخابية، والمساواة بين المرشحين، وشفافية العملية الديمقراطية.

وسائل الإعلام التقليدية، مثل التلفزيون والإذاعة، بالإضافة إلى الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، تمنح السياسيين القدرة على الوصول إلى جمهور واسع دون حواجز، من خلال البرامج الحوارية، المقابلات، أو حتى المنشورات على المنصات الرقمية، يمكن للمرشح المحتمل وتقديم نفسه بصورة إيجابية قبل الإعلان الرسمي عن ترشيحه، والتأثير على مواقف الناخبين تجاه قضايا معينة، وبناء صورة ذهنية تدعم حملة انتخابية مستقبلية.

تتنوع الأساليب التي يستخدمها المرشحون للظهور الإعلامي المبكر، ومن أبرزها المقابلات والتحليلات السياسية استغلال البرامج الحوارية لإبراز خبرة المرشح وكفاءته، والمقالات والتصريحات الصحفية نشر أفكار ورؤى حول القضايا الوطنية المهمة لإظهار القرب من هموم المواطنين، ومن خلال المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر محتوى يجذب الانتباه ويزيد من شعبيته بشكل غير مباشر، وفي الفعاليات العامة والمشاركة المجتمعية وحضور المناسبات الرسمية أو الخيرية لتأكيد حضوره وتأثيره الاجتماعي.

وبذلك يمكن أن يمنح الظهور المبكر ميزة غير عادلة للمرشح على حساب الآخرين الذين يلتزمون بالقوانين الانتخابية، وتشكيل الرأي العام قبل الأوان فقد يؤدي التعرض المتكرر لوسائل الإعلام إلى خلق تصور مسبق لدى الجمهور حول جدارة المرشح، حتى قبل فتح باب التصويت، وله اثار في التحديات القانونية والأخلاقية فيستلزم القانون الانتخابي في كثير من الدول وضع ضوابط تمنع الحملات المبتدئة أو الترويج المبكر، لضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين.

تضع العديد من الأنظمة الديمقراطية قيودًا على استغلال الإعلام قبل بدء الحملات الرسمية، ومن أبرزها حظر الإعلان الانتخابي المبكر قبل فترة محددة من الانتخابات، وإلزام وسائل الإعلام بتوفير مساحة متساوية لجميع المرشحين، وفرض رقابة على تمويل الحملات الإعلامية لضمان الشفافية ومنع استغلال الموارد الإعلامية المملوكة للدولة.

ختامًا- إن استغلال الظهور الإعلامي في التمهيد للترشيح الانتخابي يمثل سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يكون وسيلة لتعريف الجمهور بالمرشح ومواقفه، لكنه في الوقت نفسه قد يخل بمبدأ العدالة الانتخابية ويؤثر على نزاهة العملية الديمقراطية، لذلك يظل التوازن بين حرية التعبير وضرورة تكافؤ الفرص الانتخابية أساسًا لأي نظام انتخابي نزيه، وفي نهاية المطاف، يظل وعي الناخب ومراقبة الجهات الرقابية والقانونية أدوات حاسمة لضمان نزاهة الانتخابات.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار تدريسية بجامعة كربلاء

ذات صلة

حماية الحرية الفكرية وإتاحة النقاش للجميعفعالية القيادة بالتكلفة في الأسواقحول نهاية عملية العزم الصلب في العراقبعد الهجوم على قطر: نحو نظريَّة للأمن الإقليمي الشاملالعزلة الصامتة وكراهية الذات